روايات مرعبة... ميناء درنة يتحوّل مكبّاً لحطام وجثث

قارب إنقاذ يحمل جثثاً جرفتها البحر يتجه نحو ميناء درنة، ليبيا في 21 سبتمبر 2023 (رويترز)
قارب إنقاذ يحمل جثثاً جرفتها البحر يتجه نحو ميناء درنة، ليبيا في 21 سبتمبر 2023 (رويترز)
TT

روايات مرعبة... ميناء درنة يتحوّل مكبّاً لحطام وجثث

قارب إنقاذ يحمل جثثاً جرفتها البحر يتجه نحو ميناء درنة، ليبيا في 21 سبتمبر 2023 (رويترز)
قارب إنقاذ يحمل جثثاً جرفتها البحر يتجه نحو ميناء درنة، ليبيا في 21 سبتمبر 2023 (رويترز)

منذ نحو 10 أيام، تحوّل ميناء درنة في شرق ليبيا من مرفأ يستقبل السفن والبضائع والركّاب وينطلق منه الصيادون إلى مكبّ لجثث وسيارات وركام، بعد فيضانات جرفت أحياء كاملة من المدينة نحو البحر.

خلال الأيام الماضية، خلا الميناء من العمّال والصيادين والمارّة، وتوقّفت سفن قليلة فيه، حسب تقرير أعدته وكالة الصحافة الفرنسية، التي لحظت أن وحدها فرق البحث والإنقاذ المحلية والدولية تنشط في المكان للمساعدة في انتشال ما استقرّ في قعر حوضه.

بين هذه السفن، القاطرة «إيراسا». كانت موجودة في مياه الميناء أيضاً ليلة العاشر من سبتمبر (أيلول) عندما ضربت العاصفة «دانيال» شرق ليبيا وتسبّبت بانهيار سدّين في أعلى درنة، ما أدى إلى فيضانات جرفت في طريقها أبنية وجسوراً، وأوقعت 3351 قتيلاً على الأقل، في أحدث حصيلة رسمية مؤقتة لسلطات شرق ليبيا، بينما لا يزال هناك آلاف المفقودين.

صورة مركبة لمرافق الموانئ في درنة، التقطت بالأقمار الصناعية في 1 يوليو 2023، في الأعلى، والمنطقة نفسها بعدما جعلها الإعصار ركاماً يوم الأربعاء 13 سبتمبر 2023 (أ.ب)

يروي قائد القاطرة علي المسماري (60 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية، أنه فكّر في اللحظات الأولى بإخراج السفينة من الميناء لتفادي ارتطام حطام بها، وتجنّب تعريض طاقمها للخطر.

لكنه أكدّ أنه لم يرَ جدار الميناء ليتمكّن من تحديد موقع المخرج، بسبب ارتفاع مستوى البحر. ويقول: «لم يكن هناك إلا الدعاء لا أكثر».

قارب إنقاذ يحمل جثثاً جرفتها البحر أثناء الفيضانات القاتلة، يتجه نحو ميناء درنة (رويترز)

عندما طلع النهار، ظهر هول الكارثة. ويعدّد المسماري ما رآه في حوض الميناء: «شاحنات عملاقة، إطارات، ناس، منازل، أشجار نخل كاملة، حطب، غرف نوم، سخانات، غسالات، ثلاجات...».

وإن كان قسم كبير من كل هذا غرق في المياه بعد ساعات، فعلى الرصيف، تتناثر اليوم أغراض شخصية لفظها البحر أو استخرجها غطاسون: علب حليب أطفال، أدوات مطبخ، علب مساحيق تنظيف، علب عصير ممزقة، وقوارير زيت طبخ.

فريق الإنقاذ الإماراتي يغوص في البحر لانتشال الجثث في مدينة درنة (أ.ف.ب)

ويؤكد رئيس لجنة الأزمة في مصلحة الموانئ والنقل البحري الكابتن محمد شليبطة للوكالة الفرنسية، أنه يتمّ تنسيق الجهود «للبحث عن الأغراض العالقة في ميناء درنة، حيث يُتوقع أن يكون هناك أشخاص داخل مركباتهم الآلية التي غرقت».

وأشار إلى أن «الميناء مقسّم إلى قطاعات، وكل منطقة كُلّف بها فريق معيّن».

ويتولى فريق إماراتي أحد القطاعات. وقد وصل مع معدّاته وبينها قوارب ودباب البحر (جيت سكي)، وبدأ عمليات تفتيش عبر الغطس والتحسّس، إذ إن «الرؤية معدومة» في المياه الداكنة التي تحوّل لونها إلى البنيّ بسبب الوحول، وفق ما يقول الغطّاسون.

فريق إنقاذ إماراتي وخبراء في الطب الشرعي يتفقدون سيارة جرفتها مياه البحر خلال الإعصار «دانيال» المدمر (أ.ف.ب)

كان قائد الفريق العقيد علي عبدالله النقبي، يعطي توجيهاته إلى عناصره، مشدّداً على ضرورة اتخاذ أقصى إجراءات الوقاية.

من على متن مركب أصفر، نزل أربعة غطاسين إماراتيين يحملون على ظهورهم قوارير أكسجين، كل اثنين في موقع يربط بينهما حبل أمان. بعد وقت قصير، خرج أحدهم وقال: «ربطنا (الحبل) بسيارة، لا نرى شيئاً، ربطنا الباب أو الحاجب العلوي». كذلك عثر غطاس ثانٍ على سيارة أخرى.

بعد صعودهم إلى المركب، ساعدهم زملاؤهم في خلع السعيفات ورشّوا مياه شرب على وجوههم.

إثر تحديد موقع السيارتين، أُحضرت رافعة بالتنسيق مع السلطات الليبية أَخرجت إحدى السيارتين.

أعضاء فريق البحث والإنقاذ يقفون في ميناء درنة بعدما ضربها الإعصار المدمر (رويترز)

امرأة في ثلاجة

رُفعت السيارة بحبل واحد ثمّ اقترب الغطاسون مجدداً لربطها بحبل ثانٍ من طرف آخر. تمّ إبعاد جميع الأشخاص مسافة لا تقلّ عن 10 أمتار خوفاً من سقوط وحول أو مياه أو حتى أشلاء بشرية من السيارة أثناء إخراجها.

بعد إنزال السيارة المحطّمة على رصيف المرفأ، اقترب فريق متخصص في التعامل مع الجثث يرتدي بزات بيضاء وقفازات ويضع كمامات، للكشف عمّا في داخلها. وأعلن الفريق أخيراً أن لا جثث داخلها.

وحسب قائد الفريق الليبي حافظ عبيد، فإن «التعامل مع جثة في البحر أسهل من التعامل مع الجثث التي تكون على البرّ، لأن نسبة الملوحة تشكل عازلاً على الجلد».

رجال الإنقاذ يقفون بالقرب من جثث الضحايا في درنة الليبية (إ.ب.أ)

ويرجح أن تستغرق عملية انتشال ما استقر في قعر حوض الميناء أو حتى في قعر البحر أبعد من الميناء، وقتاً طويلاً.

وتتكثّف جهود الإنقاذ أيضاً في البحر قبالة ساحل المدينة المنكوبة كله، بعد أن جرف التيار الكثير من الجثث إلى الناحية الشرقية، حسب مصادر ملاحية.

فريق الإنقاذ الإماراتي يغوص في البحر لانتشال الجثث في مدينة درنة (أ.ف.ب)

في القاطرة «إيراسا»، يروي المسماري أن صيادين على متن «مراكب الصيد الخاصة كانوا أول من هرع لإنقاذ الأحياء ثمّ انتشال الأموات» ليلة الكارثة.

كان البحار الليبي أُبلغ بقدوم العاصفة «دانيال»، لكن عند الساعة الثانية والنصف «اهتزّت القاطرة البحرية بشكل غير عادي وغير مسبوق»، وفقاً له.

إلى جانبه، أكد العامل الفني في القاطرة توفيق أكروش (61 عاماً) أن «منسوب المياه ارتفع فوق الرصيف بحوالى متر ونصف المتر مع وصول سيارات وآليات بكمية هائلة».

ومالت السفينة بعد أن اصطدمت بها مياه الفيضانات، فأشعل طاقمها المحرّكات وقطع الحبال لإبعادها عن الرصيف.

فجراً، سمع طاقم السفينة صوت صراخ يطلب النجدة فهرع للمساعدة. وتبيّن أنها عجوز تختبئ عارية داخل ثلاجة طافية على وجه الماء، وقد نجت بأعجوبة. كانت تسأل: «أين أختي؟»، حسب رواية البحارَين.

لاحقًا، أنقذ الطاقم أيضاً رجلاً مصريّاً. ويروي المسماري أن الناجي قال لهم إنه: «بعد النوم وجد نفسه هنا»، مضيفاً: «ربما كان في غيبوبة».


مقالات ذات صلة

كيف تساعد وسائل التواصل الاجتماعي في الإنقاذ من كوارث؟

العالم حطام حفار وسط دمار ناتج عن تسونامي ضرب  باندا آتشيه في إندونيسيا في 10 يناير 2005 (إ.ب.أ)

كيف تساعد وسائل التواصل الاجتماعي في الإنقاذ من كوارث؟

بعد عشرين عاماً على ضرب أمواج تسونامي دولاً على ساحل المحيط الهندي في 26 ديسمبر 2004، استغرق الأمر أياماً لمعرفة نطاق الكارثة بسبب عدم توفّر وسائل اتصال.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أفريقيا ارتفاع عدد القتلى بسبب الإعصار «تشيدو» في موزمبيق إلى 94 شخصاً (أ.ف.ب)

94 قتيلاً جراء الإعصار «تشيدو» في موزمبيق

ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية»، اليوم (الأحد)، نقلاً عن «وكالة إدارة الكوارث» في موزمبيق، أن عدد القتلى؛ بسبب الإعصار «تشيدو» في البلاد ارتفع إلى 94 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (مابوتو)
العالم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون لسكان مايوت الغاضبين: لولا فرنسا لكان الوضع أسوأ

انتقد سكان غاضبون في أحد أحياء جزيرة مايوت، المتضرّرة من إعصار «تشيدو»، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنه رد عليهم بأن الوضع كان من الممكن أن يكون «أسوأ».

«الشرق الأوسط» (مامودزو)
أوروبا دمر الإعصار «تشيدو» أنحاءً شاسعة من مايوت بعد أن صاحبته رياح تجاوزت سرعتها 200 كيلومتر في الساعة (أ.ف.ب) play-circle 00:38

استمرار البحث عن ناجين وإحصاء القتلى في مايوت الفرنسية بعد الإعصار

بحث عمال الطوارئ عن ناجين، الاثنين، وسابقوا الزمن لاستعادة الخدمات الأساسية في مايوت، وهي من الأراضي الفرنسية ما وراء البحار، حيث يُخشى مقتل الآلاف.

«الشرق الأوسط» (موروني)
العالم تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

قالت سلطات أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي، اليوم (الأحد)، إن «مئات الأشخاص بالتأكيد» قضوا في الإعصار «شيدو» القوي جداً، الذي ضرب المنطقة، السبت.

«الشرق الأوسط» (باريس)

السلطات المصرية تحسم جدل «ضريبة» الجوالات المستوردة

مصر وضعت ضوابط لمنع تهريب الجوالات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مصر وضعت ضوابط لمنع تهريب الجوالات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

السلطات المصرية تحسم جدل «ضريبة» الجوالات المستوردة

مصر وضعت ضوابط لمنع تهريب الجوالات (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مصر وضعت ضوابط لمنع تهريب الجوالات (تصوير: عبد الفتاح فرج)

حسمت مصر إشاعات فرض ضريبة جديدة على الجوالات المستوردة من الخارج، بداية من يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت أنه لا جمارك جديدة ستفرض، لكن ستطرح منظومة جديدة لمواجهة التهريب، الذي كان يصل لنحو 95 في المائة من الواردات ويضر خزينة الدولة.

وأكد مسؤول مصري في تصريحات، الأربعاء، أن المنظومة ستطبق خلال أيام، بهدف مزيد من الحوكمة، وتطويق عمليات تهريب أجهزة الجوالات غير المسبوقة من الخارج، وسط تأكيد مختصين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن الإجراء سيحمي الاستثمارات الداخلية، ويشجع الصناعة المحلية دون أي تأثير على أسعار الهواتف داخل مصر.

وكشف نائب وزير المالية المصرية، للسياسات الضريبية، شريف الكيلاني، في مقطع مصور الأربعاء، عن أن هناك «إشاعات انتشرت في الآونة الأخيرة خاصة بفرض ضريبة جديدة على الجوّال»، مؤكداً أنه «لا فرض ضريبة إضافية على الجوالات».

هواتف «غوغل بيكسل» الجديدة (غوغل)

كما أوضح المسؤول المصري أن «كل ما في الأمر هو أن هناك حوكمة أكبر للجوالات القادمة من المنافذ الجمركية»، لافتاً إلى أن «الآونة الأخيرة شهدت للأسف الشديد ظاهرة تهريب الجوالات بطريقة فاقت التوقعات».

«ويتم تهريب 95 في المائة من الجوالات المستوردة، وتدفع فقط 5 في المائة الرسوم الجمركية المقررة منذ زمن»، بحسب الكيلاني، الذي شدد على أن التهريب أضر بالخزينة العامة للدولة، دون تحديد قيمة الخسائر.

وتعد رسوم استيراد أجهزة الاتصالات محددة وثابتة، وتشمل 14 في المائة ضريبة قيمة مضافة، و10 في المائة رسوم جمارك.

ولمواجهة آفة التهريب، قال نائب وزير المالية، إن الوزارة صممت تطبيقاً على الجوالات يسمح للقادمين من الخارج، سواء في المواني أو المطارات، بتسجيل جوالاتهم الشخصية عن طريق التطبيق بمجرد دخولهم إلى البلاد، دون أي جمارك أو رسوم إضافية، على أن يتم إرسال رسالة نصية للجوالات المهربة غير المسجلة على ذلك التطبيق، تنص على المطالبة بدفع الرسوم الجمركية المقررة خلال 90 يوماً، ليتم بعدها وقف تشغيل الجوالات المهربة غير المسددة للرسوم.

مصر لمواجهة تهريب الهواتف المحمولة (آبل)

ويوضح رئيس شعبة المحمول بالغرفة التجارية بالقاهرة، محمد طلعت، في حديث لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل أخرى، مبرزاً أن هناك شكاوى قدمت للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، من صناع ومعنيين في السوق المحلية، من إدخال البعض جوالات مستوردة من الخارج، دون دفع جمارك أو ضرائب، مما يضر باستثماراتهم والسوق المحلية. وأكد أن التطبيق «سيواجه ذلك التهريب، وينتظر الإعلان عن موعد دخوله حيز التنفيذ، ولن يؤثر سلباً على السوق»، موضحاً أن تلك الجوالات كانت تدخل بطريقة غير رسمية للبلاد، وكانت تضر السوق.

وكانت النائبة مرثا محروس، وكيل لجنة الاتصالات بمجلس النواب، قد كشفت قبل أيام عن أن هناك بلبلة بشأن وقف إدخال الجوالات المستوردة من الخارج، ابتداء من يناير 2025.

وأوضحت أن «هناك مشكلة في الرقابة، ذلك أن دخول الجوالات من السوق الأوربية لمصر بشكل كبير أثر على عملية البيع المحلي في مصر»، لافتة إلى أن الجوالات «سيتم السماح بدخولها لكن سيتم دفع الرسوم المقررة».

وأكدت وكيل لجنة الاتصالات بمجلس النواب أن دخول الجوال المستورد من الخارج بالضريبة «سيجعل تكلفته أغلى من سعره في الداخل، ومن ثمّ سيساهم في تقليل الاستيراد، وتعزيز البيع المحلي، وعدم اللجوء للخارج»، مؤكدة أن التوجهات الرسمية تفيد بدخول جوال واحد كل سنة دون ضريبة، وإن زاد على ذلك فلابد من دفع الرسوم المقررة.

وانتقد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، استيراد كميات كبيرة من السلع، من بينها الجوالات؛ ما يسبب أزمة في توافر الدولار، وقال خلال افتتاحه مشروعات نقل جديدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده تستورد بنحو 9 مليارات دولار (الدولار الأميركي يعادل 49.30 جنيه مصري) جوالات سنوياً»، ودعا إلى «ضرورة الاتجاه للتصنيع المحلي؛ لتقليل فاتورة الاستيراد».

ويتوقع رئيس شعبة المحمول بالغرفة التجارية بالقاهرة، محمد طلعت، أن يعزز عمل المنصة الجديدة مواجهة الجوالات المهربة داخل السوق، مرجحاً أنها قد تتلاشى مع مخاوف من عدم عملها داخل مصر، خاصة أنها قد لا تدفع الجمارك المقررة عليها، مشدداً على أن تلك الخطوة «ستشجع الاستثمارات المحلية بشأن تصنيع الجوالات، ولن تؤدي إلى أي ارتفاع جديد في أسعار الجولات داخل البلاد».

هاتف «شاومي 14 ألترا» (إدارة الشركة)

ويصل إجمالي الطاقة الإنتاجية للشركات الأجنبية المصنعة للجوالات في مصر إلى نحو 11.5 مليون وحدة سنوياً، حسب إفادة من وزارة الاتصالات المصرية، أغسطس (آب) الماضي.

وارتفعت واردات مصر من الجوالات بنسبة 31.4 في المائة، خلال الخمسة الأشهر الأولى من العام الحالي 2024، حيث سجلت 1.828 مليون دولار مقابل 1.391 مليون دولار خلال الفترة نفسها من عام 2023، حسب إفادة من «الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء» بمصر في أغسطس الماضي.