واشنطن تسعى لإحباط طموح موسكو لتصبح مصدّراً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال

بعدما أضافت مشروع «القطب الشمالي» إلى عقوباتها على روسيا المرتبطة بالحرب في أوكرانيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التنفيذي لشركة «نوفاتيك» ليونيد ميخيلسون خلال حضورهما حفل إطلاق مشروع «الغاز الطبيعي المسال 2 في القطب الشمالي» في 20 يوليو (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التنفيذي لشركة «نوفاتيك» ليونيد ميخيلسون خلال حضورهما حفل إطلاق مشروع «الغاز الطبيعي المسال 2 في القطب الشمالي» في 20 يوليو (رويترز)
TT

واشنطن تسعى لإحباط طموح موسكو لتصبح مصدّراً رئيسياً للغاز الطبيعي المسال

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التنفيذي لشركة «نوفاتيك» ليونيد ميخيلسون خلال حضورهما حفل إطلاق مشروع «الغاز الطبيعي المسال 2 في القطب الشمالي» في 20 يوليو (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التنفيذي لشركة «نوفاتيك» ليونيد ميخيلسون خلال حضورهما حفل إطلاق مشروع «الغاز الطبيعي المسال 2 في القطب الشمالي» في 20 يوليو (رويترز)

تستهدف الولايات المتحدة بشكل مباشر قدرة روسيا على تصدير الغاز الطبيعي المسال للمرة الأولى، في خطوة قد تسبب اضطرابات في أسواق الطاقة العالمية، تحرص واشنطن حتى الآن على تجنبها، وفق ما ذكرت صحيفة «فايننشيال تايمز» يوم الأحد.

وقد واصلت الدول الأوروبية استيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي، حتى بعد الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي، والذي تسبب في أزمة طاقة، بعد أن خفضت موسكو إمدادات خطوط الأنابيب إلى القارة. وحتى وقت قريب، سعت الولايات المتحدة إلى تجنب تعطيل التدفقات، حتى لا تزيد الضغط على الحلفاء الذين يكافحون النقص.

لكن في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية فرض عقوبات على تطوير روسي جديد يعرف باسم «القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2»، وهو ما يعني في الواقع منع دول في أوروبا وآسيا من شراء غاز المشروع عندما يبدأ إنتاجه العام المقبل، وفقاً لمسؤولين ومحامين ومحللين إلى الصحيفة البريطانية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد توقع في منتدى الشرق الاقتصادي الذي انعقد في مدينة فلاديفوستوك، في سبتمبر الماضي، أن ينتج القطب الشمالي في روسيا 64 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2030.

وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلن بوتين إطلاق الخط الأول من مشروع «أركتيك إل إن جي 2» (أركتيك للغاز المسال 2) وهو مشروع هائل للغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي.

وقال فرنسيس بوند، المتخصص في العقوبات في شركة «ماكفارلانيس» للمحاماة، إنه من خلال استهداف مشغل المشروع، تسعى الولايات المتحدة إلى «تسميم المشروع بالكامل» وستمارس «ضغوطاً على أي شركات غير أميركية تخطط لشراء التدفقات من (القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2)».

وفي حين فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات على مشاريع الطاقة الروسية في الماضي، رداً على الحرب في أوكرانيا، في محاولة لـ«تجويعها» من التمويل والمعدات، فإن هذه هي المرة الأولى التي تتأثر فيها إمدادات الغاز الطبيعي المسال بشكل مباشر.

وسعى المسؤولون الأميركيون إلى التفريق بين الإمدادات الحالية وتلك التي من المقرر طرحها في السوق بالمستقبل القريب نسبياً؛ لكنهم أقروا بأن الهدف هو الإضرار بقدرة روسيا على الاستفادة والربح من بيع مزيد من الوقود الأحفوري.

وقالت وزارة الخارجية: «ليست لدينا مصلحة استراتيجية في خفض المعروض العالمي من الطاقة، الأمر الذي من شأنه رفع أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم وتحقيق أرباح (فلاديمير) بوتين... ومع ذلك، نحن وحلفاؤنا وشركاؤنا نتشارك مصلحة قوية في إضعاف مكانة روسيا كمورد رئيسي للطاقة بمرور الوقت».

سيكون «الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي 2»، الواقع في شبه جزيرة جيدان بالقطب الشمالي الذي يسمح له بالتصدير إلى كل من السوق الأوروبية والآسيوية، ثالث مشروع كبير للغاز الطبيعي المسال في روسيا، مما يعزز طموح الكرملين في أن يصبح مصدّراً رائداً في هذا المجال، وفق تقرير «فايننشيال تايمز». وعند الإنتاج الكامل، ستشكل خمس هدف روسيا لإنتاج 100 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً بحلول عام 2030، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حجم صادرات البلاد الآن.

لقد كان من المتوقع أن يبدأ المشروع في شحن الغاز الطبيعي المسال إلى السوق الدولية في الربع الأول من عام 2024. وقال محللون في السوق إن هذه الكميات ستخفف بعض الضيق في سوق الغاز الطبيعي المسال العالمي، الناجم عن زيادة الطلب في أوروبا.

لكن شركة «إنرجي سابيرشن»، وهي شركة استشارية، قالت إنها ستزيل إنتاج الغاز الطبيعي المسال المتوقع في «القطب الشمالي 2» من نمذجتها للعرض والطلب للعام المقبل، قائلة إن العقوبات ستشدد السوق.

ويقود «القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2» شركة «نوفاتيك» الروسية الخاصة التي تمتلك حصة 60 في المائة. والمساهمون الآخرون هم: «توتال إنرجيز» الفرنسية، وشركتان صينيتان مملوكتان للدولة، ومشروع ياباني مشترك بين «ميتسوي وشركاه» و«جوغميك» المدعومة من الحكومة، ويمتلك كل منهما حصصاً بنسبة 10 في المائة.

وقالت شيستاه أختار، الشريك والمتخصص في العقوبات بمكتب المحاماة «ميشكون دي ريا»، إن القيود الأميركية ستعيق المشروع في الواقع للمشترين الغربيين.

وأضافت: «إذا كنت ستمتثل للعقوبات الأميركية، كما يفعل معظم الناس إذا كان لديهم أي نوع من التعاملات مع الولايات المتحدة، فلن يشتروا الغاز القادم من المشروع. ما لم يكن لديك نوع من الترخيص أو الإعفاء».

يمكن للمستثمرين في «القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2» أخذ الغاز من المشروع وفقاً لمساهمتهم. بالنسبة لشركة «توتال» وشركائها في المشروع المشترك، فإن ذلك يعني نحو 2 مليون طن عندما يكون المشروع في مرحلة الإنتاج الكامل. لكن في ظل العقوبات، أمام المساهمين حتى نهاية يناير (كانون الثاني) من العام المقبل لإنهاء استثماراتهم.

وقال كوشال راميش، رئيس تحليلات الغاز الطبيعي المسال في «ريستاد إنرجي»، إن المستثمرين المتحالفين مع الغرب «يمكن أن يتقدموا بطلب للحصول على إعفاءات مع تواريخ خفض تدريجي». قد يسمح هذا لبعض الغاز الطبيعي المسال بالتدفق من المشروع إلى الأسواق المتحالفة مع الغرب، بطريقة مماثلة لكيفية تفويض اليابان باستيراد النفط الخام الروسي من مشروع «سخالين 2» فوق الحد الأقصى للسعر.

وقالت «ميتسوي» إن الشركة «ستمتثل لقانون العقوبات فيما يتعلق بعمليات استخراج الغاز الطبيعي المسال»، وإنها «تدرس حالياً تفاصيل محددة». وقالت «جوغميك» إنها «تجمع معلومات من أصحاب المصلحة، وتجري تحقيقاً شاملاً في تقدم الوضع».

أما «توتال» فقالت: «يجري حالياً تقييم عواقب التسمية... من قبل السلطات الأميركية، على الالتزامات التعاقدية لـ(توتال إنرجيز للغاز الطبيعي المسال 2)».

وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، متحدثاً في حدث يوم الخميس، إن العقوبات «لا تشكل أي خطر كبير على إمدادات الغاز الأوروبية» حتى الآن. ومع ذلك، قال وزير الصناعة الياباني ياسونوري نيشيمورا الأسبوع الماضي، إن درجة معينة «من التأثير على اليابان أمر لا مفر منه».

ولم تستهدف الولايات المتحدة بشكل مباشر مشاريع الغاز الطبيعي المسال الرئيسية الأخرى في روسيا: «يامال» للغاز الطبيعي المسال، و«سخالين 2» التي تقوم بشحن الوقود إلى أوروبا وآسيا.

من جهتها، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، يوم الخميس، أن بلادها ستواصل العمل على تطوير مشروع «أركتيك للغاز المسال 2» بغض النظر عن العقوبات الأميركية الأخيرة.

وقالت: «مجمع الوقود والطاقة الروسي أصبح الهدف الرئيسي لسياسات العقوبات الغربية. وهذا المشروع (أركتيك للغاز المسال 2) ليس استثناء؛ لكن رغم جميع التحديات أظهرت الشركات الروسية أنها قادرة على التغلب على العقبات بنجاح».


مقالات ذات صلة

تركيا تحصل على إعفاء أميركي من العقوبات على مدفوعات الغاز لروسيا

الاقتصاد خط أنابيب الغاز الروسي المتجه إلى تركيا (إعلام تركي)

تركيا تحصل على إعفاء أميركي من العقوبات على مدفوعات الغاز لروسيا

أعفت الولايات المتحدة تركيا من العقوبات التي تفرضها على بنك «غازبروم» فيما يخص مدفوعاتها عن واردات الغاز الطبيعي من روسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المقر العام لـ«غازبروم» في موسكو (رويترز)

بوتين يسمح لمشتري الغاز الأجانب بالدفع لغير «بنك غازبروم» لتفادي العقوبات

أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما اليوم الخميس يسمح للمشترين الأجانب للغاز الروسي بالدفع بالروبل في بنوك روسية أخرى، وليس فقط من خلال بنك غازبروم.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الاقتصاد نموذج لناقلة غاز طبيعي مُسال أمام عَلم الصين (رويترز)

واردات الصين من الغاز الطبيعي المُسال تتراجع بأعلى معدل منذ عامين

تراجعت واردات الصين من الغاز الطبيعي المُسال بأعلى نسبة منذ نحو عامين نتيجة ارتفاع الأسعار، في الوقت الذي زاد الطلب خلاله على الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد «أركيوس للطاقة» ستُركز على تطوير أصول الغاز الإقليمية لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في المنطقة (الشرق الأوسط)

«بي بي» البريطانية و«إكس آر جي» الإماراتية تعلنان استكمال تأسيس «أركيوس للطاقة»

أعلنت «بي بي BP» البريطانية و«XRG» الإماراتية اليوم عن استكمال تأسيس الشركة الجديدة «أركيوس للطاقة» وهي عبارة عن منصة الغاز الطبيعي الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )

فرنسا تضيف أول مفاعل نووي إلى شبكة الكهرباء منذ 25 عاماً

مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)
مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تضيف أول مفاعل نووي إلى شبكة الكهرباء منذ 25 عاماً

مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)
مفاعل «EPR» النووي من الجيل الثالث في فلامانفيل (أ.ف.ب)

قالت شركة الكهرباء الفرنسية، المملوكة للدولة، إن فرنسا ربطت مفاعل «فلامانفيل 3» النووي بشبكتها، صباح السبت، في أول إضافة لشبكة الطاقة النووية في البلاد منذ 25 عاماً.

وبدأ المفاعل العمل في سبتمبر (أيلول) الماضي، قبل توصيله بالشبكة، وسيدخل الخدمة بعد 12 عاماً من الموعد المخطط له في الأصل، وبتكلفة نحو 13 مليار يورو (13.56 مليار دولار) أي أربعة أمثال الميزانية الأصلية.

وقالت شركة الكهرباء الفرنسية في بيان السبت: «نجحت فرق شركة الكهرباء الفرنسية في توصيل مفاعل (فلامانفيل) الأوروبي المضغوط بالشبكة الوطنية في الساعة 11:48 صباحاً (10.48 بتوقيت غرينتش). ويولد المفاعل الآن الكهرباء».

يعد مفاعل «فلامانفيل 3» الأوروبي المضغوط أكبر مفاعل في فرنسا بقدرة 1.6 غيغاواط وأحد أكبر المفاعلات في العالم، إلى جانب مفاعل «تايشان» الصيني بقدرة 1.75 غيغاواط، الذي يعتمد على تصميم مماثل، ومفاعل «أولكيلوتو» الفنلندي.

والمفاعل يعد أول محطة يتم توصيلها بالشبكة الرئيسية في فرنسا، منذ «سيفو 2» في عام 1999، لكنها تدخل الخدمة في وقت من الاستهلاك البطيء للكهرباء في الوقت الحالي، إذ تصدّر فرنسا كمية قياسية من الكهرباء هذا العام.

وتخطط شركة «إي دي إف» لبناء 6 مفاعلات جديدة أخرى للوفاء بتعهد عام 2022 الذي قطعه الرئيس إيمانويل ماكرون كجزء من خطط التحول في مجال الطاقة في البلاد، على الرغم من أن هناك الكثير من التساؤلات لا تزال قائمة حول تمويل وجدول زمني للمشاريع الجديدة.