إسرائيل تدفع خطر الديموغرافيا بمحاولة تغيير الجغرافيا

لا تمل من طرح «تهجير غزة»... ومصر لا تكل في رفضه

الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)
الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)
TT

إسرائيل تدفع خطر الديموغرافيا بمحاولة تغيير الجغرافيا

الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)
الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)

في مقابلة مع صحيفة «هآرتس» عام 2019، قال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، وهو من أوائل من فضح بالتوثيق وجود خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عام 1948: «لا أعرف كيف سنخرج من هذا المأزق الديموغرافي، فهناك اليوم عدد أكبر من العرب مقارنة باليهود بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. إننا نسير نحو دولة واحدة ذات غالبية عربية، وهو وضع نحكم بموجبه شعباً محتلاً من دون حقوق. هذا وضع لن يسود في القرن الحادي والعشرين».

مع دويّ صوت القصف الإسرائيلي بلا انقطاع على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعلى وقع عودة الحشود العسكرية الأميركية إلى المنطقة في استعراض لافت للقوة، تبرز مخاوف من نكبة فلسطينية جديدة. إلا أن وجهة المنكوبين لن تكون كما في عامي 1948 و1967 شرقاً أو شمالاً، بل يخطط لها أن تكون هذه المرة باتجاه شبه جزيرة سيناء المصرية.

سيناء التي لم تفارقها الأطماع الإسرائيلية رغم مرور 50 سنة على تحريرها بالسلاح، واستكمال المهمة لاحقاً بالسلام. والأطماع الإسرائيلية هذه المرة في سيناء تتجه إليها كوجهة أخيرة وأبدية لتصفية «التحدي الديمغرافي الفلسطيني» الذي طالما أرّق الإسرائيليين. فاليمين الصهيوني لا يرغب في إقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، ويفعل كل ما بوسعه لتهجير أصحاب القضية من أرضهم والاستيلاء على كامل الأرض ومنع وجود غالبية فلسطينية عليها، لكن الصمود الفلسطيني على الأرض يبدو تحدّياً كبيراً.

آريئيل شارون (آ ب)

«طوفان الأقصى»

عملية «طوفان الأقصى» بدت فرصة يسعى اليمينيون في إسرائيل لانتهازها من أجل التخلص من ذلك التحدّي «مرة واحدة وإلى الأبد» وفق أحد واضعي مشاريع تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار. وهو المشروع الذي يخرج من أدراج حكومة نتنياهو - الأخيرة على ما يبدو - كمحاولة لإحراز نصر يبقيه في ذاكرة التاريخ الإسرائيلي، قبل أن يتوارى طويلاً وراء أسوار السجن والنسيان.

واللافت أن مشاريع تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء، التي لم تملّ دوائر إسرائيلية من طرحها بصيغ مختلفة، والتي تقابل في كل مرة برفض مصري لا يكلّ، برزت كذلك كمحاولات من جهات غير إسرائيلية أحياناً. وحقاً، تبدو المحاولة الحالية «الأخطر»، ربما لأنها ترتبط بأجواء دولية تراها إسرائيل «مواتية»، وظروف إقليمية «ملبّدة بالغيوم»، ما استوجب التصدي لذلك الخطر تعاملاً مصرياً مغايراً من حيث الوسائل، وإن لم يختلفْ من حيث الغايات.

تهجير بصبغة دولية

أول مشاريع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء جاء في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، بعد فرار 200 ألف لاجئ فلسطيني من فلسطين التاريخية إلى غزة بحلول مارس (آذار) 1949، ويومها وُضع مخطط أمني بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات آلاف الفلسطينيين في سيناء، ونوقشت الفكرة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

الولايات المتحدة دفعت حينذاك عبر جون بلاندفورد، وهو صانع سياسات أميركي مخضرم، باتجاه اقتراح للأمم المتحدة لإعادة توطين عشرات الآلاف في صحراء سيناء. وكانت «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) المؤسسة حديثاً أجرت مسوحاً في تلك الفترة لاستكشاف مخططات استصلاح الصحراء في سيناء، شرق قناة السويس مباشرة، كوجهة مقترحة لتوطين الفلسطينيين. وتضمّنت الخطة أن يشارك اللاجئون في مشاريع التنمية الزراعية الجديدة و«يُعاد إدماجهم» في الاقتصاد المصري.

وبالفعل، خصّصت واشنطن الجزء الأكبر من التمويل للمشروع، الذي قدر بنحو 30 مليون دولار عام 1955، لكن انتفاضة الفلسطينيين فيما عُرف بـ«هبّة مارس» أجهضت المشروع قبل أن ترفضه مصر.

بعدها، إبّان احتلال إسرائيل لسيناء (1967 - 1973) حاولت إسرائيل استغلال سيطرتها على الأرض، في تهجير آلاف الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية المحتلة آنذاك، فيما عُرف بـ«مشروع العريش» عام 1970. ووفق تقرير نشره جوناثان أدلر، الباحث في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحت عنوان «جنوباً إلى سيناء... هل ستجبر إسرائيل الفلسطينيين على الخروج من غزة؟»، سعى قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الإسرائيلي أرئيل شارون - الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء - إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه الذين كان عددهم آنذاك 400 ألف مواطن، فنقل نحو 16 ألف فلسطيني من عائلات غزة في حافلات تابعة للجيش إلى سيناء.

الرئيس الراحل السابق حسني مبارك (آب)

عروض سنوات السلام

لم تفلح سنوات السلام بين مصر وإسرائيل في إبعاد الرغبة الإسرائيلية القديمة المتجدّدة في التخلّص من عبء قطاع غزة بإلقائه على مصر. بل ربما كانت سنوات ما بعد مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1977 بزيارة القدس، وإطلاق عملية السلام، فرصة سعت إسرائيل لانتهازها.

وكما يشير الدكتور سعيد عكاشة، خبير الشؤون الإسرائيلية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» لـ«الشرق الأوسط»، عرضت إسرائيل والولايات المتحدة على الرئيس السادات خلال مباحثات السلام فكرة توطين سكان قطاع غزة في جزء من أراضي سيناء مقابل الحصول على مساحة مقابلة من صحراء النقب، فأبدى الرئيس المصري موافقة مبدئية شريطة أن يختار هو الموقع المناسب لتبادل الأراضي، فوافقوا. وعندها اختار السادات منطقة ميناء إيلات، الميناء الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، فلم يعُدْ الإسرائيليون لطرح الفكرة مجدّداً.

ووفق وثائق بريطانية متعددة أفرِج عنها خلال السنوات الماضية، ونشرت شبكة «البي بي سي» جزءاً منها، تعدّدت «مشاريع» تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وبعضها جاء في سياق لقاءٍ بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ورئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر، في طريق عودة الأول إلى مصر بعد لقائه مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في فبراير (شباط) 1983، والبعض الآخر جاء من إسرائيل مباشرة، مثل مشروع عام 2000، عندما قدّم غيورا أيلاند - اللواء في الاحتياط الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي - مشروعاً باسم «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، ونشرت أوراقه في «مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية».

بموجب ذلك المشروع تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وتمتد بطول الساحل من مدينة رفح غرباً حتى حدود مدينة العريش، مقابل حصولها على مساحة مساوية في صحراء النقب. لكن، حسب عكاشة، رفض الرئيس المصري (وقتها) حسني مبارك المشروع. وتجدّد الأمر عام 2010، خلال لقاء لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس المصري، لكن الأخير قال في تسريب صوتي نُسب إليه عام 2017، إنه رفض فكرة توطين الفلسطينيين في مصر رفضاً قاطعاً.

ومع وصول تنظيم «الإخوان» إلى الحكم عام 2013، أشارت مجلة «فورين بوليسي» إلى أن الرئيس الأسبق محمد مرسي قبل عرضاً أميركياً حمله وزير الخارجية (آنذاك) جون كيري، يقضي بموافقة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي على شطب الديون الخارجية لمصر مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء، وهو ما أكده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال كلمة ألقاها أمام الدورة الـ23 للمجلس الوطني التي عُقدت في مقر الرئاسة برام الله مطلع مايو (أيار) 2018.

تنفيذ «نكبة ثانية»

اليوم، وسط حالة الغضب التي تسيطر على العقل الإسرائيلي منذ هجمات 7 أكتوبر الماضي، يبدو أن الهدف المعلن بشأن القضاء على «حماس» لم يكن الوحيد في «بنك الأهداف» الإسرائيلية. إذ يقول جوناثان أدلر: «من الواضح على نحو متزايد أن الحرب تسعى إلى تحقيق هدف ثانٍ؛ الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة». لقد دعا سياسيون إسرائيليون ومسؤولون من مؤسسة الدفاع الإسرائيلية إلى تنفيذ «نكبة ثانية» وحثوا الجيش على تسوية غزة بالأرض. واقترح البعض، ومنهم العميد السابق أمير أفيفي والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة داني أيالون، على الفلسطينيين الفرار من غزة عبر معبر رفح مع مصر والبحث عن ملجأ في شبه جزيرة سيناء.

ويصر أفيفي وأيالون على أن إجلاء الفلسطينيين من غزة مجرد «إجراء إنساني»، لحماية المدنيين، بينما تشن إسرائيل عملياتها العسكرية. لكن تقارير أخرى - وفق أدلر- تشير إلى أن المنوي إعادة توطين الفلسطينيين بشكل دائم خارج غزة في عملية «تطهير عرقي». وفي 17 أكتوبر، نشر «معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية»، وهو مركز أبحاث إسرائيلي أسسه ويرأسه مسؤولون سابقون في مجال الدفاع والأمن، ورقة بحثية تحث الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة من «الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله» وإعادة توطين الفلسطينيين في مصر بمساعدة الحكومة المصرية.

كذلك ظهرت تدوينة للصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين - الذي يوصف بأنه مقرّب من دوائر الاستخبارات الإسرائيلية - يدعو فيها سكان غزة للهروب إلى مصر والنجاة بحياتهم، وتطرّق في تدوينة أخرى إلى إمكانية «توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر».

وبشكل منفصل، أوصت وثيقة مسرّبة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية يوم 13 أكتوبر، بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسراً في شمال سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم. وتزامنت الوثيقة مع حملة قادها أمير وايتمان - وهو بحسب تقرير نشرته صحيفة «كالكاليست» الإسرائيلية الأسبوع الماضي، زعيم الليبراليين في حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو - وتدعو حملة وايتمان إلى نقل سكان غزة إلى مصر، إذ يقترح أن «تستثمر إسرائيل مليارات الدولارات في شراء شقق بمصر لصالح سكان غزة»، معتبراً المال بمثابة «ثمن تدفعه إسرائيل لشراء غزة».

رفض مصري صارم

لئن كان الرفض هو الموقف المصري الدائم، فإنه كان دائماً غير معلن، ولم يكشف النقاب عنه إلا بعد سنوات. غير أن الرفض المصري هذه المرة «علني ومتكرّر» وجاء في غير مناسبة، بعضها في مواجهة مسؤولين أميركيين بارزين، كما عندما استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. إذ كانت جلسة المباحثات علنية، وأكد الرئيس المصري الرفض الحاسم لأي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار عبر تهجير السكان في الأراضي المحتلة إلى مصر والأردن. وتحول هذا الرفض والموقف الصارم إلى أحد ثوابت الخطاب السياسي المصري خلال الأسابيع الأخيرة، وخاصة في الاتصالات المصرية إقليمياً ودولياً. ومنها الاتصال الثالث للرئيس المصري خلال أقل من أسبوعين مع نظيره الأميركي جو بايدن، الذي أكد فيه رفض واشنطن تهجير الفلسطينيين.

إلا أن هذا الموقف لم يطمئن المسؤولين المصريين، الذين واصلوا التحرك المناهض لمشروع التهجير على أكثر من مستوى وجبهة. وهنا يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إن تحرك الدولة المصرية لمواجهة مساعي تهجير الفلسطينيين «يبدو منسقاً». ويتابع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تحركات القاهرة السياسية والعملية على الأرض «أتت ثمارها»، ونجحت في انتزاع مواقف أميركية واضحة بشأن رفض تهجير الفلسطينيين.

أيضاً، حسب فهمي، استفادت التحركات المصرية من استعدادات وتحركات مسبقة شهدتها السنوات العشر الماضية، من خلال تحديث القوات المسلحة وتطوير تسليحها، وتعمير سيناء وإطلاق أكبر مشاريع التنمية التي عرفتها عبر تاريخها، فضلاً عن بسط سيطرتها على كل مناطق سيناء بعد اجتثاث التنظيمات الإرهابية منها، وهو ما منح الإدارة المصرية «القدرة على مواجهة مشاريع التهجير بتماسك ظاهر وسيطرة على الأرض».

كذلك تحركت مصر عبر التصعيد المبكر لرفض الفكرة قبل تحولها إلى واقع، وتنويع أدوات التعبير عن ذلك من خلال تصريحات رسمية مباشرة أو مواقف تُنسب إلى «مصادر مسؤولة»، إضافة إلى نزع فتيل الذريعة الإنسانية لتبرير تدفق الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، خاصة في ظل الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل على القطاع. وفعلاً، سعت القاهرة إلى لعب دور إنساني سريع ومكثف، بالتنسيق مع المنظمات الدولية.

واتخذ التحرك المصري كذلك خطوات على الأرض، منها حشد الجبهة الداخلية لإبراز تماسك الموقف المصري رسمياً وشعبياً وراء قرار رفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وسُمح بمظاهرات شعبية في كثير من المحافظات المصرية.

وزار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي شمال سيناء، بصحبة عشرات المسؤولين والسياسيين، وبينهم شخصيات تنتمي لأحزاب معارضة، إضافة إلى شخصيات إعلامية وفنية لإطلاق المرحلة الثانية من مشروع تنمية سيناء، التي ستتكلف أكثر من 360 مليار جنيه (نحو 12 مليار دولار) في رسالة واضحة على إصرار البلاد على استكمال تنمية سيناء، وقدرتها الاقتصادية على تحقيق ذلك. ولقد جدد مدبولي التأكيد على الرفض المصري لأي أفكار أو مخططات بشأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مشدداً خلال لقائه شيوخ وعواقل سيناء بمقر الكتيبة 101 بالعريش، أن سيناء «ستبقى بقعة غالية في قلب كل مواطن»، وأعرب عن «استعداد الشعب المصري لبذل ملايين الأرواح لحماية سيناء». كما أكدت مصر جاهزيتها العسكرية في أكثر من مناسبة، منها اصطفاف تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة بالسويس للجيش الثالث الميداني، الذي شهده الرئيس السيسي في 25 أكتوبر الماضي، وأكد في كلمة له أن «الجيش المصري بقوته وقدرته المتعقلة والرشيدة والحكيمة لا يطغى ولا يسعى خلف أوهام، وأن هدفه حماية مصر وأمنها القومي دون تجاوز».


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة» تختمر... وتنتظر الإعلان

المشرق العربي 
فلسطينيون يقفون أمام سيارة مدمرة وسط أنقاض مبنى منهار بعد قصف إسرائيلي في مدينة غزة أمس (أ.ف.ب)

«هدنة غزة» تختمر... وتنتظر الإعلان

اختمرت على نحو كبير، حتى مساء أمس، ملامح اتفاق لوقف إطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل بعد 15 شهراً من الحرب، وسط ترجيحات كبيرة بقرب إعلانه.

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (غزة) علي بردى (واشنطن)
المشرق العربي الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن في واشنطن (أ.ب) play-circle 01:45

بلينكن لتسليم ترمب «خطة متكاملة» لغزة ما بعد الحرب

حض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المجتمع الدولي على دعم خطته لما بعد الحرب في غزة، كاشفاً أنها ستسلم إلى الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (د.ب.أ)

وزير الخارجية المصري: نأمل التوصل لاتفاق بشأن غزة في أسرع وقت ممكن

قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إن الوقت قد حان لتوفر الإرادة السياسية لدى كافة الأطراف للتوصل لاتفاق بشأن غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة (أ.ف.ب)

«حماس»: ارتياح بين قادة الفصائل الفلسطينية لمجريات مفاوضات الدوحة

قالت حركة «حماس» إن محادثات وقف إطلاق النار في غزة وصلت إلى مراحلها النهائية، وعبرت عن أملها في أن «تنتهي هذه الجولة من المفاوضات باتفاق واضح وشامل».

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) play-circle 01:33

نتنياهو يعقد اجتماعاً مع سموتريتش اليوم لبحث تفاصيل اتفاق غزة

قالت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية اليوم، إن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لمغادرة الحكومة إذا أبرمت صفقة في غزة.

شرق الاوسط (تل أبيب)

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
TT

رؤساء لبنان تفرضهم المتغيّرات الإقليمية

 جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)
جوزيف عون ... رئيساً (رويترز)

لم يكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في لبنان بعد أكثر من سنتين على الشغور ليحصل راهناً لولا المتغيرات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. إذ إن «الثنائي الشيعي»، المتمثل في حركة «أمل» و«حزب الله»، تمسّك بمرشحه رئيس تيار «المرَدة»، سليمان فرنجية، طوال الفترة الماضية، بينما امتنع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وزعيم «أمل»، عن الدعوة لأي جلسة انتخاب لعام كامل رابطاً أي جلسة جديدة بحوار وتفاهم مسبق. غير أن الوضع تغيّر، عندما ترك «الثنائي» تشدده الرئاسي جانباً بعد الحرب القاسية التي شنتها إسرائيل على «حزب الله»، وأدت لتقليص قدراته العسكرية إلى حد كبير، كما حيدّت قادته الأساسيين وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصر الله. ثم أتى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، الحليف الأساسي لـ«حزب الله» وإيران ليقطع «طريق طهران - بيروت» التي كانت الطريق الوحيدة لإمداد الحزب برّاً بالسلاح والعتاد، ليؤكد أن النفوذ الإيراني في المنطقة اندحر... ما اضطر حلفاء طهران في بيروت إلى إعادة حساباتهم السياسية. ولعل أول ما خلُصت إليه حساباتهم الجديدة، التعاون لانتخاب قائد الجيش، المدعوم دولياً، رئيساً للبلاد.

لدى مراجعة تاريخ لبنان المستقل، يتبيّن أن التدخل الخارجي في الانتخابات الرئاسية اللبنانية ليس أمراً طارئاً على الحياة السياسية في البلاد، بل هو طبع كل المسار التاريخي للاستحقاقات الرئاسية اللبنانية.

ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أن «الخارج، منذ أيام بشارة الخوري، الرئيس الأول بعد استقلال لبنان عام 1943، كانت له الكلمة الأساسية في اختيار الرؤساء في لبنان وفرضهم. ويضيف: «الانتخابات لا تحصل بتوافقات داخلية... بل يبصم مجلس النواب على قرارات خارجية».

ويشرح أن الخوري انتُخب في مرحلة كان فيها التنافس البريطاني الفرنسي في أوجه، وكان البريطانيون يحاولون جاهدين وضع حد لنفوذ باريس في المشرق. ولذا، تعاونوا مع «الكتلة الوطنية» في سوريا والحكم الهاشمي في العراق والحكم في مصر ومع «الكتلة الدستورية» في لبنان، عندما كانت المنافسة على الرئاسة الأولى محتدمة بين إميل إده المدعوم فرنسياً، وبشارة الخوري المدعوم بريطانياً ومن حلفائهم العرب، وبما أن فرنسا كانت دولة محتلة وخسرت الحرب، نجح المرشح الرئاسي اللبناني الذي يريده البريطانيون الذين سيطروا يومذاك على منطقة الشرق الأوسط.

انتخاب كميل شمعون

ويلفت غانم، الذي حاورته «الشرق الأوسط»، إلى أنه بعد هزيمة الجيوش العربية في «حرب فلسطين» عام 1948، برز تنافس أميركي - بريطاني للسيطرة على المنطقة، فبدأت تسقط أنظمة سواء في مصر أو سوريا، وتبلور محور مصري - سعودي في وجه محور أردني - عراقي مدعوم بريطانياً. وفي ظل الاضطرابات التي كانت تشهدها المنطقة وإصرار الخوري على الحياد في التعامل مع سياسة الأحلاف، سقط الخوري، وانتُخب كميل شمعون بدعم بريطاني - عربي، وتحديداً أردني - عراقي. ومن ثَمَّ، إثر انكفاء بريطانيا بعد «حرب السويس» عام 1956، دخلت الولايات المتحدة في منافسة شرسة مع الاتحاد السوفياتي. وفي تلك الفترة كانت الموجة الناصرية كاسحة ما جعل شمعون يواجه بثورة كبيرة انتهت بتفاهم مصري - أميركي على انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً.

من فؤاد شهاب... إلى سليمان فرنجية

الواقع أن شهاب انتُخب عام 1958 بتوافق مصري - أميركي نشأ بعد انكفاء البريطانيين ونضوج التنافس الأميركي - السوفياتي وصولاً إلى عام 1964. عند هذه المحطة حين انتُخب شارل حلو، المحسوب أساساً على «الشهابيين»، رئيساً، في المناخ نفسه، ولكن هذه المرة برضىً فاتيكاني - فرنسي مع نفوذ مستمر أميركي - مصري.

ويضيف غانم: «بعد حرب 1967 انكفأت (الناصرية) وضعُفت (الشهابية) وانتشر العمل الفدائي الفلسطيني... وتلقائياً قوِيَ الحلف المسيحي في لبنان المدعوم غربياً، وفي ظل حضور فاقع لإسرائيل في المنطقة. وبعد اكتساح «الحلف الثلاثي» الماروني اليميني السواد الأعظم من المناطق المسيحية في الانتخابات، جاء انتخاب سليمان فرنجية عام 1970، بفارق صوت واحد، تعبيراً عن هذا المناخ وعن ميزان القوى الجديد في المنطقة».

الاجتياح الإسرائيلي و«اتفاق 71 أيار

ويتابع جورج غانم سرده ليقول: «انتخاب إلياس سركيس رئيساً عام 1976 جاء بتفاهم سوري - أميركي حين كان النفوذ والدور السوريين يومذاك في أوجه... وقد دخلت حينها قوات الردع السورية والعربية إلى لبنان». أما انتخاب بشير الجميل عام 1982 فأتى بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفي ظل دعم أميركي وأطلسي مطلق. وانسحب هذا المناخ على انتخاب أمين الجميل مع فارق وحيد هو أن المسلمين المعتدلين في لبنان الذين لم يؤيدوا بشير، أيدوا انتخاب شقيقه أمين.

لاحقاً، عام 1984، حصلت «انتفاضة 6 شباط» الإسلامية، فتراجعت إسرائيل وألغي «اتفاق 17 أيار» الذي فرضته تل أبيب بالقوة. وهكذا، بحلول عام 1988 لم يكن ميزان القوى المرتبك يسمح بانتخاب رئيس للبنان، فكانت النتيجة الشغور الرئاسي الذي استمر لمدة سنتين تخللتهما «حرب التحرير» والحرب بين الجيش و«القوات اللبنانية»... وانتهى بتوقيع «اتفاق الوفاق الوطني في الطائف» عام 1989، وهو اتفاق عربي - دولي أنتج انتخاب رينيه معوض، ثم مباشرة بعد اغتياله، انتخاب إلياس الهراوي. وظل لبنان يعيش في ظل هيمنة سورية، شهدت انتخاب العماد إميل لحود عام 1998 وتمديد ولايته حتى عام 2007.

ميشال سليمان وميشال عون

ويتابع جورج غانم السرد فيشير إلى أنه «في عام 2004، وبعد اجتياح العراق قامت معادلة جديدة في المنطقة، فتمدّدت إيران إلى العراق وازداد نفوذ (حزب الله) في لبنان، وخصوصاً بعد انسحاب الجيش السوري عام 2005»، في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ومع انتهاء ولاية إميل لحود الثانية، لم يتمكن اللبنانيون من انتخاب رئيس حتى عام 2008 حين كان هناك صعود قطري - تركي في المنطقة. وهكذا، جاء «اتفاق الدوحة» الذي أوصل العماد ميشال سليمان إلى سدة الرئاسة بموافقة سعودية - مصرية بعد «أحداث 7 مايو/ أيار» التي كرّست نفوذ «حزب الله».

وأردف: «لكن اتفاق الدوحة سقط عام 2011 بعدما اندلعت الأزمة السورية، فضرب الشلل عهد الرئيس سليمان، وقد سلّم قصر بعبدا للفراغ عام 2014. وفي ظل التوازن السلبي الذي كان قائماً حينذاك، عاش لبنان فراغاً رئاسياً ثانياً طال لسنتين ونصف السنة في أعقاب تمسك (حزب الله) بمرشحه العماد ميشال عون. ولم تتغير التوازنات إلا بعد وصول الجيش الروسي إلى سوريا عام 2015، و(تفاهم معراب) بين عون ورئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، وأيضاً تفاهم عون مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وكانت هذه التفاهمات قد تزامنت مع حياد أميركي بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران وعشية انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما... ما أدى إلى انتخاب عون رئيساً عام 2016».

غانم يلفت هنا إلى أنه «مع انطلاق عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بدأ التشدد تجاه إيران والتصعيد ضد (حزب الله)، ولذا بدأ عهد عون يخبو... حتى بدأ يحتضر مع أحداث 17 أكتوبر 2019». ثم يضيف: «ومع انتهاء ولاية عون ترسّخ توازن سلبي بين (حزب الله) وحلفائه من جهة، والقوى المناوئة له من جهة أخرى، الأمر الذي منع انتخاب رئيس خلال العامين الماضيين. لكن هذا التوازن انكسر بالأمس لصالح خصوم إيران السياسيين، وهكذا أمكن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً جديداً للبلاد».

جوزيف عون

البرلمان اللبناني انتخب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً في التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي بـ99 صوتاً من أصل 128 بعد سنتين وشهرين وعشرة أيام من الفراغ الرئاسي. وحمل «خطاب القسم» الذي ألقاه الرئيس المنتخب عون مضامين لافتة، أبرزها: تأكيده «التزام لبنان الحياد الإيجابي»، وتجاهله عبارة «المقاومة»، خلافاً للخطابات التي طبعت العهود السابقة. كذلك كان لافتاً تأكيده العمل على «تثبيت حق الدولة في احتكار حمل السلاح». ولقد تعهد عون الذي لاقى انتخابه ترحيباً دولياً وعربياً، أن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان.

خشّان: كل رؤساء لبنان يأتون بقرار خارجي ويكتفي البرلمان بالتصديق عليهم

دولة ناعمة

الدكتور هلال خشّان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، رأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه ليس خافياً على أحد أن «كل الرؤساء في لبنان يأتون بقرار خارجي، ويكتفي البرلمان اللبناني بالتصديق على هذا القرار بعملية انتخابهم»، ويضيف أن «لبنان عبارة عن دولة ناعمة تعتمد على الخارج، وهي مكوّنة من مجموعة طوائف تحتمي بدول عربية وغربية».

وتابع خشّان أن «مفهوم الدولة ركيك وضعيف في لبنان، والقسم الأكبر من اللبنانيين لا يشعرون بالانتماء للبلد. والمستغرب هنا انتخاب رئيس من دون تدخلات خارجية وليس العكس... لأنه واقع قائم منذ الاستقلال». ويشرح: «فرنسا كانت للموازنة الأم الحنون، والسُّنّة كانوا يرون مرجعيتهم جمال عبد الناصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومن ثم المملكة العربية السعودية. أما الشيعة فمرجعيتهم الأساسية إيران».

هزيمة «حزب الله»

وفق خشّان، «هزيمة (حزب الله) العسكرية نتج عنها هزيمة سياسية، وخصوصاً بعد سقوط نظام الأسد وفصل لبنان عن إيران جغرافياً، أضف إلى ذلك أن الحزب يتوق إلى إعادة إعمار مناطقه المدمّرة، ويدرك أنه لا يستطيع ذلك دون مساعدة خارجية... لقد استدارت البوصلة اللبنانية 180 درجة نحو أميركا ودول الخليج، كما سيكون هناك دور أساسي تلعبه سوريا، تحت قيادتها الجديدة، في المرحلة المقبلة».

وهنا تجدر الإشارة، إلى أن لبنان شهد منذ 17 سبتمبر (أيلول) الماضي تطوّرات وأحداثاً استثنائية قلبت المشهد فيه رأساً على عقب. وبدأ كل شيء حين فجّرت إسرائيل أجهزة «البيجر» بعناصر وقياديي «حزب الله» ما أدى إلى قتل وإصابة المئات منهم. ثم عادت وفجّرت أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي ممهِّدة لحربها الواسعة. ويوم 23 سبتمبر باشرت إسرائيل حملة جوية واسعة على جنوب لبنان، تزامنت مع سلسلة عمليات اغتيال خلال الأيام التي تلت وطالت قياديي ومسؤولي «حزب الله» وتركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت. وبدأت الاغتيالات الأكبر في 27 سبتمبر مع اغتيال حسن نصر الله، أمين عام «حزب الله»، وتلاه اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب، هاشم صفي الدين، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما أنه في يوم 1 أكتوبر بدأت تل أبيب عملياتها العسكرية البرّية جنوباً قبل أن تطلق يوم 30 من الشهر نفسه حملة جوية مكثفة على منطقة البقاع (شرقي لبنان).

وتواصلت الحرب التدميرية على لبنان نحو 65 يوماً، وانتهت بالإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد سمح هذا الاتفاق للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتلال قرى وبلدات لبنانية حدودية على أن ينسحب منها مع انتهاء مهلة 60 يوماً.

ولكن، خارج لبنان، تواصلت الصفعات التي تلقاها المحور الذي تقوده إيران مع بدء فصائل المعارضة السورية هجوماً من إدلب فحلب في 28 أكتوبر انتهى في ديسمبر (كانون الأول) بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى الرغم من إعلان أمين عام «حزب الله» الحالي، الشيخ نعيم قاسم، أن حزبه سيساند النظام في سوريا، فإنه صُدم بسرعة انهيار دفاعات الجيش السوري، ما أدى إلى سحب عناصره مباشرة إلى الداخل اللبناني، وترك كل القواعد التي كانت له منذ انخراطه في الحرب السورية في عام 2012.

وأخيراً، في منتصف ديسمبر، أعلن قاسم صراحة أن «حزب الله» فقد طرق الإمداد الخاصة به في سوريا... أي آخر انقطاع طريق بيروت - دمشق.