«حلم»... دراما نفسية عن الخيانة الزوجية و«خرق المحظور»

أثارت حسد فرويد واستلهم منها ستانلي كوبريك أشهر أفلامه

«حلم»... دراما نفسية عن الخيانة الزوجية و«خرق المحظور»
TT

«حلم»... دراما نفسية عن الخيانة الزوجية و«خرق المحظور»

«حلم»... دراما نفسية عن الخيانة الزوجية و«خرق المحظور»

بعث عالم النفس الشهير سيغموند فرويد برسالة إلى مؤلف هذا العمل قائلاً: «تساءلت متعجباً مرات كثيرة: من أين لك بهذه المعارف السرية أو تلك؟ معارف لم أصل إليها إلا بعد أبحاث مضنية! وفي النهاية أصبحت أحسد الأدب الذي كنت أنظر إليه دوماً بإعجاب، وتولّد لدي انطباع بأنك عبر الحدس؛ بل عبر الوعي الدقيق بالذات في حقيقة الأمر، عرفت كل ما اكتشفته أنا عن البشر عبر العمل الشاق».

إنها رواية «حلم» للكاتب النمساوي أرتور شنيتسلر، التي صدرت منها طبعة جديدة عن دار «الكرمة» بالقاهرة، بترجمة سلسة ودقيقة عن الألمانية لسمير جريس.

تحكي هذه الرواية القصيرة أو «النوفيلا» بأسلوب أخاذ وقاسٍ، كيف أن اعترافاً بسيطاً بين زوج وزوجته بنزوة غرامية عابرة، قادهما إلى عالمين داخليين خاصين جداً، ومتنافسين مليئين بأحلام الانتقام، وكاد أن يؤدي بهما إلى الانفصال. إنها دراما نفسية عن الخيانة الزوجية وخرق المحظور والانحلال الأخلاقي، تدور أحداثها في العاصمة فيينا في بدايات القرن العشرين؛ لكنها تمس مناطق كامنة من النفس البشرية في كل زمان ومكان.

نالت الرواية شهرة واسعة، وتُرجمت إلى عدة لغات، وتحولت إلى مادة درامية للمسرح والتلفزيون والراديو والسينما، كما أنها شكلت الأساس الأدبي لآخر أفلام المخرج العالمي ستانلي كوبريك «عيون مغلقة على اتساعها» من إنتاج 1999، بطولة توم كروز ونيكول كيدمان.

ويعد الكاتب والطبيب أرتور شنيتسلر (1862- 1931) من أهم رواد الحداثة النمساوية. عمل طبيباً في مستشفى فيينا العام في قسم الأمراض الباطنة وقسم الأمراض النفسية والعصبية، ثم مساعداً لأبيه الطبيب في قسم أمراض الحلق بعد وفاة والده.

وفي عام 1893 ترك المستشفى وافتتح عيادة خاصة. بدأ نجمه الأدبي في الظهور مبكراً عندما نشر نصوصاً أدبية وقصائد، وكان يهتم في أعماله بالحالة النفسية لأبطاله التي تعكس أيضاً حالة المجتمع النمساوي آنذاك. ومع مطلع القرن العشرين كان شنيتسلر واحداً من أهم منتقدي الإمبراطورية النمساوية المجرية، وبعد أن نشر رواية بعنوان «النقيب جوستل» استخدم فيها المونولوج الداخلي لأول مرة في الأدب الألماني، نُزعت عنه رتبة «طبيب أول- ضابط احتياط» لهجومه فيها على أخلاقيات الضباط، ثم توقف بعد فترة عن ممارسة الطب، وتفرغ للكتابة في مسقط رأسه مدينة فيينا التي لم يغادرها حتى وفاته.

أما المترجم سمير جريس، فقد درس الألمانية وآدابها ما بين مصر وألمانيا، وترجم عنها نحو 25 عملاً تعد من عيون الأدب الألماني، وحصل على جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية في الترجمة عام 2022.

ومن أجواء الرواية نقرأ:

«في هذا الحلم، اختفت ثيابنا. تلبَّسني رعب لا مثيل له، خجل حارق يصل إلى حد تدمير الذات، وفي الوقت ذاته غضب تجاهك وكأنك وحدك المسؤول عن هذه المصيبة. أما أنت واعياً بذنبك، فقد انطلقت كما ولدتك أمك لكي تهبط إلى السفح وتحضر لنا ثياباً. وعندما اختفيت، أحسست بالخفة. لم أشعر تجاهك بالأسف ولا كنت مهمومة من أجلك. كنت سعيدة فحسب لأني وحدي.

تمددت فجأة على المرج تحت أشعة الشمس البهية، الأجمل بكثير مما هي في الواقع. وبينما كنت أرقد هناك، أتى من الغابة شاب يرتدي بذلة عصرية فاتحة اللون. مضى في طريقه ثم ألقى تحية مهذبة للغاية عندما مر بي؛ لكنه لم يعرني أي اهتمام آخر. مضى في طريق مستقيم في اتجاه الجدار الصخري، وتفرس فيه بانتباه وكأنه يفكر في كيفية تجاوزه.

وعندما جاء من الغابة في اتجاهي للمرة الثانية، أدركت أنه في تلك الأثناء كان قد طاف في العالم كله. مظهره مختلف عما قبل؛ لكنه الشخص نفسه. ظل واقفاً أمام الجدار الصخري مثلما فعل في المرة الأولى، ثم اختفى ثانية وظهر قادماً من الغابة مرة أخرى واختفى ثم جاء من الغابة. تكرر ذلك مرتين أو ثلاث مرات أو مئات المرات. في المرة الأخيرة، ظل واقفاً أمامي ونظر نحوي متفحصاً. وبإغراء ضحكت كما لم أضحك في حياتي. مد ذراعيه في اتجاهي، أردت الفرار لكني لم أستطع».



العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي
TT

العربية في يومها العالمي... واقع مؤسف ومخاطر جسيمة

هوشنك أوسي
هوشنك أوسي

في يومها العالمي الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام، لا تبدو اللغة العربية في أفضل حالاتها، سواء من حيث الانتشار والتأثير أو الاهتمام داخل المؤسسات التعليمية. يكفي أن يُلقي أحدهم نظرة عابرة على لافتات المحال أو أسماء الأسواق التي تحاصر المواطن العربي أينما ولّى وجهه ليكتشف أن اللغات الأجنبية، لا سيما الإنجليزية، صار لها اليد الطولى. ويزداد المأزق حدةً حين تجد العائلات أصبحت تهتم بتعليم أبنائها اللغات الأجنبية وتهمل لغة الضاد التي تعاني بدورها من تراجع مروِّع في وسائل الإعلام ومنابر الكتابة ووسائط النشر والتعبير المختلفة.

في هذا التحقيق، يتحدث أكاديميون وأدباء حول واقع اللغة العربية في محاولة لتشخيص الأزمة بدقة بحثاً عن خريطة طريق لاستعادة رونقها وسط ما يواجهها من مخاطر.

سمير الفيل

عاميات مائعة

في البداية، يشير الناقد والأكاديمي البحريني د. حسن مدن إلى أنه من الجيد أن يكون للغة العربية يوم نحتفي بها فيه، فهي لغة عظيمة منحت بثرائها ومرونتها وطاقاتها الصوتية العالم شعراً عظيماً، كما منحته فلسفة وطباً ورياضيات وهندسة، واستوعبت في ثناياها أمماً وأقواماً عدة. ورأى مدن أن يوم اللغة العربية ليس مجرد يوم للاحتفاء بها، إنما هو، أيضاً، وربما أساساً، للتنبيه إلى المخاطر الكبيرة التي تواجهها، حيث تتهدد سلامة الكتابة والنطق بها مخاطر لا تُحصى، متسائلاً: ماذا بقي في أجهزة التلفزة الناطقة بالعربية من اللغة العربية السليمة، التي تُنتهَك قواعدها كل ساعة، وتحل محلها عاميات مائعة، حيث يتبارى المذيعات والمذيعون في التلذذ بمطِّ ألسنتهم وهم ينطقونها، فيما يختفي جيل أولئك المذيعين المفوهين ذوي التأسيس اللغوي السليم الذين كانت اللغة العربية تشنّف الأسماع من على ألسنتهم؟

د. حسن مدن

ويستدرك الأكاديمي البحريني موضحاً أنه ليس مطلوباً من الجميع أن يتحولوا إلى علماء أفذاذ على غرار سيبويه، فذلك مُحَال، خصوصاً أن الانشطار الذي أصاب اللغة العربية إلى فصحى ومجموعة لهجات عامية جعل من المستحيل أن تكون لغتنا العربية، بصرفها ونحوها لغة محادثة يومية، ولكن ثمة حدود دنيا من قواعد اللغة وطريقة كتابتها ونطقها يجب احترامها والحفاظ عليها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخاطر تخريب اللغة.

ويلفت د. مدن إلى أنه فيما يتعلق بواقع اللغة في معاهد التعليم والدرس، نجد أنه من المؤسف أن معيار تفوق التلميذ أو الطالب الجامعي بات في إتقانه اللغة الإنجليزية لا العربية، وبات يفكر كل والدين حريصين على مستقبل أبنائهما في تعليمهم الإنجليزية، ومن النادر أن يتحدث أحدهم عن حاجة أبنائه إلى إتقان العربية. ويحذر د. مدن من مخاوف تواجه مستقبل لغة الضاد وإمكانية تعرضها لخطر يتهدد وجودها، لافتاً إلى أن هناك تقريراً أجنبياً يتحدث عن أن قرننا الحالي سيشهد ضمور وموت مائتي لغة من لغات شعوب العالم تحت سطوة العولمة الثقافية التي تتخذ من اللغة الإنجليزية «المؤمركة» وسيلة إيصال واتصال.

د. عيدي علي جمعة

حلول عملية

ويشير القاصّ والروائيّ المصريّ سمير الفيل إلى عدة حلول عملية للخروج من النفق المظلم الذي باتت تعيشه لغة الضاد، مشيراً إلى ضرورة الاهتمام بمعلمي اللغة العربية وأساتذتها في المدارس والجامعات، من حيث الرواتب وزيادة مساحات التدريب، بالإضافة إلى جعل اللغة العربية أساسية في كل المؤسسات التعليمية مهما كانت طبيعة المدرسة أو الجامعة. وهناك فكرة الحوافز التي كان معمولاً بها في حقبتَي السبعينات والثمانينات، فمن يدخل أقسام اللغة العربية من الحاصلين على 80 في المائة فأكثر، تُخصَّص لهم حوافز شهرية.

ويمضي «الفيل» في تقديم مزيد من المقترحات العملية مثل استحداث مسابقات دائمة في تقديم دراسات وبحوث مصغرة حول أعمال رموز الأدب العربي قديماً وحديثاً، فضلاً عن عدم السماح بوجود لافتات بلغة أجنبية، وتحسين شروط الالتحاق بكليات العربية المتخصصة مثل دار العلوم والكليات الموازية. ويضيف: «يمكنني القول إن اللغة العربية في وضع محرج غير أن الاهتمام بها يتضمن أيضاً تطوير المنهج الدراسي بتقديم كتابات كبار المبدعين والشعراء مثل نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وأبي القاسم الشابي، وغيرهم في المنهج الدراسي بحيث يكون مناسباً للعصر، فلا يلهث للركض في مضمار بعيد عن العصرية، أو الحداثة بمعناها الإيجابي».

تدخل رسمي

ويطالب د. عايدي علي جمعة، أستاذ الأدب والنقد، بسرعة تدخل الحكومات والمؤسسات الرسمية وجهات الاختصاص ذات الصلة لوضع قوانين صارمة تحفظ للغة العربية حضورها مثل محو أي اسم أجنبي يُطلق على أي منشأة أو محل داخل هذه الدولة أو تلك، مع دراسة إمكانية عودة « الكتاتيب» بصورة عصرية لتعليم الطفل العربي مبادئ وأساسيات لغته بشكل تربوي جذاب يناسب العصر.

ويشدد على أن اللغة العربية واحدة من أقدم اللغات الحية، تختزن في داخلها تصورات مليارات البشر وعلومهم وآدابهم ورؤيتهم للعالم، وأهميتها مضاعفة، لكثرة المتحدثين بها في الحاضر، وكثرة المتحدثين بها في الماضي، فضلاً عن كثرة تراثها المكتوب، لكن من المؤسف تنكُّر كثير من أبنائها لها، فنرى الإقبال الشديد على تعلم لغات مختلفة غير العربية، فالأسر حريصة جداً على تعليم الأبناء في مدارس أجنبية، لأنهم يرون أن هذه اللغات هي البوابة التي يدخل منها هؤلاء الأبناء إلى الحضارة المعاصرة.

الأديب السوري الكردي، المقيم في بلجيكا، هوشنك أوسي، إنتاجه الأساسي في الشعر والرواية والقصة القصيرة باللغة العربية، فكيف يرى واقع تلك اللغة في يومها العالمي؟ طرحنا عليه السؤال، فأجاب موضحاً أن الحديث عن تردّي واقع اللغة العربيّة مبالَغ فيه، صحيح أنّ العالم العربي والبلدان العربيّة هي مناطق غير منتجة صناعياً، ولا تقدّم للعالم اختراقات وخدمات علميّة تسهم في الترويج للغة العربيّة والتسويق لها، كحال بلدان اللغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والصينيّة، إلاّ أن اللغة العربيّة لم تكتفِ بالمحافظة على نفسها وحسب، بل طوّرت نفسها لتنسجم ومقتضيات العصر وإيقاعه المتسارع.

ويلفت أوسي إلى نقطة مهمّة مفادها أن النهوض الاقتصادي في الصين وكوريا الجنوبيّة واليابان، لم يجعل من لغات هذه البلدان رائجة في العالم، ومنافسة للغات الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة. وفي ظنه أن أعداد الأجانب الذين يودّون تعلّم اللغة العربيّة، لا يقلّ عن الذين يودّون تعلّم اللغات الصينيّة واليابانيّة والكوريّة.