رداءة الإنترنت في اليمن تضاعف البطالة والخسائر الاقتصادية

إدانات حقوقية لبطء الخدمة وقيود الرقابة وحجب المواقع

مبنى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء (إكس)
مبنى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء (إكس)
TT

رداءة الإنترنت في اليمن تضاعف البطالة والخسائر الاقتصادية

مبنى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء (إكس)
مبنى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في صنعاء (إكس)

«سأهاجر من أجل الحفاظ على عملي، وليس للبحث عن عمل، إذا لم أفعل فلن يبقى لديّ الكثير لأفعله هنا». بهذه العبارة يختصر محمد عبد الكريم، وهو مصمم يمني لمواقع الإنترنت، قصة محاولته تحسين ظروف وأجواء عمله الذي أغناه عن الهجرة أو العمل لدى الآخرين كما يقول، لكنه حالياً يخشى أن يخسره تماماً.

اضطُر عبد الكريم إلى التخطيط للهجرة، وهو الذي كان يتباهى أمام أصدقائه وأقرانه ببقائه في بلده، بعد أن تمكن بجهود فردية من تكوين شبكة علاقات واسعة مع جهات وشخصيات في البلاد العربية لتصميم وبناء وصيانة مواقعها الإلكترونية، غير أن أزمات وبطء الإنترنت وحجب المواقع في اليمن تدفعه جميعها إلى الهجرة.

مقر شركة «تيليمن» التي يسيطر عليها الحوثيون ويتحكمون من خلالها بقطاع الاتصالات (إكس)

تَسَبَّبَ بطء الإنترنت خلال الأعوام الأخيرة في تأخر عبد الكريم عن الوفاء بالتزاماته في المواعيد المتفق عليها، وهو ما اضطر عدداً من الجهات إلى إلغاء عقودها معه، وكان أكبر ضرر تَعَرَّضَ له عند انقطاع الإنترنت في اليمن في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي مدة 4 أيام.

وتسبب انقطاع الإنترنت باليمن حينها في توقف كلي للأنشطة المرتبطة بالإنترنت، وعلى رأسها المعاملات المالية والتجارية، وجاء ذلك الانقطاع بعد توقف الجماعة الحوثية عن تزويد مبنى «سنترال» البوابة الدولية للإنترنت في مدينة الحديدة (غرب) بمولد كهربائي، إثر تضرر المولد السابق؛ حيث استخدمت المبنى الذي يقع فيه مستودعاً للأسلحة.

عندما عاد الإنترنت بعد قرابة أسبوع وصلت عبد الكريم رسائل من جهات عدة تخبره بإلغاء عقود العمل معه، مسببة ذلك بتقصيره وتأخره في إنجاز المهام المطلوبة منه بتحديث وصيانة مواقعها، ورغم أن بعض هذه الجهات أعلنت تقديرها الظروف التي يمر بها البلد وسوء خدمة الإنترنت فيه، فإنها أعلمته بأنها لا تستطيع الاستمرار في التعامل معه.

إدانة ممارسات القطع والحجب

أدانت عشرات المنظمات المحلية والدولية ممارسات الحظر والرقابة المستمرة التي تفرضها الجماعة الحوثية على الإنترنت في اليمن، ودعت إلى وقف إجراءات قطع الإنترنت، ورفع الحظر عن المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، مطالبة المجتمع الدولي بضرورة اتخاذ إجراءات فورية لوضع حد لهذه الانتهاكات، والحق في الوصول إلى المعلومة.

قيادي حوثي يختبر زيادة سرعة الإنترنت وفق مزاعم جماعته (إعلام حوثي)

ووصف البيان الصادر عن 42 منظمة محلية ودولية الممارسات الحوثية بالمقلقة، مؤكداً أن عمليات الحظر التي حدثت في الشهر الماضي من طرف شركة «يمن نت» التابعة للمؤسسة العامة للاتصالات اليمنية والتي تسيطر عليها الجماعة الحوثية تُعد واحدة من ضمن سجل طويل ومستمر من الحجب والرقابة على الإنترنت في اليمن.

وأشار بيان المنظمات المتخصصة في حرية الرأي والتعبير والحريات الإعلامية والحقوق العامة والشؤون الاقتصادية إلى أن البلاد شهدت في الربع الأول من العام الحالي 12 حالة انقطاع للإنترنت، أثرت في محافظات عدة من بينها شبوة وتعز وعدن وحضرموت ومأرب وأبين، وتراوحت مدد الانقطاعات ما بين بضع ساعات إلى أكثر من أسبوع.

وجرى الإبلاغ في يونيو (حزيران) الماضي عن 3 حالات انقطاع للإنترنت في تعز وحضرموت، واستمرت من يوم إلى 3 أيام.

ووفقاً للبيان؛ فإنه «وبما أن غالبية اليمنيين لا يزالون يعتمدون على شبكة (يمن نت) الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ فإن أي انقطاع كلي أو جزئي للإنترنت وعرقلة لمنصات الاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي يؤثر في جميع المحافظات اليمنية، باستثناء نحو 20 ألف مشترك في (عدن نت)» وفق البيان نفسه.

وتُعد شركة «يمن نت» المزود الرئيسي لخدمة الإنترنت في اليمن، ولا يوجد مشغل آخر للإنترنت في اليمن سوى شركة «عدن نت»، وهي مؤسسة حديثة أنشأتها الحكومة خلال السنوات الماضية، إلا أن عدد مشتركيها لا يزيد على 20 ألف مشترك.

يشتكي اليمنيون من بطء الإنترنت عبر هواتفهم رغم إعلان جماعة الحوثي تدشين خدمة الجيل الرابع (إكس)

ولا تكتفي الجماعة الحوثية بقطع الإنترنت بشكل كامل أو جزئي؛ بل إنها ومنذ بدء سيطرتها على شبكة الاتصالات والإنترنت، لجأت إلى حجب المواقع الإلكترونية التابعة للحكومة الشرعية ومختلف القوى والأحزاب السياسية، ووسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية التي تتناول الشأن اليمني خارج الرؤية الحوثية أو الإيرانية.

وطال الحجب عدداً من تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي والمحادثات، ومن بين تلك التطبيقات «إيمو» و«تيم» و«غوغل ميت» وحتى «زووم» و«واتساب» في بعض الأحيان.

الخسائر تطول غالبية الفئات

يتسبب الحجب وقطع الإنترنت في خسائر اقتصادية واضطرابات اجتماعية مختلفة، ويعد قطاع الصرافة والبنوك هو الأكثر تضرراً من انقطاع الإنترنت، وتقدر خسائر البنوك وشركات الصرافة بمئات الملايين من العملة المحلية نظراً إلى أن عمليات التحويلات المالية ومختلف التعاملات البنكية تعتمد على خدمة الإنترنت.

وإلى جانب ذلك، فإن الكثير من المشاريع الصغيرة تراجع نشاطها، أو توقف بسبب بطء خدمة الإنترنت أو انقطاعها، ومن ذلك خدمات توصيل الطعام والسلع المختلفة، وخدمات المشاريع المنزلية.

يوضح نذير قادري، وهو اسم مستعار لرجل أعمال يقيم في صنعاء أنه أوقف مشروعاً لإنشاء تطبيق خدمات إلكترونية يهدف إلى الربط بين أصحاب المشاريع الصغيرة وجهات التوصيل والمستهلكين بسبب بطء خدمة الإنترنت وانقطاعاته المتكررة.

ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مثل هذا المشروع يحتاج إلى خدمة إنترنت جيدة، حتى إن لم تكن بالسرعة المطلوبة؛ إلا أن بطء الإنترنت وانقطاعاته المتكررة تحكم بالفشل على مشروع كهذا، وقد لاحظت بنفسي فشل عدد من المشاريع الشبيهة بسبب مستوى الإنترنت المتردي».

يزعم الحوثيون إجراء تحسينات في قطاع الاتصالات بينما يشهد الواقع عكس ذلك (إعلام حوثي)

ويتحدث صحافي ومصور تتحفظ «الشرق الأوسط» على بياناته عن معاناته في إرسال المواد الصحافية والصور إلى الجهات التي يعمل لديها بسبب بطء الإنترنت، ما يجعله دائماً في موقف محرج، خصوصاً أن هذا هو عذره الدائم.

وأبدى تذمره من أن وسائل الإعلام تطالبه بإرسال الصور بأعلى دقة متوافرة لديه، الأمر الذي يكلفه وقتاً ومالاً، فهو يضطر إلى إرسال عدد كبير من الصور، لكن يجري اختيار صورة واحدة أو صورتين فقط، بينما يكون قد قضى وقتاً طويلاً في إرسالها، ودفع مبلغاً كبيراً لشركات الاتصالات مقابل ذلك.

وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على إفادات من وزارة الاتصالات اليمنية حول هذا الشأن، إلا أنها لم تتلق جواباً.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)
TT

الإمارات: «المركزي» يوقف شركة صرافة لانتهاكها قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب

مصرف الإمارات المركزي (وام)
مصرف الإمارات المركزي (وام)

قرر مصرف الإمارات المركزي تعليق نشاط تحويل الأموال لشركة «الرازوقي» للصرافة العاملة في الدولة، لمدة 3 سنوات، وذلك بسبب انتهاك قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

وبحسب بيان للمصرف المركزي، أرسل نسخة منه لـ«الشرق الأوسط» قال إنه تم إغلاق فرعين للشركة في منطقتي المرر وديرة بدبي، حيث اتُّخذت هذه الإجراءات الإدارية بموجب المادة 14 من قانون مواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب.

ووفقاً للبيان، فإن المصرف المركزي يعمل من خلال مهامه الرقابية والإشرافية، على ضمان التزام جميع شركات الصرافة ومالكيها وموظفيها، بالقوانين السارية في البلاد، والأنظمة والمعايير المعتمَدة من المصرف المركزي، مشيراً إلى أنه يهدف للحفاظ على شفافية ونزاهة النظام المالي للدولة.

وتنص المادة 14 من قانون غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في الإمارات أنه يجب على جميع المرخص لهم الامتثال للمتطلبات القانونية والتنظيمية الحالية الخاصة بمواجهة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب المحددة من قِبل المصرف المركزي، والتصدي لمخاطر غسل الأموال، وتمويل الإرهاب من خلال التدابير الوقائية المناسبة لردع إساءة استخدام القطاع قناةً للأموال غير المشروعة، والكشف عن غسل الأموال، وأنشطة تمويل الإرهاب، وإبلاغ وحدة المعلومات المالية في المصرف المركزي عن أي معاملات مشبوهة.