التونسيون يسعون لفك لغز هروب «إرهابيين» من السجن... والسلطات تلتزم الصمت

الحادث جدد الهواجس من إمكانية عودة هجمات الجماعات المتطرفة

 إجراءات أمنية مشددة تعرفها تونس بعد هروب المساجين الخمسة (أ.ف.ب)
إجراءات أمنية مشددة تعرفها تونس بعد هروب المساجين الخمسة (أ.ف.ب)
TT

التونسيون يسعون لفك لغز هروب «إرهابيين» من السجن... والسلطات تلتزم الصمت

 إجراءات أمنية مشددة تعرفها تونس بعد هروب المساجين الخمسة (أ.ف.ب)
إجراءات أمنية مشددة تعرفها تونس بعد هروب المساجين الخمسة (أ.ف.ب)

شكل هروب خمسة سجناء تونسيين متهمين في عدد من القضايا الإرهابية صدمة كبيرة للسلطات التونسية، وضاعف من مخاوف التونسيين، بعد أن تسربت أخبار تؤكد تورط بعضهم في مخططات لاستهداف قوات الأمن والجيش، والوقوف وراء التخطيط لاغتيال القيادي شكري بلعيد ومحمد البراهمي سنة 2013، كما جدد الحادث هواجس السلطات الأمنية من إمكانية العودة من جديد لتنفيذ أعمال إرهابية داخل الأراضي التونسية.

وفي محاولة لامتصاص آثار الصدمة على الشارع التونسي، أعلنت وزارة الدّاخليّة عن إقالة المدير العام للمصالح المختصّة، والمدير المركزي للاستخبارات العامّة، علاوة على إقالة مدير السجن المدني بالمرناقية، التابع لوزارة العدل، غير أن ذلك لم يمنع سيل التعليقات والتساؤلات، خاصة أن السلطات الرسمية لم تقدم حتى الآن أي قراءة أولية أو تفسير لعملية الهروب، ولم تحدد إن تمت بتواطؤ بعض حراس السجن، أم استعملت فيها أساليب غير معروفة، على اعتبار أن منطقة سجن المرناقية، بما فيها الطريق الموصلة إليه، غالباً ما تكون خاضعة لحراسة مشددة، ويمنع فيها اقتراب السيارات الخاصة من المبنى.

وكشف رمزي الكوكي، المتحدث باسم السجون التونسية والإصلاح، عن إخضاع السجناء الفارين لحراسة أمنية مشدّدة، موضحاً أن المجرمين المعتقلين في قضايا إرهابية يخضعون باستمرار لإجراءات أمنية خاصة داخل السجن. كما أوضح أن قاضي التحقيق بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب وممثلي النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية توجهوا إلى مكان الحادث، وقاموا بالمعاينات اللازمة، مشيراً إلى تواصل الأبحاث لاعتقال السجناء الفارين.

القيادي شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذان تعرضا للاغتيال سنة 2013 (الشرق الأوسط)

بدوره، قال علي الزرمديني، الخبير الأمني التونسي، إن «عملية الهروب هذه مسألة في غاية الخطورة، لأنها تكشف عن تقصير أمني، سواء أكان السجناء لجأوا إلى الحيلة أو لاستعمال تكتيكات أمنية معينة. وإذا كشفت التحقيقات الأمنية والقضائية عن تواطؤ داخل منظومة الأمن والسجون، فإن الأمر ستكون خطورته مضاعفة، لأن هناك اتفاقات تجمع الإرهابيين إلى جانب عقيدتهم القتالية، وهي الاستمرار في محاولات الفرار من السجون، وتخليص بقية الإرهابيين القابعين في السجون»، وضرب مثالاً على ذلك بما يحصل في سوريا من هجمات موجهة إلى السجون المحصنة، في محاولة لإطلاق سراح الإرهابيين المعتقلين بداخلها.

وكانت الداخلية التونسية قد نشرت صور المساجين الفارين، وكشفت عن أسمائهم، وهم أحمد المالكي المكنى بالصومالي، وهو محكوم عليه بالسجن لمدة 24 سنة، وعامر البلعزي (حكم عليه بالسجن 10 سنوات)، ورائد التواتي (محكوم عليه بالسجن 50 عاماً وبالإعدام شنقاً)، وعلاء الغزواني، ونادر الغانمي (محكوم عليه بالسجن 27 عاماً).

وبسبب مشاركة السجناء الفارين في أعمال إرهابية واغتيالات سياسية، من بينها اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فقد أوضحت هيئة الدفاع عنهما أن الدور الإعلامي للهيئة يقتصر على تنوير الرأي العام بخصوص تطور المسار القضائي لملفات الضحيتين، وإحاطته علماً بأهم المستجدات المتداخلة والمتقاطعة مع الملفات المذكورة لا غير، موضحة أنها لا تقوم بدور أمني، أو تعقب الفارين من المساجين.

كما شدّدت الهيئة على أن الخروج الإعلامي لأعضائها يتم عادة بعد تنسيق مسبق بينهم، وبعد عقد مؤتمر صحافي محدد الموضوع سلفاً، مبينة أن أي تصريح حول واقعة فرار السجناء من أي كان لا علاقة له بالدور الإعلامي المذكور، ولا علاقة لصاحبه بهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي.

وكانت مباركة عواينية، أرملة محمد البراهمي النائب البرلماني الذي اغتيل سنة 2013، قد صرحت بأن عملية هروب الإرهابيين تعتبر عملية استخباراتية بامتياز، ودعت إلى ضرورة تضافر كل الجهود من أجل إعادتهم بسرعة إلى السجن، حفاظاً على أمن تونس واستقرارها، وتجنباً لأي عملية إرهابية محتملة على حد تعبيرها.



مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان
TT

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط أعضاء مجلس الأمن في مناقشات موسعة حول مشروع قرار أعدته بريطانيا لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال والسماح بتسليم المساعدات بشكل آمن وسريع ودون عوائق عبر الجبهات والحدود، أملاً في لجم التدهور السريع للأوضاع الإنسانية ووضع حد لأكبر أزمة نزوح في العالم.

وكشف دبلوماسيون في الأمم المتحدة عن أن بريطانيا تريد عرض مشروع القرار للتصويت «في أسرع وقت ممكن» بضمان تبنيه من تسعة أصوات أو أكثر من الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، وعدم استخدام حق النقض «الفيتو» من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية: الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو روسيا أو الصين.

ويطالب النص المقترح «قوات الدعم السريع» بـ«وقف هجماتها على الفور» في كل أنحاء السودان. كما يدعو الأطراف المتحاربة إلى «وقف الأعمال العدائية على الفور (...) والسماح وتسهيل الوصول الإنساني الكامل والآمن والسريع وغير المقيد عبر الخطوط والحدود إلى السودان وفي كل أنحائه».

المقترح يشدد أيضاً على «إبقاء معبر أدري الحدودي مع تشاد مفتوحاً لتسليم المساعدات، والحاجة إلى دعم الوصول الإنساني عبر كل المعابر الحدودية، في حين تستمر الحاجات الإنسانية، ومن دون عوائق».

ومن المقرر أن تنتهي صلاحية الموافقة التي مدتها ثلاثة أشهر والتي قدمتها السلطات السودانية للأمم المتحدة وجماعات الإغاثة لاستخدام معبر أدري الحدودي للوصول إلى دارفور في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع في دارفور بأدري في تشاد (رويترز)

وأصدر مجلس الأمن قرارين في شأن السودان، الأول في مارس (آذار) الماضي، ويدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية خلال رمضان المبارك، ثم في يونيو (حزيران) الماضي للمطالبة بوقف حصار مدينة الفاشر التي يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون شخص. كما دعا القراران - اللذان تم تبنيهما بأغلبية 14 صوتاً وامتناع روسيا عن التصويت - إلى الوصول الإنساني الكامل والسريع والآمن وغير المقيد.

«أعمال مروعة»

وفي مستهل جلسة هي الثانية لمجلس الأمن خلال أسبوعين حول التطورات في السودان، وصفت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للشؤون السياسية وعمليات السلام، روزماري ديكارلو، السودان بأنه «محاصر في كابوس»، مشيرة إلى الموجة الأخيرة من الهجمات التي شنتها «قوات الدعم السريع» في ولاية الجزيرة الشرقية، والتي وصفتها المنظمات غير الحكومية بأنها «من أشد أعمال العنف تطرفاً في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة».

وأضافت: «قُتل عدد كبير من المدنيين. وفقد الكثير منازلهم وأجبروا على الفرار. ونحن نتلقى تقارير عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك العنف الجنسي المرتكب في الغالب ضد النساء والفتيات».

وكذلك أشارت ديكارلو إلى استمرار القتال في الفاشر والخرطوم ومناطق أخرى «حيث يتعرض المدنيون لمعاناة مروعة»، مشددة على أن الشعب السوداني «يحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار».

وعدّت أن «الوقت حان منذ فترة طويلة لكي يأتي الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات» لأن «الطريق الوحيد للخروج من هذا الصراع هو الحل السياسي التفاوضي».

ولفتت ديكارلو إلى أن القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي» «كل منهما مقتنعة بقدرتها على الانتصار في ساحة المعركة».

وقالت إنه «مع اقتراب نهاية موسم الأمطار، تواصل الأطراف تصعيد عملياتها العسكرية وتجنيد مقاتلين جدد وتكثيف هجماتها»، عادّة أن «هذا ممكن بفضل الدعم الخارجي الكبير، بما في ذلك التدفق المستمر للأسلحة إلى البلاد».

واتهمت ديكارلو «بعض الحلفاء المزعومين للأطراف» بأنهم «يمكّنون المذابح في السودان». ورحبت بجهود الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» من أجل استعادة الحوار السياسي السوداني الشامل.

كما أشادت بالتحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان لتعزيز تنفيذ «إعلان جدة» والقضايا الرئيسية الأخرى.

تنفيذ إعلان جدة

وركزت المسؤولة الأممية على دور المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان رمطان لعمامرة، الذي أعد التقرير الأخير للأمين العام في شأن حماية المدنيين في السودان، موضحة أنه «يحتوي على توصيات قوية. ولدينا مسؤولية جماعية لتكثيف جهودنا لتفعيلها».

وقالت: «إننا في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم عاجل في تنفيذ إعلان جدة. ويتعين على الأطراف في النهاية أن تتحرك وفقاً لالتزاماتها بحماية المدنيين»، مضيفة أن إنشاء آلية الامتثال التي اتفق عليها الأطراف المتحاربة، بدعم من الشركاء الرئيسيين، يعد «خطوة حاسمة لمحاسبة الأطراف على التزاماتها. وفي الوقت نفسه، وفي غياب وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، فإننا في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم في مجال وقف إطلاق النار المحلي الذي قد يمنح المدنيين بعض الراحة، ويخلق سبل الحوار، وربما يمهد الطريق لاتفاق أكثر شمولاً».

وزير الخارجية السعودي إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في جدة (رويترز)

وأكدت أن «الدعم المستمر من مجلس الأمن للمبعوث الشخصي لعمامرة أمر بالغ الأهمية».

وكذلك استمع أعضاء المجلس لإحاطة من مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينغهام، نيابة عن وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية منسقة المعونة الطارئة جويس مسويا حول مستجدات الوضع الإنساني المتردي في أنحاء السودان.

دارفور

وفي سياق قريب، أنهى فريق من خبراء مجلس الأمن المعني بتنفيذ القرار (1591) الخاص بحظر الأسلحة في إقليم دارفور، الثلاثاء، زيارة استمرت لثلاث أيام، إلى مدينة بورتسودان التي تعد عاصمة مؤقتة للبلاد، لمتابعة تنفيذ القرار.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي مدد مجلس الأمن قرار حظر تسليح الكيانات المتحاربة في دارفور لمدة عام.

والتقى الفريق في أول زيارة له للسودان منذ اندلاع الحرب، عدداً من المسؤولين السودانيين المدنيين والعسكريين.

وقالت المفوض العام لـ«مفوضية العون الإنساني» (مؤسسة حقوقية سودانية) سلوى آدم بنية، التي التقت فريق خبراء مجلس الأمن، إنها أطلعتهم على «الأوضاع في دارفور ومدن البلاد الأخرى، وتقديم وثائق مصورة» قالت إنها «تُثبت الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها (ميليشيا الدعم السريع)».

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)

واتهمت بنية، عناصر «الدعم السريع» بـ«التعدي على فرق المساعدات الإنسانية». وأكدت «استعداد الحكومة السودانية على استمرار العمل بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر الحدودي غرب البلاد، بعد الاتفاق على آلية مشتركة تضم الأمم المتحدة والجارة تشاد لتسهيل مراقبة المنقولات الواردة للسودان».

وكذلك ناقش وزير الداخلية خليل باشا سايرين، مع الفريق «الجهود التي تقوم بها الحكومة السودانية لحماية المدنيين»، مؤكداً «التزامها بتسهيل إجراءات منح التأشيرات لدخول موظفي الأمم المتحدة، بجانب تسهيل إجراءات التخليص الجمركي بالمواني والمطارات».

وتتهم الحكومة السودانية دولاً بتقديم أسلحة وعتاد لـ«الدعم السريع».

وتطالب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» وتمثل أكبر تحالف سياسي مدني مناهض للحرب، بتوسيع حظر الأسلحة في دارفور ليشمل كل السودان، وترى أن وقف تدفق الأسلحة أمر حاسم لتخفيف حدة العنف وإنهاء النزاع.