قال القيادي الأصولي أنجم تشودري المتهم بالإرهاب والمراقب بحلقة إلكترونية في رجله اليمنى على مدار الساعة، والمقرر مثوله أمام محكمة أولد بيلي «الجنائية» يناير (كانون الثاني) المقبل بتهمة التحريض على دعم «داعش» إنه «عرف الله عن حق في الحبس الانفرادي بسجن بيل مارش البريطاني شديد الحراسة». وأضاف أنه خلال أكثر من 30 ليلة قرأ القرآن وجوّده مرتين، وقضى ساعات طوال في صلاة القيام، وكذلك ردد العشرات من الأدعية والأذكار التي يحتاجها المسلم من القرآن والسنة في ليله ونهاره، ويوضح تشودري أنه اقترب من الله أكثر بمناجاته خلال ليالي الحبس الانفرادي في سجن بيل مارش، وأنه على يقين أن الله لن يتخلى عنه. وأشار إلى أنه يشعر بنوع خاص من الفرح فقد أفرجت السلطات البريطانية عن محمد ميزان الرحمن (أبو البراء) المتهم معه في نفس القضية، بتهمة التحريض على دعم «داعش».
«الشرق الأوسط» التقت تشودري (أبو لقمان) زعيم جماعة «المهاجرون» (48 عاما)، التي حظرتها بريطانيا بعد هجمات لندن 2005، بالصدفة المحضة شرق لندن أول من أمس، وكان قد خسر كثيرا من وزنه، لكنه لم يخسر حسه الفكاهي المميز، وعندما سألته عن أفضل طريقه لخسارة الوزن، قال بصوت عال وهو يضحك: «اذهب إلى بيل مارش، وهم سيتكفلون بالباقي». لكنه تراجع بسرعة وأكد أن سجن بيل مارش به كثير من المميزات لا تجدها مثلا في سجن رومية بالجنوب اللبناني، الذي يحتجز فيه شيخه ومعلمه عمر بكري فستق. وقال إن سجن بيل مارش يعتبر خمس نجوم، مقارنة مع سجن رومية، أو بعض السجون العربية الأخرى، وفي زنزانة الحبس الانفرادي، بالوحدة شديدة الحراسة يوجد تلفزيون ملون، وأبريق كهربائي لعمل الشاي والقهوة، وسرير وملاءات نظيفة وحمام خاص. وقال إن أسوأ شيء في السجن حملات التفتيش لزنزانات الحبس بحثا عن الممنوعات، حيث يتم تجريد السجين من ملابسه مثلما ولدته أمه، وكذلك يتم التفتيش أيضا بعد تلقي الزيارات، وهو شيء قاس جدا على النفس بالنسبة للسجين المسلم.
ويفيد: «كنت أعترض بشدة على حملات التفتيش وتجريدي من ملابسي، وكان الحراس يقولون إنهم يتبعون القوانين وأرد عليهم بالقول إن هذا ما كان يقوله النازي في معسكرات الأسر، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية».
وأكد تشودري أن وجبات الطعام في السجن البريطاني مقبولة إلى حد كبير، إلا أنه فضل أن يكون نباتيا، خوفا من الخلط بين أنواع اللحوم التي تقدم للنزلاء. وفي السجن على مدار 35 يوما، كان يحق له الاتصال بزوجته وأطفاله الخمسة، وكذلك في زنزانة الحبس الانفرادي هناك ساعات طوال من الهدوء والسكينة يخلد فيها إلى القرآن الكريم «الأنيس والجليس» وكذلك الأحاديث والتفاسير، حيث قرأ القرآن كاملا مرتين خلال أقل من شهر. وفي الوحدة شديدة الحراسة تعرف تشودري على لص متجر الجواهر الشهير المعروف بهاتنغ غاردن، وبعض عتاة الإجرام، وكذلك بعض «الإخوة الأصوليين». وقال إنه يعيش في منطقة إلفورد بشرق لندن منذ سنوات قليلة، التي انتقل إليها من حي والتمسو القريب، لأنه كان يريد أن يعيش ويعتني بوالدته، التي تعيش في شارع مجاور له، ويبتسم ويقول: «إنها منذ اعتقاله وهي تخصص جل وقتها للدعاء له أن ينجيه الله من شر المصائب».
وأسأله وهو يرتشف قهوة الكابتشينو: «ألا تشعر بالخوف أو بالأسف لما مر بك من أحداث، من اعتقال وحبس، وكذلك لما قد تسفر عنه محكمة «أولد بيلي» يناير المقبل؟». ويهز رأسه قائلا: «إن كل شيء مقدر.. والحمد لله على كل حال». ويتساءل: «ألا يكفيني أنني كنت مع الله، وهو يرسم طريقي، وطريق الدعوة في العادة مفروش بالأشواك».
وأوضح أنه «منذ سنوات، وأنا على يقين أنني بسبب الدعوة إلى الله في بلد مثل بريطانيا معرض للحبس أو الموت أو ربما الترحيل عن هذا البلد». وقال: «إن نبي الله يوسف حبس في عهد فرعون مصر، وكذلك سيدنا يونس، والإمامان الشافعي وأحمد بن حنبل تعرضا للسجن أيضًا».
إلا أن زعيم «المهاجرون» تشودري يقدر أنه سيخرج بريئا من المحاكمة، التي سيدافع فيها عن نفسه أمام قانون وضعي، بمساعدة محاميه إقبال أحمد، ويؤكد أن شرطة اسكوتلنديارد ليست لديها أدلة ملموسة قوية عن علاقاته مع «داعش»، والتهمة الرئيسية هي تحريض الشباب على السفر إلى «داعش». ويضيف: «لا توجد لي اتصالات هاتفية أو رسائل إلكترونية، مع (دولة الخلافة)، وهم قادرون أن يستخرجوا أي رسائل إلكترونية متبادلة تشير إلى ذلك، ولكن لله الحمد، لا توجد لي اتصالات مع (دولة الخلافة)».
ويقول تشودري: «أنا محام، درست في بريطانيا، ولم يثبت من قبل بشهادة الشرطة أنني كسرت الخطوط الحمراء المرسومة أمامي بموجب قوانين مكافحة الإرهاب»، التي يحفظها عن ظهر قلب، واستشهد بآية قرآنية تقول: «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين».
وبالنسبة لشعوره بالخوف يقول تشودري، وهو يرفع طرف جلبابه، مشيرا إلى حلقة إلكترونية في قدمه اليمني، ويقول: «هم يراقبونني على مدار الساعة، ولكن الله يراقبنا جميعا»، مضيفا: «عندما خرجت من السجن بكفالة، اكتشفت أنهم وضعوا كاميرا، بالقرب من بوابة منزلي لمراقبتي أو مراقبة من سيدخل عندي لزيارتي، أو مراقبة مدى التزامي بالشروط الموضوعة للإفراج عني بكفالة، وقد يراقبون هاتفي الجوال أيضا أو وضعوا شرائح مراقبة في منزلي بعد مداهمته، أو يستخدمون كل وسائلهم التقنية لمراقبتي، ولكن الله أيضًا يراقبنا جميعًا».
وتطرق إلى الدعم الذي تلقاه بعد خروجه من السجن بعشرات الرسائل من داخل بريطانيا وخارجها، وقال إن محاميه إقبال أحمد أبلغه بوجود هاشتاغ على «تويتر» اسمه.«أفرجوا عن تشودري»، به أكثر من 800 ألف متابع.
وعن شروط الإفراج عنه، أوضح المحامي البريطاني، الذي أدار من قبل محاكم شريعة في شرق وشمال لندن تحت إشراف عمر بكري الداعية السوري في نهاية التسعينات، أن على تشودري البقاء في منزله ليلا من التاسعة مساء حتى السابعة صباحا، وألا يغير عنوان سكنه الموجود في ملف القضية، لأي سبب كان، وكذلك هو ممنوع من استخراج وثائق سفر أو الاقتراب من مطار هيثرو أو أي ميناء بريطاني خوفا من هربه إلى خارج البلاد، مشيرا إلى أن السلطات صادرت جواز سفره منذ شهور بعيدة خوفا من سفره إلى «داعش»، وكذلك هو ممنوع من الاقتراب من الإنترنت أو لمس الهاتف الجوال، خوفا من استخدامهما في التحريض. بالإضافة إلى 15 ألف إسترليني دفعها أحد أقارب زوجته كوديعة، لتأمين خروجه من سجن بيل مارش.
وضمن الشروط، بحسب تشودري، أيضا: «مسموح له بصلاة الجمعة في أحد مساجد شرق لندن، لكن من غير المسموح أن يتواصل مع المصلين، أو يلقي خطبة الجمعة، أو أن يشارك في أي مظاهرة لأي سبب كان، أو يجلس مع شخصين أو أكثر، وإلا كان عرضة للاعتقال مرة أخرى». وأوضح: «من غير المسموح له الاتصال بالمشتبه بهم معه في نفس القضية».
وضمن شروط محكمة أولد بيلي الجنائية أيضا ألا يغير تشودري عنوان سكنه الموجود في ملف القضية، وألا يحاول مغادرة بريطانيا أو أن يسعى للخروج من لندن قبل مثوله للمحاكمة بتهمة الدعوة إلى دعم تنظيم داعش المتطرف، 11 يناير المقبل.