إسرائيل تدفع خطر الديموغرافيا بمحاولة تغيير الجغرافيا

لا تمل من طرح «تهجير غزة»... ومصر لا تكل في رفضه

الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)
الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)
TT

إسرائيل تدفع خطر الديموغرافيا بمحاولة تغيير الجغرافيا

الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)
الرئيس عبد الفتاح السيسي مستقبلاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (آ ب)

في مقابلة مع صحيفة «هآرتس» عام 2019، قال المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، وهو من أوائل من فضح بالتوثيق وجود خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين عام 1948: «لا أعرف كيف سنخرج من هذا المأزق الديموغرافي، فهناك اليوم عدد أكبر من العرب مقارنة باليهود بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. إننا نسير نحو دولة واحدة ذات غالبية عربية، وهو وضع نحكم بموجبه شعباً محتلاً من دون حقوق. هذا وضع لن يسود في القرن الحادي والعشرين».

مع دويّ صوت القصف الإسرائيلي بلا انقطاع على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وعلى وقع عودة الحشود العسكرية الأميركية إلى المنطقة في استعراض لافت للقوة، تبرز مخاوف من نكبة فلسطينية جديدة. إلا أن وجهة المنكوبين لن تكون كما في عامي 1948 و1967 شرقاً أو شمالاً، بل يخطط لها أن تكون هذه المرة باتجاه شبه جزيرة سيناء المصرية.

سيناء التي لم تفارقها الأطماع الإسرائيلية رغم مرور 50 سنة على تحريرها بالسلاح، واستكمال المهمة لاحقاً بالسلام. والأطماع الإسرائيلية هذه المرة في سيناء تتجه إليها كوجهة أخيرة وأبدية لتصفية «التحدي الديمغرافي الفلسطيني» الذي طالما أرّق الإسرائيليين. فاليمين الصهيوني لا يرغب في إقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، ويفعل كل ما بوسعه لتهجير أصحاب القضية من أرضهم والاستيلاء على كامل الأرض ومنع وجود غالبية فلسطينية عليها، لكن الصمود الفلسطيني على الأرض يبدو تحدّياً كبيراً.

آريئيل شارون (آ ب)

«طوفان الأقصى»

عملية «طوفان الأقصى» بدت فرصة يسعى اليمينيون في إسرائيل لانتهازها من أجل التخلص من ذلك التحدّي «مرة واحدة وإلى الأبد» وفق أحد واضعي مشاريع تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار. وهو المشروع الذي يخرج من أدراج حكومة نتنياهو - الأخيرة على ما يبدو - كمحاولة لإحراز نصر يبقيه في ذاكرة التاريخ الإسرائيلي، قبل أن يتوارى طويلاً وراء أسوار السجن والنسيان.

واللافت أن مشاريع تهجير فلسطينيي غزة إلى سيناء، التي لم تملّ دوائر إسرائيلية من طرحها بصيغ مختلفة، والتي تقابل في كل مرة برفض مصري لا يكلّ، برزت كذلك كمحاولات من جهات غير إسرائيلية أحياناً. وحقاً، تبدو المحاولة الحالية «الأخطر»، ربما لأنها ترتبط بأجواء دولية تراها إسرائيل «مواتية»، وظروف إقليمية «ملبّدة بالغيوم»، ما استوجب التصدي لذلك الخطر تعاملاً مصرياً مغايراً من حيث الوسائل، وإن لم يختلفْ من حيث الغايات.

تهجير بصبغة دولية

أول مشاريع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء جاء في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، بعد فرار 200 ألف لاجئ فلسطيني من فلسطين التاريخية إلى غزة بحلول مارس (آذار) 1949، ويومها وُضع مخطط أمني بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات آلاف الفلسطينيين في سيناء، ونوقشت الفكرة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.

الولايات المتحدة دفعت حينذاك عبر جون بلاندفورد، وهو صانع سياسات أميركي مخضرم، باتجاه اقتراح للأمم المتحدة لإعادة توطين عشرات الآلاف في صحراء سيناء. وكانت «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) المؤسسة حديثاً أجرت مسوحاً في تلك الفترة لاستكشاف مخططات استصلاح الصحراء في سيناء، شرق قناة السويس مباشرة، كوجهة مقترحة لتوطين الفلسطينيين. وتضمّنت الخطة أن يشارك اللاجئون في مشاريع التنمية الزراعية الجديدة و«يُعاد إدماجهم» في الاقتصاد المصري.

وبالفعل، خصّصت واشنطن الجزء الأكبر من التمويل للمشروع، الذي قدر بنحو 30 مليون دولار عام 1955، لكن انتفاضة الفلسطينيين فيما عُرف بـ«هبّة مارس» أجهضت المشروع قبل أن ترفضه مصر.

بعدها، إبّان احتلال إسرائيل لسيناء (1967 - 1973) حاولت إسرائيل استغلال سيطرتها على الأرض، في تهجير آلاف الفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية المحتلة آنذاك، فيما عُرف بـ«مشروع العريش» عام 1970. ووفق تقرير نشره جوناثان أدلر، الباحث في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تحت عنوان «جنوباً إلى سيناء... هل ستجبر إسرائيل الفلسطينيين على الخروج من غزة؟»، سعى قائد المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الإسرائيلي أرئيل شارون - الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء - إلى تفريغ قطاع غزة من سكانه الذين كان عددهم آنذاك 400 ألف مواطن، فنقل نحو 16 ألف فلسطيني من عائلات غزة في حافلات تابعة للجيش إلى سيناء.

الرئيس الراحل السابق حسني مبارك (آب)

عروض سنوات السلام

لم تفلح سنوات السلام بين مصر وإسرائيل في إبعاد الرغبة الإسرائيلية القديمة المتجدّدة في التخلّص من عبء قطاع غزة بإلقائه على مصر. بل ربما كانت سنوات ما بعد مبادرة الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1977 بزيارة القدس، وإطلاق عملية السلام، فرصة سعت إسرائيل لانتهازها.

وكما يشير الدكتور سعيد عكاشة، خبير الشؤون الإسرائيلية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» لـ«الشرق الأوسط»، عرضت إسرائيل والولايات المتحدة على الرئيس السادات خلال مباحثات السلام فكرة توطين سكان قطاع غزة في جزء من أراضي سيناء مقابل الحصول على مساحة مقابلة من صحراء النقب، فأبدى الرئيس المصري موافقة مبدئية شريطة أن يختار هو الموقع المناسب لتبادل الأراضي، فوافقوا. وعندها اختار السادات منطقة ميناء إيلات، الميناء الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر، فلم يعُدْ الإسرائيليون لطرح الفكرة مجدّداً.

ووفق وثائق بريطانية متعددة أفرِج عنها خلال السنوات الماضية، ونشرت شبكة «البي بي سي» جزءاً منها، تعدّدت «مشاريع» تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وبعضها جاء في سياق لقاءٍ بين الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ورئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر، في طريق عودة الأول إلى مصر بعد لقائه مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في فبراير (شباط) 1983، والبعض الآخر جاء من إسرائيل مباشرة، مثل مشروع عام 2000، عندما قدّم غيورا أيلاند - اللواء في الاحتياط الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي - مشروعاً باسم «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، ونشرت أوراقه في «مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية».

بموجب ذلك المشروع تتنازل مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة، وتمتد بطول الساحل من مدينة رفح غرباً حتى حدود مدينة العريش، مقابل حصولها على مساحة مساوية في صحراء النقب. لكن، حسب عكاشة، رفض الرئيس المصري (وقتها) حسني مبارك المشروع. وتجدّد الأمر عام 2010، خلال لقاء لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس المصري، لكن الأخير قال في تسريب صوتي نُسب إليه عام 2017، إنه رفض فكرة توطين الفلسطينيين في مصر رفضاً قاطعاً.

ومع وصول تنظيم «الإخوان» إلى الحكم عام 2013، أشارت مجلة «فورين بوليسي» إلى أن الرئيس الأسبق محمد مرسي قبل عرضاً أميركياً حمله وزير الخارجية (آنذاك) جون كيري، يقضي بموافقة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي على شطب الديون الخارجية لمصر مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء، وهو ما أكده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال كلمة ألقاها أمام الدورة الـ23 للمجلس الوطني التي عُقدت في مقر الرئاسة برام الله مطلع مايو (أيار) 2018.

تنفيذ «نكبة ثانية»

اليوم، وسط حالة الغضب التي تسيطر على العقل الإسرائيلي منذ هجمات 7 أكتوبر الماضي، يبدو أن الهدف المعلن بشأن القضاء على «حماس» لم يكن الوحيد في «بنك الأهداف» الإسرائيلية. إذ يقول جوناثان أدلر: «من الواضح على نحو متزايد أن الحرب تسعى إلى تحقيق هدف ثانٍ؛ الطرد الجماعي للفلسطينيين من قطاع غزة». لقد دعا سياسيون إسرائيليون ومسؤولون من مؤسسة الدفاع الإسرائيلية إلى تنفيذ «نكبة ثانية» وحثوا الجيش على تسوية غزة بالأرض. واقترح البعض، ومنهم العميد السابق أمير أفيفي والسفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة داني أيالون، على الفلسطينيين الفرار من غزة عبر معبر رفح مع مصر والبحث عن ملجأ في شبه جزيرة سيناء.

ويصر أفيفي وأيالون على أن إجلاء الفلسطينيين من غزة مجرد «إجراء إنساني»، لحماية المدنيين، بينما تشن إسرائيل عملياتها العسكرية. لكن تقارير أخرى - وفق أدلر- تشير إلى أن المنوي إعادة توطين الفلسطينيين بشكل دائم خارج غزة في عملية «تطهير عرقي». وفي 17 أكتوبر، نشر «معهد مسغاف للأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية»، وهو مركز أبحاث إسرائيلي أسسه ويرأسه مسؤولون سابقون في مجال الدفاع والأمن، ورقة بحثية تحث الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة من «الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله» وإعادة توطين الفلسطينيين في مصر بمساعدة الحكومة المصرية.

كذلك ظهرت تدوينة للصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين - الذي يوصف بأنه مقرّب من دوائر الاستخبارات الإسرائيلية - يدعو فيها سكان غزة للهروب إلى مصر والنجاة بحياتهم، وتطرّق في تدوينة أخرى إلى إمكانية «توطين الفلسطينيين في سيناء مقابل حذف ديون مصر».

وبشكل منفصل، أوصت وثيقة مسرّبة من وزارة الاستخبارات الإسرائيلية يوم 13 أكتوبر، بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسراً في شمال سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم. وتزامنت الوثيقة مع حملة قادها أمير وايتمان - وهو بحسب تقرير نشرته صحيفة «كالكاليست» الإسرائيلية الأسبوع الماضي، زعيم الليبراليين في حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو - وتدعو حملة وايتمان إلى نقل سكان غزة إلى مصر، إذ يقترح أن «تستثمر إسرائيل مليارات الدولارات في شراء شقق بمصر لصالح سكان غزة»، معتبراً المال بمثابة «ثمن تدفعه إسرائيل لشراء غزة».

رفض مصري صارم

لئن كان الرفض هو الموقف المصري الدائم، فإنه كان دائماً غير معلن، ولم يكشف النقاب عنه إلا بعد سنوات. غير أن الرفض المصري هذه المرة «علني ومتكرّر» وجاء في غير مناسبة، بعضها في مواجهة مسؤولين أميركيين بارزين، كما عندما استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. إذ كانت جلسة المباحثات علنية، وأكد الرئيس المصري الرفض الحاسم لأي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار عبر تهجير السكان في الأراضي المحتلة إلى مصر والأردن. وتحول هذا الرفض والموقف الصارم إلى أحد ثوابت الخطاب السياسي المصري خلال الأسابيع الأخيرة، وخاصة في الاتصالات المصرية إقليمياً ودولياً. ومنها الاتصال الثالث للرئيس المصري خلال أقل من أسبوعين مع نظيره الأميركي جو بايدن، الذي أكد فيه رفض واشنطن تهجير الفلسطينيين.

إلا أن هذا الموقف لم يطمئن المسؤولين المصريين، الذين واصلوا التحرك المناهض لمشروع التهجير على أكثر من مستوى وجبهة. وهنا يقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، إن تحرك الدولة المصرية لمواجهة مساعي تهجير الفلسطينيين «يبدو منسقاً». ويتابع في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن تحركات القاهرة السياسية والعملية على الأرض «أتت ثمارها»، ونجحت في انتزاع مواقف أميركية واضحة بشأن رفض تهجير الفلسطينيين.

أيضاً، حسب فهمي، استفادت التحركات المصرية من استعدادات وتحركات مسبقة شهدتها السنوات العشر الماضية، من خلال تحديث القوات المسلحة وتطوير تسليحها، وتعمير سيناء وإطلاق أكبر مشاريع التنمية التي عرفتها عبر تاريخها، فضلاً عن بسط سيطرتها على كل مناطق سيناء بعد اجتثاث التنظيمات الإرهابية منها، وهو ما منح الإدارة المصرية «القدرة على مواجهة مشاريع التهجير بتماسك ظاهر وسيطرة على الأرض».

كذلك تحركت مصر عبر التصعيد المبكر لرفض الفكرة قبل تحولها إلى واقع، وتنويع أدوات التعبير عن ذلك من خلال تصريحات رسمية مباشرة أو مواقف تُنسب إلى «مصادر مسؤولة»، إضافة إلى نزع فتيل الذريعة الإنسانية لتبرير تدفق الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، خاصة في ظل الحصار الخانق الذي فرضته إسرائيل على القطاع. وفعلاً، سعت القاهرة إلى لعب دور إنساني سريع ومكثف، بالتنسيق مع المنظمات الدولية.

واتخذ التحرك المصري كذلك خطوات على الأرض، منها حشد الجبهة الداخلية لإبراز تماسك الموقف المصري رسمياً وشعبياً وراء قرار رفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، وسُمح بمظاهرات شعبية في كثير من المحافظات المصرية.

وزار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي شمال سيناء، بصحبة عشرات المسؤولين والسياسيين، وبينهم شخصيات تنتمي لأحزاب معارضة، إضافة إلى شخصيات إعلامية وفنية لإطلاق المرحلة الثانية من مشروع تنمية سيناء، التي ستتكلف أكثر من 360 مليار جنيه (نحو 12 مليار دولار) في رسالة واضحة على إصرار البلاد على استكمال تنمية سيناء، وقدرتها الاقتصادية على تحقيق ذلك. ولقد جدد مدبولي التأكيد على الرفض المصري لأي أفكار أو مخططات بشأن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مشدداً خلال لقائه شيوخ وعواقل سيناء بمقر الكتيبة 101 بالعريش، أن سيناء «ستبقى بقعة غالية في قلب كل مواطن»، وأعرب عن «استعداد الشعب المصري لبذل ملايين الأرواح لحماية سيناء». كما أكدت مصر جاهزيتها العسكرية في أكثر من مناسبة، منها اصطفاف تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة بالسويس للجيش الثالث الميداني، الذي شهده الرئيس السيسي في 25 أكتوبر الماضي، وأكد في كلمة له أن «الجيش المصري بقوته وقدرته المتعقلة والرشيدة والحكيمة لا يطغى ولا يسعى خلف أوهام، وأن هدفه حماية مصر وأمنها القومي دون تجاوز».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي خلال عمليته في الضفة الغربية

المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية العسكرية في جنين بالضفة الغربية (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي خلال عمليته في الضفة الغربية

أعلن الجيش الإسرائيلي، السبت، مقتل أحد جنوده في رابع أيام عمليته في الضفة الغربية المحتلة حيث يتركز القتال في مخيم جنين للاجئين.

«الشرق الأوسط» (رام الله)
تحليل إخباري قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: المفاوضات تترقب «اقتراحاً نهائياً»

جولة مفاوضات جديدة مرتقبة هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار في غزة تشمل «مقترحاً أميركياً نهائياً» لوقف الحرب، وفق إعلام إسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي قوات إسرائيلية تتحرك داخل مخيم جنين للاجئين في اليوم الرابع من العملية العسكرية الإسرائيلية بالضفة الغربية... 31 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

معارك دامية في جنين بالضفة الغربية لليوم الرابع

تدور معارك في مدينة جنين السبت مع مواصلة الجيش الإسرائيلي لليوم الرابع تواليا عمليته العسكرية الدامية «لمكافحة الإرهاب» في شمال الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (الضفة الغربية)
المشرق العربي قوات الأمن الإسرائيلية تفحص سيارة انفجرت في محطة وقود بالضفة الغربية (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل «مهاجمين» اثنين في الضفة الغربية

قال الجيش الإسرائيلي، السبت، إن قواته قتلت شخصين في واقعتين منفصلتين بالضفة الغربية، بعد أن تسلل أحدهما إلى مستوطنة وأطلق آخر النار على جنود بعد انفجار سيارته.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي سيارة محترقة عقب غارة إسرائيلية استهدفتها في قرية بجوار جنين في الضفة الغربية الجمعة (أ.ف.ب)

أسلحة الفلسطينيين في الضفة من إيران وإسرائيل

تقول إسرائيل إنها تسعى إلى تفكيك «40 كتيبة» لجماعات فلسطينية ناشطة في الضفة الغربية، مشيرة إلى امتلاكها عبوات ناسفة جُهزّت في إيران.

نظير مجلي (تل أبيب) «الشرق الأوسط» (لندن)

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
TT

ليبيا: الصراع على المصرف المركزي يعمّق الأزمة السياسية

مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)
مصفاة راس لانوف على الساحل الليبي (آ ف ب)

بات «قوت الشعب» الليبي ومقدراته ورقة ضغط سياسي في لعبة الصراع على السلطة والنفوذ والمال بين «حكومتي» شرق ليبيا وغربها، وسط معركة تدور رحاها ظاهرياً حول شخص الصدّيق الكبير، رئيس المصرف المركزي. إذ أطاح «المجلس الرئاسي» (الغرب) الكبير، فأغلقت حكومة أسامة حماد (الشرق) حقول النفط رداً على قرار «الرئاسي» الذي اتُخذ بمعزل عن «مجلس النواب»، وعلى غير رغبته. هكذا، أصبح «المركزي»، القابع في مبنى تاريخي إيطالي التصميم يقع على الواجهة البحرية للعاصمة طرابلس، وكان يُعرف بـ«قصر الحكم» إبّان الحقبة الاستعمارية الإيطالية، رمزاً لتفاقم الانقسام بين المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي» في الشرق، ومحمد المنفّي رئيس «المجلس الرئاسي» في الغرب، وهذه معركة قد تلعب «الأوزان النسبية» للطرفين دوراً في حسمها. ومعها يشتعل الصراع بين الساسة على التحكّم بمصادر التمويل التي يشكّل المصرف المركزي «قلبها النابض». ويرى مراقبون الآن أن النزاع الحالي «قد يصبّ في مصلحة أطراف دولية تلعب أدواراً حالية في البلاد»، أو ربما يدفع أطرافاً أخرى إلى التدخل ومحاولة حلحلة الأزمة السياسية المستمرة منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، لا سيما بعدما مسّت الأزمة مصالح الدول الكبرى في النفط الليبي.

المنفي مع الدبيبة (المجلس الرئاسي)

اندلعت المعركة عقب إعلان «المجلس الرئاسي»، يوم 20 أغسطس (آب) الحالي، تعيين محمد الشكري محافظاً للمصرف المركزي، وهو قرار رفض الصدّيق الكبير تنفيذه. ومن ثم، تنحى الشكري عازفاً عن قبول المنصب، في خطوة عدّتها مجلة «فورين بوليسي» الأميركية «انعكاساً لرغبة الشكري في ألا يكون محور صراع دموي بين سلطات ليبيا المتنازعة».

بعدها، لم تتوقف محاولات «الرئاسي» إقالة الكبير رغم تذكير الأخير بأن «تعيين محافظ المصرف المركزي، وفقاً للاتفاق السياسي والقانون رقم (1) لسنة 2005، يتبع السلطة التشريعية»، الأمر الذي أكّده مجلسا «النواب» و«الدولة». لكن في تحدٍ لـ«النواب» أعلن «الرئاسي» تعيين محافظ ومجلس إدارة جديد لـ«المركزي» وتكليف عبد الفتاح عبد الغفار رئاسته، رداً على إنهاء برلمان الشرق ولاية «الرئاسي» و«حكومة الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة في الغرب. وبسرعة، سيطرت «لجنة تسليم واستلام الصلاحيات» المعيّنة من قِبل «الرئاسي» على مقرّ المصرف المركزي لتثبيت مجلس الإدارة الجديد برئاسة. ولقد ذكر عبد الغفار في أول تصريحاته الصحافية الأسبوع الماضي، أن «المصرف يعمل حالياً وفق المعايير الدولية، وعبر مجلس إدارة متكامل من ذوي الخبرات».

بالطبع، لم يلق هذا التصرف قبولاً لدى حكومة أسامة حماد (مقرها بنغازي) التي أعلنت حالة «القوة القاهرة» على جميع الحقول والموانئ النفطية، ووقف إنتاج النفط وتصديره حتى إشعار آخر. كذلك اشترط عقيلة صالح، رئيس «النواب»، عودة الكبير إلى عمله مقابل إعادة فتح حقول النفط واستئناف التصدير.

الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية ورئيس حزب «ليبيا الكرامة»، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الأزمة الحالية كما يبدو «ترجع إلى سياسة التقشف التي فرضها الكبير تجاه (الرئاسي) وحكومة (الوحدة)، مع تقنين الصرف لمواجهة عجز الموازنة. هذا ضيق الخناق عليهما، ليصدر قرار الإقالة الذي لا يعدّ من صلاحيات (الرئاسي)... إنها أزمة متوقعة في ظل وضع صعب تعيشه ليبيا وصراع مستمر بين الكيانات المختلفة».

لكن الصراع الحالي غير محصور بالمصرف المركزي، بحسب الخبير الاقتصادي الليبي وحيد الجبو، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إنه «يمتد أيضاً إلى المؤسسات الاقتصادية الكبرى كالمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار... إنه صراع بين القوى السياسية المتنازعة على السلطة، لا سيما أن النفط والمال من أهم مراكز القوة، التي يحاول كل طرف أن ينتزعها لنفسه». وبينما يؤكد الجبر «بطلان» قرار الرئاسي بإقالة الكبير، فهو لا يمانع في تغيير محافظ المصرف؛ لأن «التغيير مطلوب، ولكن بموجب إجراء قانوني صحيح».

الحرب الروسية - الأوكرانية

استخدام سلاح النفط في الصراع ليس جديداً، فبعد شهرين من الحرب الروسية - الأوكرانية أُعلن عن حصار نفطي ليبي بسبب مطالبة الدبيبة بالاستقالة لصالح فتحي باشاغا، رئيس الوزراء المنافس في الشرق آنذاك. يومذاك، بدا أن الكبير والدبيبة حليفان، اتُهم رئيس حكومة «الوحدة» بـ«إساءة استخدام أموال الدولة بمساعدة المركزي»، وفق «فورين بوليسي» التي أشارت إلى «انتهاء الحصار في يوليو (تموز) 2022 من دون أن يحقق أي طرف هدفه».

وهو ما يوضحه عبد الهادي ربيع، الباحث المصري المتخصص في الشأن الليبي، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الأزمة ليست وليدة اليوم، بل تعود جذورها لفترات سابقة حاولت خلالها سلطات شرق ليبيا تغيير محافظ المصرف المركزي بوجه رفض حكومة الغرب، قبل أن تنعكس الصورة أخيراً ويغدو الشرق متمسكاً بالكبير المرفوض من الغرب». وأرجع ربيع الأزمة الأخيرة إلى «نزع مجلس النواب صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة عن المجلس الرئاسي، بالتزامن مع صرف الكبير ميزانية ضخمة لحكومة حماد في الشرق؛ ما أغضب حكومة الدبيبة في الغرب وجعلها تنقلب عليه».

عقيلة صالح (الشرق الاوسط)

من «معسكر القذافي» إلى قلب «الثورة»

الكبير، الذي عُيّن محافظاً لـ«المركزي» عام 2011، صار بالفعل، محور صراع بين السلطتين التنفيذيتين في البلاد. وهو خريج جامعة هارتفورد الأميركية، وكان محسوباً على نظام معمّر القذافي، قبل أن يصبح من أوائل «الثوار» ضد حكمه. فقد انضم إلى المجلس الانتقالي الليبي إثر نشاطه على الأرض، ومنه إلى المصرف المركزي. وطوال 13 سنة لعب الكبير دوراً محورياً في الإدارة السياسية - النقدية في البلاد.

مراقبون يرون أن الكبير دائماً يراهن على «الحصان الرابح»، ويوصف بأنه «آخر من تبقى من الثوار» و«القذافي الجديد»، وهو اتهام بين اتهامات وانتقادات عدة وُجّهت إليه، وبلغت حد التشكيك في جنسيته من قِبل «ثوار الزاوية» عام 2013. أيضاً تعرّض الرجل لاتهامات عدة إبّان عهد القذافي، وتجدّدت مع تعيينه محافظاً، لكنه تخطى الأزمة بمهاراته المعتادة التي أتاحت له في وقت سابق الانتقال من معسكر المحسوبين على نظام القذافي إلى معسكر «الثوار».

واشنطن على خط الأزمة

من جهة ثانية، يُلقب البعض الكبير بأنه «حليف واشنطن»، وربما كان هذا سبب دخول واشنطن على خط الأزمة الحالية، حين أعلنت سفارتها في ليبيا، الأسبوع الماضي، عن لقاء جمع ، الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأميركية في أفريقيا، جيريمي بيرنت القائم بالأعمال، مع حفتر. ولقد حثّت واشنطن جميع الأطراف الليبية على «المشاركة بشكل بنَّاء في الحوار بدعم من بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا». كذلك، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في اليوم نفسه، عزمها عقد اجتماع طارئ لحل أزمة المصرف المركزي؛ بهدف «التوصل إلى توافق يستند إلى الاتفاقيات السياسية والقوانين السارية، وعلى مبدأ استقلالية المصرف المركزي وضمان استمرارية الخدمة».

خليفة حفتر (روبترز)

تكمن أهمية المصرف المركزي الليبي في كونه يشرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة

«سلاح المعركة»

تكمن أهمية المصرف المركزي في كونه يشرف على إدارة إيرادات النفط وميزانية الدولة، قبل إعادة توزيعها بين المناطق الليبية المختلفة، وكانت فترة الهدوء أخيراً ساهمت في رفع إنتاجه إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً. لكن إعلان المؤسسة الوطنية للنفط حالة «القوة القاهرة» في حقل الشرارة، أحد أكبر حقول النفط الليبية بطاقة إنتاجية تبلغ 300 ألف برميل يومياً، أثار مخاوف دولية بشأن خفض الإنتاج، وارتفاع أسعار الخام عالمياً.

وهكذا، بات النفط سلاحاً رئيسياً في معركة «فرض النفوذ» و«لي الذراع» بين شرق ليبيا وغربها، «يفرض استخدامه خسائر على الاقتصاد الليبي الذي يعاني عجزاً في الميزانية العامة وميزان المدفوعات»، بحسب الجبو، الذي قال إن «خزينة ليبيا ستواجه صعوبات في تسديد المتطلبات من مرتبات ودعم للوقود والكهرباء». أما الفارسي، فيرى أن استخدام سلاح النفط داخلياً قد يُثير «موجة غلاء مع تراجع سعر العملة المحلية مقابل الدولار، كما قد يضرّ بالاستثمارات، ويوثر على التعامل مع المصارف الأجنبية».

للعلم، تقع غالبية حقول النفط تحت سيطرة «الجيش الوطني الليبي»، الذي حذَّر قائده حفتر خلال الأسبوع الماضي، من «المساس بالمصرف المركزي»، بينما تُعدّ منطقة الواحات (بجنوب غربي ليبيا) من أبرز المناطق الغنية بالحقول النفطية في البلاد. ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، فالمصرف المركزي هو الجهاز الوحيد المسؤول عن عائدات النفط، التي تشكل 95 في المائة من ميزانية ليبيا، وبالتالي مَن يتحكّم بالعائدات يتحكّم بالاقتصاد الليبي.

«لعبة شطرنج»

على صعيد متصل، وخلف الكواليس، يُعد المصرف «جزءاً من لعبة شطرنج جيوسياسية روسية»، وفقاً لجايسون باك، مؤسس «ليبيا أناليسيس»، الذي يرى في حديثه لـ«فورين بوليسي» أن إغلاق حقول النفط لن يغير طريقة عمل المصرف، بل يسمح لروسيا بتعزيز مصالحها في ليبيا. وعدّ باك «الأزمة مصطنعة ولا علاقة لها بقضايا المصرف الرئيسية». كذلك، ورد في المجلة عينها تحذير من أنه «إذا تجاهلت الجهات الدولية الرئيسية الفاعلة هذه الأزمة، فهي تترك بذلك ليبيا تحت رحمة روسيا».من جانبه، يرجح الجبو أن «يأتي حل الأزمة عبر ضغط المجتمع الدولي لعودة الكبير إلى منصبه، ومن ثم إجراء اتصالات ومباحثات بين مجلسي النواب و(الدولة) لاختيار محافظ جديد». مذكّراً في هذا الصدد بأن بيان السفارة الأميركية «ندد بإبعاد المحافظ وطالب بإرجاعه». وأيضاً، يرى الفارسي أن «أي حل للأزمة لن يتحقق بمعزل عن جهود المجتمع الدولي وضغوطه، لا سيما مع وجود أطراف دولية فاعلة في الأزمة». وهو يتوقع «حلّ الأزمة سريعاً، مع تشكيل لجنة حوار جديدة تدفع نحو الاستقرار وإجراء الانتخابات، بعدما طال الأمر وتعقد، وبات يمسّ قوت الليبيين ومصالح القوى الدولية في النفط والاستثمارات».