رجلٌ يرى بلا عينَيه... سينما ويس أندرسون تسحر شاشة «نتفليكس»

المخرج الأميركي يقتبس من روايات روالد دال مقدّماً رباعيّة من الأفلام القصيرة

يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)
يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)
TT

رجلٌ يرى بلا عينَيه... سينما ويس أندرسون تسحر شاشة «نتفليكس»

يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)
يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)

لا يدخل الاعتياديّ في قاموس ويس أندرسون. منذ «ذا رويال تننباومز» (2001)، و«ذا غراند بودابست أوتيل» (2014)، يُثبت المخرج الأميركي أنّ كل تفصيل في السينما التي يصنع لا يشبه سواه. مرةً جديدة يخرج من علبة المألوف، ليقدّم فيلمه الجديد «القصة الرائعة لهنري شوغر» (The Wonderful Story of Henry Sugar).

بهذا الفيلم الذي لا يتخطّى 37 دقيقة، استهلّ أندرسون رباعيّة من الأفلام القصيرة التي توجّه التحيّة إلى أدب الكاتب البريطاني روالد دال (1916 - 1990) على «نتفليكس». هذه ليست المرة الأولى التي يُخرج فيها أندرسون روايةً لدال، لكنها المرة الأولى التي يتعاون فيها مع «نتفليكس» ضمن أحد إنتاجاتها الأصليّة. وكانت المنصة العالميّة قد استحوذت على مؤسسة دال الأدبيّة قبل عامَين مقابل 686 مليون دولار، لتتولّى تحويل رواياته إلى مادّة مصوّرة. أطلق أندرسون على تلك الصفقة عبارة «زواج المصلحة»، إلا أنه بدا شغوفاً بتنفيذ «القصة الرائعة لهنري شوغر» وما تبقّى من الرباعيّة؛ «البجعة» (The Swan)، «صائد الجرذان» (The Rat Catcher)، و«سمّ» (Poison).

تحوّلات السيّد شوغر

يروي فيلم الفانتازيا القصير التحوّلات التي تطرأ على حياة هنري شوغر (41 عاماً)، بعد أن يكتشف كتاباً بعنوان «الرجل الذي يرى من دون استخدام عينَيه». هنري المقامر والطامع بالمال يلتهم الحكاية علّه يتعلّم من بطلها الهنديّ إمداد خان، حيَلاً تساعده في كسب المزيد على طاولة الميسر.

ما إن يغلق شوغر الكتاب على صفحته الأخيرة، حتى يعتزل حياة الصخب والبذخ ويمضي 3 سنوات في عزلة تامّة داخل شقّته بلندن. يتدرّب على تقنيّة خان، إلى أن يتمكّن منها ويصبح قادراً على تخمين ورق اللعب وهو مقلوب. وعندما يصبح جاهزاً، يعود إلى طاولات الميسر والكازينوهات حيث تبدأ عملية الغشّ وكسب المبالغ الطائلة.

يستغلّ شوغر موهبته الخارقة للغشّ على طاولات الميسر (نتفليكس)

لكن، ماذا يفعل رجل وحيد اكتسب أسلوبه من خبير روحانيّات هنديّ بكل هذا المال؟ يملّ بسرعة من رزم العملة فيقرر أن ينثرها من على شرفته ليلتقطها المارّة، ما يُحدث جلبةً في الشارع. يطرق شرطيٌ بابه موبّخاً: «في البلد مستشفيات ودور أيتام غير قادرة على شراء هدايا للأطفال في العيد، وأنت ترمي المال من النافذة؟».

في هذا السؤال يجد هنري شوغر خريطةً للطريق التي ستُسلك. «لا أريد أن أصبح رجلاً ثرياً»، يقول. تحت أسماء مستعارة وأزياء تنكّرية، يجول كازينوهات العالم مكدّساً الأموال لينشئ مستشفيات ودور أيتام. لم يتعلّم من إمداد خان أن يرى الورق وهو مغمض العينَين، بل تمكّن كذلك من إبصار روحه والتخفّف من المادّيّات التي كانت تكبّلها.

رالف فاينز بدور الشرطي وبنديكت كمبرباتش بدور هنري شوغر (نتفليكس)

بهلوانيّات أندرسون السينمائيّة

يتنقّل المخرج بين الشخصيات والحكايات بخفّة ساحر، يُمَسرح السرديّة بديكورات ملوّنة ومتحرّكة. ليس اللعب بالأشكال والألوان غريباً على أندرسون، فمن المعروف عن صورته أنها سلوى للعين. في كوخ الراوي، أي روالد دال الذي يلعب دوره رالف فاينز، يتكدّس الأثاث والأوراق والصور والأقلام. كوخه حيث يختلي للكتابة، أشبه بديكور مسرحيّ من الكرتون. هكذا هي الخلفيّة في المشهد الأول الذي يطلّ فيه «هنري شوغر»، مؤدياً دوره بنديكت كمبرباتش؛ جدارٌ كرتونيّ رُسمت عليه رفوف من الكتب، يقف البطل أمامه فيما يتحرّك خلفه عمّال ديكور يضيفون أثاثاً إلى المشهد، كما لو كنّا في كواليس عملٍ مسرحيّ.

في تركيبة أشبه بدمية الماتريوشكا الروسيّة، يبدأ دال بسَرد الحكاية، ليسلّم الدفّة إلى شوغر، الذي ينقلها بدوره إلى الطبيب الذي اكتشف حالة خان الخاصة، ثم يحين دور خان (يؤدّي الدور بن كينغسلي) ليتلو ما لديه. كل ذلك، وسط التزامٍ شبه حرفيّ بنصّ دال الأصليّ، كما لو كان الممثّلون يقرأون الكتاب، بما فيه عبارات مثل «قلت له» و«أجابني» وما شابه. لا يحاول أندرسون المسّ بنصّ دال الحذق والذكيّ، خصوصاً أنه لا يعيق الإيقاع السريع الذي أراده المخرج لعمله.

يلعب فاينز دورَين في الفيلم: هنا بشخصية الراوي أي الكاتب روالد دال (نتفليكس)

ما بين الديكورات المتبدّلة مع كل مشهد والسرد الوفيّ على ألسنة الشخصيات، يُخيّل للمشاهد كأنه يستمع إلى حكاية مسجّلة، مقلّباً في الوقت ذاته صفحات كتابٍ من الصور الجميلة التي تجسّد القصة. إلا أن الاكتفاء بديكورات مسرحيّة متحرّكة ونقّالة ليس من باب الاستخفاف الإنتاجي، بل مساحة إبداعية اخترعها أندرسون بدقّةٍ وانتباهٍ فائق إلى التفاصيل، ليعطي الرواية حقّها. يوظّف المخرج تلك الوسائل البصريّة المتعدّدة كي يعكس البُعد المرح الذي يميّز كتابات دال.

يشكّل إيقاع الفيلم السريع جزءاً من سحره كما أنه يتوافق مع مدّته القصيرة، ويحفّز خيال المتفرّج. وبعد أيام من بدء عرضه على «نتفليكس»، استطاع أن يحظى على إجماع النقّاد الذين رشّحه بعضهم إلى المنافسة على أوسكار أفضل فيلم قصير.

«البجعة» و«صائد الجرذان» و«السمّ»

الأفلام المتبقية من الرباعيّة أقصر قليلاً من قصة «هنري شوغر»، وقد بدأ عرضها كذلك على «نتفليكس». لا تتخطّى مدّة فيلم «البجعة» 15 دقيقة، وهو يدخل في خانة أفلام الرعب، ضمن تجربةٍ هي الأولى لأندرسون في هذا النوع. يروي الفيلم قصة «بيتر واتسون» الذي تعرّض خلال طفولته لتنمّر عنيف من قبل ولدَين آخرين.

مشهد من فيلم «The Swan» من إخراج ويس أندرسون (نتفليكس)

في «صائد الجرذان»، يغوص المشاهد في عالم الألغاز التي يحبّها أندرسون. يتعرّف إلى شخصية صائد جرذان محترف ومتأثّر بطباع طرائده، توظّفه السلطات الصحية للتخلّص من غزو القوارض. وفياً لصداقته بأندرسون ولشراكتهما المهنيّة، يبدع الممثل رالف فاينز في أداء الدور، وهو يطلّ في كل أفلام الرباعيّة.

«صائد الجرذان» ثالث أفلام رباعيّة ويس أندرسون المقتبسة من روايات روال دال (نتفليكس)

أما «سمّ» وهو آخر أفلام الرباعيّة، فتدور أحداثه في الهند خلال الاستعمار البريطاني. تلاحق السرديّة ذات الإيقاع السريع، رجلاً لدغته أفعى وهو يرزح تحت ثقل سُمّها. لا أمل بنجاته سوى في صديقٍ يزوره ويطلب نجدة طبيب للتخلّص من الأفعى الجاسمة فوق صدر الرجل المسموم.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

آل الشيخ يتوج بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً»

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يتوج بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً»

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)

ملصق يحمل صورة تركي آل الشيخ بمناسبة فوزه

تُوّجَ تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير» خلالَ حفل جوائز «MENA Effie Awards»، ضمن فعاليات «موسم الرياض»، تقديراً لإسهاماته البارزة في دعم وتطوير قطاع الترفيه في المملكة.

وتعدُّ الجائزةُ من أبرز الجوائز في مجال تقييم التأثير والإنجازات الإبداعية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تسلط الضوء على الشخصيات التي قدمت مساهمات استثنائية وذات تأثير عميق خلال العقد الأخير. ويُعد فوز آل الشيخ بالجائزة تأكيداً لمكانته بوصفه من أبرز القيادات المؤثرة عالمياً في قطاع الترفيه.