«الاضطرابات الأمنية» ذريعة «انقلابيي» أفريقيا لتأجيل الانتخابات

عقب إرجاء استعادة المسار الدستوري بعدة دول

قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)
قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)
TT

«الاضطرابات الأمنية» ذريعة «انقلابيي» أفريقيا لتأجيل الانتخابات

قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)
قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أ.ب)

​أعاد إعلان المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إرجاء الانتخابات في البلاد لأجل غير مسمى، بسبب «الأوضاع الأمنية»، تسليط الضوء على تعثر المراحل الانتقالية التي حددتها السلطات الحاكمة في عدة دول أفريقية لاستعادة «المسار الدستوري»، في أعقاب انقلابات عسكرية أطاحت الحكم المدني في تلك الدول.

وانضمت بوركينا فاسو إلى عدة دول، من بينها مالي وتشاد والسودان، في إرجاء الاستحقاقات الانتخابية التي تعهدت السلطات العسكرية بإجرائها عقب استيلائها على الحكم، وهو ما يمهد السبيل أمام إطالة أمد المراحل الانتقالية، وسط مخاوف من أن تتحول تلك الفترات الاستثنائية إلى وضع دائم.

وكان رئيس بوركينا فاسو الانتقالي إبراهيم تراوري الذي استولى على السلطة في 30 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، بعدما أطاح بزعيم انقلاب آخر، قد أكد في تصريحات متلفزة الأسبوع الماضي، أن «أولويته الرئيسية هي الأمن»، وأن الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في يوليو (تموز) 2024 «ليست أولوية»؛ مشيراً إلى عزمه «إجراء تعديلات دستورية».

وحسب تقرير لمركز «أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» في واشنطن، فإن «الأوضاع المتردية في الدول الأفريقية عادة ما تُستخدم كذريعة لتبرير الانقلابات في دول القارة، وخصوصاً في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، كما تستخدم كذلك للتنصل من التعهدات التي تؤدي إليها الضغوط الدولية بشأن تنظيم انتخابات تفضي في نهايتها إلى استعادة المدنيين للحكم».

أنصار القيادة العسكرية في بوركينا فاسو يتظاهرون ضد الوجود الفرنسي في يناير الماضي (رويترز)

وأشار تقرير المركز الذي نُشر الشهر الماضي، إلى أن رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو، برّر انقلابه بعزمه استعادة الأمن، وقلب مجرى الصراع مع التنظيمات المتطرفة. ومع ذلك، تفيد التقارير بأن «آثار الانقلاب أدت إلى تحويل الموارد الثمينة والاهتمام والجنود من الخطوط الأمامية، لصالح مواجهة الأزمات الأمنية والإنسانية التي تعانيها البلاد بعد الانقلاب».

ورصد التقرير وقوع أكثر من 1500 حادث عنف، و3800 حالة وفاة في عام 2022، كما أدى هذا العنف إلى نزوح ما يقرب من مليوني شخص قسراً، من أصل عدد السكان البالغ نحو 22 مليون نسمة؛ مشيراً إلى أن أحداث العنف في بوركينا فاسو شهدت ارتفاعاً بنسبة 35 في المائة منذ وقوع الانقلاب الأول.

تراجع الأمن في مالي

وكان المجلس العسكري الحاكم في مالي، قد أعلن في 25 سبتمبر الماضي، تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً إجراؤها في فبراير (شباط) من عام 2024، والتي من المفترض أن تؤذن بعودة المدنيين إلى السلطة. وهذا التأجيل هو الثاني من جانب المجلس العسكري الحاكم في البلاد، للالتزامات التي تعهدوا بها بضغط من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) من أجل نقل السلطة، إذ ألغي تنظيم انتخابات تشريعية، كان من المقرر إجراؤها في البداية نهاية عام 2023، قبل الانتخابات الرئاسية.

دورية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كيدال (مالي) 23 يوليو 2015 (رويترز)

وبرّر المتحدث باسم الحكومة، العقيد عبد الله مايغا، في بيان تلاه للصحافيين في باماكو، تأجيل الانتخابات، بـ«أسباب فنية»، من بينها ضرورة إقرار دستور جديد في 2023، ومراجعة اللائحة الانتخابية، بالإضافة إلى خلاف مع شركة فرنسية مشاركة -حسب السلطات- في عملية الإحصاء.

وتدهورت خلال الفترة الأخيرة الأوضاع الأمنية في مالي، بسبب نشاط التنظيمات المتطرفة، بالتزامن مع خروج القوات الدولية من البلاد، إثر تفاقم الخلافات بين المجلس العسكري الحاكم ودول الاتحاد الأوروبي؛ لا سيما فرنسا وألمانيا.

وأنهى الاتحاد الأوروبي في منتصف 2022 عمليات التدريب الأمني في مالي، كما أعلنت ألمانيا وبريطانيا البدء في سحب قواتها.

غضب في تشاد

وسبق أن قررت تشاد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إرجاء الانتخابات الديمقراطية عامين، والسماح للرئيس الموقت محمد إدريس ديبي بالبقاء في الحكم، والترشح لانتخابات الرئاسة حينما تجرى. وأثارت القرارات غضب قوى معارضة، كما مثلت تحدياً لتحذيرات متكررة أصدرها الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة ودول أخرى، من استئثار المجلس العسكري بالسلطة، من خلال تمديد الفترة الانتقالية، أو تقديم مرشحين من المجلس لانتخابات الرئاسة.

وكانت السلطات العسكرية قد وعدت بالبدء في فترة انتقالية 18 شهراً، وذلك بعدما استولى ديبي على السلطة في أبريل (نيسان) عام 2021، عقب مقتل والده الرئيس إدريس ديبي على جبهة القتال، خلال صراع مع متمردين. وبمقتضى الخطة الجديدة، مُددت الفترة الانتقالية التي كان مقرراً أن تنتهي العام الماضي، لتجرى الانتخابات في أكتوبر عام 2024.

ارتباك سياسي

وأرجع ألكسندر هدسون، الخبير في وحدة تقييم الديمقراطية التابعة للمؤسسة الدولية للديمقراطية والمساعدة الانتخابية في استوكهولم، إرجاء الاستحقاقات الانتخابية في كثير من الدول الأفريقية التي شهدت انقلابات، إلى «حالة الارتباك السياسي والأمني التي تعيشها تلك الدول»، فضلاً عن «الطموح السياسي لقادة معظم تلك الانقلابات» ممن يسعون إلى توطيد سلطتهم عبر إطالة أمد الفترات الانتقالية.

رجال شرطة نيجرية في أحد شوارع نيامي العاصمة بعد إعلان باريس عزمها سحب قوتها العسكرية من النيجر في 25 سبتمبر (إ.ب.أ)

وأوضح هدسون -في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»- أن معظم الانقلابات التي شهدتها أفريقيا على مدى السنوات الثلاث الماضية نفذها ضباط شباب، وارتبطت بالصراعات الطويلة الأمد بين الحكومات والجماعات الإرهابية في جميع أنحاء منطقة الساحل.

وكانت الأوضاع الأمنية سبباً في دعم قطاعات شعبية لتلك الانقلابات، وبالتالي فإن استخدام هشاشة الأوضاع الأمنية لتبرير إجراء أي انتخابات «يبدو أمراً مبرراً».

وتوقع الخبير المتخصص في شؤون الديمقراطية أن يستمر إرجاء الانتخابات لمدد إضافية؛ بل إنه لم يستبعد إمكانية وقوع انقلابات جديدة؛ مشيراً إلى أنه في حالة إجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف: «غالباً ما تتم إدارتها بشكل مسرحي، لا يفضي إلى تأسيس انتقال ديمقراطي جاد».


مقالات ذات صلة

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

رياضة عالمية منتخب سيدات المغرب من المرشحات لجائزة الأفضل في القارة الأفريقية (الشرق الأوسط)

«كاف» يعلن قوائم المرشحات للفوز بجوائز السيدات 

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف)، اليوم (الأربعاء)، القوائم المرشحة للحصول على جوائزه لعام 2024 في فئة السيدات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية كولر مدرب الأهلي المصري ينافس 4 مدربين لمنتخبات على الأفضل في أفريقيا (أ.ف.ب)

«كاف»: 5 مرشحين لجائزة أفضل مدرب في أفريقيا

أعلن الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) عن القائمة النهائية للمرشحين لجائزة أفضل مدرب في القارة السمراء في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
رياضة عالمية أشرف حكيمي (أ.ب)

حكيمي يتصدر قائمة المرشحين لجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

ينافس المغربي الدولي أشرف حكيمي بقوة على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا للعام الثاني على التوالي بعد دخوله القائمة المختصرة للمرشحين، التي أعلنها الاتحاد الأفريقي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
أفريقيا وزير الخارجية الروسي وأعضاء الوفود يلتقطون صورة جماعية خلال «منتدى الشراكة الروسية - الأفريقية» في سوتشي الأحد (أ.ف.ب)

روسيا تسعى لطرح نفسها شريكاً لا غنى عنه لأفريقيا

سعت موسكو خلال مؤتمر وزاري روسي أفريقي عقد السبت والأحد في سوتشي (جنوب غرب) إلى فرض نفسها شريكاً لا غنى عنه للدول الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (سوتشي - لندن)

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
TT

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)

وقع إطلاق نار كثيف، الخميس، في جوبا عاصمة جنوب السودان بمقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، أكول كور، الذي أقيل الشهر الماضي، حسبما أكد مصدر عسكري، فيما تحدّثت الأمم المتحدة عن محاولة لتوقيفه.

وبدأ إطلاق النار نحو الساعة السابعة مساء (17.00 ت.غ) قرب مطار جوبا واستمر زهاء ساعة، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأبلغت الأمم المتحدة في تنبيه لموظفيها في الموقع، عن إطلاق نار «مرتبط بتوقيف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات»، ناصحة بالبقاء في أماكن آمنة.

وقال نول رواي كونغ، المتحدث العسكري باسم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، لإذاعة بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوس) إنه «حصل إطلاق نار في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق».

وأضاف: «شمل ذلك قواتنا الأمنية التي تم نشرها هناك لتوفير مزيد من الأمن».

وتابع: «لا نعرف ماذا حدث، وتحول سوء التفاهم هذا إلى إطلاق نار»، و«أصيب جنديان بالرصاص». وأضاف: «بعد ذلك هرعنا إلى مكان الحادث... وتمكنا من احتواء الموقف عبر إصدار أمر لهم بالتوقف».

وقال: «مصدر عسكري مشارك في العملية» لصحيفة «سودانز بوست» اليومية، إن أكول كور أوقف بعد قتال عنيف خلف «عشرات القتلى والجرحى من عناصره»، لكن التوقيف لم يتأكد رسمياً حتى الآن.

وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى نشرتها الصحيفة شبه توقف لحركة المرور بالقرب من مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، حيث فر سائقون خائفون بعد سماع إطلاق النار تاركين سياراتهم، وفقاً لصحيفة «سودانز بوست».

وأقال رئيس جنوب السودان سلفاكير في أكتوبر (تشرين الأول) رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور الذي تولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وكلّفه تولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

ولم تُحدّد أسباب هذه الخطوة. ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين، لأول انتخابات في تاريخ البلاد، كان إجراؤها مقرراً في ديسمبر (كانون الأول).

بعد عامين على استقلاله، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفاكير (الرئيس) ورياك مشار (النائب الأول للرئيس)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.