مفاوضات صعبة بين لبنان والأمم المتحدة حول التجديد لـ«اليونيفيل»

«الشرق الأوسط» تستطلع مواقف الدول الرافضة «إضعاف» القوة الدولية

جنود من الوحدة الهندية العاملة ضمن قوات «يونيفيل» في ضواحي بلدة كفرشوبا في جنوب لبنان (د.ب.أ)
جنود من الوحدة الهندية العاملة ضمن قوات «يونيفيل» في ضواحي بلدة كفرشوبا في جنوب لبنان (د.ب.أ)
TT

مفاوضات صعبة بين لبنان والأمم المتحدة حول التجديد لـ«اليونيفيل»

جنود من الوحدة الهندية العاملة ضمن قوات «يونيفيل» في ضواحي بلدة كفرشوبا في جنوب لبنان (د.ب.أ)
جنود من الوحدة الهندية العاملة ضمن قوات «يونيفيل» في ضواحي بلدة كفرشوبا في جنوب لبنان (د.ب.أ)

عشية انتهاء موعد التفويض الحالي للقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان «اليونيفيل» في 31 الشهر الجاري، استمرت التباينات حول مشروع قرار أعدته فرنسا لتمديد مهمة هذه البعثة سنة إضافية، ولا سيما حول حريّة تحركاتها في منطقة عملياتها، في ظلّ إصرار على «عدم إضعافها».

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية منخرطة في المفاوضات الجارية، وتحدثت شرط عدم نشر أسمائها بسبب حساسية المفاوضات الجارية بمشاركة وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب الموجود في نيويورك، أن الأمر «لا يتعلق بتعديل التفويض» الممنوح لـ«اليونيفيل» بل بدور «حزب الله» في «تقويض جهود القوة الأممية» المنتشرة في لبنان بموجب القرار 1701، الذي وسّع مهماتها على أثر «حرب تموز» (يوليو) لعام 2006، علماً بأن انتشارها الأول بدأ على أثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1978.

وبينما رفض بو حبيب «إعطاء أي تصريحات في الوقت الراهن»، بحسب أحد مستشاريه، نفى دبلوماسيون صحة الحديث المتداول إعلامياً عن جهود لنقل تفويض «اليونيفيل» من الفصل السادس إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وتظهر المسودات المختلفة التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخ منها أن لا ذكر من قريب أو بعيد للفصل السابع، الذي يجيز استخدام القوة العسكرية لتنفيذ القرارات الدولية.

وقال دبلوماسي في مجلس الأمن لـ«الشرق الأوسط» إن «هدف المفاوضات الجارية هو منع إضعاف اليونيفيل»، رافضاً «اتخاذ خطوة إلى الوراء عن العام الماضي»، حين أصدر القرار 2650 لتمديد مهمة «اليونيفيل» متضمناً لغة تكفل حريّة تحركات أفرادها في منطقة عملياتها، بعد سلسلة من الاعتداءات والحوادث التي تعرضوا لها على أيدي مناصري «حزب الله». وأشار إلى الفقرتين 16 و17 من مشروع القرار باعتبارهما «موضع الخلاف الرئيسي» بعدما طلبت السلطات اللبنانية العودة إلى النصوص التي سبقت القرار 2650 في شأن تحركات «اليونيفيل» والتنسيق مع السلطات اللبنانية المعنية. وحاولت فرنسا، حاملة القلم فيما يتعلق بالمسائل اللبنانية داخل مجلس الأمن، تجاوز هذا الخلاف بإدخال عبارة «يعبر عن تقديره لمواصلة التنسيق مع الحكومة اللبنانية» ضمن الفقرة 16 من مشروعها. وأيدت هذا التوجه بريطانيا، لأن «اليونيفيل تعمل في لبنان وتنسق أصلاً مع السلطات اللبنانية».

وجادل المفاوضون الفرنسيون والبريطانيون والأميركيون بأنهم «لا يريدون تأجيج الوضع القائم في لبنان مما قد يشكل تهديداً لحفظة السلام المنتشرين على الأرض».

ولكن دولاً عديدة، منها الولايات المتحدة، رفضت هذا التعديل مع تعديلات أخرى اعتبرت بمثابة «عودة إلى الوراء» في التفويض الممنوح للقوة الأممية، مؤكدة أنها «لن تؤيد أي نص أضعف من نصوص العام الماضي». بل طلبت «لغة أقوى» في موضوعين، الأول يتعلق بحرية حركة «اليونيفيل» بما يستجيب لـ«التحديات التي تتعرض لها القيود المفروضة عليها» من «حزب الله»، طبقاً لما يورده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقاريره الدورية حول لبنان.

ويتمثل الموضوع الثاني في مسألة قرية الغجر، إذ يحصل «تنسيق وثيق» مع الجانب اللبناني الذي طلب الفقرة 20 التي تنص حالياً على أن مجلس الأمن «يحض بقوة حكومة إسرائيل على تسريع انسحاب جيشها من شمال الغجر والمنطقة المحاذية لها شمال الخط الأزرق، في خراج بلدة الماري، من دون المزيد من التأخير بالتنسيق مع اليونيفيل».

وتخللت المفاوضات اعتراضات أيضاً من الصين وروسيا على مشروع القرار الفرنسي، ولا سيما بعدما طلبت دول ذكر «حزب الله» بالاسم باعتباره الجهة التي تسعى إلى «إضعاف اليونيفيل»، علماً بأن فرنسا استجابت للمطالب الروسية والصينية في هذا الشأن، وسط استمرار الضغوط الأميركية من أجل الإشارة إلى جمعية «أخضر بلا حدود» التي «يستخدمها حزب الله كواجهة لنشاطاته العسكرية على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وعند الخط الأزرق، على رغم النصوص الواضحة في القرار 1701 التي تمنع وجود مسلحين أو أسلحة غير مرخصة من السلطات اللبنانية في منطقة عمليات اليونيفيل».

ولم يستبعد دبلوماسي آخر إرجاء التصويت المقرر رسمياً الأربعاء وفقاً لجدول الأعمال الشهري لمجلس الأمن، إلى الخميس، مع احتمال آخر يتمثل بتمديد تقني قصير الأجل لأسبوع أو أسبوعين إفساحاً في المجال أمام المزيد من المفاوضات للتوصل إلى صيغة وسط ترضي غالبية أعضاء مجلس الأمن، وتحول دون استخدام الفيتو ضد مشروع القرار.



هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بسبب الحرب في غزة، أثارت غضباً عارماً بين مختلف أطياف الساحة السياسية في إسرائيل، ولكن على المدى البعيد، لا يبدو هذا الأمر جيداً بالنسبة لرئيس الوزراء.

وأضافت أنه كلما تم تصوير نتنياهو على أنه منبوذ دولياً، بدا أن كثيراً من الإسرائيليين يحتضنونه على الرغم من الاستقطاب الداخلي العميق.

وقال المحللون إنه من المرجح أن يتجمع معظم الإسرائيليين حول رفض نتنياهو قرار المحكمة، الذي ندد به بوصفه «معادياً للسامية».

وذكر ميتشل باراك، وهو خبير استطلاعات رأي عمل مساعداً لنتنياهو في التسعينات: «هذا يساعده». ووصفه بأنه «الرجل الوحيد الذي يقف ضد كل الشر في العالم».

وقال باراك: «إن هذا يحوله إلى الضحية التي يحب أن يكونها، والشخص الذي يقاتل من أجل حقوق إسرائيل»، مضيفاً أن الإسرائيليين كانوا موحَّدين إلى حد كبير في دعمهم للحرب.

وجاءت مذكرة الاعتقال في الوقت الذي تآكلت فيه صورة نتنياهو المحلية في الأشهر الأخيرة، ومع ازدياد اللوم الدولي على الأزمة الإنسانية في غزة، حيث قُتل أكثر من 44 ألف فلسطيني، وفقاً لمسؤولي الصحة المحليين.

وانخفضت ثقة الإسرائيليين في قيادة نتنياهو، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنَّته حرك «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واتهمه كثير من الإسرائيليين بإطالة أمد الحرب في غزة لأسباب سياسية: للحفاظ على ائتلافه الحاكم اليميني، والبقاء في السلطة حتى مع معركته ضد اتهامات الفساد.

ووفقاً لمسؤول حكومي إسرائيلي متقاعد، أخيراً، عمل على قضايا تتعلق بالشؤون الدولية لإسرائيل لسنوات، وطلب عدم الكشف عن هويته، فمن المحتمل أيضاً أن نتنياهو لا يقلق بسبب أوامر الاعتقال، لأمر واحد، لأن الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأكثر أهمية، رفضت القضية ضد القادة الإسرائيليين. ومن ناحية أخرى، إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية في إسرائيل أو غزة.

وقالت الصحيفة إن عدداً قليلاً من الإسرائيليين أعربوا علناً عن تعاطفهم مع المدنيين في غزة، وألقوا باللوم على «حماس» في معاناتهم. ومع تجنيد معظم الشباب، يجد معظم الإسرائيليين صعوبة في تصور الجنود مجرمي حرب.

ويدرك الإسرائيليون أنه لا يزال من الممكن إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد الضباط والجنود، مما يزيد من عدائهم للمحكمة، ولكن في الوقت نفسه فإنهم معزولون، إلى حد كبير، عن العداء لإسرائيل في الخارج.

وحتى خصوم نتنياهو السياسيين يقولون ما يبدو أن معظم الإسرائيليين يفكرون فيه، حيث كتب يائير لبيد، زعيم المعارضة، على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس: «تدافع إسرائيل عن حياتها ضد المنظمات الإرهابية التي هاجمت وقتلت واغتصبت مواطنينا»، مضيفاً: «أوامر الاعتقال مكافأة للإرهاب».

وتأتي أوامر الاعتقال في وقت مضطرب، يعيشه نتنياهو وإسرائيل، التي على وشك التوصل إلى اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار بشأن الصراع مع «حزب الله» في لبنان، في حين لا يزال نحو 100 رهينة، من المفترض أن يكون ثلثهم على الأقل قد لقوا حتفهم، في غزة.

وأقال نتنياهو، أخيراً، يوآف غالانت من منصب وزير الدفاع؛ بسبب الخلافات حول استمرار الحرب في غزة والسياسات الداخلية؛ مما أدى إلى تقويض الثقة في الحكومة.

كما تعرَّض مكتب نتنياهو للتدقيق بشكل متزايد بشأن سلسلة من التحقيقات التي ركزت على سوء التعامل مع المواد الاستخباراتية.

ويوم الخميس، اتهم المدعون الإسرائيليون أحد مساعديه بتسريب معلومات سرية عن «حماس» بطريقة يقول المدعون إنها من المرجح أن تضر بالأمن القومي، وتضع الناس في خطر يهدد حياتهم في وقت الحرب.

وفي الشهر المقبل، من المتوقع أن يقف نتنياهو في محاكمة بعدما وُجِّهت إليه اتهامات بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، في 3 قضايا منفصلة ولكنها مترابطة يتم الاستماع إليها بالتوازي.

وقد نفى ارتكاب أي مخالفات في القضايا التي تركز على اتهامات بأنه رتب خدمات لرجال أعمال مقابل هدايا، وتغطية إخبارية متعاطفة له ولأسرته.

وحرصاً على تجنب أي لوم شخصي تجاه نتنياهو على تلك الإخفاقات، ومع اقتراب الوقت المناسب للإدلاء بشهادته في قضايا الفساد، ضاعف أنصاره هجماتهم ضد النظام القضائي الإسرائيلي وربما شجعهم فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على ذلك، فقد تغذوا على فكرة أن نتنياهو يتعرَّض للاضطهاد من قبل القوى الليبرالية في الداخل والخارج.

ويتوقع الإسرائيليون أن تكون إدارة ترمب الجديدة أكثر استيعاباً للحكومة الإسرائيلية، الأكثر يمينية ومحافظة دينياً في تاريخ البلاد.

وعلى الرغم من الرفض الإسرائيلي الواسع النطاق لقرار إصدار أوامر الاعتقال، فإن التعاطف مع نتنياهو قد يتضاءل في الأمد البعيد، كما يقول بعض المحللين.

نتنياهو وغالانت خلال مؤتمر صحافي سابق في قاعدة «كيريا» العسكرية في تل أبيب (رويترز)

وقال باراك، خبير استطلاعات الرأي، إن كون المرء «شخصية دبلوماسية غير مرغوب فيها» ليس مظهراً جيداً لرئيس الوزراء، خصوصاً أن مكانة نتنياهو الدولية الضخمة كانت ذات يوم واحدة من دعاياته الانتخابية.

ولا يواجه نتنياهو وغالانت أي خطر للاعتقال في إسرائيل بسبب أوامر الاعتقال. ومع ذلك، يمكن احتجازهما إذا سافرا إلى إحدى الدول الأعضاء في المحكمة، البالغ عددها 124 دولة، والتي تشمل معظم الدول الأوروبية ولكن ليس الولايات المتحدة.

وحتى السفر جواً إلى الولايات المتحدة قد يكون محفوفاً بالمخاطر إذا احتاج شخص ما على متن الطائرة، على سبيل المثال، إلى علاج طبي عاجل، مما يضطره إلى الهبوط اضطرارياً في الطريق.

وفي إشارة إلى القيود الجديدة على قدرة نتنياهو على السفر إلى الخارج، قال باراك: «لا يمكنك أن تكون رئيس وزراء على تطبيق زووم».