خالد جناحي لـ«الشرق الأوسط» : النساء للقيادة والرجال للحكم

يدشن كتابه «من الحكم إلى القيادة... في العالم العربي» بمركز الشيخ إبراهيم آل خليفة

خالد جناحي مع كتابه
خالد جناحي مع كتابه
TT

خالد جناحي لـ«الشرق الأوسط» : النساء للقيادة والرجال للحكم

خالد جناحي مع كتابه
خالد جناحي مع كتابه

«عندما كانت جدتي في الرابعة من عمرها، طلّق والدها والدتها دون أن يخبرها بطلاقهما. ثمّ ترك زوجته في العراق وأخذ ابنته (جدتي) معه على متن مركب شراعي إلى البحرين، جنوباً عبر الخليج. حيث كانت مراكب صيد اللؤلؤ تنتقل من ميناء البصرة إلى المنامة، أواخر القرن التاسع عشر... ولم يكن من الممكن تحمّل تكلفة ركوب السفينة البخارية؛ ولذلك ربما استغرقت رحلة جدتي الأولى أياماً عدة. ومرّ أكثر من 30 عاماً قبل أن ترى جدتي والدتها مرة أخرى». قاست الجدّة العناء، لكنها «تغلبت على سوء المعاملة وعلّمتنا التسامح». «جدتي كانت قصة صمود وتصميم عظيمين. كانت نصف عراقية ونصف بحرينية، أعتقد أن قوة والدتي جاءت من جدتي، التي تحملت المعاملة القاسية بهدوء منذ سن مبكرة».

يتوّقف الخبير المصرفي ورجل الأعمال البحريني خالد جناحي عند قصة جدته ووالدته ليستلهم منهما - كما من نساء أخريات - فكرته أن النساء يصنعن القيادة، بينما يصنع الرجال الحكم والإدارة.

مساء (الثلاثاء) دشّن جناحي كتابه «من الحكم إلى القيادة... في العالم العربي» في مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، بحضور الشيخة ميّ بنت محمد بن إبراهيم آل خليفة، وعدد كبير من الوزراء السابقين ورجال الأعمال والشخصيات الاجتماعية والاقتصادية في البحرين.

يتكوّن الكتاب، الذي صدر باللغة الإنجليزية، من ثلاثة أقسام، و13 فصلاً، ويقع في 420 صفحة، يقدّم في القسم جانباً من مذكراته، يعرض فيها تجربته المتراكمة حول القيادة، من مرحلة تكوينه كطالب وعمله في إنجلترا، والمناصب التي شغلها، ويفسّر من خلالها الدروس التي شهدها في مراحل قيادة الأعمال، يبلغ جناحي 62 عاماً، قضى أغلبها خارج العالم العربي، متنقلاً بين العواصم الغربية خبيراً مصرفياً ورئيساً تنفيذياً لعدد من الشركات والبنوك، كما تنقّل في معظم أرجاء العالم العربي، حيث تولى قيادة عدد من الشركات الاقتصادية، وهو يتمتع بخبرة تزيد على 30 عاماً في مجال الخدمات المصرفية والمالية.

خالد جناحي أيضاً هو رئيس Vision3 والشريك المؤسس والوصي لمؤسسة منتدى «مريم»، وشغل منصب نائب رئيس مجلس الأعمال العربي للمنتدى الاقتصادي العالمي (2003-2007)، إلى جانب منصب الرئيس المشارك لمجلس الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول الشرق الأوسط حتى عام 2011. وكان الرئيس التنفيذي لمجموعة «دار المال الإسلامي»، ورئيس مجلس إدارة مجموعة «سوليدرتي» القابضة ورئيس مجلس إدارة «نسيج».

وفي القسم الثاني يعرض جانباً من الأفكار التي تعبّر عن آرائه في التقدم والتنمية والقيادة وصناعة التغيير، وهو يطرح إطاراً لهذه الأفكار يقوم على التطور المتواصل والنزاهة الكاملة وتمكين المرأة ومنح الشباب الفرصة.

يقول: «النزاهة لا تقبل القسمة على عدد، يمكنك أن تكون نزيهاً من دون شروط أو ألا تكون». يضيف: علينا أن نعزز النزاهة كقيمة عليا في العالم العربي، لكي نتمكن أن نحقق شروط التقدم الصحيح من دون مجاملات أو لوي ذراع الحقيقة. وهو يقول لـ«الشرق الأوسط»: أقول ما أؤمن به، وأقدّم «الحقيقة العارية»، لا أسعى لإرضاء أحد، لكنني أيضاً لا أهدف للإثارة والإزعاج.

تمّ تخصيص القسم الثالث، لواحدة من أهم الهوايات التي شغف بها جناحي، وهي السينما، فكراً وصناعة، حيث يستعرض 100 فيلم على رأس قائمة أفضل الأفلام التي شهدتها صناعة السينما في العالم. رؤيته للسينما تنبعث من رغبته في فتح نوافذ للتعبير، ومشاركة الصورة في رسم مفاهيم تتعلق بالحرية والإبداع.

يقول جناحي في كتابه: «هذا الكتاب مخصص لجميع الشباب والشابات حتى يتمكنوا من بناء أحلام المستقبل. أتمنى أن يستخدموا حريتهم في اختيار الحياة التي يريدونها لأنفسهم وللجيل القادم. أتمنى أن يصبحوا القادة الذين يحتاج إليهم العالم بشدة في كل مكان». في مكان آخر من الكتاب يقول: أريد أن أرى تغييراً في الشرق الأوسط يجلب الابتكار والتفكير النقدي والقوة لكل فرد، بالطريقة التي لا يمكن إلا للقادة أن يلهموها لمواطنيهم.

لكن، لماذا اختار خالد جناحي اللغة الإنجليزية؟، يقول لنا: «الإنجليزية هي اللغة التي يمكنني استعمالها عبر مختلف الوسائط الإلكترونية، حيث كتبته مستعيناً بالتكنولوجيا، ولا يوجد شيء في الكتاب لا أودّ، أو أخشى نقله للقارئ العربي. أردتُ مخاطبة جميع الشباب في العالم وليس الشباب العربي فقط، ولكني أيضاً أتجه لإصدار نسخة مترجمة من الكتاب». لكنه يشير إلى أن النسخة العربية ستحمل أفكار نص يعبّر عن أفكار الكتاب، وليس ترجمة حرفية له. ولذلك؛ فمن المؤمل أن يتغير العنوان أيضاً.

التطور وليس الثورة

في منتدى اقتصادي عالمي أقيم في العقبة بالأردن، قال الملك عبد الله الثاني بن الحسين، مخاطباً القادة السياسيين والاقتصاديين: «إننا في العالم العربي نتطلع نحو التطوّر وليس الثورة».

ويقول جناحي، إنه توقف عند هذه العبارة؛ لكونه «مراقباً يقظاً يطرح الأسئلة» «أريد أن أشارك وجهة نظري حول الأهمية الكبرى للتفكير النقدي والحوار والمحادثة والنقاش لإحداث تغيير في نهاية المطاف يمكّن الناس من حرية الاختيار لأنفسهم وتحديد قيمتهم في المجتمع. عندما أنظر إلى الوراء على مدار العشرين عاماً الماضية في العالم العربي، أرى أننا لم نشهد أي تطور حقيقي باستثناءات قليلة جداً».

يتوقف جناحي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عند نماذج النجاح في العالم العربي: «السعودية تصنع قصة نجاح مبهرة، عبر تمكين المرأة وتطوير التعليم بعد إضافة الفلسفة والتفكير النقدي للمناهج... وعبر مبادرات متعددة. لو أعطينا المرأة فرصة العمل والمشاركة منذ أربعينات القرن الماضي لتغير حال العالم العربي. مثلما تنص خطة التنمية البشرية التي أقرّتها الأمم المتحدة، ولرأينا الكثيرات من النساء يتبوأن مناصب قيادية في العالم العربي»؛ لذلك يقول في كتابه: «النساء قادة والرجال حكام».

بعيداً وسالماً

يتوقف جناحي أيضاً عند نصيحة أسداها جدّه القادم من الساحل الفارسي للخليج، بلغته العربية المخلوطة بلهجة «الهولة»، قائلاً: «كنْ بعيداً... وأنتَ دائماً سالم»، وهي ترجمة للمثل الخليجي المعروف: «اذهب بعيداً... وارجع سالماً». يضيف: «لقد تردد صدى هذه الكلمات في حياتي وكانت بمثابة تحذير ودليل وعزاء لي في أوقات مختلفة. وكان جديّ يرددها لي بالعامية الفارسية عندما كنت صغيراً».

يضيف: لقد أثرت هذه الكلمة في حياتي، لقد اشتركتُ في الكثير من الأعمال القيادية والاقتصادية في بلدي وفي دول الخليج، ولكني كنتُ أضع مسافة بين ما أقوم به وبين مركز القرار. فالكثير من الذين التصقوا بصناع القرار فقدوا باختيارهم حرية الاختيار وحرية الحركة، فلم يتمكنوا أن يضيفوا شيئاً لعناصر التقدم والتطور التي يدعون لها.

يستشهد جناحي بكلمة وجهها له الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى: «من مميزاتك أنك قليلُ الأصدقاء»، يضيف هذه ميزة تجعلني غير متأثر بالمحيط. ثمة نصيحة أخرى من أحد أصحاب القرار: «اجعل بينك وبين الآخرين نهراً مليئاً بالماء... يمكنهم أن يشاهدوك، ولكنهم غير قادرين على مسك».

مع أميركيين تحت الغزو

بالعودة إلى أصول جدته العراقية، فقد مكّنته من إتقان اللهجة العراقية، حيث ساعدته عشية الثاني من أغسطس (آب) 1990 على تجنّب الوقوع في الأسر حين اجتاحت القوات العراقية الكويت.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: وقتها كنتُ برفقة ثلاثة من رجال الأعمال الأميركيين في الكويت، جاءوا ممثلين لشركاتهم الكبيرة للاستحواذ على شركات اقتصادية في الكويت، استيقظتُ على إيقاع الجنود العراقيين، لكني حدثتهم باللهجة العراقية فأعفوني من الاعتقال، طالبين مني مغادرة الفندق.

القصة يسردها في الفصل العاشر من الكتاب، ويضيف: نقلت رجال الأعمال الأميركيين إلى شقة صديق لبناني، وظللنا 14 يوماً تحت الخوف، خاصة بعد أن رفضت سفارة بلادهم انتقالهم معي إلى الأراضي السعودية، ويكفي أن أشير إلى أننا خضنا مفاوضات ومساومات مطولة لشراء «الأنسولين» لأحد هؤلاء الذين يعانون مرض السكري، حتى حصلنا عليه بألف دولار.

بعدها تمكن جناحي من مغادرة الكويت بعد أن أمّنت له البحرين رحلة برية إلى السعودية، بالتنسيق مع السلطات العراقية، يقول: وجدت في الحافلة شخصيات كويتية، بينهم محافظ البنك المركزي، لكنني علمتُ أن السفارة منحتهم هويات بحرينية لكي يسهل انتقالهم دون أن تعترضهم القوات العراقية.


مقالات ذات صلة

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق «جدة تقرأ» عنوان معرض الكتاب 2024 (المركز الإعلامي)

الكتاب الورقي ينتصر على الأجهزة الرقمية في معرض جدة

في ظل التطور التقني والاعتماد المتزايد على الكتب الإلكترونية، حسم زوار معرض جدة للكتاب 2024 الجدل لصالح الكتاب الورقي

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق دور النشر شهدت إقبالاً كبيراً من الزوار من مختلف الأعمار (هيئة الأدب والنشر والترجمة)

«جدة للكتاب»... مزيج غني بالمعرفة والإبداع بأحدث الإصدارات الأدبية

يعايش الزائر لـ«معرض جدة للكتاب 2024» مزيجاً غنياً من المعرفة والإبداع يستكشف عبره أحدث الإصدارات الأدبية، ويشهد العديد من الندوات وورش العمل والجلسات الحوارية.

إبراهيم القرشي (جدة)

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.