تالين سويدان وعلي سليمان بطلا لبنان في «تحدي القراءة»: إنها البداية

يخبران «الشرق الأوسط» حكاية عدم الاعتراف بالمستحيل

تالين سويدان وعلي سليمان مثّلا لبنان في إعلان الشغف بالكتاب (تحدي القراءة العربي)
تالين سويدان وعلي سليمان مثّلا لبنان في إعلان الشغف بالكتاب (تحدي القراءة العربي)
TT

تالين سويدان وعلي سليمان بطلا لبنان في «تحدي القراءة»: إنها البداية

تالين سويدان وعلي سليمان مثّلا لبنان في إعلان الشغف بالكتاب (تحدي القراءة العربي)
تالين سويدان وعلي سليمان مثّلا لبنان في إعلان الشغف بالكتاب (تحدي القراءة العربي)

في لبنان، تتقّد محاولات تخوّل اليائسين تصديق الأمل. فبعضٌ، مثل الطالبَيْن تالين سويدان وعلي سليمان، يُذكّر بأنّ العزائم تهزم الإحباط، وقهر الأوطان يمكن أن يُعوَّض. بطلا نهائيات الدورة السابعة من مسابقة «تحدي القراءة العربي»، المُقامة مؤخراً في دبي، مثّلا أرض معاندة العتمات.

أحرزت سويدان لقب بطلة «تحدي القراءة» في دورته السابعة على المستوى اللبناني، من بين 7020 طالباً وطالبة في التصفيات؛ وحصد سليمان المركز الأول في فئة أصحاب الهمم، بختام ضمَّ 350 طالباً وطالبة، لتشهد التصفيات، على صعيد لبنان، مشاركة 83 مدرسة و235 مشرف قراءة.

يحتل لبنان مكانة متقدّمة في المسابقة المرموقة (تحدي القراءة العربي)

تقديمٌ لا بدّ منه للتعريف بهما. عُمر علي سليمان 11 عاماً، من مدرسة «سمارت كولدج» في مدينة صور المقيمة على الشاطئ وبين مراكب الصيادين. يشارك «الشرق الأوسط» الحلم: «أن أبلغ أعلى المراتب، فمَن طلب العلم سهر الليالي. أقرأ القرآن والقصص لساعة يومياً قبل النوم».

تكبره تالين سويدان بعامين: «أنا أيضاً من طلاب مدرسة (سمارت كولدج). اقرأ من ساعتين إلى 3 يومياً، وأتجاوز هذا المعدّل في أيام العطل. خلال العام الدراسي، أقرأ من ساعة إلى 3 ساعات في الأسبوع».

وُلد حب القراءة لدى علي منذ الصغر: «كانت أمي تُخبرني القصص، ووجدتُ في الإصغاء إليها متعة كبيرة. في الخامسة، رحتُ أقرأ بمفردي. شغفي بالمطالعة توهّج مع الوقت».

قصة أمنية معلَّقة، سلّمت تالين للإبحار في الحكايات، تُخبرها لـ«الشرق الأوسط»: «طلبتُ من أمي في سنّ الخامسة لعبة على شكل هاتف أسوة بواحدة تملكها صديقتي. رفضَتْ، واشترت لي بثمنها كتاب (سام والفاصولياء). منذ ذلك اليوم، صرتُ أقرأ الكتاب تلو الآخر. (تحدي القراءة العربي) شجّعني على التعمّق».

علي سليمان لا يتيح للمستحيل القبض على أحلامه (تحدي القراءة العربي)

لعائلة علي دور في ترسيخ العادة الجميلة: صداقة الكتاب. عمل جدّه ووالدته في التعليم، وكان يراهما يقرآن معظم الوقت. الأطفال مرايا الآباء؛ فقلَّد واقتدى. تُوافق تالين على تأثير الأسرة في صوغ مهارات أبنائها والسلوك المُكتسب: «دورها رئيسي في تنمية عادة القراءة، فقد تكون المحفّز، وأحياناً يحدث العكس».

يُجمعان على التأثّر بكتاب «رؤيتي» لرئيس دولة الإمارات، وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد. يضيف علي كتاب «لو أبصرت ثلاثة أيام» للأميركية هيلين كيلر، لرفضها الإذعان لمشكلة ألمَّت بسمعها وبصرها، بل اجتهدت وتخرّجت بمساعدة معلّمتها: «هي مثالي الأعلى لأنها لم تعرف اليأس».

تالين سويدان أحبّت الكتاب بتأثير دور الأم في المنزل (تحدي القراءة العربي)

استوقفت رواية «الحرب والسلم» لليو تولستوي، تالين، وأيضاً «داغستان بلدي» لرسول حمزتوف، و«إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين» لمحمد بن طولون، ورواية «ساق البامبو» للكويتي سعود السنعوسي، و«ملهم العالم» للسعودي عائض القرني. أعمار الزهور تعبُر حقول الكبار.

يأخذ البرنامج المدرسي وقت علي، ثم يُسلّم نفسه للعب ومشاهدة التلفزيون. يهبط المساء، فيقرأ قصة. «أحياناً، أخبر أمي بأنني تعبتُ من القراءة، وأنّ الأولاد من سنّي يلعبون ويستخدمون الهاتف لفترات طويلة. لكنها لا تسمح بذلك. تجيبني بأنه لا بدّ من وقت محدّد للهاتف وآخر للقراءة اليومية، وعليَّ عدم الخلط بينهما».

تصدّ تالين إغراء الهاتف والأجهزة الإلكترونية: «أستطيع بسهولة، ومتعة أيضاً، تقسيم وقتي بين الدراسة والقراءة، وممارسة هواياتي، مثل الكاراتيه والتزلّج، ولعبة الشطرنج، والرسم، والحساب الذهني، وحفظ القصائد». تعرّفت إلى «تحدي القراءة العربي» عبر وسائل الإعلام، وشاركت من خلال المدرسة. اليوم تقول: «تالين بعد المسابقة ليست كما قبلها. ازددتُ معرفة؛ وكان السفر إلى دبي، والتعرّف إلى الأبطال من دول العالم تجربة رائعة. أشجّع الجميع على المشاركة، وأتمنّى أن أُلهمهم».

علي سليمان يطمح لبلوغ مراتب أعلى (تحدي القراءة العربي)

خلال مدّة قصيرة، قرأ علي قصصاً وأنهى 25 كتاباً: «هذا ما جعلني ضمن المتأهلين على مستوى الجنوب، من ثَم تأهلتُ إلى المرحلة الأخيرة في بيروت، فبدأتُ أقرأ روايات عالمية». أخافه، في البداية، أنّ المتسابقين أكبر سناً منه. هزم المخاوف ليصبح بطل «تحدي القراءة» على مستوى لبنان في فئة أصحاب الهمم.

كثّفت التجربة تصميمه: «صرت أكثر يقيناً بأنْ لا مستحيل في الحياة، وأنّ القراءة أساس بناء شخصية الإنسان». ينظر حوله، فيهوله انشغال الشباب بالهواتف وما يُبعد عن الكتاب. وبما يشبه اجتراح حلّ، يقول: «نستطيع بناء جيل لا يرى الكتاب عقاباً من خلال قراءة قصص قصيرة ومعبّرة، أو من خلال التشجيع المعنوي وحتى المادي».

تالين سويدان ترفع عَلم لبنان في الإمارات (تحدي القراءة العربي)

تستوقف ضآلة التشجيع على القراءة، تالين، أيضاً، وتقترح طرح كتب مناسبة تبدّد فكرة أنّ الكتاب مسألة مملة. تقول إنها ألهمت أصدقاء المدرسة إمضاء وقت مع الكتب، وأثارت حماستهم حيال عناوين يحلو اقتناؤها: «غمرتني السعادة لنيلي لقب الدورة السابعة من (تحدي القراءة العربي) على مستوى لبنان. تمثيل بلدي خلال التصفيات النهائية في دبي، فخر لي ولعائلتي ومدرستي».

علي أيضاً لن يتوقف هنا: «بعد فوزي باللقب على مستوى لبنان، ومشاركتي في التصفيات النهائية بدبي، بدأتُ رحلة جديدة. سأقرأ أكثر، وأشارك في (تحدي القراءة العربي) مرة أخرى. أطمح إلى نيل اللقب على مستوى العالم العربي». يتحدّث عن الطموح الكبير: «لم أظنني أصل إلى مرحلة متقدّمة، وأمثّل لبنان في المسابقة المرموقة. لكنني فعلتها. إنها البداية فقط».


مقالات ذات صلة

دراسات في متغيرات العراق السكانية... والهجرات القسرية

كتب غلاف كتاب «العراق دراسات في المتغيرات السكانية»

دراسات في متغيرات العراق السكانية... والهجرات القسرية

شهد المجتمع العراقي تحولات عميقة في بنيته الديموغرافية، ارتباطاً بما شهده البلد من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب شللي

رومانتيكية فائضة في عالم سريع التغيّر

لم تعُدْ مفردة «الرومانتيكية» تُذكَرُ إلّا قليلاً، وحتى عندما تذكّرُ فغالباً ما تكون في سياق استذكار تاريخ التيارات الأدبية التي سادت في بدايات القرن التاسع عشر

لطفية الدليمي
كتب «سكك حديد مصر»... قاطرة للنهضة والتحديث

«سكك حديد مصر»... قاطرة للنهضة والتحديث

عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «مصر والطرق الحديدية» للكاتب محمد أمين حسونة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق مجموعة من الكتب القديمة (أرشيفية - رويترز)

خبراء الكيمياء يحذّرون: الكتب العتيقة تحتوي على صبغات سامة

أطلقت الجمعية الكيميائية الأميركية تحذيراً بشأن المخاطر الصحية المحتملة التي قد تنطوي عليها الكتب القديمة، خصوصاً تلك التي تعود إلى العصر الفيكتوري.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون مختارات شعريّة لحسين درويش للكردية

مختارات شعريّة لحسين درويش للكردية

صدر حديثاً عن «منشورات رامينا» بلندن ديوان شعريّ باللغة الكردية يحمل عنوان «Toza Rojên Berê» للشاعر السوريّ حسين درويش، وهو من ترجمة الشاعر والمترجم ياسين حسين.

«الشرق الأوسط» (لندن)

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».