«الشرق الأوسط» في المناطق المنكوبة بعد شهر من زلزال «الأطلس الكبير» بالمغرب

صدمة الأيام الأولى تركت مكانها لشعور بالخوف وأمل في المستقبل

منازل مدمرة في «تلات نيعقوب» (الشرق الأوسط)
منازل مدمرة في «تلات نيعقوب» (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» في المناطق المنكوبة بعد شهر من زلزال «الأطلس الكبير» بالمغرب

منازل مدمرة في «تلات نيعقوب» (الشرق الأوسط)
منازل مدمرة في «تلات نيعقوب» (الشرق الأوسط)

بعد مرور شهر على «زلزال الأطلس الكبير»، الذي ضرب المغرب، ليلة الجمعة - السبت 8 و 9 سبتمبر (أيلول) الماضي، وخلَّف خسائر بشرية ومادية فادحة، تبدو العودة إلى المناطق الأكثر تضرراً من الفاجعة أشبه بمحاولة إلقاء نظرة على جرح لم يندمل بشكل كامل... وبعد الاهتمام العالمي والمتابعات الإعلامية الواسعة لهذه الكارثة الطبيعية، لم يكن للذاكرة الفردية والجماعية للمغاربة وغيرهم، إلا أن تحفظ أسماء قرى ودواوير (كفور) تضررت أكثر من غيرها بالزلزال، وخصوصاً «أمزميز» و«مولاي إبراهيم» و«أسني» و«وريغان» و«إجوكاك» و«تلات نيعقوب» و«تنمل»، وغيرها من القرى والدواوير المحيطة بها في إقليم الحوز.

خيام تتوسط دواوير «كفور» تأثرت بالزلزال (الشرق الأوسط)

وحين يتعلق الأمر بزلزال مدمر، لا يكفي شهر واحد لتجاوز صدمة الساعات الأولى، خصوصاً بالنسبة لمن عانى ويلات الكارثة، في الوقت الذي ترك سيل التقارير والصور والمشاهد المتداولة، التي أظهرت قوة الهزة الأرضية التي ضربت أقاليم مراكش والحوز وشيشاوة وأزيلال وتارودانت، وشعر بها المغاربة في محيط يتعدى 400 كيلومتر، انطلاقاً من بؤرته في بلدة «إيغيل» وما جاورها، شعوراً بالحزن في النفوس.

زيارة أكثر المناطق تضرراً بفعل الزلزال، انطلاقاً من مراكش، لا يمكن إلا أن تتولد عنها مشاعر، تجمع بين الأسى والمواساة والتعاطف والتضامن. وصولاً إلى تحناوت، ومنها مباشرة، تنتشر خيام، أكثرها باللونين الأصفر والأزرق، وضعتها السلطات رهن إشارة من دُمرت منازلهم، ضمن عدد من الإجراءات المهمة والنوعية، التي أظهرت قدرة السلطات المغربية على التعامل السريع والجيد مع الأزمات. المسافة الفاصلة بين مراكش و«تلات نيعقوب»، تبلغ 100 كيلومتر، وتتطلب أكثر من ساعتين ونصف ساعة بالسيارة، وتمر عبر عدد كبير من القرى والدواوير والتجمعات السكنية المتناثرة وسط مرتفعات إقليم الحوز.

خيام وتصليحات وطرق مفتوحة (الشرق الاوسط)

في «أسني»، ينقل مشهد مجموعات متفرقة من التلاميذ، وهم في طريق العودة من المخيم الدراسي إلى منازلهم، الإصرار على تجاوز المحنة. على بعد خطوات من الثانوية الإعدادية «الأطلس الكبير»، التي أغلقت أبوابها مكرهة، وفي ساحة قريبة من «دوار لعرب»، تعم حركة لافتة للانتباه.

وفي الفضاء الذي يحتضن المستشفى العسكري. وبالقرب منه، كان هناك صغار في غاية الفرح، بعد أن استعادوا متعة اللعب في كيان ترفيهي تم وضعه رهن إشارتهم، اعتباراً لوضعيتهم النفسية، بعد الكارثة الطبيعية التي ضربت المنطقة.

مباشرة بعد مغادرة «أسني»، تصير الطريق أكثر وعورة وصعوبة... عند الوصول إلى «ويرغان» تبدو الأمور أصعب، فيما ترتفع كمية الدمار الذي ضرب البنايات. التجمعات السكنية المتناثرة على طول الطريق، تطغى عليها الألوان الزرقاء والصفراء والبيضاء والخضراء، الخاصة بالخيام التي تم نصبها لإيواء المتضررين. ومقارنة مع الأيام الأولى للزلزال، يبدو أن جهود السلطات في تيسير التنقل وفك العزلة عن البلدات المتضررة قد أثمرت، بعد الانسيابية الملحوظة التي صارت على مستوى حركة السير بعدد من المناطق الوعرة في المرتفعات. السيارات التابعة للدولة أو الخاصة، أو تلك التابعة للجمعيات، المحملة بالمساعدات وغيرها، صوب المناطق المتضررة، لا تتوقف. للمغاربة قدرة عجيبة على تجاوز المآسي والتعامل معها. يتسلحون، في سبيل ذلك، بالصبر عند الملمات والتضامن مع بعضهم بعضاً، مع إيمان بأن المحنة يمكن أن تتحول إلى منحة، وأن بعد العسر يسراً. لذلك سارعوا إلى التضامن وتقديم المساعدة لمن هم في حاجة إليها من المتضررين، كما حمدوا الله كثيراً، وهللوا لعيون الماء والشلالات العديدة التي تفجرت في أكثر من مكان بالمناطق التي تضررت بفعل الزلزال.

عيون ماء تفجرت بعد زلزال الحوز (الشرق الأوسط)

في مكان يقال له «تلات النص»، وسمي كذلك لأنه يقع بين «أسني» و«تلات نيعقوب». قال رجل في الخمسينات من العمر، واسمه إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»، إن عيون مياه كثيرة «خفف بها الله على الناس ضرر وأهوال الزلزال». وأضاف، أن المتضررين يعيشون في خيام، في انتظار أن تتحسن الأمور، بعد التدابير والإجراءات التي قررتها السلطات على مستوى الدعم وإعادة الإعمار وتنمية المناطق المتضررة. وشدد على أن الشهر المقبل «قد يكون صعباً على المتضررين في المرتفعات، بفعل برودة الطقس والتساقط المحتمل للثلوج».... وغير بعيد عن نبع الماء بـ«تلات النص»، كانت هناك عين أخرى يتدفق منها الماء نحو مجرى نهر «نفيس» القريب، بالقرب من «واد إمزوغني».

أحد سكان المنطقة، وكان أوقف دراجته النارية ليرتاح من تعب الطريق، تحت ظل شجرة قريبة قبل مواصلة السير، قال لـ«الشرق الأوسط»، وعبارات الشكر والحمد لله تؤثث لحديثه، إن النهر الذي يخترق المنطقة، الذي كان قد جفَّ في وقت سابق، استعاد ذاكرة الماء بعد الزلزال.

بعد شهر من وقوع الزلزال (الشرق الأوسط)

على مدى الطريق تنتصب لافتات، تعرف بأسماء عدد من الدواوير بالمنطقة، من قبيل «إمكدال» و«تكرامين» و«توك الخير» و«أنادن» و«تاركة» و«الحناين» و«أوتغري». عند الوصول إلى «إجوكاك»، بدت الدورة الاقتصادية شبه محدودة. سألت «الشرق الأوسط» صاحب محل لبيع المواد الغذائية عن السبب، فأشار إلى مطعم مقابل، وكان مغلقاً، بفعل تأثره بالزلزال. ثم تساءل، بتعب نفسي ظاهر، كيف تفتح المحلات أبوابها وأغلبها مدمر أو به شقوق.

قريباً جداً من البؤرة الرئيسية للزلزال، كان الخراب الذي حل بقرية «تلات نيعقوب» أكبر من أن يمنع الحزن والأسى. هنا، وعلى عكس مناطق أخرى، أكثر البيوت منهارة أو سويت بالأرض... في بعض الأحياء، الباب وحده صمد في وجه الزلزال، فظل واقفاً كما لو أنه ينتظر أحداً ما، في الوقت الذي انهار باقي المنزل. والمنازل التي انهارت بفعل قوة الزلزال ما زالت كما كانت في أولى أيام الكارثة. ما زالت ترقد منهارة، مثل ملاكم سقط فاقداً وعيه، بعد ضربة مباغتة، قاضية من خصم شديد البأس. يمكن القول إن المنازل تركت لمصيرها، بعد أن انتقل أصحابها للعيش تحت الخيام.

لا يملك زائر «تلات نيعقوب»، بعد شهر من الزلزال، إلا أن يتأمل الخراب، الذي لا تحتاج مشاهده إلى تعليق. كل بناية نالت نصيبها من الدمار. والنتيجة بنايات غير صالحة للسكن. هناك منازل في وضعية ميلان. بعضها لم يقاوم الزلزال كثيراً، فتحول إلى ركام. أخرى بدت أشبه بحلوى ألفية داس عليها فيل غاضب. بالقرب من محطة البنزين، التي نالت نصيبها من الخراب وحافظت مع ذلك على خدمة توزيع المحروقات، كانت هناك سيدة، رفقة مجموعة من الشبان، بصدد الحفر وسط ركام بناية تحولت إلى خراب. قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنها تريد استعادة وثائق تخصها. قالت إن الخراب المنتشر يعمق المأساة النفسية للمتضررين وأهل المنطقة. «فقطـ لو يقوموا بعملية تشطيب لكل هذا الخراب. ذلك قد يساعد على نسيان الكارثة»، هكذا أضافت بحزن. بالقرب من المنزل المنهار، كانت هناك لافتة كتب عليها «منزل للبيع». قالت السيدة إن الإعلان وضعه مالك المنزل قبل أن يضرب الزلزال ضربته، ويزعزع الأرض والنفوس في أقل من 40 ثانية! وسط الخراب، يمكن التعرف بسهولة على طبيعة كل بناية مدمرة، وإن كانت منزلاً أو محلاً تجارياً، مثلاً. كانت هناك أفرشة وأوانٍ لم تعد صالحة للاستعمال. كما كانت هناك كراسي، يبدو أنها كانت توضع رهن إشارة زبائن مقهى أو مطعم. أما قوارير الغاز، من الحجمين الكبير والصغير، فتشير إلى أن الأمر يتعلق بمحل لبيع المواد الغذائية. كانت هناك، أيضاً، «مانيكانات» كانت تستعمل لعرض ملابس نسائية بغرض بيعها، داخل محلات تحولت بدورها إلى ركام.

من المنازل المهدمة (الشرق الاوسط)

غير بعيد عن محطة البنزين، في زقاق دمره الزلزال بالكامل، جلست سيدة فوق خراب بيتها، بينما كان شابان برفقتها، يستخرجان بعض الأغطية والأفرشة من تحت الركام. قال عبد العالي، أحد مرافقيها لـ«الشرق الأوسط»، إن جميع سكان الزقاق انتقلوا للعيش في الخيام. وأضاف أن من المستحيل أن يستعيد هذا الزقاق طبيعته الأولى.

عن شعوره بعد شهر من وقوع الزلزال، قال عبد العالي إن الصدمة كانت قوية، «وإن الناس لم يسترجعوا كامل وعيهم بما حدث، بفعل تأثرهم بالخسائر البشرية والمادية».

على بعد نحو ثلاثة كيلومترات من «تلات نيعقوب»، في اتجاه تارودانت، لم تكن قرية «تنمل» أحسن حظاً مع الزلزال، غير أنها حظيت بتعاطف كبير، بلغ صداه أروقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)، بعد الدمار الذي لحق بمسجد «تنمل» التاريخي، الذي يوجد بها، والذي بني في القرن الثاني عشر الميلادي، خلال حكم الدولة الموحدية.

في «تنمل»، تركت العائلات منازلها المدمرة، لتعيش في خيام، نصب أكثرها في ساحة قريبة من المسجد التاريخي، الذي انهار بشكل شبه كامل، قبل أسابيع قليلة من انتهاء عملية ترميمه وتثمينه من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.

حين سألت «الشرق الأوسط» شيخاً، اسمه حسن، كان في طريق العودة إلى دواره القريب، عن شعوره بعد مرور شهر على الزلزال، أجاب بأن الصدمة تركت مكانها لخوف لم يستطِع كثيرون التخلص منه. وقال إن ما حدث كان مفاجئاً ولم يكن بالأمر الهين، ثم استدرك، وابتسامة رضا تملأ وجهه: «الحمد لله على كل حال».


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
آسيا جانب من الأضرار جراء زلزال ضرب إندونيسيا عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب إندونيسيا

ضرب زلزال بقوة 6.6 درجة جزيرة صغيرة شمال غربي سومطرة في غرب إندونيسيا الخميس.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
آسيا منازل متضررة جراء الزلزال في دكا (رويترز)

زلزال في وسط بنغلاديش يوقع 9 قتلى على الأقل

ضرب زلزال بقوة 5.5 درجة، الجمعة، وسط بنغلاديش، موقعاً تسعة قتلى على الأقل وأكثر من 300 جريح، وفق حصيلة أعلنتها الحكومة.

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا لم ترد على الفور أي معلومات عن وقوع خسائر محتملة أو أضرار ناجمة عن الزلزال (رويترز)

زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب قبالة سواحل اليابان

ضرب زلزال قوي بلغت شدته 5.6 درجات على مقياس ريختر البحر قبالة سواحل اليابان، بحسب ما سجله مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا أولاد واقفون بجوار حطام المنازل المتضررة في أعقاب زلزال وقع مؤخراً بمنطقة مرمول في ولاية بلخ بأفغانستان يوم 5 نوفمبر 2025 (رويترز)

الناجون من زلزال أفغانستان يواجهون البرد والمطر وسط الأنقاض

كان الناجون من الزلزال القوي في شمال أفغانستان، الذي أودى بحياة أكثر من 25 شخصاً وأصاب ما يقرب من 1000 آخرين، يحفرون الأنقاض في منازلهم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كابل (أفغانستان))

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».


عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
TT

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

تلاحق عشرات الطعون القضائية نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة الطعون التي رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات في عدة دوائر، وسط جدل سياسي حول إجراءات الاستحقاق البرلماني.

وصوت المصريون، الخميس، في اليوم الثاني (الأخير) للانتخابات في الدوائر الـ19 الملغاة، بالإضافة إلى دائرة إعادة بالفيوم، ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

وجرت عمليات التصويت في 1775 لجنة فرعية على مستوى الـ20 دائرة في 7 محافظات، والتي يتنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وتوالت الطعون على المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتائج الجولة الأولى للمرحلة الثانية، حيث بلغ عددها حتى منتصف اليوم 200 طعن من مختلف المحافظات المشمولة بالمرحلة، وفق وسائل إعلام محلية.

وتحفظت الهيئة الوطنية للانتخابات عن التعليق على هذا العدد من الطعون، فيما قال المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة ما زالت تنتظر نهاية يوم الخميس، وهو آخر موعد قانوني لتقديم الطعون، وفق الجدول الزمني المعتمد».

وأوضح مصدر قضائي مصري أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ستبدأ فحص ملفات الطعون، وحددت الجلسة الأولى لنظرها في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما يحق للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة.

لقطة من أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

ونظراً لتزايُد الطعون المرتبطة بالمرحلة الثانية للانتخابات، يرجح أستاذ القانون الدستوري عبد الله المغازي احتمال إعادة الانتخابات في عدد من دوائر المرحلة الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاحتمال «يتوقف على طبيعة الأسباب التي يستند إليها المرشحون في طعونهم، ومدى اقتناع المحكمة بصلابة الحجج القانونية المقدَّمة».

وشدّد المغازي على أن المحكمة تعتمد معياراً رئيسياً يتمثل في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان الالتزام الصارم بالأطر القانونية المنظمة لها قبل إصدار أي قرار بإعادة الاقتراع.

وتوزعت الطعون على المرحلة الثانية للانتخابات على 10 محافظات هي: القاهرة، والدقهلية، والقليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، وشمال سيناء، والمنوفية، والإسماعيلية، ودمياط، بحسب وسائل إعلام محلية.

يأتي هذا وسط حالة من الجدل السياسي والقانوني، عقب سلسلة المخالفات التي رافقت التصويت في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، ودفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.

وبعد إلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات دفعة واحدة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارات أبطلت فيها نتائج 30 دائرة أخرى؛ لتقفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة.

وتؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات المتخذة لتصحيح المسار «تعكس قوة مجلس النواب المقبل»، وفقاً للمستشار بنداري الذي قال في تصريحات متلفزة إن كل الإجراءات القانونية والرقابة القضائية اتُّخذت لضمان أن يكون المجلس منتخباً بإرادة الناخبين.

لكن الكاتب الصحافي عبد الله السناوي يرى أن حجم الدوائر الملغاة والأحكام القضائية التي انتقدت امتناع الجهة المشرفة عن تقديم محاضر الفرز في المرحلة الأولى، «لا يمكن اعتبارهما مجرد خلل إجرائي عابر».

وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الطعون المتزايدة وإعادة الانتخابات في هذا العدد الكبير من الدوائر «ليستا دليلاً على تصحيح المسار، بل هما مؤشر على اضطراب أعمق في البيئة القانونية والتنظيمية»، مشدداً على أن أنصاف الحلول «لا تبني شرعية مستقرة للبرلمان»، ودعا إلى «إصلاح عميق للبنية القانونية للانتخابات، وفتح المجال العام، وإطلاق الحريات السياسية؛ كخطوة أولى لإصلاح هذا المشهد».

ومن المقرر إعادة التصويت في الدوائر الثلاثين الملغاة بحكم «الإدارية العليا» للمرحلة الأولى، بحيث تُجرى الجولة الأولى يومي 8 و9 ديسمبر الحالي للمصريين بالخارج، ويومي 10 و11 ديسمبر للداخل، على أن تعلن النتيجة يوم 18 من الشهر.

وفي حالة الإعادة، تُجرى الانتخابات في الخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني)، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، وتُعلن النتيجة النهائية يوم 10 يناير.


تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة»، متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «الحقبة الاستعمارية»، وعرقلة المفاوضات بين البلدين، وهو ما عدَّه خبراء ومحللون «لغة تصعيدية» قد تضاعف الخلافات القائمة.

وفي بيان صدر، الأربعاء، قالت الخارجية الإثيوبية إن المسؤولين المصريين «يدَّعون احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية». وأثار البيان حفيظة المصريين.

ورغم استمرار المفاوضات بين البلدين بمشاركة السودان لأكثر من 12 عاماً بحثاً عن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن بناء «سد النهضة» وتشغيله، اتهم البيان الإثيوبي مصر بـ«عرقلة المفاوضات»، ودعت أديس أبابا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بـ«السلوك غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى».

وصدر البيان بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من «الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، أنها «تُشكل خطراً داهماً على مصالح مصر المائية وأمنها القومي».

مؤتمر صحافي بين وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والألماني يوهان فاديفول الثلاثاء تحدث فيه عن موقف مصر من سد النهضة (الخارجية المصرية)

وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 14 عاماً من بدء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

واتفق خبراء مصريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن بيان إثيوبيا «حمل لغة تصعيدية» قد تضاعف من خلافات البلدين فيما يتعلق بالتعامل مع الملف المائي، ويفتح الباب أمام إقدام القاهرة على اتخاذ إجراءات قانونية إزاء ما تراه عدم التزام بالقوانين المنظمة لاستخدامات المياه في الأنهار الدولية، دون استبعاد أي حلول حال تعرض مصالحها للضرر.

وأبدت إثيوبيا من خلال البيان تمسكها بما تعده حقها في «استخدام مواردها المائية»، مؤكدة أنها «غير ملتزمة مطلقاً بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها».

والنيل الأزرق الذي بنت عليه إثيوبيا «سد النهضة» هو المنبع الرئيسي لنهر النيل في مصر.

القانون الدولي

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، شريف الجبلي، إن البيان «تجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويزيد صعوبة العودة إلى الحوار البناء بين إثيوبيا ومصر والسودان».

وأضاف: «البيان لا يعترف بالاتفاقيات المعمول بها سابقاً بشأن الحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب، ويتجاوز قوانين إدارة الأنهار الدولية التي تنص على الاستخدام العادل والمعقول للمياه».

وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «يتجاهل مسألة عدم الإضرار بالدول الأخرى، وهو ما يشير إلى إصرار إثيوبيا على اتخاذ موقف أحادي بشأن استخدامات مياه النهر، ما يفتح الباب أمام إقدام مصر على اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة انتهاكات القانون الدولي».

وتابع قائلاً: «لدى مصر حقوق تاريخية وقانونية لا يمكن تجاهلها»، مشيراً إلى أن البيان الإثيوبي «يهدد الأمن المائي، ويتطلب خططاً استراتيجية تعمل على مواجهة أي تصعيد غير محسوب في قضية المياه قد يضر بالأمن في منطقة القرن الأفريقي».

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدى افتتاحه سد النهضة (الخارجية الإثيوبية)

وتتمسَّك القاهرة بما تعده «الحق التاريخي» لها في مياه النيل وفقاً لاتفاقيات دولية تضمن لها حصة تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد الجبلي أهمية استمرار المطالبات المصرية بتطبيق القانون الدولي والتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» بإشراف جميع الأطراف الدولية بما فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، «لضمان إدارة الموارد المائية بشفافية واستحداث آلية مراقبة مشتركة تتضمن الرقابة التقنية الدقيقة لتتبع تدفقات مياه النيل ومنع الإجراءات الأحادية».

الخيارات المتاحة

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان السابق، حسام عيسى، قال إن البيان الإثيوبي جاء رداً على النشاط الدبلوماسي المصري الرافض لتصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن تشغيل السد، «التي أدت إلى فيضانات في السودان وصلت تأثيراتها إلى مصر».

وقبل أيام فندت وزارة الري المصرية إجراءات إثيوبيا التي أدت إلى «عدم انتظام تصريف المياه»، ما دفعها إلى إعلان إجراءات حمائية لاستيعاب المياه الزائدة.

وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تضع الآن جميع أوراقها على الطاولة، ولديها الوسائل المتاحة كافة لحماية مصالحها وأمنها المائي، ولن تقبل بنقص قطرة مياه واحدة، وسعيها إلى تجنب المشاكل والصراعات لا يعني عدم سلكها الطرق كافة التي تضمن أمنها».

وأضاف: «الخلاف المصري مع إثيوبيا يتركز في نهجها القائم على عدم وضع اعتبار للأضرار التي قد يتعرض لها جيرانها، سواء كان ذلك بشأن سد النهضة أو سعيها إلى الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر».

ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، رامي زهدي، أن مصر يمكنها التحرك لحفظ الحقوق المائية عبر استخدام «الوسائل الدبلوماسية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، أو استخدام وسائل خشنة حالة الضرورة».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الضرورة تتمثل في «وجود مهددات لاستقرار الدولة المصرية، أو التأثير سلباً على الأمن في منطقة البحر الأحمر، أو الاستمرار في إجراءات تهديد الأمن المائي عبر تصريف كميات هائلة من المياه بما يشكل خطراً داهماً أو شح المياه».

وسبق أن أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض بشأن السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقاً للقانون الدولي، على أساس أن نهر النيل شريان الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.