مجلس المطارنة الموارنة يتشدد بالتمديد لقائد الجيش اللبناني

الراعي يستبق انعقاده بالتواصل مع بري وميقاتي

البطريرك الراعي مع الموفد الفرنسي لودريان (الوكالة الوطنية)
البطريرك الراعي مع الموفد الفرنسي لودريان (الوكالة الوطنية)
TT

مجلس المطارنة الموارنة يتشدد بالتمديد لقائد الجيش اللبناني

البطريرك الراعي مع الموفد الفرنسي لودريان (الوكالة الوطنية)
البطريرك الراعي مع الموفد الفرنسي لودريان (الوكالة الوطنية)

يخطئ من يراهن على أن البطريرك الماروني بشارة الراعي بدأ يبدي مرونة حيال ملء الشغور في قيادة الجيش بإحالة العماد جوزف عون إلى التقاعد بتعيين من يخلفه لتولي القيادة في المؤسسة العسكرية، وهذا ما خرج به عدد من زوّاره الذين نقلوا عنه تمسكه بالتمديد لعون، وأنه لا مجال ليعيد النظر بموقفه بخلاف ما أخذ يروّج له البعض.

وكشف عدد من زوّار الراعي في اليومين الأخيرين أنه باقٍ على موقفه المتمسك بالتمديد للعماد عون، وأنه من غير الجائز تعيين قائد جديد للجيش في ظل الشغور الرئاسي، وأن من يعارض التمديد كان أول من تصدى للتعيينات بغياب رئيس الجمهورية، لكنه انقلب على موقفه لدوافع تصفية الحسابات الشخصية معه ولا تنم عن اعتبارات سياسية.

وأكد هؤلاء الزوّار لـ«الشرق الأوسط» أن الراعي لا يزال يصر على انتخاب رئيس للجمهورية لأنه المفتاح الوحيد لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية.

ولفت هؤلاء الزوار نقلاً عن الراعي إلى أنه من غير الجائز تعيين قائد جديد للجيش بغياب رئيس الجمهورية الذي يُفترض أن يكون له الرأي الراجح في اختياره من بين كبار الضباط الموارنة، وقالوا إنه لن يتزحزح عن موقفه في التمديد للعماد عون، وهذا ما يركز عليه للمرة الثانية مجلس المطارنة الموارنة في الاجتماع الشهري يوم الأربعاء المقبل.

ونقلوا عن الراعي تواصله باستمرار مع رئيسي المجلس النيابي نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي نقل إليه تفهمه لموقفه برفضه تعيين قائد جديد للجيش، ورغبته بتأجيل تسريح العماد عون لمدة 6 أشهر بقرار يصدر عن مجلس الوزراء، وبطلب منه، بإحالته على الوزراء من خارج جدول أعماله.

كما نقلوا عن الراعي أن تواصله مع «حزب الله» لم ينقطع، مبدياً ارتياحه للقائه بنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب الذي زاره بتشجيع من الرئيس بري والحزب، كاشفاً أمامهم بأنه أظهر تفهُّماً لموقفه حيال التمديد للعماد عون في ضوء اطلاعه على الدوافع الكامنة وراء تصدّيه لتعيين قائد جديد للجيش.

وأكد الزوار أن الراعي يستبق الاجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة بالاتصال بالرئيسين بري وميقاتي، ونقلوا عنه أن رئيس المجلس يبدي تفهماً لموقفه، وأنه يمهل الآن الحكومة، وفي حال لم تتوصل إلى قرار حاسم فإنه سيُدرج ملء الشغور في قيادة الجيش على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي سيدعو إليها في النصف الأول من الشهر المقبل، خصوصاً أن هناك مجموعة من اقتراحات القوانين كان تقدم بها عدد من الكتل النيابية في هذا الشأن، ويعود للهيئة العامة في البرلمان التصويت على ما تراه مناسباً لملء الشغور.

لكن هؤلاء الزوار توقفوا أمام تريث «حزب الله» في حسم موقفه ليكون في وسع الرئيس ميقاتي أن يبني على الشيء مقتضاه في دعوة مجلس الوزراء لاتخاذ قرار بتأجيل تسريح العماد عون، مع أن الوقت أمام الحكومة بدأ يضيق في حال أن الحزب آثر مجدداً التريُّث، ما يُفسح المجال للبرلمان للتدخل واضعاً يده على ملء الشغور في قيادة الجيش.



معاناة «قارصة» للنازحين في خيامهم... البرد يقتل 3 رضَّع بغزة

رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)
رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

معاناة «قارصة» للنازحين في خيامهم... البرد يقتل 3 رضَّع بغزة

رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)
رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)

توفي 3 أطفال حديثي الولادة، نتيجة اشتداد البرد القارس وانخفاض درجات الحرارة، في آخر 48 ساعة، ممن تقطن عوائلهم في خيام للنازحين بمنطقة مواصي خان يونس جنوبي قطاع غزة، الأمر الذي يكشف عن تفاقم معاناة سكان الخيام في ظل الأجواء الشتوية الباردة مع دخول فصل الشتاء فعلياً منذ أيام الأراضي الفلسطينية.

وقال أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي بخان يونس، خلال تصريحات صحفية، إن هؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و21 يوماً، مؤكداً أنهم توفوا نتيجة البرد الشديد وانعدام الأمن الغذائي بين الأمهات، وعدم القدرة على الوصول إلى مأوى دافئ، الأمر الذي زاد من خطورة حالة الأطفال ووفاتهم، وظهور حالات مرضية جديدة قد تؤدي إلى مزيد من الوفيات.

وأعلن أطباء عن وفاة الرضيعة سيلا الفصيح (التي تبلغ من العمر أسبوعين)، بعد أن توقف قلبها داخل خيمة عائلتها في مواصي خان يونس، وهي آخر حالة تسجَّل بين الحالات الثلاث.

أفراد من عائلة الرضيعة سيلا التي قتلها البرد ينظرون إلى جثمانها في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب)

وقالت والدتها، ناريمان، لعدد من الصحافيين الذين وثَّقوا معاناتها في مجمع ناصر: «ماتت سيلا من البرد، كنت أقوم بتدفئتها واحتضانها، لكن لم تكن لدينا ملابس إضافية لتدفئتها».

وسبقت سيلا الفصيح، حالتان أخريان لطفل يبلغ 4 أيام وطفلة تبلغ من العمر 20 يوماً.

ويعاني نحو مليوني نازح، تعيش غالبيتهم العظمى في خيام بمناطق ممتدة من مواصي رفح جنوباً وصولاً إلى خان يونس المجاورة حتى شواطئ دير البلح والزوايدة والنصيرات وسط القطاع، ظروفاً قاسية، خصوصاً أن هذا هو فصل الشتاء الثاني على التوالي الذي يعيشونه في ظروف مماثلة، لكنَّ الفصل الحالي أكثر اشتداداً مع تكدسهم في تلك المناطق، بعد أن سيطرت إسرائيل على غالبية مدينة رفح التي كانت بأكملها إلى جانب خان يونس مأوى لهؤلاء السكان.

وغالبية العوائل النازحة من سكان مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع، الذين فروا من جحيم الحرب في تلك المناطق، إلى جنوب القطاع بطلب من الجيش الإسرائيلي الذي كان يدعوهم للتوجه إلى تلك المناطق بزعم أنها مناطق إنسانية آمنة، قبل أن ينضم إليهم آخرون من مناطق شرق القطاع، وكذلك رفح بشكل شبه كامل.

يقول الغزي مجد ياسين (26 عاماً) النازح من مدينة غزة إلى خان يونس، إنه يعيش في خيمة لا تتعدى الأمتار الثلاثة، وتعرضت للغرق عدة مرات بمياه الأمطار في شتاء العام الماضي، ومرة واحدة خلال الشتاء الحالي، مما أدى إلى تضررها عدة مرات، الأمر الذي أثَّر عليه وعلى زوجته التي كانت حاملاً ورُزقت قبل أشهر بطفل يبلغ حالياً من العمر 8 أشهر.

ويخشى ياسين كما يقول لـ«الشرق الأوسط» من أن يتأثر طفله كثيراً بالأجواء الباردة والقارسة خلال فصل الشتاء الجاري، مشيراً إلى أنه منذ نحو أسبوعين لا يتوقف طفله عن البكاء نتيجة البرد الشديد الذي أصابه دون جدوى أو فائدة من الأدوية التي استطاع الحصول عليها بصعوبة من بعض المستشفيات الميدانية الموجودة في منطقة المواصي لعلاجه.

عائلة فلسطينية تتدفأ داخل خيمتها في دير البلح الثلاثاء (د.ب.أ)

فيما أشارت زوجته تسنيم إلى أن نزلات البرد الشديدة أصابت طفلها عدة مرات، وهو الحال ذاته الذي ينطبق على آلاف الأطفال ممن يعيشون في الخيام، مشيرةً إلى أن أكثر من يتضررون بشكل أكبر هم الرضع الذين يصابون بشكل أسرع وأخطر بأمراض فصل الشتاء، خصوصاً أنهم بحاجة إلى الدفء ولا توجد وسائل تدفئة آمنة متوفرة في ظل ظروف الحرب.

كانت الأمم المتحدة قد حذَّرت مؤخراً من أن الناس الذين يعيشون في ملاجئ مؤقتة في غزة قد لا يصمدون في الشتاء، مشيرةً إلى حاجة ما لا يقل عن 945 ألف شخص إلى إمدادات الشتاء، التي أصبحت باهظة الثمن في القطاع، معربةً عن خشيتها من أن تتفشى الأمراض المعدية، التي انتشرت في الشتاء الماضي، مرة أخرى وسط ارتفاع سوء التغذية.

وقالت المواطنة ختام أبو إسماعيل، وهي من سكان بني سهيلا، شرق خان يونس، والنازحة من تلك المنطقة إلى غرب المدينة بعد تدمير منزلها، إن 3 من أطفالها يعانون من نزلات برد، أصغرهم يبلغ من العمر شهراً ونصف الشهر، والآخرون ما بين عامين وأربعة، مشيرةً إلى أنه بعد تدمير منزلها وعيشها في خيمة، لم تعد تملك أي وسيلة تدفئة، وينقصها كثير من «الفراش» و«الأغطية» وحتى الملابس الشتوية، التي قالت إنها حتى وإن توفرت فلن تستطيع شراءها بسبب ثمنها المرتفع جداً.

وأشارت ختام أبو إسماعيل إلى أنها مثل نحو مليون نازح، تعاني بشدة من عدم توفر الأغطية وغيرها من العوامل التي تساعد على تدفئة الأطفال وكذلك حتى الكبار، مشيرةً إلى أن هناك نقصاً حاداً جداً في توفر الملابس والأغطية وغيرها، كما أنه لا تتوفر الكهرباء أو الغاز أو عوامل بديلة تساعد على تدفئة الخيام.

ويقول المواطن فايز صقر، النازح من جباليا إلى دير البلح وسط قطاع غزة، إنه لا يتوفر لديهم سوى الخشب والحطب الذي يتم إيقاده بشكل أساسي للطبخ وتسخين المياه للاستحمام، وفي حال كان المواطن مقتدراً يستطيع شراء كمية أكبر منه للتدفئة، ولكن ليس الجميع بمقدوره ذلك.

وبيَّن صقر أن كيلوغرام الخشب أو الحطب يتراوح حسب جودته من 3 إلى 5 شواقل (بمعدل دولار إلى دولار ونصف)، مشيراً إلى أن كل عائلة بحاجة إلى كميات كبيرة حتى تستطيع تدبر أمورها.

وقال بلغة عامية غلب عليها القهر والوجع: «إحنا مش قادرين ندفّي حالنا، ولا ندفّي أطفالنا، كل شيء فينا عاجز حتى عن أبسط الأشياء في حياتنا».

وقال بيان لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، إن أطفال قطاع غزة يعانون من البرد والمرض والصدمة، ويستمر الجوع وسوء التغذية، وظروف المعيشة المزرية على نطاق أوسع، في تعريض حياة الأطفال للخطر، مشيراً إلى أنه وعلى مدى أكثر من 14 شهراً، كان الأطفال على حافة الكابوس خصوصاً بعد التقارير التي تؤكد مقتل أكثر من 14500 طفل وإصابة الآلاف.

وقالت مسؤولة الاتصالات في «يونيسيف» روزاليا بولين: «لقد حلَّ الشتاء الآن على غزة. الأطفال يشعرون بالبرد وحفاة الأقدام. ولا يزال كثير منهم يرتدون ملابس الصيف. ومع نفاد غاز الطهي، يبحث كثيرون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية لإحراقها. وتدمر الأمراض أجساد الأطفال الصغيرة، في حين تعاني المستشفيات من الفقر وتتعرض للهجوم المستمر. والرعاية الصحية في حالة يرثى لها».