معالم تذكارية عن الحرب العالمية الأولى تجذب سياحاً يخشون تكرُّر «الجنون»

اهتمام متجدّد قوامه شباب يطاردون جذورهم

الكثير من المواقع هي مقابر ونصب تذكارية لبلدان في منظمة الكومنولث تستقطب السياح (أ.ف.ب)
الكثير من المواقع هي مقابر ونصب تذكارية لبلدان في منظمة الكومنولث تستقطب السياح (أ.ف.ب)
TT

معالم تذكارية عن الحرب العالمية الأولى تجذب سياحاً يخشون تكرُّر «الجنون»

الكثير من المواقع هي مقابر ونصب تذكارية لبلدان في منظمة الكومنولث تستقطب السياح (أ.ف.ب)
الكثير من المواقع هي مقابر ونصب تذكارية لبلدان في منظمة الكومنولث تستقطب السياح (أ.ف.ب)

يُسجَّل نمو سياحي كبير في 139 موقعاً تذكارياً من الحرب العالمية الأولى في فرنسا وبلجيكا، أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، الأربعاء، في قائمتها للتراث العالمي، إذ يتوافد إليها الآلاف لاستذكار فظائع أول نزاع عالمي راح ضحيته الملايين من عشرات البلدان، وفق ما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

بتأثر، تراقب جودي باد، الآتية من ملبورن لمعاينة الموقع التذكاري الأسترالي في بلدة فيلير - بروتونو في شمال فرنسا، وهو أحد المعالم الـ139 هذه، شواهد القبور المتراصفة بدقة لأكثر من 2000 مدفن. وتقول إنّ المدفونين في الموقع «كانوا في بعض الحالات من عمر ابننا».

يتوافد الآلاف لاستذكار فظائع أول نزاع عالمي راح ضحيته الملايين من عشرات البلدان (أ.ب)

تجسّد مواقع الدفن الفرنسية والبلجيكية هذه، المنتشرة بين إقليمي فلاندرز ووالونيا البلجيكيين ومنطقتي الشمال والشمال الشرقي الفرنسي، فظائع الحرب العالمية الأولى التي خلّفت 10 ملايين قتيل من 130 دولة، إضافةً إلى بتر أطراف 20 مليون شخص، وفق وزارة الثقافة الفرنسية.

وكتبت جودي، التي قصدت المكان برفقة زوجها جون، اسمين على قصاصة من الورق، يعودان لجنديين من مدينتها ماروندا، قرب ملبورن. كما أنها وضعت «عَلَماً أسترالياً صغيراً وزهرة خشخاش من الورق» على قبريهما.

وقام الزوجان بهذه الرحلة إلى أوروبا بمناسبة عيد ميلادهما الخمسين. وقبل باريس وليون وإيطاليا، خصّصا 3 أيام، بين شمال فرنسا وبلجيكا، لهذه المواقع التذكارية فيما كان يُعرف بـ«الجبهة الغربية» خلال الحرب العالمية الأولى.

وتشهد القائمة التي احتفظت بها «اليونيسكو» على طابعها العالمي: مقبرة برتغالية، أو نصب تذكاري هندي، أو حتى أكبر مقبرة صينية في فرنسا، في نويي سور مير (شمال)، حيث دُفن 842 صينياً عملوا في خدمة الجيش البريطاني خلف الجبهة.

والكثير من المواقع هي مقابر ونصب تذكارية لبلدان في منظمة الكومنولث تستقطب أعداداً كبيرة من السياح البريطانيين والكنديين والنيوزيلنديين. وتعتقد جودي بادي أنّ «واجب التذكر ضروري بالنسبة لنا، أكثر منه بالنسبة للفرنسيين».

تجسّد المواقع فظائع الحرب العالمية الأولى (أ.ب)

مثلها، تستفيد إدوينا وجوشوا، 27 و29 عاماً، من سيدني، من إجازة مدّتها شهران في فرنسا لزيارة النصب التذكاري. تقول: «أدركنا، بعد القيام بالرحلة، المسافة التي تفصل بلادنا عن أوروبا، والتضحيات التي قدمها جنودنا من أجلنا».

ويؤكد المدير العام لمكتب السياحة في مدينة أراس (شمال فرنسا) كريستيان بيرجيه، أنّ السياح من الكومنولث «يتقاسمون الثقافة الأنغلوسكسونية نفسها الخاصة بذكرى الأجداد الذين سقطوا في ميدان الشرف».

في نهاية أغسطس (آب)، زار المنتخب النيوزيلندي في الركبي، المعروف بالـ«أول بلاكس»، قُبيل كأس العالم لهذه الرياضة في فرنسا، موقعاً يُسمى «محجر ويلينغتون» في أراس، وهي شبكة من القاعات أعاد جنود نيوزيلنديون تطويرها خلال الحرب.

ويؤكد كريستيان بيرجيه أنّ المكان «أصبح نصباً تذكارياً (مركزياً) يزوره أكثر من 60 ألف زائر سنوياً»، مشيراً إلى أنّ الإدراج على قائمة «اليونيسكو»، «سيعزز إدارة تراث هذه المواقع، ويحميها».

وفي السنوات الأخيرة، ازداد الإقبال على المواقع التذكارية مع حلول الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، وفق جان كلينكير، رئيس لجنة الآثار الوطنية «هارتمانسويلركوبف» في منطقة الألزاس في شرق فرنسا، إلا أنّ هذا الاتجاه انحسر بسبب جائحة كوفيد.

رجاء أن يسمح الإدراج على قائمة «اليونيسكو» ببقاء هذه الذكرى حية «لمنع تكرار هذا الجنون» (أ.ف.ب)

وفقد النصب التذكاري «ثيبفال» في شمال فرنسا نصف زواره، ومعظمهم من البريطانيين، منذ تفشّي الوباء. لكنَّ هؤلاء «يعودون ببطء»، على ما يؤكد باسكال لويس كايو، من لجنة مقابر الحرب في الكومنولث التي تدير 51 من هذه المواقع الـ139.

ويؤكد أوليفييه جيرار، مدير متحف «دومون» الذي يضم رفات 130 ألف جندي مجهول قُتلوا خلال معركة فردان، أن «تصنيفه موقعاً للتراث العالمي يعني زيادة بنسبة 30 في المائة في الزوار».

وفي هذا المكان الذي يستقبل ما بين 250 ألفاً إلى 300 ألف زائر سنوياً، يلاحظ جيرار «اهتماماً متجدداً»، مدفوعاً بشكل خاص «بالشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و30 عاماً، الذين يستكشفون تاريخ عائلاتهم، ويسعون إلى معرفة جذورهم».

ويأمل أن يسمح الإدراج على قائمة «اليونيسكو»، «ببقاء هذه الذكرى حية لمنعنا من تكرار هذا الجنون، حتى لو كان ذلك مجرد تمنٍّ».

وقد أعاقت «اليونيسكو» ترشيح هذه المواقع الفرنسية البلجيكية، الذي قُدّم عام 2018، ما أدّى إلى تأجيل درس هذه الملفات، بحجة أنّ مثل هذه الخطوة «قد تُستخدم لأغراض قومية»، وفق المؤرخ البلجيكي دومينيك ديندوفين، عضو اللجنة العلمية للطلب. يضيف: «أردنا إثبات أن هذه الأماكن، التي دُفن فيها جنود من أكثر من 130 جنسية حالية، هي أولاً وقبل كل شيء أماكن لالتقاء الثقافات»، موضحاً: «نحن نعمل من أجل عالم أفضل».


مقالات ذات صلة

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

سفر وسياحة متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

متى وكيف تحجز أرخص تذاكر طيران ومقعد في درجة رجال الأعمال بأقل سعر؟

هذا الصيف، يتجه الجميع للاستمتاع بالاستجمام على شاطئ البحر، أو مطاردة سحر عواصم العالم المختلفة، أو مجرد الاسترخاء في وجهات مريحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
عالم الاعمال «ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

«ساوث ميد - طلعت مصطفى» رفاهية وفخامة في أكبر مارينا عالمية

يمتلك مشروع «ساوث ميد» - أحدث مشروعات «مجموعة طلعت مصطفى» بالساحل الشمالي الغربي لمصر - كل المقومات اللازمة ليصبح وجهة عالمية جديدة بجنوب البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق معبد رمسيس الثاني بأبو سمبل (الشرق الأوسط)

«أبو سمبل» المصرية تستقبل السائحين بعد تحسن الطقس

استقبل معبد أبو سمبل الشهير (جنوب مصر) زواره مجدداً الأربعاء بعد تحسن حالة الطقس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق مناظر طبيعية لافتة وجذابة في بحيرة قارون (صفحة فندق سياحي بالفيوم على «فيسبوك»)

مصر تسعى للاستفادة سياحياً من بحيرة قارون بالفيوم

تسعى مصر لوضع بحيرة قارون بالفيوم (جنوب القاهرة) على مؤشر الاستثمار السياحي، من خلال خطة لتنمية البحيرة وتنميتها والعمل على حفظ التوازن البيئي داخلها.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من حملة «مصر نابضة بالحياة 365» (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر تُبرز مقاصدها «النابضة بالحياة» لجذب السائحين العرب

في خطوة جديدة لتنشيط الحركة السياحية الوافدة من الدول العربية وتنميتها روّجت مصر لمقاصدها الشاطئية عبر حملة بعنوان «مصر نابضة بالحياة 365»

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

وضعية جلوس الطبيب بجانب المريض تُحدِث فرقاً في علاجه

هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
TT

وضعية جلوس الطبيب بجانب المريض تُحدِث فرقاً في علاجه

هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)
هذه الوضعية تكوِّن روابط بين المريض والطبيب (جامعة ولاية أوهايو)

كشفت دراسة جديدة أجراها باحثون من جامعة ميشيغان الأميركية، أنّ الوصول إلى مستوى عين المريض عند التحدُّث معه حول تشخيصه أو رعايته، يمكن أن يُحدث فرقاً حقيقياً في العلاج.

وأظهرت النتائج أنّ الجلوس أو القرفصاء بجانب سرير المريض في المستشفى، كان مرتبطاً بمزيد من الثقة والرضا لديه، كما ارتبط بنتائج سريرية أفضل مقارنة بوضعية الوقوف.

وأفادت الدراسة المنشورة في دورية «الطبّ الباطني العام»، بأنّ شيئاً بسيطاً مثل توفير الكراسي والمقاعد القابلة للطي في غرف المرضى أو بالقرب منها، قد يساعد في تحقيق هذا الغرض.

يقول الدكتور ناثان هوتشينز، من كلية الطبّ بجامعة ميشيغان، وطبيب مستشفيات المحاربين القدامى الذي عمل مع طلاب كلية الطبّ بالجامعة، لمراجعة الأدلة حول هذا الموضوع، إنهم ركزوا على وضعية الطبيب بسبب ديناميكيات القوة والتسلسل الهرمي للرعاية القائمة في المستشفى.

وأضاف في بيان نُشر الجمعة في موقع الجامعة: «يلاحظ أنّ الطبيب المعالج أو المقيم يمكنه تحسين العلاقة مع المريض، من خلال النزول إلى مستوى العين، بدلاً من الوقوف في وضعية تعلو مستوى المريض».

وتضمَّنت الدراسة الجديدة التي أطلقتها الجامعة مع إدارة المحاربين القدامى في الولايات المتحدة، وضعية الطبيب بوصفها جزءاً من مجموعة من التدخلات الهادفة إلى جعل بيئات المستشفيات أكثر ملاءمة للشفاء، وتكوين روابط بين المريض ومُقدِّم الخدمة العلاجية.

وبالفعل، ثبَّتت إدارة شؤون المحاربين القدامى في مدينة آن أربور بولاية ميشيغان، كراسي قابلة للطي في غرف عدّة بمستشفيات، في مركز «المُقدّم تشارلز إس كيتلز» الطبي.

وكانت دراسات سابقة قد قيَّمت عدداً من النقاط الأخرى المختلفة، من طول لقاء المريض وانطباعاته عن التعاطف والرحمة من مُقدِّمي الرعاية، إلى درجات تقييم «المرضى» الإجمالية للمستشفيات، كما قيست من خلال استطلاعات موحَّدة.

تتضمّن التوصيات التشجيع على التحية الحارّة للمريض (الكلية الملكية في لندن)

ويقول الباحثون إنّ مراجعتهم المنهجية يجب أن تحضّ الأطباء ومديري المستشفيات على تشجيع مزيد من الجلوس بجانب سرير المريض، كما تتضمّن التوصيات أيضاً التشجيع على التحية الحارّة عندما يدخل مُقدّمو الخدمات غرف المرضى، وطرح أسئلة عليهم حول أولوياتهم وخلفياتهم المرضية خلال المحادثات.

وكان الباحثون قد درسوا هذا الأمر بوصفه جزءاً من تقييمهم الأوسع لكيفية تأثير العوامل غير اللفظية في الرعاية الصحّية، والانطباعات التي تتولّد لدى المريض، وانعكاس ذلك على النتائج.

وشدَّد هوتشينز على أنّ البيانات ترسم بشكل عام صورة مفادها أنّ المرضى يفضّلون الأطباء الذين يجلسون أو يكونون على مستوى العين. في حين أقرّت دراسات سابقة عدّة أنه حتى عندما كُلِّف الأطباء بالجلوس مع مرضاهم، فإنهم لم يفعلوا ذلك دائماً؛ خصوصاً إذا لم تكن المقاعد المخصَّصة لذلك متاحة.

ويدرك هوتشينز -عبر إشرافه على طلاب الطبّ والمقيمين في جامعة ميشيغان في إدارة المحاربين القدامى- أنّ الأطباء قد يشعرون بالقلق من أن الجلوس قد يطيل التفاعل عندما يكون لديهم مرضى آخرون، وواجبات يجب عليهم الوصول إليها. لكن الأدلة البحثية التي راجعها الفريق تشير إلى أنّ هذه ليست هي الحال.

وهو ما علق عليه: «نأمل أن يجلب عملنا مزيداً من الاعتراف بأهمية الجلوس، والاستنتاج العام بأنّ المرضى يقدّرون ذلك».

وأضاف أن توفير المقاعد وتشجيع الأطباء على الوصول إلى مستوى عين المريض، وحرص الكبار منهم على الجلوس ليشكّلوا قدوة لطلابهم، يمكن أن يساعد أيضاً.