«بيرونيو» الأرجنتين يأملون بحسم الرئاسة بعد مفاجأة الجولة الأولى

تصدر مرشحهم أظهر قدرة حركتهم على استعادة موقعها في المشهد السياسي

المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)
المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)
TT

«بيرونيو» الأرجنتين يأملون بحسم الرئاسة بعد مفاجأة الجولة الأولى

المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)
المرشح البيروني المتصدر ماسّا ... يحيي مناصريه (رويترز)

كثيرون في الأرجنتين حبسوا أنفاسهم عندما ذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع، الأحد الفائت؛ لاختيار رئيس جديد للبلاد، وتجديد أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب؛ خوفاً من حدوث مفاجأة حصول المرشح اليميني المتطرف خافيير ميلي على النسبة التي تخوّل له الوصول إلى الرئاسة من الجولة الأولى، لا سيّما أنه كان يتصدّر جميع الاستطلاعات بعد الصعود السريع الذي شهدته شعبيته في الأشهر الأخيرة. إلا أن القلة الضئيلة من المحللين العارفين بمسالك السياسة الأرجنتينية الوعرة - والمتداخلة ضمن شبكة معقدة من الانقسامات داخل الأحزاب والمصالح المحلية الضيّقة - كانت على يقين من أن وزير الاقتصاد الحالي و«ثعلب» الحركة البيرونية سيرجيو ماسّا سيتمكّن، عندما تدقّ ساعة الحقيقة، من وقف المدّ الشعبوي اليميني وإعادة عقارب المشهد السياسي إلى ما كان عليه في السنوات الأخيرة. فخلال هذه الفترة كان الوضع متأرجحاً بين التيارات المتناحرة داخل الحركات والأحزاب من جهة، والكتلة الشعبية المتنامية في نقمتها ضد مؤسسات الدولة والطبقة السياسية التقليدية التي أغرقت الأرجنتين في أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية شهدتها في تاريخها الحديث من جهة أخرى. مع هذا، فإن الفوز المرحلي الذي قطفه ماسّا، في انتظار الجولة الثانية والحاسمة، يحمل في طيّاته كل تعقيدات السياسة الأرجنتينية وصعوبة التكهن بردود فعل الناخبين عند الاستحقاقات الانتخابية، وهي غالباً ما تناقض كل قواعد المنطق السياسي التي تستند إليها التوقعات والتحليلات. وهذا هو التفسير الوحيد لفوز مرشح الحزب الحاكم منذ سنوات، مع أن نسبة التضخم السنوي تلامس 150 في المائة، في حين يعيش 40 في المائة من السكان دون خط الفقر في واحد من أهم البلدان المنتجة للمواد الغذائية في العالم، وكذلك تنهار قيمة العملة الوطنية بوتيرة غير مسبوقة أمام فراغ خزائن المصرف المركزي من الاحتياط، وتفقد رواتب القطاع العام قدرتها الشرائية، مولّدة حالة من النقمة الشعبية العارمة تدفع بالبلاد نحو الانفجار الاجتماعي والانجراف وراء الحركات الشعبوية.

المشهد الاقتصادي والاجتماعي التعيس يكفي ويزيد للقضاء على أي حظوظ انتخابية للمرشح الحكومي في أي بلد من العالم. غير أن الأرجنتين تبدو الاستثناء الأقوى من القاعدة. بل إن ما يزيد من «غرابة» نتيجة الجولة الانتخابية الأولى من الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية هو أن المرشح الذي تصدّر النتائج، سيرجيو ماسّا، هو الذي يتولّى حقيبة الاقتصاد في الحكومة الحالية، وكان تولّاها عدة مرات في السابق.

الواقع أن ماسّا برهن مراراً على قدرة خارقة وبراعة في تجاوز المطبّات والنهوض من رماد الأزمات. وهذه المرة نال 36.7 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، مقابل 30 في المائة للمرشح اليميني المتطرف خافيير ميلي، فيما نالت مرشحة اليمين المحافظ باتريسيا بولريتش 23.8 في المائة من الأصوات التي سيحتدم التنافس عليها بين ماسّا وميلي أواسط الشهر المقبل.

لقد نجح الوزير والمرشح الرئاسي البيروني في تغليب صوت الخوف، الذي أطلقه شعاراً لحملته. وبالخصوص، تحذيره من عواقب الانجرار وراء البرنامج الراديكالي الذي طرحه ميلي ودعا فيه إلى التعامل رسمياً بالدولار الأميركي عوضاً عن العملة الوطنية، وإلغاء المصرف المركزي، والتوقّف عن سداد الدين العام، والسماح باقتناء السلاح الخاص. وفي المقابل، فشل ميلي في الوصول إلى أبواب الرئاسة على صهوة الغضب الشعبي الذي كان وراء صعوده السريع إلى صدارة جميع الاستطلاعات قبل الجولة الأولى.

ميلي (رويترز)

الاستثناء البيروني

ولئن كان التقدّم الذي حققه ماسّا ضد جميع التوقّعات في الجولة الأولى دليلاً على أن الحركة البيرونية - التي تعاني من انقسامات داخلية حادة تهدد بانهيارها منذ سنوات - ما زالت قادرة على استعادة موقعها بوصفها لاعباً أساسياً في المشهد السياسي الأرجنتيني، فإن هزيمة المرشحة اليمينية ووزيرة الأمن السابقة باتريسيا بولريتش تنذر بمرحلة عسيرة قد تؤدي إلى تفكّك جبهة اليمين التي وصلت إلى الحكم عام 2015 مع الرئيس السابق ماوريسيو ماكري.

في الانتخابات الأولية الإلزامية إلى أجريت في أغسطس (آب) الفائت، حلّ ماسّا في المرتبة الثالثة، بعد ميلي وبولريتش. إلا أن التعبئة التي شهدتها صفوف الحركة البيرونية في العاصمة بوينس آيريس، وبخاصة في ضواحيها حيث يعيش رُبع الناخبين الأرجنتينيين وأكثرهم فقراً، هي التي رفعته إلى المرتبة الأولى لتضعه على بعد أسابيع قليلة من الرئاسة.

في تلك الضواحي الشعبية نشأت الحركة البيرونية، بين أوساط الطبقة الكادحة والنقابات العمالية. وظلت منذ ذلك الوقت الكتلة الوازنة في جميع الانتخابات التي خاضتها، إلى أن ظهر ميلي، فهدد بتقويض دعائم هيمنتها، وتعهّد بالقضاء على جميع الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية التي كانت هي وراءها، ناهيك عن تسريح عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام الذين ينتمي معظمهم إلى الحركة التي أسسها الرئيس الأسبق خوان دومينغو بيرون.

ولكن يوم الأحد الفائت، استجمعت الحركة البيرونية قواها في «مسقط رأسها»، وأعادت انتخاب حاكم ولاية العاصمة بغالبية تعفيه من الجولة الثانية. وأعطت ماسّا الأصوات التي كان يحتاج إليها للعبور إلى الجولة الثانية ومنافسة ميلي على أصوات التحالف اليميني الذي تقوده بولريتش. لكن هذه المنافسة لن تكون سهلة؛ لأن أنصار التحالف اليميني ينقسمون بين فئتين: الأولى تعلن العداء المطلق للحركة البيرونية، وبالتالي من غير الوارد أن تعطي أصواتها لماسّا. والثانية، تتوزّع بين مؤيد لميلي وممتنع عن المشاركة في الجولة الثانية للمفاضلة بين المرشح البيروني ومنافسه اليميني المتطرف.

وللعلم، كان ميلي قد مدّ يده يوم الأحد الفائت إلى أنصار بولريتش التي تبادل معها التهم القاسية خلال الحملة الانتخابية، وقال: «جئت لكي أعلن نهاية الاتهامات التي تبادلناها طوال الحملة الانتخابية، ولنفتح صفحة جديدة من التعاون، ونترك كل خلافاتنا جانباً من أجل إنهاء الحركة الكيرشنيرية (نسبة إلى الرئيس الأسبق نستور كيرشنير وزوجته الرئيسة السابقة ونائبة الرئيس الحالية كريستينا)؛ لأننا في مواجهة منظمة إجرامية هي أسوأ ما عرفته الأرجنتين في تاريخها».

وبعد أيام قليلة من مبادرة ميلي، أعلنت بولريتش، يوم الأربعاء الفائت، أنها ستؤيد ميلي في الجولة الثانية لمنع وصول المرشح الحكومي سيرجيو ماسّا، الذي قالت إن فوزه في الجولة الثانية سيدفع البلاد نحو المزيد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. ولكن من شأن هذا القرار أن يزلزل التحالف المحافظ «معاً من أجل التغيير» الذي ترأسه. جدير بالذكر أن بولريتش أعلنت قرارها بعد الاجتماع الذي عقدته مع «الزعيم الفعلي» للتحالف المحافظ والرئيس السابق ماوريسيو ماكري.

كذلك لا بد من الإشارة إلى أن تحديد وجهة التصويت في الجولة الثانية، للمفاضلة بين ماسّا وميلي، كان موضع نقاش منذ أيام داخل التحالف، الذي يضمّ تيارات يمينية تؤيد التصويت لصالح ميلي من أجل قطع الطريق على عودة البيرونيين، وتيارات أخرى رافضة بشكل قطعي مثل هذا الخيار... وهو ما سيؤدي قطعاً إلى انفراط عقد هذا التحالف المحافظ.

بولريتش قالت في مؤتمرها الصحافي الذي أعلنت فيه هذا القرار: «غالبية الأرجنتينيين اختارت التغيير الذي نمثّل نحن جزءاً منه. عندما يكون الوطن في خطر تسقط المحرّمات، ومن واجبنا ألا نقف على الحياد». وأردفت أنه على الرغم من اعتراضها على «بعض» مواقف وطروحات ميلي، فالبلاد «أمام معضلة المفاضلة بين التغيير واستمرار حكم المافيا - على حد قولها - في الأرجنتين».

لن يكون سهلاً على ماسّا استقطاب الناخبين غير الحزبيين

باقتراحات لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردّي، مع أن الصين هبّت لإنقاذه مطلع هذا الأسبوع

التحالف المعادي لليمين

في الضفة الأخرى، فإن الجبهة التي بإمكان ماسّا الاعتماد على تأييدها في الجولة الثانية يمثلها «التحالف التغييري» الذي كان وراء وصول ماكري إلى الرئاسة عام 2015، والذي دعم خلال الجولة الأولى حاكم بوينس آيرس لمنع وصول مرشح ميلي إلى حاكمية العاصمة.

وبعد ظهور نتائج الجولة الأولى، توجّه ماسّا إلى أنصار الحزب الراديكالي، وقال إنه سيبذل أقصى جهده لإقناعهم بالانضمام إلى معسكره للدفاع عن مؤسسات التعليم الرسمي، والخدمات الصحية المجانية، وفصل السلطات التي يدعو ميلي إلى تدميرها. وللتذكير، فإن الحزب الراديكالي اليساري - وهو أقدم حزب سياسي في الأرجنتين - خرج من صفوفه رئيسان للجمهورية هما راؤول ألفونسين (1983)، وفرناندو دي لا روا (1999)، سبق له أن تحالف ظرفياً مع الحركة البيرونية، وبات من شبه المؤكد أن الأصوات التي حصلت عليها مرشحته ميريام برغمان، وبلغت 700 ألف صوت في العاصمة، ستذهب إلى ماسّا. إلا أنه ليس من الواضح بعدُ ماذا سيكون عليه مصير الأصوات، التي تزيد على المليونين، التي حصل عليها حاكم ولاية كوردوبا (البيروني المحافظ) خوان سكياريتي. معظم التوقعات تشير إلى أن معظم هذه الأصوات سيذهب إلى ميلي، ما دفع ماسّا إلى القول في المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد صدور نتائج الجولة الأولى: «أعرف أن مهمتي لن تكون سهلة. أصوات الناخبين ليست ملك المرشحين، بل ملك المواطنين، وإذا حاولنا وضع اليد على إرادة المواطن سنفقد ثقته نهائياً».

ميلي، من جهته، يدرك أن مهمته الرئيسة بعد نكسة الجولة الأولى وتراجع شعبيته مقارنة بالاستطلاعات التي سبقتها، ستكون التخفيف من حدة الصورة التي أظهرها منذ بداية المعركة الانتخابية حين أطلق الاتهامات القاسية في كل الاتجاهات، وبشكل خاص ضد رموز الحركة البيرونية والطبقة السياسية التي حكمت الأرجنتين في العقود الأخيرة، والتي ادعى أنها «اعتاشت من نهب الأموال العامة». ومن غير المستبعد - وفق مراقبين - أن يبادر في لحظة ما إلى سحب الشعار الأساسي الذي رفعه في معركته الانتخابية، داعياً إلى «دولرة» الاقتصاد، تجاوباً مع نصائح مستشاريه الاقتصاديين الذين كان معظمهم من فريق الرئيس الأسبق كارلوس منعم، الذي صمّم نظام تحويل البيزو الأرجنتيني إلى الدولار الأميركي.

الاقتصاد... الاقتصاد... الاقتصاد

هذا، ولن يكون من السهل على ماسّا استقطاب الناخبين غير الحزبيين باقتراحات لإنقاذ الوضع الاقتصادي المتردي، مع أن الصين هبّت لإنقاذه مطلع هذا الأسبوع، عندما أعلنت عن منحها الأرجنتين قرضاً ميسّراً بمقدار 6.5 مليار دولار، مع وعد بقرض إضافي في الأشهر المقبلة. ولكن، في أول ردة فعل له على إعلان بولريتش تأييدها لميلي، قال ماسّا خلال لقاء مع مراسلي الصحافة الأجنبية: «إن العالم ينتظر من الأرجنتين التوازن والتعقّل واليقين... ينتظر منّا التروّي والترقّب ودوراً فاعلاً في النظام المتعدد الأطراف». وأيضاً، نبّه ماسّا إلى أن خصمه يعتزم تفكيك منظومة «ميركوسور» الاقتصادية التي تضمّ كلاً من الأرجنتين والبرازيل والباراغواي والأوروغواي، وفسخ الاتفاقات المعقودة مع الصين، وقطع العلاقات مع الفاتيكان الذي يوجد على رأسه بابا أرجنتيني.

ومما قاله ماسّا إن تفكيك «ميركوسور» من شأنه التسبب في فقدان 150 ألف فرصة عمل في القطاع الأرجنتيني للصناعات الثقيلة، إضافة إلى 68 ألف فرصة عمل في قطاع الصناعات الزراعية والغذائية، أي في الركيزتين الأساسيتين للاقتصاد الأرجنتيني. وذكّر كذلك بأن ما يزيد على 1500 مؤسسة أرجنتينية تعتمد على التجارة البينية مع البرازيل التي تتابع باهتمام شديد الانتخابات الأرجنتينية ونتائجها. وقال، من ثم، إنه في حال وصوله إلى سدة الرئاسة سيسعى إلى توثيق العلاقات التجارية مع الشركاء الأساسيين مثل البرازيل والصين، وسيفتح مسارات جديدة واسعة مع الدول العربية والأفريقية. وأضاف أن الأرجنتين «لا يمكن أن تستمر كمتسوّل مزمن للدين الخارجي»، وأنه يريد تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم النخبة من كل الأحزاب السياسية، بغض النظر عن مشاربها، وذلك من أجل وضع سياسة إنقاذ موحدة خارج التجاذبات الحزبية.

ويعوّل ماسا في حال وصوله إلى الرئاسة على انتعاش القطاع الزراعي بعد الجفاف التاريخي الذي ضرب الأرجنتين العام الماضي؛ إذ يقدّر أن صادرات هذا القطاع ستزيد على 40 مليار دولار قبل حلول الموسم التالي. لكن تعافي القطاع الزراعي لن يكون كافياً لمواجهة استحقاق إعادة جدولة الديون الخارجية مع صندوق النقد الدولي، بعد أن تعذّر سدادها في المواقيت المتفق عليها، وامتناع المؤسسات المالية الدولية عن إقراض الأرجنتين منذ عام 2018.


مقالات ذات صلة

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».