ما الذي يفعله مئات الأكاديميين الذين يتخرجون في جامعات عربية وأجنبية؟

متهمون بأنهم كسولون وسجناء داخل أسوار «الأكاديمية»

ما الذي يفعله مئات الأكاديميين الذين يتخرجون في جامعات عربية وأجنبية؟
TT

ما الذي يفعله مئات الأكاديميين الذين يتخرجون في جامعات عربية وأجنبية؟

ما الذي يفعله مئات الأكاديميين الذين يتخرجون في جامعات عربية وأجنبية؟

وهنا ينهمر سيل الأسئلة: ما الذي يفعله النقاد الأكاديميون الذين يتخرجون سنويا في الجامعات المحلية أو العربية أو حتى الأجنبية..؟ ولماذا ينحصر النقد الأكاديمي في المؤتمرات الخاصة به، حيث يلتقي عدد من الأكاديميين النقاد لمناقشة مصطلحات مدرسية غالبا مكررة ومتداولة منذ أكثر من قرن من الزمن؟ أليس دور النقد أيضا أن يقيم النتاجات الإبداعية الصادرة حديثا؟ فأين هذا الدور؟ وهل جزء من المشكلة يكمن في عدم وجود مساحات في وسائل الإعلام للمادة النقدية ذات الطبيعة الأكاديمية بسبب حجمها مثلا بعكس النقد الصحافي الذي يسهل نشره؟ وما السبيل إلى جعل النقد الأكاديمي مواكبا للعصر بحيث لا يفقد علميته وفي الوقت نفسه لا نخسر حضوره الجماهيري؟ ولماذا فشل النقاد في الانفتاح على التجارب الشبابية والإبداعية، وأين أخفق النقاد في قراءة المشهد الثقافي؟
ألقينا بكرة هذه الأسئلة في ملعب مجموعة من النقاد والأدباء، وتركنا لهم حق الإجابة عنها، ونبدأ أولا بالأكاديميين لأن الاتهام يوجه إليهم.

* تقريظ وتسفيه
الناقد الأكاديمي المغربي عبد المالك أشهبون يميز بين نوعين بارزين من النقد: «نقد صحافي، وكان له دور بارز في العقود الماضية في إبراز نقاد ومبدعين عصاميين، ونقد أكاديمي تبلور في أحضان الجامعات العربية: وهو، كما يراه أشهبون، فضاء تحضير أطاريح الماجستير والدكتوراه، حيث يعد المجال الجامعي مشتلا حقيقيا لتكوين نقاد المستقبل في مجالات العلوم الإنسانية ككل».
ويقرأ الدكتور أشهبون واقع الحال فيقول: «النقد الصحافي أصبح في غالبه ينتج عينات من النقاد شغلهم الشاغل: المديح والتقريظ من جهة، والتسفيه والتشويه من جهة ثانية.. مع تسجيل وجود بعض الاستثناءات، ولكنها تبقى مجرد استثناءات لا يقاس عليها». ويضيف: «أما الفضاء الأكاديمي، فيضم جحافل الجامعيين، مدججين في نقودهم بأقوال منظرين غربيين، ونقودهم لا تعدو تكون استعادة مدرسية لطروحات تودوروف وجينيت وباختين وغيرهم تارة، أو أساتذة موظفين في تلك الجامعات يشرفون على أطاريح جامعية إشرافا إداريا بعيدا عن تقاليد الإشراف الأكاديمي المعهود في الجامعات العريقة، كما أن الجامعات انتقلت من التفكير إلى التلقين، وغدت لا تقيم وزنا للفعل الثقافي بصفة عامة».
أما لماذا ينحصر النقد الأكاديمي في المؤتمرات الخاصة به، بحيث يلتقي عدد من الأكاديميين النقاد لمناقشة مصطلحات مدرسية غالبا مكررة ومتداولة منذ أكثر من قرن؟ فيجيب الدكتور أشهبون: «من المعروف أن النقد الأكاديمي مصدره الأساس الجامعات، ودون أن نغمط حق جامعاتنا والدور الريادي الذي اضطلعت به في إنجاب كثير من الباحثين في مجالات بحثية متنوعة قدموا إنجازات في مجال تخصصهم؛ فإنه للأسف أضحت الجامعة العربية راهنا تشهد تراجعات ملحوظة على صعيد دعم وتشجيع وتوطين البحث العلمي.. غير أن ما هو لافت للانتباه أنه حتى تلك الأنشطة الأكاديمية التي تحتضنها تلك الجامعات تظل نخبوية ومنعزلة ودون فائدة تذكر من وراء تنظيمها».
وعن دور النقد في تقييم النتاجات الإبداعية الصادرة حديثا يقول: «يكتب الروائيون الشباب رواياتهم وهم حائرون يتساءلون: ما الجديد الذي يمكن أن يكونوا قد قدموه في أعمالهم؟ ما موقع أعمالهم في الرواية العربية؟ وهل ستجد رواياتهم صدى لدى المتلقي ناقدا كان أو مجرد قارئ؟».

* تراجع وظيفي نوعي
أما الدكتور محمد عبد الرزاق المكي، أستاذ الأدب العربي المساعد بكلية الآداب في جامعتي الطائف والإسكندرية، فيعترف بأن ثمة جدلا يثيره تتبع المشهد النقدي في العالم العربي في العقد الأخير؛ «فبقدر ما شهدت حركة النقد الأدبي ثراء كميّا على المستوى الأكاديمي؛ من حيث الرسائل والأطروحات العلمية والإنتاج العلمي للنقاد الأكاديميين؛ فقد شهدت تراجعا نوعيا في الوظيفة التي ينهض بها الناقد في عموم المشهد الثقافي وهو ما اصطلح على تسميته (ناقد الساحة)، ولعل ثمة عوامل أدت إلى هذا التراجع؛ منها ما يعزى إلى النقاد أنفسهم، الذين رضي جلهم بالنقد الأكاديمي بوصفه درجة جامعية ينحصر حضورها فيما يشرفون عليه من رسائل وأطروحات، وما يحبرونه من دراسات في النقد الأدبي، ومنها ما يرجع إلى المناخ الثقافي العام الذي شهد حالة من التراجع في الدور الذي تنهض به الأندية الأدبية وقصور الثقافة بتأثير من المد الثوري الذي اجتاح العالم العربي منذ أربعة أعوام، ذلك إذا استثنينا الجهد الرائد الذي قامت به بعض المؤسسات الثقافية الخاصة من ندوات وإصدارات أسهمت في خلق حالة من الحراك النقدي مثل مؤسسة عبد العزيز البابطين في الكويت».
ويعتقد الدكتور محمد عبد الرزاق مكي أن «الأمر يحتاج إلى استقطاب النقاد الأكاديميين خارج أسوار الجامعة ودعوتهم إلى الملتقيات وورشات العمل في الأندية الأدبية وقصور الثقافة، ليتجاوز الناقد الأكاديمي حدود وظيفته إلى ناقد الساحة الذي يبرز من خلال منجزه النقدي نمطا جديدا من النقد، يتخذ من التجارب الشابة مادة للتطبيق والتحليل تتماشى مع تلك الثورة الرقمية التي غدت سمة مميزة للنتاج الأدبي والثقافي، وتستوعب ما تمخض عنه هذا النتاج من حراك سياسي واجتماعي، ولا نستطيع بحال أن نغفل ما للإعلام بتقنياته المختلفة من أثر فاعل في إذابة تلك الحواجز بين المبدع والقارئ من جانب، وبين الناقد والمبدع من جانب آخر».

* النقاد الأكاديميون لا وقت لديهم
الأكاديمي الدكتور يوسف شحادة، من جامعة كراكوف في بولندا، لا يبتعد كثيرا عن زميليه السابقين، فباعتقاده أن النقد الأدبي تعترضه مشكلات جمة، لعل أهمها أن النقاد الأكاديميين ليسوا متفرغين كليا لممارسة النقد ومشاغله المرهقة التي تبدأ بالوصول إلى المادة الإبداعية المنشورة، أي اقتناء كل ما هو جديد من كتب ذات قيمة في السوق الأدبية الرائجة، ولا تنتهي بالقراءة والتمحيص والتحليل والتعليل.. «الجامعات لا تخرج نقادا، لكنها تهيئ باحثين في مجال الأدب وتاريخه وفنونه ومدارسه وأهم رجالاته، وتدربهم على اعتماد المنهجيات العلمية في بحوثهم ضمن سياق تعليمي يشكل الخطوات الأولى التي لا بد منها لتنشئة الناقد الأكاديمي المتمتع بملكة النقد والقدرة على التحليل والتعليل والمقارنة والاحتجاج».
ويحمل الدكتور يوسف شحادة الأكاديميين مسؤولية الانتباه إلى الجديد ومتابعة أهم ما يصدر من مؤلفات جديدة، ورصد العملية الإبداعية، وتتبع مسارات تطورها، ودراسة المتغيرات المستمرة في الأجناس الأدبية، والتقنيات الفنية، والأساليب المبتكرة، كما يرى في التجربة الإبداعية الشبابية أنها مهمة جدا في تطور النقد الأكاديمي، و«على الناقد أن يلتفت إلى إبداعات الشباب، وقد يفاجأ الناقد الذي يحني هامته قليلا لقراءة أعمال الشباب بأنه أمام إنجازات أدبية مذهلة، قد تنسف كثيرا مما تعلمه من نظريات أكل عليها الدهر وشرب».

* أدباء: الناقد الأكاديمي «كسول وغائب عن المشهد الثقافي»
يرى عدد من الأدباء أن حركة النقد ما زالت تعيش في عزلة عن حركة الإبداع الذي يمضي قدما غير متأثر بها، ويقول الشاعر مهدي سلمان، من البحرين: «الخلل لا ينسب للنقاد المتخرجين في الجامعات العربية والمحلية، بقدر ما يعود إلى النظام التعليمي والتربوي والثقافي ذاته، فالدارس الأكاديمي يعد غالبا ليكون كسولا أولا، ثم بعيدا عن المشهد الأدبي والثقافي الراهن في العالم العربي».
ويصف مهدي سلمان الناقد بأنه منذ بدايته الأكاديمية غير مقبول منه أن يتناول أبعد من بعض الأدوات والأساليب النحوية أو البلاغية في أولى بحوثه حتى أبعد رسالاته، أو بالكثير أن يتناول الأسماء المكرسة بأشكال مكرسة هي الأخرى، وذلك بالنظر إلى ما هو مطلوب من فهم عقيم لفكرة المراجع والمصادر، ليكرر بعد ذلك ما يقوله الجميع وما يتناولون، غير خارجة عن هذا النمط كثير من الجامعات والكليات الأدبية في العالم العربي، «فهي لا تلزم طلبتها بمتابعة وملاحقة الواقع الأدبي العربي، وما يتم تناوله من تجارب عربية معاصرة وراهنة، أجزم بأنه تحد يقوم به طالب (أو طالبة ما) للنظام الأكاديمي برمته». والمطلوب لدى مهدي سلمان أن ينتبه هذا النظام إلى أهمية أن «يتابع الدارسون البيئة التي منها أو يفترض أن ينهل منها هؤلاء علومهم، لأن البيئة الأدبية الراهنة تعد الحقل العلمي الذي يفترض أن يشتغل فيه هؤلاء، وهي مادتهم العلمية الغنية ومصدر نتاجهم، لذا فاللغة العربية والأدب العربي يفوتهما كثير من الكشوف، حين ينحصر نتاجهما في تكرار ما تداوله الباحثون عن تجارب سابقة وفي مجالات ضيقة».
بعد ذلك يقول سلمان: «يأتي الدور على المؤسسات الثقافية العربية، التي لا تسعى في كثير من الأحيان إلى خلق مساحة من الشراكة فيما بين الدرس الأكاديمي والطلبة والأساتذة والواقع الثقافي الراهن، فعلى الناقد الأدبي أو الثقافي أن يقدم ما يؤهله لدخول عالم المؤسسات الثقافية العربية الرسمية والأهلية، وعليه أن يحفر في الصخر ليقترب من هذا العالم.

* الناقد وعقدة الإبداع
الشاعرة هدى أشكناني، من الكويت، حاولت أن توجد مخرجا ما للنقاد، لكن الأمر لا يطول معها، فتقول: «الناقد كغيره من المثقفين، يجد مكانه في العزلة. سنوات كثيرة يمضيها الناقد بين الاطلاع والبحث، وبعدها يعود مرة ثانية لنقطة الصفر. النقد للأسف - في مجتمعاتنا العربية - أصبح رديفا للوجاهة والمظهر، مجرد أسماء لا تقدم ما يفيد الكاتب أو القارئ». ولأن النقد وجاهة، يبحث الناقد عن إطارات خاصة و«نخبوية»، لهذا لا يجدها إلا في المؤتمرات التي يشارك فيها، وغالبا ما يتم اختيار المشاركين بناء على أمرين؛ أولهما مدى «حفظ» الناقد لمصطلحات نقدية ومسميات ذات تعقيدات كبيرة دون فهم واضح لها، وهكذا يشرك الحضور بدائرة الانبهار «الوهمي»، وثانيهما العلاقات الاجتماعية والمصالح المتبادلة، لذا تجد أن معظم النقاد يحلون ضيوفا على الملتقيات والمؤتمرات نفسها بصورة شبه دائمة.

* بين النقدين العربي والغربي
الكاتبة والباحثة فتحية الحداد، من الكويت، ترى أن الأسئلة التي طرحناها عن النقد تختلف من مكان إلى آخر، «فبالنسبة لموضوع النقد في العالم العربي صعب أن يتطور في ظل أن الأعمال نفسها لا تتطور والأدباء أنفسهم منغلقون في عالم لا يقدم الجديد. وبالنسبة للأعمال الشبابية تناولها النقد، وليست وظيفة الناقد أن يضيف عمقا على العمل إن كان بالأصل سطحيا. النقد ينمو إن تطورت الأعمال الأدبية نفسها وليس العكس بنظري».
أما بالنسبة إلى النقد الأكاديمي، في الأكاديميات الأوروبية، حسب رأي فتحية الحداد، فيتم تناول الأدباء الذين كتبوا باختيارهم تحت تأثير المخدرات مثلا، «هل نتصور أن يقوم ناقد عربي بالبحث في هذا الاتجاه؟ النقد الأدبي يحتاج أيضا إلى دراسات اجتماعية خاصة بالمجتمع وتطوره، وهذا غير متوفر في العالم العربي، وليس هناك قواميس عربية أو معاجم تتبع المفردات الجديدة التي تدخل اللغة العربية، وعليه فالناقد يتقيد بتلك القدسية التي يتقيد بها الأدباء العرب والقراء وأي دراسة عن اللهجة في الأدب العربي قد لا تلقى بالا.. لأن الأدباء أنفسهم يريدون أن تربط نصوصهم بالنظريات التي يعرفونها وغالبا تكون نظريات قديمة.. وعليه، كما يقولون، الناقد سيقول لهم: (هذه بضاعتكم ردت إليكم)».
القاص بسام جميدة، من سوريا، يعتقد أن «المسألة ببساطة أن كثيرا ممن يمتهنون النقد الأكاديمي غالبا ما يمارسون طقوسهم النقدية على الكتب التي يختارون قراءتها من أجل مزاولة المهنة، حتى لتشعر في بعض الأحيان أن هذا الناقد كمن يحمل سوطا ويجلد كاتبا لأنه ارتكب جريمة عدم تطبيق معايير الكتابة التي تعلمها ذلك الناقد، متناسيا كل فصول الإبداع التي تحملها الرواية أو القصة أو القصيدة».
ويقول: «أرى أن يكون هناك فقه نقدي متطور على غرار الفقه الديني، والاقتصادي، وعدم قولبة كل الأعمال الأدبية ضمن المفاهيم النقدية التي كانت سائدة قبل قرن من الزمن».
أما لماذا فشل النقاد في الانفتاح على التجارب الشبابية الإبداعية؟ فيقول بسام جميدة: «قد لا يكون فشلا بكل معنى الكلمة، ولكن غالبية النقاد لا يريدون أن ينزلوا من بروجهم العاجية، لأنهم يظنون أنهم أكبر من تناول أدب لأناس لم ينالوا الشهرة بعد».

* منغلقون ولا يواكبون العصر
الشاعر محمد محمد عيسى، من مصر، لديه رأي صارم حول الأكاديميين، فيقول: «ماذا ينتظر من أكاديميين هم في الأساس خريجو جامعات منغلقة على نفسها حتى التي تزعم انفتاحها، وما كان لها من اتفاقيات، وبروتوكولات هي شبه حقيقة وليست واقعا». ويعتقد بوجود «مأزق يجعل أغلب النقاد يأخذون وقتا في فهم النظرية ثم تجريبها، ليظل البين شاسعا بين النظرية وتطبيقها، فما أن يصلوا إلى تطبيقها حتى تكون هناك استحداثات لعناصر فنية جديدة».
ويرى عيسى أن «منهج الأكاديميين في الكتابة قديم غير مؤهل، وليس مواكبا للتطور السريع في رقي الصورة المتجاوزة حدود المكان والزمان».
كما يرى أن «أغلب التجارب الإبداعية أعلى بكثير من الكتابات النقدية بل تجاوزتها. خطى الزمن أسرعت، ومتخلف من لم يلحق بها».



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.