توترات أميركية روسية متزايدة بعد القصف الصاروخي الروسي من بحر قزوين

كارتر يرفض التعاون العسكري مع روسيا بسبب استراتيجيتها «المعيبة» في سوريا

سوري أمام أنقاض مبنى استهدفه القصف الروسي أمس في بلدة بابيلا جنوب إدلب شمال غربي سوريا (رويترز)
سوري أمام أنقاض مبنى استهدفه القصف الروسي أمس في بلدة بابيلا جنوب إدلب شمال غربي سوريا (رويترز)
TT

توترات أميركية روسية متزايدة بعد القصف الصاروخي الروسي من بحر قزوين

سوري أمام أنقاض مبنى استهدفه القصف الروسي أمس في بلدة بابيلا جنوب إدلب شمال غربي سوريا (رويترز)
سوري أمام أنقاض مبنى استهدفه القصف الروسي أمس في بلدة بابيلا جنوب إدلب شمال غربي سوريا (رويترز)

أعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر أن الولايات المتحدة رفضت التعاون عسكريا مع روسيا في سوريا بسبب الاستراتيجية الروسية التي تراها واشنطن «معيبة بشكل مأساوي».
وقال كارتر، في مؤتمر صحافي في العاصمة الإيطالية روما مع وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بنيوتيلا، ظهر أمس، إن «الضربات الروسية لا تستهدف تنظيم داعش، وهذا خطأ جوهري في الاستراتيجية الروسية، ونحن لسنا مستعدين للتعاون في استراتيجية معيبة بهذا الشكل.. معيبة بشكل مأساوي من جانب روسيا».
وكرر كارتر اتهامات بلاده لروسيا باستهداف الجماعات المعارضة لنظام بشار الأسد، وقال: «رغم ما يقوله الروس، فإننا لن نوافق على التعاون معهم، ما داموا استمروا في اتباع استراتيجية خاطئة وضرب هذه الأهداف». لكنه استدرك قائلا: «مع ذلك فإن الولايات المتحدة مستعدة للقيام بالمناقشات التقنية الأساسية مع موسكو حول سلامة الطيران والطيارين فوق الأجواء السورية، وما سنفعله هو الاستمرار في المناقشات التقنية، وسوف نحافظ على قناة مفتوحة لأنها مسألة تتعلق بالأمن والسلامة لطيارينا».
وأبدى وزير الدفاع الأميركي قلقه بشأن الهجوم البري من قبل قوات النظام السوري الذي بدأ أمس مدعوما بالقوة الجوية الروسية، كما أبدى قلقه من الانتهاك الروسي للمجال الجوي التركي. ويبحث كارتر مع وزراء دفاع حلف الناتو الآخرين، اليوم الخميس في بروكسل، كيفية التعامل مع الضربات الروسية في سوريا، والتهديدات الأمنية التي تواجه الحلفاء الأوروبيين، وكيفية التصدي لمشكلة تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ومواجهة الإرهابيين في شمال أفريقيا.
وتأتي تصريحات كارتر - التي تعد الأقوى ضد روسيا حتى الآن - في وقت تتزايد فيه التوترات بين واشنطن وروسيا على خلفية رغبة روسيا في تبادل معلومات استخباراتية مع واشنطن حول مواقع المتشددين في تنظيم داعش، وإظهار واشنطن بمظهر المؤيد والموافق على الضربات الروسية في سوريا بهدف ضرب «داعش»، بينما ترى واشنطن أن روسيا تستهدف المعارضة السورية ومساندة نظام الأسد ضد معارضيه.
وأشار مسؤول عسكري أميركي، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الاتصالات بين واشنطن وموسكو تقتصر على المحادثات التقنية المتعلقة بسلامة الطيارين الروس والأميركيين في الأجواء السورية، والتأكد من عدم وجود تضارب واصطدامات أو أي مشاكل أخرى، موضحا أن الولايات المتحدة قدمت للجانب الروسي اقتراحات تتعلق ببروتوكولات سلامة بسيطة، مثل الحفاظ على مسافة آمنة بين الطائرات الروسية والطائرات الأميركية، واستخدام ترددات راديو مشتركة لنداءات الاستغاثة. وشدد المسؤول العسكري على أن تلك الإجراءات هي الإجراءات الأساسية جدا في لوائح الطيران المدني. وقال: «ما زلنا ننتظر ردا رسميا من روسيا حول تلك المقترحات».
وعقدت واشنطن محادثات عسكرية عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مع الروس يوم الخميس الماضي، حول كيفية تجنب الصدام وضمان سلامة الطيارين من الجانبين، وانتهت دون أن يتم تحديد موعد جديد لاستئناف المحادثات.
في الوقت نفسه، أكد دوغلاس لوت، سفير الولايات المتحدة لدى منظمة حلف شمال الأطلسي، في مؤتمر صحافي قبل اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي ببروكسل، أن روسيا قامت بقصف بحري في سوريا يوم الأربعاء من بحر قزوين باستخدام صواريخ «كروز» بعيدة المدى (نحو 930 ميلا)، لقصف أهداف في مدن حماه وإدلب في غرب سوريا، بالتعاون والتنسيق مع قصف للقوات السورية. وقال السفير الأميركي: «سوف نرى ما تنوي روسيا القيام به. وهذه القدرات التي تم جلبها إلى القاعدة الروسية في اللاذقية تشير إلى نوايا أكثر من مجرد حماية القاعدة».
وتعد تلك التحركات الروسية بإطلاق صواريخ من بحر قزوين مؤشرا لتصعيد كبير في التدخل الروسي في الوضع السوري، ومرحلة لخلاف أكبر مع واشنطن، خاصة أن أي هجوم بري مدعوم بضربات جوية روسية يمكن أن يؤدي إلى إلحاق خسائر فادحة بقوات المعارضة السورية، ويدعم بشكل كبير نظام الأسد ضد معارضيه. كما أن مسار تلك الصواريخ يتطلب عبور كل من إيران والعراق، وهو ما يعني وجود تنسيق روسي مع البلدين.
وكان من المفترض أن يعقد الرئيس الأميركي باراك أوباما، مساء أمس، اجتماعا يشارك فيه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير الخارجية جون كيري، لمناقشة الوضع في سوريا والخيارات الأميركية للتعامل دبلوماسيا مع الأزمة السورية والضربات الروسية. وأشار مسؤولون بالإدارة الأميركية إلى أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري طرح خلال الأسبوع الماضي فكرة إمكانية إقامة منطقة حظر جوي في سوريا لحماية المدنيين، وهي الفكرة التي طالما رفضتها إدارة أوباما رغم إلحاح الائتلاف السوري المعارض وتشجيع كل من تركيا وفرنسا للفكرة.
وتابع المسؤولون أن كيري أثار فكرة إقامة منطقة آمنة في اجتماع مجلس الأمن القومي الأسبوع الماضي، ودار النقاش بشكل أولي حول أفكار إضافية لإنشاء منطقة حظر جوي عند الحدود السورية التركية في الشمال، أو عند الحدود السورية الأردنية في الجنوب. وأشاروا إلى عدم وجود موقف محدد في الإدارة الأميركية من تلك الأفكار، وأن فكرة إنشاء منطقة آمنة أو منطقة حظر جوي تعد واحدة من بين العديد من الخيارات التي تجري مناقشتها بين مستشاري الأمن القومي للرئيس أوباما ودول التحالف بقيادة الولايات المتحدة. لكن مسؤولا بالبيت الأبيض شدد على أن الرئيس أوباما يرى أن فكرة إقامة منطقة آمنة تنطوي على الكثير من التحديات والمخاطر.
وأشار المسؤولون إلى أن الإدارة الأميركية تبحث طرق زيادة الضغط على تنظيم داعش ومواجهة تبعات تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وتخفيف العبء الإنساني للأزمة السورية، وتعزيز النفوذ الدبلوماسي لإنهاء الصراع، إضافة إلى زيادة الإمدادات والمساعدات للأكراد السوريين والمعارضة كجزء من الاستراتيجية للضغط على «داعش».



تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
TT

تقلبات المناخ تهدد الأمن الغذائي في اليمن

الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)
الجفاف واضطرابات المناخ يضربان الأراضي الزراعية ويتسببان في خسائر كبيرة للمزارعين اليمنيين (رويترز)

يشتكي غالبية مزارعي الحبوب في اليمن من تراجع إنتاجهم سنوياً بسبب تقلبات المناخ وتغير مواسم الأمطار وما تسببه غزارتها غير المتوقعة من جرف للتربة وتخريب للأراضي، وهو ما يتسبب لاحقاً في الإضرار بأمنهم الغذائي خلال الأشهر المقبلة التي تدخل فيها البلاد حالة من الجفاف الموسمي.

وينتهي، منتصف الخريف، موسم زراعة الحبوب في غالبية أنحاء اليمن، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وانقطاع الأمطار الموسمية ودخول البلاد في حالة من الجفاف، ويبدأ المزارعون حصر إنتاجهم من الحبوب وتخزينها للاستهلاك، كما يتم تخزين الزرع كأعلاف للمواشي التي تعاني من جفاف المراعي وشح الحشائش والأعشاب التي تتغذى عليها.

وبقدر ما يشعر المزارعون بالفرح خلال فترة جمع محصول موسم زراعة الحبوب، التي تشهد احتفاليات متوارثة تتعدد فيها الأغاني والأهازيج، يخالطهم شعور بالحزن بسبب اضطرارهم لانتظار موسم الأمطار المقبل لأشهر طويلة، وأملهم بهطول أمطار شتوية تساعدهم في زراعة أنواع أخرى من الحبوب.

امرأتان يمنيتان في محافظة تعز تنقلان العلف لتخزينه كغذاء للمواشي بعد انتهاء موسم الحصاد وبدء مواسم الجفاف (البنك الدولي)

يقول سعيد محمد، وهو مزارع مخضرم في مديرية الشمايتين جنوب محافظة تعز (جنوب غرب) إن فصلي الخريف والشتاء يشهدان في الغالب تراجعاً كبيراً في الإنتاج الزراعي، لكن بعض الأعوام قد تشهد سقوط أمطار خفيفة تساعد بعض المزارعين في إنتاج كميات محدودة من حبوب مختلفة عن تلك التي أنتجوها خلال الموسم السابق.

ويوضح المزارع السبعيني في رسالة نقلها لـ«الشرق الأوسط» أحد أبنائه، بسبب عدم خبرته في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أن بعض المزارعين يحتاطون لمواسم الجفاف بتجميع مياه السيول في خزانات مبنية من الحجارة والأسمنت لزراعة أنواع من الخضراوات، بينما ينتظر آخرون هطول الأمطار الشتوية الخفيفة، وهي نادرة ويقضي المزارعون شتاءهم في انتظارها.

الأمل بأمطار الشتاء

ينتج المزارعون خلال موسم الأمطار الصيفية الذرة الشامية والذرة الرفيعة بأنواعها ومن البقوليات اللوبياء، أما في الشتاء فيكتفون بالذرة الشامية والشعير والعدس والخضراوات.

لكن المزارع حسين أحمد، من مديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج (جنوب)، يشير إلى أن أمطار الشتاء عادة ما تكون وخيمة على المزارعين، خصوصاً مالكي المواشي التي قد تعاني لأسابيع وأشهر طويلة من الجوع وانقطاعها عن المرعى، واعتمادها على ما جرى تخزينه من أعلاف.

مزروعات حبوب يبست في انتظار الأمطار بسبب عدم خبرة المزارعين اليمنيين بتغير مواسم الأمطار (غيتي)

ويبين أحمد، لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الشتوية تأتي خفيفة وعلى مدى أيام طويلة متصلة مصحوبة بانتشار ضباب كثيف، خصوصاً في المرتفعات الجبلية، ويمنع المزارعون من استخدام الأراضي بشكل جيد، بينما لا تتمكن المواشي من مغادرة مأواها بسبب هذه الأمطار.

إلا أنه، وبعد انقشاع الضباب وتوقف الأمطار، تعود الحياة إلى المراعي التي تعود الحشائش للنمو فيها، وهو ما يفيد المزارعين في الحصول على المزيد من الألبان ومنتجاتها.

وتساهم أمطار الشتاء، على ندرتها، في زيادة المياه الجوفية بفضل هطولها البطيء والطويل مما يساهم في تغلغلها داخل طبقات الأرض وفقاً للخبراء الجيولوجيين، كما تعمل على تحسين جودة الإنتاج الحيواني.

وتراجعت المساحة التي تحتلها زراعة الحبوب في اليمن من أكثر من 585 ألف هكتار قبل الحرب الدائرة في البلاد منذ عام 2014، إلى أقل من 529 ألف هكتار بحسب بعض البيانات والتقديرات عن هيئات حكومية وأخرى تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أي بما يزيد على 56 ألف هكتار، من إجمالي المساحة المحصولية المقدرة بـمليون و 124 ألف هكتار.

استثمار بلا ضمانات

يستمر موسم زراعة الحبوب أكثر من 5 أشهر، ويبدأ غالباً منتصف مايو (أيار) الذي يشهد إلقاء البذور في التربة، لينتهي في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) وبدايات نوفمبر (تشرين الثاني) بحصد السنابل، ثم نزع الزرع.

مزارع يمني يحصّل منتوجاً قليلاً من قصب السكر الذي يزرع على نحو محدود في البلاد (رويترز)

ويرى الخبير الزراعي محمد سيف ثابت أن أوضاع المزارعين في السنوات الأخيرة تتشابه في جميع الفصول، خصوصاً مع تبدل مواسم الأمطار الصيفية وتغير مواقيتها، ما يصعِّب عليهم تحديدها أو توقعها، إلى جانب التغير الكبير في كمياتها وما تتسبب به من جرف للتربة وتخريب للأراضي.

ويقول ثابت في إيضاحاته لـ«الشرق الأوسط» إن ما يعاني منه المزارعون في الصيف خلال الأعوام الأخيرة، يشبه إلى حد كبير ما يمرون به في الشتاء، حيث يلجأ الكثير منهم إلى بذل جهد كبير وإنفاق أموال في تسوية الأرض ودفن البذور متوقعاً هطول الأمطار. إلا أن تلك البذور قد تتحلل قبل هطول الأمطار، أو تنبش الطيور التربة لتناولها، وهو ما يدفع بعضهم إلى دفن بديل عنها. أما إذا هطلت الأمطار ولم تنبت تلك البذور بسبب تحللها أو نبشها من قبل الطيور، فإنه يستحيل على المزارعين إعادة التجربة قبل أن تعود التربة إلى الجفاف مرة أخرى.

الذرة الرفيعة من أكثر أنواع الحبوب التي يفضلها المزارعون اليمنيون لسهولة الحصول على منتوج وفير منها (إكس)

وأبدى مصدر في وزارة الزراعة اليمنية انزعاجه من لجوء غالبية المزارعين إلى حصد سنابل الحبوب قبل نضجها وتناولها بعد شيها أو سلقها بوصفها وجبات إضافية، فيما يُعرف محلياً بـ«الجهيش»، وهو ما يتسبب في إهلاك الكثير من المحصول والإضرار بالأمن الغذائي للمزارعين خلال الأشهر اللاحقة.

وتابع المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن هذه العادة المتوارثة أصبحت غاية لغالبية المزارعين، لكن الفارق أن المزارعين في السابق، قبل عشرات وربما مئات السنين،كانوا يعتمدون على «الجهيش» بوصفها وجبات أساسية، إلى جانب قلة استهلاكهم لها، في الوقت نفسه الذي يملكون فيه كميات من ناتج الحبوب يغطي موسم الجفاف.

أما في الوقت الراهن؛ فإن غالبية المزارعين يكتفون بالحصول على «الجهيش» ولا يقومون بتخزين سوى كميات قليلة من الحبوب.