قلّما نشهد في الفترة الأخيرة أعمالاً مسرحية تحمل رسائل اجتماعية عميقة بحيث لا تمر عند مشاهدها مرور الكرام، فخلال 75 دقيقة تطالعنا مسرحية «بليلة فيا ضو قمر» بمحتوى تصاعدي. ومنذ اللحظة الأولى يترك لدى مشاهدها علامات استفهام كثيرة. فتأتيه الأجوبة الواحدة تلو الأخرى في القسم الأخير منها مولدة عنده مفاجآت بالجملة.
من المشهد الأول للمسرحية نرى وائل (فؤاد يمين) يجلس على سطح عمارة في بيروت يحاكي همومه بسيجارة إلكترونية. وضع السماعات على أذنيه ليستمتع بلحظات الوحدة التي ينشدها؛ ولكن دخول بريتا (سيرينا شامي) على عزلته هذه تقلب الأمور رأساً على عقب. فديناميكيتها البارزة تدفعه إلى إعادة التفكير بحالته. ومن هذه النقطة تحديداً تبدأ أحداث المسرحية بالتسارع، لتولد علاقة بين الاثنين تثير الجدل عند الحضور في صالة مسرح «مونو» بالعاصمة اللبنانية بيروت. وبين المزح والجد يأخذنا يمين إلى عالمه الكئيب، فيما تكسر بريتا عنده هذا الجمود، وتقول له بلغة جسد ديناميكية وشخصية طريفة «بتزهّق إنت»، لينجرف بصراحتها وحيويتها وجرأتها ويجاريها لا شعورياً، وكأنها خشبة خلاصه.
نراهما أولاً يجلسان على سطح العمارة، ومن ثَمّ يتسلقان ليحطا على جانب خزان المياه؛ ومن ثم ترتقي علاقتهما إلى الأعلى بحيث يصبح هذا الخزان تلة حبهما. ومنه يشرفان على عالم الحب والذكريات والقمر. ومن حكاية أسطورية ترويها بريتا لوائل يبدأ المشاهد بفك اللغز. وتقول: تُعرف الليلة التي يبدو فيها القمر كبيراً ومضيئاً بـ«ليلة العشاق». وهي الليلة التي إذا مات فيها أحد الحبيبين ترتفع به الملائكة إلى القمر. وهناك يبقى عالقاً منتظراً وصول نصفه الثاني كي يكملا معاً صعودهما إلى السماء.
أما المفتاح الثاني لحل ألغاز المسرحية فيتمثل بإطلالة الممثل طوني داغر، فهو بالكاد يظهر 3 مرات على الخشبة. ولكن في كل مرة منها يترك تلميحاً يُسهم في تركيب حجر من أحجار «بازل» المسرحية. وتحل «قبلة يوضاس» بوضوح، للإشارة إلى تسليم وائل لقدره.
طيلة عرض المسرحية تبقى الابتسامة مرسومة على ثغر متابعها. حضور سيرينا الشامي وطاقتها اللافتة في تجسيد دورٍ مركّبٍ وصعبٍ لا يمر مرور الكرام. فيما فؤاد يمين الذي يفرض نفسه على الخشبة، لا يملّ مشاهده من قراءة أدائه وملامح وجهه. فالثنائي المتزوج منذ عدة سنوات استخدم هذا التناغم الموجود بينهما، والذي شهد طلعات ونزلات، ترجماه بلوحات تمثيلية يضرب فيها المثل لعشق بالغ للخشبة وامتلاكهما لها.
مسرحية ذات نمط مختلف لا تشبه غيرها بحبكتها وألغازها ومفاجآتها. حتى ختامها يحمل نهايتين يتلوهما راوي القصة، ويترجمهما الثنائي بأدائهما المطعّم بالمدرستين السينمائية والدرامية، فيصفق الجمهور للنهاية الأولى على مضض؛ لأنها ليس «سعيدة»؛ ولكنه يقف مصفقاً بحماس للثانية التي تمدّه ببصيص أمل.
ويقاطع صوت يمين تصفيق الجمهور ليقول: «نتمنى لكل من يعاني من مشاكل وحدة وعزلة وهو بحاجة إلى الفضفضة أن يتصل بجمعية (إمبرايس ليبانون) التي تعنى بالصحة النفسية على الرقم 1564».
ثلاث مشكلات أساسية تطرحها المسرحية في قالب العلاج «الديلفري» من خلال الرسائل الإلكترونية هي: «أنا وحيد»، و«أرغب في النقاش، » و«اقتلني»، وهذه الأخيرة طلب خدمتها وائل، وتؤلف عقدة قصة المسرحية بأكملها.