العمالة الوافدة في ليبيا... أزمة متفاقمة بسبب الانقسام الحكومي

سياسيون طالبوا بوضع ضوابط لسوق العمل توفر حياة كريمة للمهاجرين

صورة التقطت قبيل ترحيل 160 مهاجراً غير نظامي من غامبيا عبر مطار معيتيقة (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
صورة التقطت قبيل ترحيل 160 مهاجراً غير نظامي من غامبيا عبر مطار معيتيقة (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
TT

العمالة الوافدة في ليبيا... أزمة متفاقمة بسبب الانقسام الحكومي

صورة التقطت قبيل ترحيل 160 مهاجراً غير نظامي من غامبيا عبر مطار معيتيقة (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)
صورة التقطت قبيل ترحيل 160 مهاجراً غير نظامي من غامبيا عبر مطار معيتيقة (جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة بطرابلس)

بات ملف العمالة الوافدة في ليبيا يفرض نفسه بقوة بكل أزماته على الساحة السياسية، خصوصاً في ظل ما تعانيه البلاد من انقسام حكومي.

وكان مؤتمر وزراء عمل تجمع «الساحل والصحراء»، الذي نظمته حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، واختُتمت فعالياته بالعاصمة طرابلس منتصف الأسبوع الحالي، قد ناقش آليات تنظيم وتقنين سوق العمل بين دول التجمع، بالإضافة لسبل مواجهة المهاجرين «غير النظاميين».

ووسط مطالب بضرورة وضع ضوابط حاكمة لسوق العمل، توفر فرصاً جيدة وحياة كريمة للعمالة الوافدة، استبعد عضو مجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة «وجود قدرة على تحقيق كل ذلك في ظل الانقسام الحكومي والمؤسسي الراهن، وعدم ضبط الحدود». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن تنظيم اتفاقيات لجلب العمالة «بشكل آمن وتقنين أوضاعهم أمر مهم، لكن الأهم هو توضيح ما يطرحه القائمون على هذا الملف لمعالجة وتوفيق أوضاع ما يقرب من مليوني عامل، يوجدون حالياً في ليبيا»، موضحاً أن هذا الرقم «مرشح للزيادة في ظل عدم ضبط الحدود، واستمرار تدفقات المهاجرين غير الشرعيين، الذين ينضم قطاع كبير منهم للعمالة الوافدة».

جل المهاجرين يتخذون من مدن ليبيا الساحلية نقطة للانطلاق نحو أوروبا عبر قوارب الموت (رويترز)

وأضاف بن شرادة أن «قرارات هذا المؤتمر في حال اعتمادها لن تجد سبيلها للتطبيق بشرق ليبيا وجنوبها لكونهما يقعان تحت سيطرة حكومة (الاستقرار) المكلفة من البرلمان»، مبرزاً أن بعض المواطنين سيفضلون التفاوض المباشر مع الوافدين، الذين يتجمعون أسفل الجسور، أو في بعض الشوارع لقضاء بعض المهام، بدلاً من إبرام عقود رسمية معهم، وهو ما ستتبعه تكلفة أعلى من رواتب وتأمين.

ويعمل قطاع كبير من العمالة الوافدة في مجالات البناء وخدمات النظافة أو في محال السلع الغذائية، وبعض الورش وأسواق الخضار، فضلاً عن الخدمة المنزلية.

وتحدث بن شرادة عن «عدم التزام بعض عناصر التشكيلات المسلحة المنفلتة بما تقره السلطات التشريعية والتنفيذية من قوانين، وقرارات تتعلق بالعمالة الوافدة»، ورأى أنه «في ظل عدم وجود حكومة موحدة، ومؤسسات أمنية موحدة وقوية تستطيع التصدي لتلك التشكيلات فلن تتوقف الأخيرة عن مطاردة العمالة لابتزازها مادياً، مقابل عدم اعتقالهم تحت أي مبرر، ومساومة أسرهم لدفع الفدية».

خلال مداهمة سابقة لمقار مهاجرين غير نظاميين في مناطق بطرابلس (جهاز مكافحة "الهجرة غير المشروعة" بطرابلس)

وتسيطر على ليبيا حكومتان: الأولى في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية في بنغازي بقيادة أسامة حماد.

وانضم رئيس مؤسسة «بلادي» لحقوق الإنسان، طارق لملوم، إلى الطرح السابق، واصفاً ما يحدث بـ«الخطوات العشوائية في ملف العمالة الوافدة». كما اختلف لملوم مع ما تضمنته الإحصاءات الرسمية للدولة عن أعداد المهاجرين والعمالة الوافدة، وقال إن وزارة العمل تتحدث عن مليوني عامل وافد، و«هذا قياساً على من يدخل البلاد عبر منافذها البرية والمطارات، أو من يقبض عليهم، لكنهم بهذا الطرح يتغافلون عن حصر من يخرجون من المنافذ يومياً».

وتطرق لملوم لـ«الشرق الأوسط» إلى «تعرض بعض المهاجرين للاحتيال من بعض أصحاب الأعمال، وذلك بحرمانهم من رواتبهم، مستغلين عدم قدرتهم على الشكوى للأجهزة الأمنية»، مشيراً إلى وجود مشكلة ثانية، تتعلق بـ«زيادة اعتراضات شرائح عدة بالمجتمع الليبي على كثرة وجود العمالة في ليبيا، وتمتعهم بدعم بعض السلع والخدمات، فضلاً عن تخوف هؤلاء من التغيير الديمغرافي ببعض المناطق كالجنوب».

مهاجرون أفارقة خلال عملية ترحيلهم إلى بلدانهم من قبل سلطات حكومة الوحدة (الوحدة)

وفي هذا السياق، لفت لملوم إلى «مسارعة البعض لتحميل العمالة الوافدة مسؤولية أي جريمة تقع بالقرب من مناطق سكنهم وعملهم». ووفقاً لإحصاءات المنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد المهاجرين «غير الشرعيين» الموجودين بليبيا يقترب من 700 ألف شخص، يشكلون جزءاً من سوق العمل بليبيا. وهم ينحدرون من 44 دولة أفريقية وعربية، تتقدمها النيجر ومصر والسودان وتشاد وبنغلاديش، بينما يقدر وزير العمل بحكومة «الوحدة الوطنية»، علي العابد، أعداد العمالة الوافدة ببلاده بنحو مليوني و100 ألف عامل؛ 70 في المائة منهم دخلوا البلاد بـ«طرق غير قانونية».

من جانبه، عبر الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، عن مخاوفه من توظيف مثل هذه الملفات «بالغة الأهمية للتأثير على وضع الدولة سياسياً واقتصادياً وأمنياً لصالح مكاسب خاصة بأفرقاء الأزمة». وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكون هدف حكومة الدبيبة ضبط سوق العمل، أو التنسيق مع دول الجوار بملف العمالة»، لكن «لا يمكن بالوقت ذاته تغافل الاتهامات التي يوجهها البعض للحكومة بمحاولة تنفيذ سياسات، تسهم في توطين المهاجرين غير الشرعيين بالبلاد قصد منعهم من الوصول إلى شواطئ أوروبا، مقابل دعمها للبقاء في السلطة». لكن حكومة الدبيبة نفت إقدامها على ذلك.

وكان مجلس النواب الليبي قد أصدر أخيراً قانون مكافحة التوطين بالبلاد، وهو ما فسّره البعض بأنه يستهدف «قطع الطريق على هذا الإجراء».


مقالات ذات صلة

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

شمال افريقيا وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، قدراً من التساؤلات.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

أكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية»

خالد محمود (القاهرة )
المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)

تركيا: تحييد 4 «إرهابيين» مطلوبين جنوب شرقي البلاد

عناصر من قوات الجيش التركي (أ.ف.ب)
عناصر من قوات الجيش التركي (أ.ف.ب)
TT

تركيا: تحييد 4 «إرهابيين» مطلوبين جنوب شرقي البلاد

عناصر من قوات الجيش التركي (أ.ف.ب)
عناصر من قوات الجيش التركي (أ.ف.ب)

أعلن وزير الداخلية التركي، علي يرلي قايا، السبت، تحييد 4 «إرهابيين» مطلوبين في عملية ضد تنظيم حزب العمال الكردستاني (بي كيه كيه) «الإرهابي» في ريف ولاية سيرت، جنوب شرقي البلاد، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الألمانية.

وذكر يرلي قايا في بيان أن «الإرهابيين الأربعة شاركوا في 9 عمليات إرهابية» استشهد فيها 6 حراس أمن و5 مواطنين مدنيين، وأصيب 6 حراس أمن، و11 مواطناً مدنياً بجروح، حسب وكالة «الأناضول» التركية للأنباء.

وتستخدم تركيا كلمة تحييد للإشارة إلى المسلحين، الذين يتم قتلهم أو أسرهم أو إصابتهم من جانب القوات التركية.

ويشن الجيش التركي أيضاً عمليات عسكرية في شمال سوريا والعراق ضد حزب العمال الكردستاني «بي كيه كيه». ووفقاً لبيانات تركية، فقد تسبب «بي كيه كيه» في مقتل حوالي 40 ألف شخص (مدنيون وعسكريون) خلال أنشطته الانفصالية المستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي.

وقالت وزارة الدفاع التركية في بيان: «بموجب حقنا في الدفاع عن النفس (...)، تم تنفيذ عمليات جوية ضد أهداف إرهابية في شمال العراق في مناطق كارا وقنديل وأسوس». وأوضح الجيش التركي، الذي ينفذ غارات في المنطقة بانتظام، أنه ضرب 25 هدفاً، «من بينها كهوف ومخابئ وملاجئ ومستودعات ومنشآت» لحزب العمال الكردستاني، الذي يشن حرب عصابات ضد السلطات التركية منذ عام 1984، وتصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة «إرهابية».

ووصف مصدر أمني في شمال العراق هذه الضربات بأنها «مكثفة». ووفق كمران عثمان، عضو منظمة فرق صناع السلام المجتمعية ومقرها في كردستان العراق، فقد استمرت الغارات نحو 45 دقيقة، ولم يتم تسجيل أي إصابات بين المدنيين، حسب المصدر الذي تحدث عن أضرار في الأراضي الزراعية.