إطلاق الموقوف بتهمة قتل جندي من «اليونيفيل» يتفاعل في لبنان

مصادر تتخوّف من الارتدادات السلبية للقرار على مهمة القوات الدولية

عناصر من «اليونيفيل» يحيطون بالسيارة التي قتل فيها الجندي الآيرلندي في ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)
عناصر من «اليونيفيل» يحيطون بالسيارة التي قتل فيها الجندي الآيرلندي في ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

إطلاق الموقوف بتهمة قتل جندي من «اليونيفيل» يتفاعل في لبنان

عناصر من «اليونيفيل» يحيطون بالسيارة التي قتل فيها الجندي الآيرلندي في ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)
عناصر من «اليونيفيل» يحيطون بالسيارة التي قتل فيها الجندي الآيرلندي في ديسمبر 2022 (أ.ف.ب)

تفاعل القرار الذي أصدرته المحكمة العسكرية في لبنان، نهاية الأسبوع الماضي، وقضى بإطلاق سراح محمد عيّاد، المتهم بالتورّط في قتل الجندي الآيرلندي شون روني (23 عاماً) الذي كان ضمن قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان. وأثار القرار استياء الأوساط القانونية والسياسية التي وضعته في سياق الضغط الذي يمارسه «حزب الله» على المحكمة العسكرية. وعياد هو أحد عناصر الحزب.

وكانت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد خليل جابر، أفرجت عن عيّاد، الموقوف الوحيد في قضية قتل الجندي الآيرلندي وجرح ثلاثة من رفاقه، خلال اعتراض دورية تابعة للكتيبة الآيرلندية ليل 14 ديسمبر (كانون الأول) 2022 في بلدة العاقبية (جنوب لبنان)، وجزم مصدر بارز في المحكمة العسكرية بأنه «لا خلفية سياسية للقرار، وأن الإفراج عن عيّاد جاء لأسباب صحيّة كونه يعاني من مرض السرطان، ويحتاج إلى علاج دائم، لا تستطيع إدارة السجن تحمّل تكاليفه».

وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن المحكمة «وافقت على إخلاء سبيل عيّاد لقاء كفالة مالية مرتفعة، وهي مليار و200 مليون ليرة لبنانية (13.300 دولار أميركي)، وهي كفالة ضامنة لمثوله جلسات المحاكمة»، لافتاً إلى أن «دوافع القرار إنسانية، وسبق للمحكمة أن أطلقت سراح عدد كبير من الموقوفين الذين يعانون من أمراض مستعصية، حتى لا تتحمّل تبعات تعريض حياتهم للخطر داخل السجن».

وكانت المحكمة العسكرية عقدت جلسة محاكمة علنية خلال شهر أغسطس (آب) الماضي، استجوبت خلالها عيّاد، الذي نفى إطلاق النار على الجندي الآيرلندي، وأشار إلى أن «حادثة مقتل الجندي جاءت نتيجة إطلاق النار عشوائياً، وليس بهدف القتل». وشدد المصدر القضائي على أن المتهم «سيخضع لجلسات محاكمة إضافية، وإذا صدر حكم وتضمن عقوبة تفوق مدة التوقيف التي أمضاها سيجري اعتقاله مجدداً».

واتهم القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان، عيّاد وأربعة أشخاص آخرين بـ«تأليف جماعة من الأشرار، وتنفيذ مشروع جرمي واحد». واعتبر القرار أن «أفعال كلّ مِن الموقوف عيّاد والأربعة الآخرين الفارين من وجه العدالة تنطبق على الفقرة الخامسة من المادة الـ549 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنصّ على أنه (إذا ارتكب جرم على موظّف رسمي أثناء ممارسته الوظيفة أو في معرض ممارستها أو بسببها يعاقب بالإعدام)».

وقال المتحدث باسم قوات «اليونيفيل» أندريا تيننتي لـ«الشرق الأوسط»، إن المحكمة العسكرية اللبنانية أبلغت «اليونيفيل» أن الموقوف المتهم في الهجوم الذي أدى إلى مقتل الجندي شون روني، «قد تم إطلاق سراحه بكفالة بسبب تدهور حالته الصحية»، وأنه يتعين عليه المثول أمام المحكمة في الجلسة المقبلة المقرر عقدها في 15 ديسمبر المقبل. وأكد تيننتي أن «اليونيفيل» «تواصل المطالبة بالمحاسبة على مقتل الجندي روني، الذي، مثل جميع الهجمات على قوات حفظ السلام، يعد جريمة بموجب القانون الدولي واللبناني». وأشار تيننتي إلى أن المتهمين الآخرين في الاعتداء «ما زالوا طلقاء»، مشيراً إلى «أننا نواصل حثّ السلطات اللبنانية على تقديمهم إلى العدالة وضمان محاسبة جميع الذين ساهموا في مقتل روني، على جريمتهم».

وتخوّف مصدر سياسي في المعارضة اللبنانية من «ارتدادات سلبية لهذا القرار على مصداقية الدولة اللبنانية في معاقبة المعتدين على القوات الدولية». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «إخلاء سبيل الموقوف لن يؤدي إلى تغيير في طبيعة مهمّة (اليونيفيل)، لكنه سيحمل تفسيرات ملتبسة، أقلّه أنه يعطي انطباعاً بأن الدولة توفّر غطاءً لكل من يحاول الاعتداء على (اليونيفيل) أو يخلق أسباباً تخفيفية لجرائم استهدافها».

من جهته، رأى رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، أنّ المحكمة العسكرية يمكن أن تكون قد أسندت قرارها على المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني الّتي تنص على ألا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية 6 أشهر يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل»، لكنه أشار إلى أن «نص المادة 108 استثنى صراحة جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية».

وقال مرقص لـ«الشرق الأوسط»: «من المحتمل أن تكون هيئة المحكمة العسكرية، ودون أن نذهب إلى تبرير قرارها، قد اكتفت بمدة توقيفه، أو رأت عدم توافر نية القتل على اعتبار أنّ فترة التوقيف تكون قريبة من المدة التي سيحكم بها في ظلّ غياب الدليل الكافي الّذي يثبّت النية الجرمية مع تسارع الأحداث الأمنية في إطار الجريمة حينذاك، وبسبب تدهور حالته الصحية بحسب مصادر المحكمة العسكرية».

وأشار الدكتور مرقص إلى أن «إخلاء السبيل الحاصل في ظلّ هذه الظروف لا يدعو إلى الاستغراب مقارنة بسواه من القضايا، فقد سبق أن أخلت المحكمة العسكرية سبيل الموقوف مصطفى حسن مقدم (المتهم باغتيال الملازم أول الطيار سامر حنا بعد أقل من 10 أشهر على توقيفه) لقاء كفالة مالية مقدارها عشرة ملايين ليرة».



انقسام مجتمعي وسياسي عراقي حول زيارة الوفد الأمني إلى دمشق

جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)
جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)
TT

انقسام مجتمعي وسياسي عراقي حول زيارة الوفد الأمني إلى دمشق

جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)
جانب من اجتماع الشرع مع مدير الاستخبارات العراقية (أ.ف.ب)

أحدثت الزيارة التي بدت مفاجئة، وإن كانت متوقعة، والتي قام بها وفد عراقي رفيع المستوى إلى دمشق انقساماً حاداً في العراق. فالوفد الذي ترأسه مدير جهاز المخابرات حميد الشطري كان قد تردّد في الأوساط العراقية أن وفدَيْن غير رسميين سبقاه إلى زيارة سوريا ولقاء القيادة الجديدة.

الانقسام العراقي الحاد مجتمعي وسياسي حول أحمد الشرع، المعروف سابقاً بـ«أبو محمد الجولاني»، ونشاطه في العراق حينما كان منخرطاً في تنظيمات أصولية، نفّذت أعمالاً إرهابية على مدار سنوات.

وحيث يتداخل في العراق الانقسام السياسي بالمجتمعي بسبب الانحيازات الآيديولوجية المسبقة، فإن المشهد العام انقسم بين رؤيتين، سنية متساهلة مع الحكم الجديد في سوريا، وشيعية ترى فيه خطراً قادماً؛ نظراً إلى ماضي الشرع «الجهادي».

الجولاني حتى قبل أن يكشف عن اسمه الحقيقي «أحمد الشرع» كان قد خاطب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عبر رسالة هاتفية دعاه فيها إلى فتح صفحة جديدة مع الثوار الجدد، مبيناً أن جبهته «هيئة تحرير الشام» ليست لديها مطامع في العراق.

السوداني الذي تحدث في البرلمان العراقي عن رؤيته لتطورات الأحداث في سوريا قبل سقوط العاصمة الأموية دمشق بيد الجولاني بيومين تقريباً تجاهل رسالة قائد «هيئة تحرير الشام» إليه.

المتحدثون باسم السوداني انقسموا بين رأي عسكري حاد عبَّر عنه الناطق العسكري باسم القائد العام اللواء يحيى رسول الذي قال إن العراق لا يتواصل مع «إرهابي»، وبين رأي سياسي أقل حدة، وهو رأي أحد المستشارين السياسيين للسوداني الذي قال إن العراق «ينتظر دولة لكي يتفاهم معها».

لكن تطورات الأحداث المتسارعة لم تدع مجالاً للترقب والانتظار. فعلى الفور تحرّك العراق بسرعة سياسياً وأمنياً. أمنياً، عمل على تحصين حدوده لكي لا يتكرر سيناريو 2014 عندما دخل تنظيم «داعش» من الأراضي السورية ليحتل ثلث الأراضي العراقية، وسياسياً عبر زيارات سريعة قام بها السوداني إلى كل من السعودية والأردن، فضلاً عن مشاركته في مؤتمر الدوحة لمجموعة الاتصال العربية.

نذهب أم ننتظر؟

وفي وقت بدأت فيه الوفود العربية والأجنبية تتدفق على سوريا الشرع، فإن العراق المجاور والأكثر اهتماماً بالوضع السوري لم يرسل وفداً إلى دمشق مع أن دمشق وطبقاً لكل المؤشرات كانت تنتظر الوفد العراقي ربما أكثر من بقية الوفود. المعلومات شبه المؤكدة تشير إلى حصول لقاءات سرية مع الشرع من قِبل شخصيات عراقية، لكن لم يعرف فيما إذا كانت هذه الشخصيات قد أُرسلت من قِبل السوداني شخصياً أم هي من تبرّعت لجس النبض نتيجة علاقات لبعض هذه الشخصيات مع الطرف القوي الحالي في المعادلة السورية وهم الأتراك. السوداني وفريقه السياسي يراقبون التطورات والتحديات والانقسامات في الرأي العام العراقي السياسي والمجتمعي. ولذلك؛ فإن إرسال وفد في وقت مبكر بدا نوعاً من الاستعجال الذي لم يرد من خلاله السوداني زيادة شرخ الانقسام المجتمعي داخل العراق. وبين الترقب والانتظار من جهة وحسم الموقف من الوضع الجديد في سوريا جاءت زيارة الوفد العراقي رفيع المستوى.

أمني أم سياسي؟

الطريقة التي استقبل بها الشرع رئيس الوفد العراقي مدير جهاز المخابرات حميد الشطري بدت لافتة. فالاستقبال بدا تجاوزاً للبروتوكول سواء لجهة خروج الشرع خارج المكتب واستقباله الشطري عند بوابة القصر، فضلاً عن وضع العَلم العراقي إلى جانب العَلم السوري، بينما الشطري ليس نظيراً للشرع بروتوكولياً، لكن ذلك كله يعكس طريقة اهتمام سوري بالزائر العراقي الغامض؛ كونه مديراً لجهاز المخابرات، وكان سيتحدث بما يتجاوز دوره طبقاً للرسالة التي حملها من رئيسه السوداني إلى الشرع.

الشرع مستقبلاً مدير الاستخبارات العراقية في دمشق الخميس (أ.ف.ب)

ومع أن العراقيين عبّروا عن ارتياحهم لطريقة وأسلوب الاستقبال، لكنهم في النهاية وجدوا ما ينقسمون بشأنه مرة أخرى. ففي حين بدا الشطري رابط الجأش وهو يمدّ يده لمصافحة الشرع في وقت لم يكتفِ فيه الشرع بالمصافحة، بل هو من بادر بتقبيل الشطري، فإن اللقطة التي ظهر فيها الشرع وهو ينحني مقبلاً الشطري وهو يحمل مسدساً بكاتم للصوت على ظهره تحت السترة فتحت باب الجدل من جديد. فهناك من عدّ أن «أبو طبع ما يغير طبعه»؛ نظراً إلى خلفية الشرع في التنظيمات المسلحة، وهنا من رأى أنها في كل الأحوال رسالة سلبية ليست في وقتها ولا محلها. وبين هذا وذاك، فإن الانقسام الآخر بين العراقيين هو قول البعض إن الوفد أمني فقط، في حين هناك من رأى أن الوفد سياسي. وبين ما هو أمني وسياسي سوف يستمر الجدل العراقي لفترة مقبلة حتى يحسم الأمر خطوة أخرى بين دمشق وبغداد.

ضغوط أميركية

وفي وقت التزمت فيه القيادات السنية والكردية الصمت حيال زيارة الوفد العراقي إلى دمشق؛ مما يفسّر أنه رضا فإن الشيعة انقسموا بين مؤيد صامت للزيارة ورافض معلن لها حتى ضمن قوى «الإطار التنسيقي الشيعي». فطبقاً لتصريحات أدلى بها، الجمعة، قياديون من منظمة «بدر» بزعامة هادي العامري و«ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، تمت الزيارة بناءً على ضغوط أميركية.

جندي عراقي على الحدود الغربية مع سوريا (أ.ف.ب)

مسؤول القاطع الشمالي في منظمة «بدر» محمد مهدي البياتي، قال في تصريح، أمس، إن «لقاء وفد العراقي مع الشرع يأتي في سياق الضغوط الأميركية الرامية إلى تبييض صفحته وتبرئته من الجرائم التي ارتكبها في العراق والمنطقة؛ بهدف فرض أمر واقع جديد»، واصفاً الشرع بأنه «إرهابي».

وأضاف البياتي، أن «سياسة فرض المجرمين وأصحاب السوابق على الشعوب ليست بالأمر الجديد في الاستراتيجية الأميركية، بل تمثل نهجاً قديماً ومستمراً يعكس سعيها الدائم إلى دعم شخصيات تتماشى مع تاريخها الحافل بالجرائم». وانتقد البياتي، اللقاء الذي وصفه بأنه «يشكّل وصمة عار جديدة تُضاف إلى سجل الولايات المتحدة المظلم ومن يسايرها من الحكومات».

أما القيادي في ائتلاف دولة القانون عصام الكريطي، فقد أكد من جانبه أن إرسال الحكومة العراقية وفداً رسمياً يمثّلها إلى دمشق واجتماعه مع الإدارة السورية الجديدة، جاء بضغوطات أميركية.