ذكرى «ثورة الفاتح» تجدد خلافات الليبيين حول حقبة القذافي

أنصار النظام السابق يرون أنها «حققت الحرية»... ومعارضون يعدّونها «مجرد انقلاب»

من احتفالات سابقة بذكرى «ثورة الفاتح» (الشرق الأوسط)
من احتفالات سابقة بذكرى «ثورة الفاتح» (الشرق الأوسط)
TT

ذكرى «ثورة الفاتح» تجدد خلافات الليبيين حول حقبة القذافي

من احتفالات سابقة بذكرى «ثورة الفاتح» (الشرق الأوسط)
من احتفالات سابقة بذكرى «ثورة الفاتح» (الشرق الأوسط)

أمضى موالون لنظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ليلتهم، أمس، في الاحتفالات بذكرى «ثورة الفاتح» بمدن عدة، تخللتها ملاسنات ومشادات كلامية غير معهودة من المناوئين لهم، تذكّر بأن الأول من سبتمبر (أيلول) قبل 54 عاماً من الآن، شهد «انقلاباً» على ملك البلاد حينها، محمد إدريس السنوسي، دام أكثر من أربعة عقود، ولم ينته إلا بـ«ثورة».

ولاحت في جل مدن ليبيا، من جنوبها إلى شمالها، الرايات الخضراء المعبرة عن حقبة القذافي، وعلت أناشيد و«هتافات نارية»، وخطب حماسية لـ«الأخ القائد»، الذي وُري الثرى مقتولاً، تندد بـ«الإمبريالية والصهيونية العالمية»، في طقوس وشعارات لم تخل هذا العام من إدانة للحكومة المؤقتة في طرابلس، بسبب اتهامها «بمد جسور التطبيع مع إسرائيل».

وككل عام، انقسم الليبيون بين من يعبر عن حنينه وافتقاده للعقيد الراحل ونظامه، وبين من يتهمونه بالتسبب في «تدمير البلاد بانقلاب على الشرعية الدستورية»، بعد الإطاحة بالملك إدريس السنوسي، الذي يقولون إنه «حقّق الاستقلال والاستقرار للبلاد». لكنها حلت هذه المرة في وقت تعاني فيه 6 دول أفريقية مجاورة لليبيا من انقلابات أو اضطرابات سياسية.

وقال سياسي ليبي، مؤيد للنظام الملكي السابق، إن ما يسمى «ثورة الفاتح من سبتمبر» هي «انقلاب غاشم، دمر استقرار البلاد، وأحيا فيها نظام العصبية والقبيلة طوال أكثر من أربعة عقود».

الرئيس الليبي السابق معمر القذافي (الشرق الأوسط)

ورأى السياسي الليبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن القذافي «لم يترك أثراً إيجابياً في تنمية البلاد، رغم عوائد النفط المرتفعة، التي سعت عائلته في تبديدها، وتوزيعها على أصحاب الحظوة، ومن ثم تخلفت ليبيا في قطاعات عديدة، من بينها قطاع التعليم والنظام الصحي في ليبيا».

غير أن الدكتور مصطفى الزائدي، رئيس حزب «الحركة الوطنية» الليبية، عدَّ في مواجهة هذه الاتهامات والانتقادات، أن «الفاتح من سبتمبر يومٌ تاريخيٌّ للشعب الليبي، رغم أنف الحاقدين والمكابرين»، ورأى أنه «وضع حدًا لقرون طويلة من الحكم الاستعماري الأجنبي البغيض، وتطورت فيه الدولة الوطنية شبه المستقلّة التي تأسست عام 1951 تحت سطوة الدول المنتصرة في الحرب، التي أبقت على الوجود العسكري، ومارست نفوذها السّياسي على السلطة اللّيبية».

القذافي في بداية فترة حكمه لليبيا (متداولة على صفحات أنصاره)

وعدد الزائدي ما رآه فضائل هذا اليوم، وقال إنه «أطلق عجلة التحديث لليبيا، وحقق العدالة الاجتماعية، كما تحققت فيه المساواة العادلة بين المواطنين، وتمّ فيه تأميم النفط والمصارف، وصارت ليبيا دولة مستقلة اقتصادياً بالفعل وليس بالقول فقط».

وشهدت بعض المناطق الليبية، التي لا تزال تدين بالولاء للرئيس الراحل، منذ مساء الخميس، احتفالات رفعت خلالها الرايات الخضراء، وصور القذافي ونجله سيف الإسلام، وأطلق مؤيدو هذه الحقبة الرصاص والألعاب النارية. وتركزت غالبية الاحتفالات في مدن جنوب ليبيا، بداية من سبها وتراغن، وصولاً إلى بني وليد (شمال غرب).

أنصار القذافي ينزلون صورة الملك إدريس السنوسي (أرشيفية متداولة على صفحات أنظار النظام السابق)

وحسب الزائدي الموالي للنظام السابق، فإن هذه «النقاط الإيجابية» لحقبة القذافي لم تُمح من ذاكرة قطاع واسع من الليبيين، لا سيما المنتمين للفترة الملكية، أن «الفاتح من سبتمبر أتت على مكتسبات عهد السنوسي»، معتبرين إياها «مجرد انقلاب عسكري، كالذي تشهده دول مجاورة بالقارة الأفريقية راهناً، استولى على السلطة، واستبد بالحكم وكرس للديكتاتورية».

وأمام هذه الاتهامات، تصاعدت حدة المعايرة والتلاسن بين أنصار «الفاتح» ومؤيدي السلطة الراهنة. فمن جهة استغل الطرف الأول «اجتماع روما»، الذي اتهمت فيه حكومة طرابلس بـ«التطبيع مع إسرائيل»، للتذكير بموقف القذافي من «العدو الصهيوني»، لكن في ظل ما تشهده دول جوار أفريقية من اضطرابات، بدأت تتسع حالة التلاسن والمشادات الكلامية بين المؤيدين والمعارضين لحقبة القذافي، على اعتبار أن ما أقدم عليه القذافي ورفاقه «ليس إلا انقلاباً».

ومع جدلية «الفاتح لن يعود»، و«فبراير لن تسود»، في إشارة إلى «الثورة» التي أسقطت القذافي، ليتم اغتياله في أعقابها بأشهر عدة، وهنا يكمل رئيس حزب «الحركة الوطنية» الليبية رؤيته المدافعة عن «الفاتح من سبتمبر» للتأكيد على أنها كانت «سبباً في تحول البلاد من دولة تابعة بسيطة إلى دولة فاعلة في محيطها الإقليميّ والدولي، وقادت بجدارة حركة التحرر العالميّ».

وقال الزائدي بهذا الخصوص: «في ذكرى (الفاتح) أوجه دعوة خاصة إلى كل الليبيين، بمن فيهم من عارضه أو اختلف مع توجهاته وطروحاته، لأدعو التاريخ للتاريخ وأن يكون التقييم للشعب، وأن نلتحم معاً لإنقاذ وطننا الذي يعبث به السفهاء والعملاء والأذلاء».

واستغل خالد الغويل، مستشار اتحاد القبائل الليبية للعلاقات الخارجية، هذه الذكرى، ليهنئ ما سماهم بـ«أحرار العالم وحركات التحرر» بمناسبة «ثورة الفاتح» من سبتمبر، وقال إن «رفض الشعب الليبي للتطبيع مع الكيان الغاصب هي رسالة لكل العملاء والخونة المهرولين إلى روما»، مضيفاً أن ليبيا «قدمت الشهداء في عام 1948 بملحمة لأبطالنا؛ واليوم يمضي الشعب، رغم المكائد، في الاحتفالات بالفاتح العظيم، وهذه الثورة مجيدة حققت الحرية وأممت الثروات، وطردت المستعمر».

وانتهى الغويل إلى أن الشعب الليبي «سيقول كلمته وسيواصل مسيرة العطاء، التي بناها القائد الرمز، معمر القذافي، ليكمل الدكتور سيف الإسلام المشوار لتحقيق البناء والتنمية ومشروع ليبيا الغد».



ليبيا: انقسام بين أعضاء «تأسيسية الدستور» بشأن «المواد الخلافية»

لقاء سابق يجمع الدبيبة بعدد من أعضاء هيئة صياغة الدستور (حكومة «الوحدة»)
لقاء سابق يجمع الدبيبة بعدد من أعضاء هيئة صياغة الدستور (حكومة «الوحدة»)
TT

ليبيا: انقسام بين أعضاء «تأسيسية الدستور» بشأن «المواد الخلافية»

لقاء سابق يجمع الدبيبة بعدد من أعضاء هيئة صياغة الدستور (حكومة «الوحدة»)
لقاء سابق يجمع الدبيبة بعدد من أعضاء هيئة صياغة الدستور (حكومة «الوحدة»)

يسود انقسام بين أعضاء في «الهيئة التأسيسية للدستور» بشأن أولوية الاستفتاء على مواد المشروع الذي جرى إقراره قبل 7 سنوات، أو إعادة النظر فيما يعرف بـ«المواد الخلافية»، وسط مساعي رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، للدفع قدماً نحو الخيار الأول.

جانب من لقاء الدبيبة بأعضاء من تأسيسية الدستور الليبي (حكومة «الوحدة»)

ويحظى الاستفتاء على الدستور بدعم الدبيبة الذي كرر في مناسبات عدّة دعمه هذا المسار خصوصاً لدى لقائه مع أعضاء من الهيئة هذا الشهر، فيما عدّ منتقدوه هذا الاتجاه «محاولة للالتفاف» على محاولات خصومه في شرق ليبيا لتشكيل «حكومة موحدة» تقود البلاد لانتخابات رئاسية وتشريعية.

في غضون ذلك، تبدو العقدة الرئيسة والمستمرة في مادتين خلافيتين بمشروع الدستور تتعلقان بمنع ترشح «مزدوجي الجنسية والعسكريين في الانتخابات الرئاسية»، وفق الهادي بوحمرة عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور لـ«الشرق الأوسط».

وفي كلمة بمناسبة ذكرى استقلال ليبيا منتصف هذا الشهر، دعا الدبيبة إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية، وينظم الحياة السياسية في البلاد، في مقابل إعلان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مؤخراً «قبول ملفين إضافيين مستوفيين لنفس الشروط من المتقدمين للترشح لرئاسة هذه الحكومة».

في معسكر المؤيدين لتعديل مسودة الدستور، يقف عضو الهيئة صلاح بوخزام، الذي كشف لـ«الشرق الأوسط» عن سعيه وعدد من أعضاء كتلة فزان (إقليم جنوب ليبيا) لطرح المواد الدستورية الخلافية على الطاولة، داعماً وجهة نظره بالقول إن الهدف هو «وصول الليبيين إلى صيغة توافق كامل تضعهم على أبواب الاقتراع في ظل حالة رضا عام».

ولا يرى عضو الهيئة الصديق الدرسي غضاضة من «تعديل بعض المواد؛ وحشد أكبر قدر ممكن من الأعضاء لدعم المشروع»، لما يعتقده أنه «سيزيد عدد الأصوات التي تنادي بدعم المشروع في الشارع الليبي».

ويشير الدرسي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «إمكانية قانونية وإدارية» لهذا التعديل، وفق ما عده سبيلاً «نحو الوصول بالوطن إلى كلمة سواء». ووفق تصوره فإن «حل الأزمة الليبية قد يكون بين يدي الهيئة التأسيسية إذا ما جمعت أمرها وتناسى أعضاؤها خلافاتهم».

إلى جانب أعضاء سبق أن وافقوا على مشروع الدستور، فإن من بين المقاطعين لجلسة التصويت عام 2017 من يرى ضرورة إعادة النظر في «بعض المواد الخلافية»، ومنهم عضو الهيئة ابتسام أبحيح، التي وصفت في تصريحات إعلامية مؤخراً، التصويت الذي جرى منذ 7 أعوام بأنه «كان معيباً ومخالفاً للائحة».

في المقابل، تبرز أصوات داعية إلى الاستفتاء على مشروع الدستور الحالي ومن بينهم الهادي بوحمرة، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، الذي يرى أن «الإجماع على مواد الدستور مستحيل» بل و«مدخل لتعقيد المسار الدستوري».

ويبدي بوحمرة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» مخاوفه من أن «كل تغيير في مواد الدستور قد يؤدي إلى استبدال المعارضة بمعارضة أخرى أقوى منها»، محذراً من الدخول في «متاهات التعديل».

وإذ يتصور بوحمرة، أن هدف اجتماع أعضاء الهيئة الذي يجري التباحث بشأنه يجب أن يكون «إزالة المعوقات الداخلية والخارجية التي تحول دون الاستفتاء»، فإنه يؤيد «إقرار مشروع دستور جاء بأغلبية على مستوى الهيئة التأسيسية إلى جانب كل منطقة انتخابية على حدة».

ويعيد بوحمرة التذكير بأن مجلس النواب سبق أن أصدر قانون الاستفتاء، وأقره مجلس الدولة، وأن كل الدعاوى القضائية والطعون أمام المحاكم انتهت إلى أنه لا معقب على عمل الهيئة التأسيسية إلا من الشعب في استفتاء عام.

وفي عام 2018، أصدر مجلس النواب بشرق ليبيا قانون الاستفتاء على الدستور المقترح في جلسة طارئة، علماً بأنه يعتمد نظام تقسيم البلاد إلى ثلاث دوائر (أقاليم)، بدلاً من دائرة واحدة.

أما عضو الهيئة نادية عمران، فتستنكر الحديث عن «مواد خلافية»، قائلة إن «الهيئة أقرت مشروع الدستور بنصاب يفوق ثلثي الأعضاء المقرر في الإعلان الدستوري» وعدت الحديث في هذا الشأن «مجرد تلاعب وإعلان وجود خلافات في مشروع الدستور من جانب الأجسام الانتقالية الموجودة، للاستمرار في المشهد فقط»، وفق ما قالت في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

في هذه الأثناء، لا يتوقف الخلاف عند نقطة شروط الترشح، إذ قوبل مشروع الدستور أيضاً برفض طيف من الأقليات، علماً بأن «المجلس الأعلى للأمازيغ في ليبيا» ذهب إلى التلويح «بإجراءات أكثر تصعيداً في حال التعنت في الدعوة للاستفتاء من أي طرف كان»، وذلك إثر لقاء الدبيبة ووفد الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.

لكن عضو هيئة صياغة الدستور الهادي بوحمرة يرى أن مسودة الدستور «تتماشى مع كافة المعايير الدولية المتعلقة باللغات والهويات المحلية»، نافياً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وجود «أي تناقض بين مشروع الدستور والصكوك الدولية في هذا الشأن»، وطالب «بالاحتكام إلى الاستفتاء لمعرفة الرأي الحقيقي للأمازيغ والعرب»، وما دون ذلك فهو «رأي مرسل دون دليل».