كان المدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت، موجوداً في مدرجات ملعب «أولد ترافورد» خلال المباراة التي خسرها مانشستر يونايتد أمام غلاطة سراي التركي في دوري أبطال أوروبا بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
كان ذلك يوم الثلاثاء قبل الماضي، وبينما كانت النتيجة تشير إلى التعادل بهدف لكل فريق، وبالتحديد في الدقيقة 53 من عمر اللقاء، استقبل ماركوس راشفورد تمريرة سحرية من كريستيان إريكسن على بُعد ثماني ياردات أو نحو ذلك خارج منطقة الجزاء، على الجانب الأيمن، كان أقرب مدافع له أنخيلينو على بُعد مسافة مماثلة تقريبا. لكن في تلك اللحظة حدث شيء غريب جداً لم يكن ليحدث خلال الموسم الماضي، وهو الأمر الذي سلط الضوء على المستوى الذي يقدمه راشفورد حالياً.
فبدلاً من أن يتوجه راشفورد نحو المرمى مباشرة، أبطأ سرعته ولمس الكرة مرتين، ثم توقف فجأة بشكل غريب. كان من الواضح أنه كان ينتظر انطلاقة برونو فيرنانديز على يساره من أجل تمرير الكرة إليه، لكن هذا القرار لم يلق قبولا من قبل جماهير مانشستر يونايتد المحتشدة في المدرجات خلف فريقها.
وازداد الأمر سوءا بسبب الطريقة التي مرر بها راشفورد الكرة، حيث تأخر كثيراً في التمرير قبل أن يلعب الكرة خلف فرنانديز قليلاً بدلاً من أن يلعبها في المساحة الخالية أمامه، وهو الأمر الذي مكّن مدافع غلاطة سراي الآخر، ساشا بوي، من قطع الكرة، ما أثار غضب واستياء الجماهير.
لم تكن هذه هي المرة الأولى في تلك الأمسية التي تُعبر فيها جماهير مانشستر يونايتد عن استيائها وسخطها من أداء راشفورد، الذي كانت الجماهير تنظر إليه على أنه واحد منهم وعلى أنه بطل حقيقي بسبب ما كان يقدمه داخل المستطيل الأخضر، والأكثر من ذلك ما يقدمه خارج الملعب من خلال عمله المجتمعي.
ففي الوقت المحتسب بدلاً من الضائع من الشوط الأول، أعرب الجمهور عن استيائه بعدما تسلّم راشفورد وانسحب من تدخل ثنائي كانت نسبة حصول الكرة فيه تصل إلى 50 في المائة مع المنافس، وهو الأمر الذي جعل الجمهور يشعر بأنه لا يبذل الجهد المطلوب، ولا يلعب بروح قتالية عالية.
قرر المدير الفني لمانشستر يونايتد، إريك تن هاغ، إخراج راشفورد من الملعب في الدقيقة 68 من عمر المباراة التي خسرها الفريق والتي عمقت من جراحه وعقدت مسيرته مع بداية الموسم الحالي، كما استبدل راشفورد أيضاً في المباراة السابقة التي خسرها مانشستر يونايتد على ملعبه أمام كريستال بالاس.
في ذلك اليوم، أخرجه تن هاغ من الملعب في الدقيقة 77، وقبل مباراة السبت الماضي أمام برنتفورد على ملعب أولد ترافورد، كان من المفترض استبعاد راشفورد من التشكيلة الأساسية، لكن تن هاغ أشركه منذ البداية ثم استبدله في الدقيقة 63 عندما كان مانشستر يونايتد متأخراً في النتيجة بهدف دون رد.
وفي النهاية، استعاد الفريق السيطرة على المباراة وفاز في الوقت القاتل بهدفين مقابل هدف وحيد، وكان الهدفان من توقيع البديل سكوت ماكتوميني.
وفي تقريرها لمباراة مانشستر يونايتد أمام برنتفورد، وصفت صحيفة «الغارديان» راشفورد بـ«الشبح» بسبب اختفائه طوال أحداث المباراة. وإذا كان مستوى راشفورد يثير قلق تن هاغ، الذي أصبح يستبدله مبكراً في المباريات، ويتساءل عما إذا كان الوقت قد حان للبدء بأليخاندرو غارناتشو في التشكيلة الأساسية بدلا منه، فمن المؤكد أن الأمر نفسه ينطبق على المدير الفني للمنتخب الإنجليزي، غاريث ساوثغيت الذي يستعد لخوض مباراة ودية (الجمعة) ضد أستراليا، وبعدها مباراة بتصفيات كأس الأمم الأوروبية 2024 يوم الثلاثاء ضد إيطاليا.
إن ما يحدث في مانشستر يونايتد نادراً ما يكون بمنأى عما يحدث في المنتخب الإنجليزي، ومن المؤكد أن الأمر نفسه يتواصل الآن، وخير مثال على ذلك هاري ماغواير! ولأول مرة منذ نهائيات كأس العالم في قطر، أصبح ميسون ماونت جاهزاً للانضمام لقائمة المنتخب، لكن ساوثغيت لم يضمه. وعلى حد تعبير ساوثغيت نفسه، فإن لاعب خط وسط مانشستر يونايتد «لم يقم بما يكفي لينضم على حساب اللاعبين الآخرين».

لقد ظهر راشفورد بشكل جيد خلال المباراة التي فازت فيها إنجلترا على أسكوتلندا على ملعب «هامبدن بارك» في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن مستواه تراجع بشدة منذ عودته إلى مانشستر يونايتد.
وفي بداية الموسم، وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها النادي، أظهر راشفورد لمحات من قدرته على تهديد مرمى المنافسين. لكنه في الآونة الأخيرة، بدا وكأنه لاعب مختلف تماماً وغير حاسم بالمرة، ولا يعد مستواه أمام غلاطة سراي سوى مثال على ما يقدمه خلال الأسابيع الأخيرة.
لقد كان راشفورد يتعرض في السابق لكثير من الانتقادات بسبب تسديداته الكثيرة على المرمى، وكان يُتهم دائماً بأنه لاعب أناني، فهل كان يفكر في هذا الأمر عندما قرّر عدم التسديد والانتظار بدلاً من ذلك لتمرير الكرة لبرونو فرنانديز؟
ربما يكون الشيء الأكثر إثارة للدهشة هو تراجع مستوى راشفورد بهذا الشكل السريع والغريب وتراجع ثقته في نفسه كثيراً، بعد المستويات الرائعة التي كان يقدمها خلال الموسم الماضي. ويذكرنا ما يحدث حالياً بأداء راشفورد، الذي سيبلغ من العمر 26 عاماً في يوم «الهالوين»، في موسم 2021 - 2022، والذي كان موسماً للنسيان بالنسبة له، والذي قال أيضاً عن حالته النفسية آنذاك: «في كثير من الأحيان، لم أكن في الحالة الذهنية التي تمكنني من خوض المباريات. ولم أتفاجأ ببعض الأشياء التي كانت تحدث!».
لقد كانت عودة راشفورد إلى التألق مع مانشستر يونايتد وتسجيله 30 هدفاً الموسم الماضي والعودة الناجحة إلى التشكيلة الأساسية للمنتخب الإنجليزي في كأس العالم بمثابة قصة سعيدة. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى مشاركته النادرة في فترة إعداد كاملة استعداداً للموسم الجديد، وعمله القوي والمتواصل مثل «الوحش» لاستعادة مستواه، والأهم من ذلك استعادة ثقته في نفسه عقب وصول المدرب إريك تن هاغ إلى ملعب «أولد ترافورد». لكن الآن، تراجع مستوى راشفورد مرة أخرى، لكن الشيء الجيد في الأمر يتمثل في أنه يشعر بالراحة وعدم الانزعاج على ما يبدو. فلماذا لا يتم العمل على مساعدته للعودة إلى أفضل مستوياته من جديد؟ إن كل ما يحتاجه الآن هو إحراز هدف واحد فقط وتقديم مستوى جيد في مباراة واحدة لكي يستعيد عافيته وثقته في نفسه.
وربما يتحقق ذلك مع المنتخب الإنجليزي. الشيء الواضح بشدة الآن هو أن راشفورد يحتاج إلى شيء ما. يمتلك ساوثغيت كثيراً من الخيارات الرائعة في الناحية الهجومية على الأطراف، وخاصة في الجهة اليسرى التي يفضل راشفورد اللعب فيها، وهذا هو السبب الذي جعل ساوثغيت يستبعد رحيم سترلينغ، رغم المستويات الجيدة التي يقدمها مؤخرا مع تشيلسي.
وفي مواجهات خروج المغلوب في كأس العالم الأخيرة بقطر، اعتمد ساوثغيت على بوكايو ساكا في الناحية اليمنى، وفيل فودين في اليسار، ويبدو أنهما لا يزالان الخيار الأساسي له في هذين المركزين، قبل راشفورد وجاك غريليش وجيمس ماديسون والبقية. سيغيب ساكا عن قائمة المنتخب الإنجليزي في مباراتي أستراليا وإيطاليا بسبب الإصابة، وهي الفرصة التي يجب أن يستغلها راشفورد من أجل استعادة مستواه السابق!
*خدمة «الغارديان»