صدام الاستراتيجيّات في أوكرانيا

إطفائي يعمل في موقع استهدفته مسيّرات روسية في أدويسا الاثنين (رويترز)
إطفائي يعمل في موقع استهدفته مسيّرات روسية في أدويسا الاثنين (رويترز)
TT

صدام الاستراتيجيّات في أوكرانيا

إطفائي يعمل في موقع استهدفته مسيّرات روسية في أدويسا الاثنين (رويترز)
إطفائي يعمل في موقع استهدفته مسيّرات روسية في أدويسا الاثنين (رويترز)

الأمر لمن يعطي. والتأثير للمانح. وما على المُتلقّي إلا الانصياع والتنفيذ. فبماذا يُذكّرنا هذا الوضع؟ يقول المؤرّخ اليوناني توسيديس، صاحب كتاب حرب «البيليبونيز» بين إسبارطة وأثينا، ما معناه: «يفعل القوي ما يريد، وما على الضعيف إلا الانصياع». هكذا هي حال العلاقة بين أوكرانيا من جهّة، والغرب والولايات المتحدة الأميركيّة من جهّة أخرى.

تعطي أميركا لأوكرانيا ما يمكّنها من الصمود في وجه روسيا واستنزافها. لكن دون السماح لها بإنزال هزيمة مُذلّة بالرئيس بوتين. فمن يدري ما يدور في عقل القيصر؟ إنها حرب معقّدة جدّاً. إنها حرب بالواسطة بامتياز. إنها حرب يتعلّق مصير النظام العالمي القديم بها. ونتائجها، ستُحدّد حتماً صورة النظام العالمي الجديد المُتخيّل. لكنها في الوقت نفسه، تخضع لمعايير وقيود جيوسياسيّة واضحة جدّاً. تؤدّي أوكرانيا مهمّة ووظيفة مُحدّدة للغرب. فأوكرانيا، تخوض حرب وجود. حرب حياة أو موت. لكن للداعم منظار مختلف. فالحرب المصيريّة لأوكرانيا، هي حرب جيوسياسيّة لأميركا. وهي أكثر من جيوسياسيّة لأوروبا. هي بين الحرب المصيريّة والجيوسياسيّة لأوروبا. فمعيار (قياس) الخطر بالنسبة للغرب، يتعلّق بالبُعد، أو القرب الجغرافي عن روسيا وعن المسرح الأوكرانيّ. لبلدان البلطيق، الخطر الروسي داهم وقريب جدّاً. كما تسترجع بولندا تاريخ تقسيمها أكثر من مرّة فقط لأنها جاورت وتجاور الجبابرة. أما لفرنسا وبريطانيا فإن الأمور مختلفة. دخلت فنلندا «الناتو» بمبدأ الأمن ضمن القطيع (Herd Security). وهي التي قاتلت ستالين في حرب الشتاء عام 1939. وهي التي ابتكرت «كوكتيل المولوتوف»، الذي نُسب لوزير الخارجيّة الروسي آنذاك، فياتشيسلاف مولوتوف.

صدام الاستراتيجيّات

في مكان سرّي على الحدود البولنديّة – الأوكرانيّة المُشتركة، اجتمع 3 جنرالات من رُتَب عليا جدّاً. ولكل منهم تأثير مهمّ على مجريات المعارك في أوكرانيا، وهم: قائد القوات الأميركيّة في أوروبا و«الناتو» الجنرال كريستوفر كافولي. ورئيس الأركان البريطاني الأميرال طوني راتاكين. وأخيراً وليس آخراً، قائد القوات الأوكرانيّة الجنرال فاليري زالوزني.

في هذا الاجتماع، حصل الصدام في الأفكار الاستراتيجية بين أوكرانيا من جهّة، والغرب من جهّة أخرى. كان الكلّ متّفقاً على هزيمة روسيا، لكن الاختلاف تمثّل في طريقة التنفيذ. في طريقة استعمال القوى: أين؟ وكيف؟ ففي هذه الحرب، هناك من يعطي ولا يمكن الاستغناء عنه. وهناك من يقاتل ويدفع الثمن بدماء جنوده. ومن يُقاتل، يرى نفسه الأجدى برسم استراتيجيّة القتال؛ فهو على أرض المعركة، ويعيشها بكل تفاصيلها، وهو القادر على استنتاج الدروس المستقاة مباشرةً من الحرب، وإدخالها فوراً في المنظومة العسكريّة لتحسين القتال. في المقابل، هناك من يعطي السلاح، يُدرّب، كما يدعم سياسياً. ويرى أن له الحقّ في الاعتراض على طريقة التنفيذ، وفي كيفيّة استعمال السلاح.

نقاط الخلاف - الصدام الاستراتيجيّ

من جهّة أوكرانيا:

• ترى أوكرانيا أنه لا يمكن القتال المُشترك على الطريقة الأميركيّة، لأن منظومة السلاح التي زُوّدت بها منقوصة، خصوصاً الحماية الجويّة.

• ترى أوكرانيا أن أفضل طريقة لخرق خطّ الدفاع الروسي والممتدّ على طول 900 كلم، هي عبر القتال على عدّة محاور، واستشعار نقاط الضعف. ومن ثمّ الخرق والانتقال إلى حركيّة المناورة. خصوصاً أن القتال على عدّة محاور يساعد على تشتيت القوات الروسيّة على طول الجبهة، وذلك بدل تركيزها على محور واحد ضد الهجوم الأوكراني الأساسيّ.

• ترى أوكرانيا أنها تعرف الأرض بتفاصيلها. كما تعرف العقل الروسي الحربيّ، وذلك بسبب التجربة التاريخيّة المشتركة بين البلدين. إذاً من حقها أن تقرّر طريقة القتال.

ومن جهّة أميركا:

• تخاف أميركا من أن يصل الهجوم الأوكراني إلى نقطة الذروة الخاصة به (Culmination Point). كما تخاف من استنزاف القدرات العسكرية الأوكرانيّة. فالوقت واللوجيستيّة يعملان لصالح روسيا.

• تريد أميركا أن تُركّز أوكرانيا على محور واحد، تحشد فيه كل القوات التي دُرّبت وجُهّزت في الغرب مؤخّراً. وإذا ما حدث الخرق، فسوف يُصبح باستطاعة القوات الأوكرانيّة المناورة في خلفيّة الدفاعات الروسيّة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الانهيار العسكري الروسي في الجنوب الأوكرانيّ، وذلك على طريقة «الدومينو المتساقط».

حال الجبهة حاليّاً؟

يبدو أن أوكرانيا تتَّبع حالياً استراتيجيّة مزدوجة؛ استراتيجيّة هي أقل مما كانت تريده، أي القتال على كل الجبهة لتحديد نقاط الضعف ومن ثمّ الخرق. وهي أقرب إلى الاقتراح الأميركيّ. بكلام آخر، تثبّت أوكرانيا القوات الروسيّة في كوبيانسك في شمال - شرق أوكرانيا. وتحاول الهجوم في باخموت إذا سنحت الفرصة. وتشتبك مع القوات الروسيّة في فيليكا نوفوسيلكا. لكن الخرق الذي بدأت ملامحه تتظهّر هو في جنوب مدينة أوريكيف، حيث استولت القوات الأوكرانيّة على بلدة روبوتين وبدأت تتمدّد باتجاه الجنوب.

في الختام، في كلّ حرب يرسم الفرقاء الاستراتيجيّات الخاصة بهم. لكنّ رسم الاستراتيجيّة وتنفيذها لا يعنيان أن النجاح مؤكّد. فإذا نجحت كلّ الاستراتيجيّات فلن يكون هناك خاسر في الحرب، وهذا أمر مستحيل. وعليه، قد يمكن تكرار ما قاله كلوزفيتز من أن الحرب كـ«الحرباء»، تتبدل وتتلوّن حسب الظروف المحيطة بها، لكن دون أن تتغيّر طبيعتها.


مقالات ذات صلة

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ) play-circle 01:26

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

قالت موسكو إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مدنيون أوكرانيون يرتدون زياً عسكرياً خلال تدريبات عسكرية نظمها الجيش الأوكراني في كييف (أ.ف.ب)

القوات الروسية تعتقل رجلاً بريطانياً يقاتل مع أوكرانيا في كورسك

قال مصدر أمني لوكالة الإعلام الروسية إن القوات الروسية ألقت القبض على بريطاني يقاتل مع الجيش الأوكراني في منطقة كورسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المرشح لمنصب الرئيس كالين جورجيسكو يتحدّث لوسائل الإعلام في بوخارست (أ.ب)

مرشح مُوالٍ لروسيا يتصدّر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيّد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية برومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حقّقها رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
TT

ألمانيا: محاكمة رجل بتهمة احتجاز وإساءة معاملة امرأة في الغردقة

شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)
شرطيون ألمان (أرشيفية - رويترز)

بدأت وقائع محاكمة ألماني أمام المحكمة الإقليمية الأولى في ميونيخ بتهمة احتجاز ألمانية في شقة على مدار شهرين في منتجع الغردقة المصري.

ويقول الادعاء العام إنه يعتقد أن الرجل (37 عاماً) قام في أوائل عام 2017 باحتجاز المرأة التي يبلغ عمرها حالياً 33 عاماً، وإساءة معاملتها بطريقة وحشية، واغتصابها بشكل متكرر.

ويواجه الرجل اتهامات بارتكاب جريمة خطيرة تتعلق بسلب المرأة حريتها وإلحاق أذى بدني خطير ومتعمد وتهديدها واغتصابها. وأقر الرجل بالتهم الموجهة إليه في أول يوم للمحاكمة.

وحسب الادعاء، تعرف الاثنان على بعضهما عبر الإنترنت، وفي ليلة رأس السنة 2016، سافرت المرأة إلى مصر لبناء حياة مشتركة هناك. ويعتقد أن الاعتداءات بدأت تقريباً في الأسبوع الثاني من يناير (كانون الثاني) 2017؛ إذ أخذ الرجل هاتفها المحمول وجواز سفرها، وكان يحتجزها داخل الشقة عند خروجه.

ووفقاً لما قاله الرجل في المحكمة، فإنه كان يتناول بانتظام مسكناً للألم في ذلك الوقت، وغالباً ما كان يتعاطى مع المسكن الحشيش أو مادة «كريستال ميث»، وأضاف: «عندئذ كان يبدأ التأثير الحقيقي»، فكان يبقى مستيقظاً بعدها لمدة يومين أو ثلاثة.

وتابعت صحيفة الدعوى أن معاناة المرأة انتهت في 17 مارس (آذار) 2017، عندما أنقذتها الشرطة المصرية بمساعدة المكتب الاتحادي الألماني للتحقيقات الجنائية. ولا تتوافر معلومات بعد حول كيفية علم السلطات بوضع المرأة.

وحددت المحكمة الإقليمية في ميونيخ خمس جلسات للمحاكمة.

وتختص المحكمة بالنظر في القضية لأن آخر مكان إقامة للمتهم في ألمانيا كان في مدينة ميونيخ. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.