هل زيارة المغرب بعد الزلزال تتعارض مع أخلاقيات السفر؟

السياح محتارون ما بين إلغاء رحلاتهم أو الذهاب

منطقة جبال الأطلس بعد تعرّضها للزلزال المدمر (أ.ف.ب)
منطقة جبال الأطلس بعد تعرّضها للزلزال المدمر (أ.ف.ب)
TT

هل زيارة المغرب بعد الزلزال تتعارض مع أخلاقيات السفر؟

منطقة جبال الأطلس بعد تعرّضها للزلزال المدمر (أ.ف.ب)
منطقة جبال الأطلس بعد تعرّضها للزلزال المدمر (أ.ف.ب)

بعض الوجهات السياحية الأكثر شعبية في العالم - تركيا واليونان وهاواي، والآن المغرب - قد دمرتها الكوارث هذا العام؛ إذ اجتاحت الزلازل وحرائق الغابات والفيضانات قرى وبلدات بأكملها، مما أسفر عن مقتل السكان وتدمير الآثار الثقافية أو إلحاق الأضرار بها. تركت سلسلة الأحداث الكارثية الكثير من السياح في معضلة حول كيفية الاستجابة.

منطقة جبال الأطلس بعد تعرّضها للزلزال المدمر (أ.ف.ب)

أولئك الذين يعيشون في بلد ما في أعقاب أزمة ما إذا كان عليهم البقاء أو الرحيل. ويتساءل أصحاب الرحلات القادمة عما إذا كان يجب إلغاؤها. هل يمكنهم والإيرادات التي يجلبونها أن يقدموا أي مساعدة حقيقية، أم سوف يُشكّلون عبئاً؟ إلى أي حد يكون من الملائم ترك السياحة تستمر في حين أن الأمة في حالة حداد جماعي مع جهود الإنقاذ جارية؟ لا توجد إجابات سهلة، كما يقول خبراء السفر.

جبال الأطلس من الأماكن التي يقصدها الزوار من شتى أنحاء العالم (شاترستوك)

إن تأثير كل كارثة فريد من نوعه، وفي حين يُنصح المسافرون باتباع إرشادات المسؤولين الحكوميين في أعقاب مثل هذه الأحداث، فإن المجتمعات المحلية لا تتفق دائماً على أفضل مسار للعمل. وبعد أن دمرت حرائق غابات «ماوي» معظم أجزاء بلدة «لاهاينا» في أغسطس (آب)؛ مما أسفر عن مصرع ما لا يقل عن 115 شخصاً، تجادل سكان الجزيرة، التى تعتمد على الدخل السياحي، حول قرار السماح باستمرار السياحة في الوقت الذى يشعر فيه السكان المحليون بالحزن إزاء كل ما فقدوه.

لكن في المغرب، حيث ضرب زلزال قوي بقوة 6.8 درجة جبال الأطلس جنوب غرب مراكش؛ مما أسفر عن مقتل الآلاف، أصبحت التوقعات أكثر توحداً. ومع بدء موسم السياحة المرتفع وتأثير معظم الدمار على المناطق الريفية البعيدة عن المناطق السياحية الساخنة، يتطلع الكثير من السكان المحليين إلى قدوم الأجانب لدعم الاقتصاد وجلب الأموال لجهود الإغاثة. قالت منى النجار، رئيسة تحرير مجلة «جئت من أجل الكسكسي» المحلية: «بعد تفشي وباء كورونا، سيكون التخلي عن السياح أمراً مروعاً بالنسبة إلى مراكش، حيث يأتي الكثير من الموارد من السياحة. بصورة مباشرة أو غير مباشرة، يرتبط كل السكان بهذا المورد المهم وسوف يتأثرون بشكل رهيب».

إليكم ما يجب أن يفكر فيه المسافرون الذين واجهوا احتمال زيارة بلد واجه الدمار.

هل المكان مفتوح للسياحة؟ التحقق من التوجيهات الرسمية للحكومة والتقارير الإعلامية المحلية لتقييم الوضع في الواقع. عندما اجتاحت حرائق الغابات أجزاء من «ماوي» الشهر الماضي، حثت السلطات المحلية السياح على البقاء في منازلهم. وحتى الآن، لم تصدر الحكومة المغربية أي بيانات تتجاوز وضع جهود الإنقاذ، ولم يستجب مكتب السياحة في البلاد لطلبات متعددة للتعليق. ونصحت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها الذين يعتزمون السفر إلى البلاد بالرجوع إلى شركات السياحة أولاً بشأن أي اضطرابات. في حين أن وزارة الخارجية الأميركية لم تُجدد تحذيرها من السفر إلى المغرب، فمن الجيد مراجعة الموقع قبل السفر إلى أي بلد تعرّض لكارثة. حدد بدقة الأماكن التي تعرضت فيها الكارثة والمناطق التي تأثرت. عندما اجتاحت حرائق الغابات اليونان في تموز (يوليو) وأُجلي آلاف السياح من جزر رودس وكورفو، ألغى سياح كثيرون عطلاتهم، حتى الذين سافروا إلى مناطق غير متضررة. وأصدر وزير السياحة اليوناني رداً على ذلك، أكد فيه أن غالبية البلاد، بما في ذلك أجزاء من الجزر المنكوبة، ما زالت آمنة للسياح. عندما ضرب الزلزال المغرب، شعرت به الكثير من الوجهات السياحية المشهورة، بما في ذلك مراكش وإمسوان والصويرة، غير أن أغلب الأضرار تركزت بالقرب من مركز الزلزال في محافظة الحوز. في أعقاب الزلزال مباشرة، ألغيت معظم الرحلات الجوية للمغرب، حيث سارع المشغلون إلى إجراء تقييمات السلامة الحرجة، والتأكد من أن جميع عملائهم وموظفيهم قيد الاعتبار، وأن السياح لم يعرقلوا جهود الإنقاذ. لكن الآن، وبعد أن تبين أن الضرر يقع في المناطق الريفية ويخضع للتوجيهات الحكومية، فإن أغلب الجولات السياحية تجري على قدم وساق مع بعض برامج الطيران المعدلة. ولم تتأثر الفنادق إلى درجة كبيرة، بحسب جمعية الفنادق المغربية. قالت زينة بن شيخ، من أبناء مراكش، والمديرة الإدارية لعمليات شركة «إنترابيد ترافل» في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: «هناك مناطق متضررة داخل مراكش، وبعض المعالم التاريخية مغلقة، لكن معظم المناطق داخل المدن لا بأس تماماً بزيارتها». وأضافت أن «معظم البلاد مفتوحة، حيث تعمل المطارات والمدارس والفنادق والمحال التجارية والمطاعم بشكل طبيعي تحت صدمة الحادث». كان لدى شركة «إنتريبيد ترافل» 600 زبون في المغرب ليلة وقوع الزلزال، منهم 17 فقط قطعوا رحلاتهم القصيرة. قالت شركة «تي يو آي»، أكبر شركة سفريات في أوروبا، إن بعض رحلاتها تخضع للمراجعة، لكن غالبية ضيوفها قرروا البقاء بعد أن أجرت الشركة عمليات تفتيش على السلامة واختارت دعم إبقاء المغرب مفتوحاً. هل سأكون عبئاً على المجتمعات المحلية كسائح؟ عندما ضرب زلزال بلغت قوته 7.8 درجة جنوب تركيا في فبراير (شباط)، ألغت شركة الخطوط الجوية التركية، الناقل الوطني، عشرات الرحلات الجوية في جميع أنحاء البلاد لفتح الموارد لجهود الإنقاذ. وخلال حرائق غابات ماوي، ألغت شركات الطيران أيضاً رحلاتها إلى هاواي لتتمكن من استخدام الطائرات لنقل الركاب إلى البر الرئيس. وما زال اغلب مناطق غرب ماوي مغلقة أمام السياح، لكن من المتوقع إعادة فتحها في 8 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. فى المغرب، جرى حالياً تطويق المناطق الأشد تضرراً في جبال أطلس حيث تستمر حالياً جهود الإنقاذ، ولا يُنصح السياح بالتوجه إلى هذه المناطق. لكن يجري تشجيع الأنشطة السياحية في المناطق الأخرى من البلاد التي لم تتأثر بالكارثة.تعمل حفيظة حدوبان، المرشدة السياحية المقيمة في مراكش، في اصطحاب الزوار في رحلات للتنزه سيراً على الأقدام والرحلات الطويلة، وهي تحث الزوار على القدوم، ورأت أن خطر الزلزال قد زال منذ فترة طويلة وأن السلطات في مراكش تباشر تطويق أي بنايات تظهر عليها علامات الضرر بعناية. وقالت: إن أولئك الذين دعوا لإلغاء رحلاتهم شعروا بعدم الارتياح إزاء قضاء العطلة في بلد تعرض للتو لمثل هذا الدمار، ولكن السكان المحليين لم يشاركوا هذا الرأي. وقالت: «أعتقد أنه من الأفضل أن تأتي وتثبت أن الحياة مستمرة. إن ما يمكن أن يفعله سائح جبلي للمساعدة هو أن يأتي، ليُظهر أنهم هنا وأنهم متضامنون».

هل يجب تغيير سلوكي؟ معظم السكان المحليين لن يتوقعوا منك ذلك، ولكن من المهم أن تكون متيقظاً ومنتبهاً للمزاج العام من حولك. قالت بن شيخ من شركة «إنتربريد ترافيل»: «شعب المغرب سيقول لا تغلقوا المغرب».

مناطق سياحية جميلة في جبال الأطلس قبل حدوث الزلزال (شاترستوك)

وقال أنجيل إسكويناس، المدير الإقليمي لمجموعة فنادق برشلونة، التي تمتلك عقارات في مراكش والدار البيضاء وفاس: إنه لا توجد حاجة مُلحة إلى أن يقطع السياح رحلاتهم قبل موعدها المحدد ما لم يشعروا أن ذلك ضروري. وأضاف: «من المقبول تماماً أن يواصل السياح أنشطتهم المخطط لها، مثل القيام بجولات سياحية، أو الاسترخاء في حمام السباحة، أو الاستمتاع بالحياة الليلية. وتظل المغرب وجهة حيوية ومُرحبة. لكننا نشجع الزوار على الانتباه إلى محيطهم واحترام الظروف الخاصة للمجتمعات المحلية. من المهم إيجاد التوازن بين دعم الاقتصاد المحلي وعدم إرباك المجتمع». وقالت كاساندرا كارينسكي، أحد مؤسسي مطعم «بلس-61»، وهو مطعم شهير في مراكش، إنها فتحت أبوابها بعد يوم واحد من الزلزال لتوفير بيئة تسمح للسكان المحليين بتوحيد صفوفهم في أوقات صعبة. وأضافت: «شهدنا الكثير من عمليات الإلغاء، ولكننا نجتمع الآن لجمع الأموال ودعم مجتمعاتنا المحلية، وقد بدأت العجلة تدور من جديد». وأضافت أن المزاج كان قاتماً أكثر من المعتاد، والناس ما زالوا في صدمة، لكن السياح كانوا متيقظين ومحترِمين للسكان المحليين. وقالت: «لا يزال الناس في حاجة إلى تناول الطعام، وفي كل يوم هناك مناخ أكثر تفاؤلاً للاجتماع معاً للمساعدة والمضي قدماً».

من الأضرار التي خلّفها الزلزال الذي ضرب المغرب (رويترز)

ما الذي يمكنني فعله للمساعدة؟ تُشكل زيارة أي بلد دعماً كبيراً لجهود الإغاثة من الكوارث، حيث يعتمد الكثير من السكان المحليين على عائدات السياحة في كسب معيشتهم. في المغرب، تشكل السياحة 7.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مصدر أساسي للدخل للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وقد بدأت الكثير من المطاعم والفنادق في تمويل حملات لمساعدة موظفيها وعائلاتهم في المناطق الأكثر تضرراً. يمكنك التبرع لبعض منظمات الإغاثة، مثل الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تستجيب للكارثة. وقد بدأت مؤسسة «إنتربريد»، الذراع الخيرية لشركة «الياحة»، حملة نداءات من أجل المغرب لدعم الجهود الرامية إلى توفير الغذاء والمأوى والمياه النظيفة والمساعدة الطبية للمجتمعات المحلية.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.