بعد مرور ستة أيام على الزلزال الذي ضرب المغرب يوم الجمعة الماضي، لا تزال آثار الصدمة بادية على وجوه سكان قرية مولاي إبراهيم، التابعة لإقليم الحوز، والقريبة من بؤرة الهزة الأرضية في قرية إيغيل، والتي تُعرف أيضا كوجهة لعشاق السياحة الجبلية؛ ويقصدها الآلاف على مدار السنة، بحكم أنها تحتضن زاوية الولي الصالح مولاي إبراهيم بن مولاي أحمد بن عبد الله بن الحسين الأمغاري، الذي ترتبط به تسميتها، والذي سكن المنطقة خلال القرن الـ16.
في هذه القرية يواصل السكان قضاء ساعات اليوم بعيدا عن منازلهم، التي عوضوها مؤقتا بخيام وفرتها لهم السلطة أو تدبروها عن طريق الحملات التطوعية أو بشكل شخصي. ويمكن القول إنهم فقدوا الثقة في منازلهم، خصوصا أن الهزات الارتدادية لا تزال تسجل بين الحين والآخر.
القصص المؤلمة التي تأتي على لسان سكان قرية مولاي إبراهيم كثيرة، لعل أشدها إيلاما قصة رجل فقد زوجته وأربعة من أبنائه، والذي نقلوا عنه قوله إنه لا يريد سوى الابتعاد عن العالم لكي يحزن في صمت.
عند مدخل القرية، عاينت «الشرق الأوسط» هدوءا ينقل للزائر شعورا بأن هناك شيئا ليس على ما يرام يخيم على المكان. الفنادق الصغيرة التي عادة ما تكون غاصة بنزلائها مقفلة. وكذلك حال بنايات تعرض شققا عائلية للكراء. وعلى مسافة أمتار، وقفت سيارة أجرة تنتظر مزيدا من الركاب، أما الفندق الكبير، الذي يطل على المرتفعات المحيطة، فقد تكسرت جدرانه وتهشمت أسقفه، وصار خارج الخدمة.
بالقرب من هذا الفندق المنكوب، صادفت «الشرق الأوسط» الفنان التشكيلي حسان بورقية، الذي كان منخرطا في تأمل مشهد الخراب، الذي حل ببناية تنفتح نوافذها على مناظر خلابة. قال إنه جاء للتضامن مع ضحايا الزلزال حاملا معه بعض المساعدات. موضحا أن أغلب القرى والدواوير (الكفور) التي دمرها الزلزال تعاني بصمت. بدا بورقية في قمة الحزن وهو يتحدث عن هذه الكارثة الطبيعية وتداعياتها، مشيرا إلى أن التفاعل مع المتضررين «واجب، وليس شفقة، ويعزز ثقافة التشارك».
يقول بورقية وهو في غاية التأثر: «أنا جزء من المغاربة، وقد أثرت فيّ بعض المشاهد المصورة التي أظهرت روح التضامن عند المغاربة، من قبيل تلك السيدة التي طلبت من المتطوعين لنقل المساعدات للمتضررين أن يقبلوا خاتم الذهب الذي هو كل ما تملك، أو تلك العجوز التي جاءت تحمل عبوة زيت بخطوات متعبة، أو ذلك الشيخ الذي جاء حاملا كيس دقيق قبل أن ينسحب، على متن دراجته الهوائية في هدوء ومن دون بهرجة؛ أو مشهد شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة جاء لمد يد المساعدة للمتطوعين في الحملة التضامنية».
في وسط القرية، كانت هناك أزقة خالية من المارة، بعد أن هجر السكان بيوتهم نحو الخيام، التي تم نصبها في ملعب ترابي أو بعدد من الساحات. المقاهي والفنادق الصغيرة مقفلة، والدمار منتشر في الأرجاء. وبين الحين والآخر تخلق قافلات المساعدات حركية ودينامية، بفعل انخراط الجميع في توزيع المواد الغذائية والمفروشات والملابس، وغيرها.
على بعد خطوات من زاوية الولي الصالح مولاي إبراهيم، التي أحالها الزلزال إلى ركام، قال محمد آيت يدير لـ«الشرق الأوسط»، إن الزلزال يمثل كارثة بالنسبة للقرية، وفاجعة بالنسبة للسكان. كما تحدث عن لحظات الرعب التي عاشها رفقة عائلته في ليلة الزلزال، قائلا إن عائلته قضت ليلة الزلزال في حيرة من أمرها، من دون أن يعرف من يسكن في مراكش ما حل بمن يسكن في مولاي إبراهيم، والعكس.
رافق آيت يدير «الشرق الأوسط» في جولة لمعاينة ما حل بزاوية مولاي إبراهيم. حرص على تقديم معطيات حول هندسة هذه البناية المهمة بالنسبة للقرية، وحين سألته «الشرق الأوسط» عن إغلاق المحلات التجارية أبوابها، رد بسؤال حائر: «ولماذا تُفتح والبنايات تتحرك (في إشارة إلى الهزات الارتدادية التي تسجل كل يوم)، كما أنه لا أحد ينام في بيته؟».
وجوابا على سؤال حول انتظارات ضحايا الزلزال، شدد آيت يدير على السكن، وانتظار الطريقة التي ستتعامل بها السلطة مع الأمر.
على مسافة أمتار من باب تراثي مكتوب عليه «مدرسة مولاي إبراهيم العتيقة القرآنية العلمية»، أخبر أحد المارة من سكان القرية آيت يدير بوصول شاحنة تحمل مفروشات، في إطار الحملة التضامنية التي انخرط فيها المغاربة من مختلف ربوع البلد، لدعم ضحايا «زلزال الحوز».
حين سألت «الشرق الأوسط» هذا الرجل، واسمه عبد الرحمن أوريك، عن الزلزال وتداعياته العديدة، قال لعلها محنة في قلبها منحة. وفسر ذلك قائلا: «لقد تفجرت عيون وينابيع بجوار القرية. هذا خير كثير. لله حكمته، والحمد لله على كل حال».
بدا أوريك، الذي يعيش عقده السابع من العمر، مرتاح النفس، على الرغم مما عاشوه في القرية من خوف وضياع في الأرواح والمساكن والمتاع، إلى درجة أنه لم يتردد في دعوة مخاطبه إلى كأس شاي، تعبيرا عن كرم الضيافة الذي يميز المغاربة، ويُذكر بالمناقب والخصال التي شاعت على مدى السنوات، بخصوص مولاي إبراهيم، الولي الصالح الذي قيل عنه إنه «كان كريم المائدة ومقصد كل جائع وحائر».