توافق مصري - فرنسي على تنسيق الجهود لمواجهة أزمات الغذاء والطاقة

القاهرة طالبت باريس بدعمها لدى «المؤسسات الائتمانية الدولية»

وزير الخارجية المصري سامح شكري ووفد الخارجية الفرنسية برئاسة كاترين كولونا (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري سامح شكري ووفد الخارجية الفرنسية برئاسة كاترين كولونا (الخارجية المصرية)
TT

توافق مصري - فرنسي على تنسيق الجهود لمواجهة أزمات الغذاء والطاقة

وزير الخارجية المصري سامح شكري ووفد الخارجية الفرنسية برئاسة كاترين كولونا (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري سامح شكري ووفد الخارجية الفرنسية برئاسة كاترين كولونا (الخارجية المصرية)

أكدت مصر وفرنسا، (الخميس)، التوافق على العمل معاً من أجل تطوير علاقات التعاون بين البلدين، ونقلها إلى «آفاق أرحب في إطار المصالح المشتركة». وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عقب استقباله وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، في القاهرة، إن بلاده «تعمل بأقصى طاقة لدفع الجهود الرامية للتوصل إلى حلول سياسية وسلمية للأزمات القائمة، بما يسهم في استعادة الأمن والاستقرار الإقليميَين».

ووفق المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، فإن لقاء السيسي وكولونا أكد «الحرص المتبادل على مواصلة تعزيز أطر التعاون الثنائي في مختلف المجالات، ومساندة الجهود المشتركة لتحقيق التنمية والازدهار، ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن التنسيق السياسي المستمر والمكثف».

ونقل عن السيسي تأكيده على «ما توليه مصر من أهمية لتعزيز التعاون مع فرنسا، لا سيما ما يتعلق بنقل الخبرات والتكنولوجيا والتصنيع المشترك، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في قطاعات الطاقة والنقل والبيئة، وتنسيق الجهود للتصدي للتداعيات السلبية للأوضاع السياسية الدولية، خصوصاً في ما يتصل بالجوانب المتعلقة بالارتفاع العالمي في أسعار الغذاء والطاقة والتمويل».

وزير الخارجية المصري سامح شكري ووفد الخارجية الفرنسية برئاسة كاترين كولونا (الخارجية المصرية)

تناول اللقاء، وفق البيان المصري، القضايا الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام، وجهود تسوية الأزمات في عدد من دول المنطقة، لاسيما في السودان وليبيا، بالإضافة إلى الأوضاع في منطقة الساحل.

وخلال مؤتمر صحافي، مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، وصفت كولونا مصر بأنها «دولة مهمة لفرنسا وكل الشركاء الأوروبيين... وشريك تاريخي واستراتيجي»، مشيرة إلى أنها ستعود إلى القاهرة تلبية للدعوة للمشاركة في افتتاح «المتحف المصري الكبير» قريباً.

ونوهت الوزيرة الفرنسية إلى أن «مصر وفرنسا يمكنهما العمل معاً ليس لصالح البلدين فحسب، بل لصالح المنطقة». وأشارت إلى أن محادثاتها تناولت «المسائل الملحة، ومن بينها عملية السلام، فضلاً عن التطورات الحالية في الشرق الأوسط، ومؤتمر بغداد المقرر انعقاده في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».

ودعت كولونا إلى وقف روسيا الحرب على أوكرانيا، مشيرة إلى «النتائج السلبية للحرب على دول العالم جميعها، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار، والصعوبات في واردات الطاقة وتقلب أسعارها، وانعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك مصر التي تضررت بسبب انعدام الأمن الغذائي». وأوضحت أن فرنسا والاتحاد الأوروبي دعّما مصر من خلال توفير السلع التي تحتاجها، حيث تمت مضاعفة الصادرات من القمح، مشيرة إلى أن «فرنسا كانت وستبقى دائماً إلى جانب مصر، كما كانت مصر (صديقاً وفياً) إلى جانب فرنسا عندما احتاجت إلى الغاز»، حيث استجابت القاهرة لطلب باريس في هذا الصدد.

من جهته، أكد شكري «وجود إرادة قوية على مستوى القيادتين والحكومتين لتطوير العلاقات بين مصر وفرنسا ونقلها إلى آفاق أرحب في إطار المصالح المشتركة، والاحترام المتبادل، والرغبة في تحقيق الاستقرار»، مع استمرار «التنسيق والتعاون لإيجاد حلول للأزمات المزمنة، والتوصل إلى مزيد من الاستقرار في المنطقة لاتصالها المباشر بالأمن والاستقرار في أوروبا عبر البحر المتوسط».

وبشأن الدعم الفرنسي لمصر في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي تواجهها البلاد، نوه شكري إلى «وجود مجالات عديدة تستطيع مصر من خلالها التعاون مع فرنسا لتدارك الأزمة الاقتصادية الحالية»، مؤكداً أن «الحوار سيظل قائماً، ونتطلع لزيارة وزير المالية الفرنسي خلال فترة وجيزة لاستمرار الحديث، وإيجاد الوسائل التي تعزز من قدرات مصر الاقتصادية، وتعاونها على مواجهة التحديات الراهنة».

وقال: «الاجتماع الذي عُقد في باريس قبل أشهر كان بغرض تناول قضية الضغوط الاقتصادية الواقعة على كثير من الدول، وكيفية الخروج من هذه الأزمة من خلال الآليات القائمة، ومن خلال إيجاد وسائل مستحدثة، من بينها تخفيف الديون، ومبادلة الديون، وإصلاح عمل المؤسسات المالية الدولية»، مشيراً إلى أن «فرنسا بما لديها من صلة بكل هذه الدوائر تستطيع أن تحفز على مزيد من الإجراءات سواء الثنائية، أو من خلال عضويتها بالاتحاد الأوروبي، أو في إطار وجودها بالمؤسسات الائتمانية الدولية لتزكية هذه الحلول».

من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية إن «بلادها أخذت في الاعتبار الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر اليوم، ومستعدة تماماً لمرافقة مصر في حوارها مع المؤسسات الدولية، ومساعدتها إذا كان الأمر ممكناً لنجد معاً أجوبة على أثر (قمة باريس) من ميثاق تمويلي جديد و(قمة العشرين)؛ لإيجاد أجوبة أفضل لمعالجة مشكلة الديون وصولاً للتمويل الدولي الخاص والعام بشكل أسهل»، مضيفة: «نريد أيضاً أن نعمل من أجل زيادة الاستثمارات الأجنبية في مصر».

ورداً على سؤال حول واردات مصر من القمح الأوكراني واتجاه مصر للقمح الروسي وتعليق روسيا العمل باتفاق الحبوب، شددت وزيرة الخارجية الفرنسية على أن مصر ليست مسؤولة عن تعليق العمل بالاتفاق، وأن روسيا هي المسؤولة، موضحة أن «مصر من الدول التي تعاني من تعليق العمل بهذا الاتفاق، وأنها تعاني كذلك من تداعيات الحرب في أوكرانيا».

بدوره، أكد شكري أن مصر من أكبر الدول المستوردة للقمح والذرة، وأنها تستورد نحو 10 ملايين طن، وأنها كانت تعتمد على أوكرانيا وروسيا لتوفير هاتين السلعتين والمواد الغذائية، موضحاً أن الأمر المؤكد أن احتياجات الشعب المصري يجب توفيرها من هاتين السلعتين، موجهاً الشكر لفرنسا لتوفيرها كميات من القمح.

وأضاف شكري أن مصر تضطلع بدورها، فهي عضو في لجنة «مجموعة الاتصال العربية»، التي زارت روسيا وأوكرانيا، وشاركت مصر في «لجنة الاتصال الأفريقية»؛ للعمل على إيجاد تسوية سياسية لتخفيف العبء عن الدول الأفريقية التي تحتاج إلى الغذاء والأسمدة وغيرهما، وستظل مصر تنتهج سياسة تسعى لحل الصراعات بالوسائل السلمية والاعتماد على احتواء النزاعات والسعي لتحقيق السلام والاستقرار، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

وبخصوص السودان، أكد شكري وجود توافق مصري - فرنسي حول «أهمية وقف إطلاق النار، وتسهيل المساعدات الإنسانية للتعامل مع الضحايا، وضرورة إطلاق الحوار مع الفئات المتصارعة، ووضع خريطة طريق للمستقبل تؤدي لاستقرار السودان».


مقالات ذات صلة

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

شمال افريقيا السيسي أكد أن المنطقة تمر بظروف صعبة ومصر تعد عامل استقرار مهماً في ظل الأحداث الراهنة (الرئاسة المصرية)

تفاعل مصري مع بكاء السيسي خلال لقائه قادة القوات المسلحة

تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع لحظات بكاء وتأثر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقائه، الخميس، مع قادة القوات المسلحة المصرية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
شمال افريقيا تسعى الحكومة لتوفير بيئة عمل مناسبة للأطباء (وزارة الصحة المصرية)

مصر للحد من «فوضى» الاعتداء على الطواقم الطبية

تسعى الحكومة المصرية للحد من «فوضى» الاعتداءات على الطواقم الطبية بالمستشفيات، عبر إقرار قانون «تنظيم المسؤولية الطبية وحماية المريض».

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا مشاركون في ندوة جامعة أسيوط عن «الهجرة غير المشروعة» تحدثوا عن «البدائل الآمنة» (المحافظة)

مصر لمكافحة «الهجرة غير المشروعة» عبر جولات في المحافظات

تشير الحكومة المصرية بشكل متكرر إلى «استمرار جهود مواجهة الهجرة غير المشروعة، وذلك بهدف توفير حياة آمنة للمواطنين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
خاص عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

خاص كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

تسبب الوجود السوري المتنامي بمصر في إطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد مشروعاتهم الاستثمارية.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.