سلط احتضان الرياض أعمال الدورة الموسعة الخامسة والأربعين للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة «اليونسكو» بحضور نحو 3000 ضيف من 21 دولة، الضوء على الجذور الحضارية العميقة للمواقع التراثية السعودية.
وتضم المملكة 6 مواقع تراثية مسجّلة في قائمة التراث العالمي سيزور المشاركون في أعمال اللجنة ثلاثة منها، وتترقب ضمّ المزيد من المواقع التي تعكس ثراء ثقافة السعودية والتراث الغني في مختلف مناطقها، إذ تدرس اللجنة في اجتماعها بمدينة الرياض مقترحات بإدراج 50 موقعاً حول العالم إلى قائمة التراث العالمي، التي تضم 1157 موقعاً في 167 دولة حول العالم.
6 مواقع تراثية نابضة بالتاريخ
تعكس المواقع السعودية الستة على قائمة التراث العالمي ما تتمتع به أرض المملكة الشاسعة من موروث غني، إذ كانت الجغرافيا السعودية مسرحاً للكثير من الأحداث، وملتقى لقارات وحضارات ورثت تاريخاً عريقاً. وفي ما يلي نظرة عليها:
153 واجهة صخرية تزيّن الحِجْر
كان وادي الحِجْر من أوائل المواقع السعودية المنضمة إلى القائمة العالمية للتراث، ومن موقعه شمال غرب السعودية، تطلّ 153 واجهة صخرية منحوتة، وعدد من الآثار الإسلامية والقلاع وبقايا خط سكة حديد الحجاز، لتعكس وجوه التاريخ التي تبدلت على أرض الحجر، والموقع الاستراتيجي على الطريق الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية ببلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر.
ويعد وادي الحجر من أهم حواضر الأنباط، وتضم أكبر مستوطنة جنوبية لمملكة الأنباط بعد البتراء في الأردن، واستمرت في حضارتها حتى القرن الرابع الميلادي، وكانت عاصمة مملكة لحيان في شمال شبه الجزيرة العربية.
وفي سنة 2008، تم تسجيل الموقع ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، ليصبح بذلك أول موقع يتم تسجيله في السعودية.
حي الطريف... نواة انطلاق السعودية
يمثل حي الطريف الذي يقف شامخاً في وسط منطقة الدرعية التاريخية، جوهرة تراثية، يلمع على جدرانها الطينية بريق التاريخ، إذ كانت مهد حكاية السعودية في أولى ولادتها ثم انطلاقتها إلى مشوار توحيد أطراف البلاد وتأسيس المملكة.
البقعة التاريخية المضيئة وسط واحة الدرعية، والمحاطة بوادي حنيفة، أشهر أودية وسط الجزيرة العربية وأغدقها بالماء، تأسست في القرن الخامس عشر، وكانت لها بصمتها الفريدة في الطراز المعماري النجدي، عاصمة للدولة السعودية الأولى، ومقصداً للتجار وطلاب العلم.
احتفظ حي الطريف بنمط بنائه الفريد، وصمدت قلاعه ومبانيه المشيدة بالطين وجذوع النخيل عبر السنين، وقد فتحت أخيراً أبوابها كوجهة سياحية وتاريخية تأخذ الزائر في القصور والدور التي زامنت اللحظات البِكر لقيام الكيان السعودي المزدهر حتى اليوم.
وفي واجهة الحي التاريخي، يتربع قصر سلوى الذي يمتد على مساحة 10 آلاف متر مربع، كأثر تاريخي ومقر سياسي لأمراء وأئمة آل سعود حكام البلاد، وقد اشتق اسمه من وظيفته المتعددة، ونفعه المتجاوز من كونه مجرد مقر للسكن، إلى سلوى وتسلية لسكانه قديماً وزواره حالياً.
جدة البلد... نافذة إلى البحر والتاريخ
مثل نافذة مفتوحة باتجاه التاريخ، تطلّ مدينة جدة الساحلية على البحر الأحمر، وعلى حكاية عريضة وسخيّة لمجتمع متنوع من التجارب التي عبرت خلال السنين، والتأمت في منطقة البلد العتيقة أو جدة التاريخية، التي تقف شواهدها العمرانية الفريدة وبيوتها الأثرية العريقة كتاباً مفتوحاً للزوار بعد أن كانت تعتصم بسورها القديم، وينفذ منها وإليها الناس عبر ثمانية بوابات عرفت برمزيتها وحكاياتها.
أزقة ومساجد وبيوت وخانات يرجع تاريخها إلى مئات السنين، تشكل مجتمعة معالم المنطقة التاريخية التي بزغت منها جدة المعاصرة، المدينة الفاتنة على ساحل البحر الأحمر التي نمَت وأضحت أزهى المدن العربية المعاصرة في العهد السعودي، متكئة في ازدهارها في طرفي المدينة القديمة ووعد المستقبل الناهض، بروح التاريخ التي تعبق في البلد حيث تبلورت قصة جدة، الميناء التاريخي لقبلة المسلمين منذ العام 647 للميلاد.
الفن الصخري في حائل
انضمّت مواقع جبة وراطا والمنجور «الشويمس» في منطقة حائل، بتاريخها الذي يعود عمره إلى أكثر من 10 آلاف سنة قبل الميلاد، إلى قائمة التراث العالمي من قبل منظمة «اليونيسكو» في 2015، ولمعت رسومها الصخرية من جديد على واجهات الجبال في الموقع، وأضحت منطقة تراث عالمي في منطقة حائل السعودية.
الرسومات منتشرة في جبل أم سنمان في مدينة جبة و«راط والمنجور» في الشويمس، حيث كانت الأولى بحيرة قديماً وترك سكانها العديد من النقوش حول حياتهم، أما الثانية فكانت مسرحاً لواديين. وتظهر النقوش فيهما رسوماً لبشرٍ وحيوانات، ومعظم هذه الرسوم ترجع لفترة ما قبل التاريخ وعلى وجه التحديد فترة العصر الحجري الحديث (14 ألف سنة قبل العصر الحاضر).
واحة الأحساء... جوهرة خضراء
وسط أكثر من مليوني شجرة، تبسط واحة الأحساء السعودية سحرها الطبيعي ووهجها التاريخي كأكبر واحات النخيل في العالم، وتقف عبر الزمن شاهداً تاريخياً وثقافياً على توطّن الإنسان القديم في أرض الجزيرة العربية، ووعيه بالبيئة وتكيّفه مع الظروف، وقدرته على توظيف الأدوات المتاحة لاستدامة الحياة.
وتضمّ واحة الأحساء في شرق السعودية، مجموعة من المواقع الأثرية والحدائق الخضراء وقنوات الري التقليدية وعيون المياه العذبة والآبار التي غذّت النخيل بأسباب الحياة وعوامل الدوام، فيما تمتد بحيرة الأصفر، كأكبر تجمع مائي في منطقة الخليج، وهي فريدة من نوعها وتعيش فيها حياة فطرية متكاملة.
وإلى جانب المظاهر الطبيعية الفريدة التي تزيّن الواحة، تحتفظ المباني التاريخية فيها بقصة المكان، وبالنسيج الحضري والمواقع الأثرية التي وقفت كمؤشرات حيّة على توطن البشر واستقرارهم في منطقة الخليج منذ العصر الحجري الحديث حتى يومنا هذا، ويعد هذا المنظر الطبيعي الثقافي الفريد مثالاً استثنائياً على التفاعل بين البشر والبيئة المحيطة بهم.
حمى الثقافية... أكبر مجمعات الفن الصخري
منطقة حما الثقافية أو بئر حما أو آبار حمى التاريخية في منطقة نجران جنوب السعودية، هي سادس المواقع وآخر المنضمين إلى القائمة في المملكة. وتضمّ أكثر من 34 موقعاً يزخر بالنقوش الصخرية والآبار على امتداد أحد أقدم طرق القوافل التي كانت تعبر من جنوب الجزيرة العربية إلى شمالها.
تمتدّ منطقة الفن الصخري الثقافي في حِمى على مساحة 557 كيلومتر مربع، وتضمّ 550 لوحة فن صخري تحوي مئات الآلاف من النقوش والرسوم الصخرية التي تصوِّر الصيد والحيوانات والنباتات وأساليب الحياة لثقافة امتدت على 7 آلاف عام من دون انقطاع، وتعدّ واحدةً من أكبر مجمعات الفن الصخري في العالم.
مواقع على قائمة الانتظار
وفي سنة 2015 أضافت «اليونسكو» عشرة مواقع سعودية إلى القائمة المؤقتة التي تعتبر خطوة أولى للإدراج في قائمة التراث العالمي، من ضمنها «واحة الأحساء» التي تم إدراجها في ما بعد ضمن مواقع التراث العالمي في 2018.
وتنتظر مواقع سعودية أخرى الانضمام إلى القائمة وتوسيع نطاق الاهتمام بها عالمياً، لما تحظى به من قيمة تاريخية وتراثية مهمة، مثل طريقي الحج الشامي والمصري، ودرب زبيدة، وخط حديد الحجاز، وقرية الفاو الأثرية، وقريتي رجال ألمع وذي عين الأثريتين في جنوب السعودية، وواحة دومة الجندل، ومحمية عروق بني معارض في نجران، ومحمية جزر فرسان.