وزيرة خارجية فرنسا: الانقلاب فشل ونحن إلى الجانب الصحيح للتاريخ

المأزومون في النيجر: باريس و«إيكواس» والانقلابيون

دورية للحرس الوطني النيجري تجول حول السفارة الفرنسية في نيامي الاثنين (أ.ف.ب)
دورية للحرس الوطني النيجري تجول حول السفارة الفرنسية في نيامي الاثنين (أ.ف.ب)
TT

وزيرة خارجية فرنسا: الانقلاب فشل ونحن إلى الجانب الصحيح للتاريخ

دورية للحرس الوطني النيجري تجول حول السفارة الفرنسية في نيامي الاثنين (أ.ف.ب)
دورية للحرس الوطني النيجري تجول حول السفارة الفرنسية في نيامي الاثنين (أ.ف.ب)

الغائب الأكبر عن مؤتمر السفراء الفرنسيين عبر العالم في نسخته الـ29 كان بلا شك سفير فرنسا في النيجر سيلفان أيتيه، الذي طلبت وزارة خارجية الانقلابيين رحيله عن البلاد، وأعطته مهلة 48 ساعة انقضت، وما زالت باريس ترفض قطعاً الاستجابة لطلب المجلس العسكري.

ومثل الخطاب الذي ألقاه الرئيس إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه بحضور رئيسة الحكومة والوزراء والسفراء وممثلي البلاد في المنظمات الدولية، والذي تميز بالتشدد إزاء الانقلابيين والدول (الحليفة) التي تعرب عن مواقف «مائعة» إزاءهم، كذلك جاءت كلمة كاترين كولونا، وزيرة الخارجية، في كلمتها صباح الثلاثاء، حيث لم تكن أقل تشدداً وحزماً. خطاب كولونا تجاوز الساعة، وجالت به على المسائل الرئيسية التي تشغل الدبلوماسية العالمية، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا. إلا أن الوزيرة الفرنسية عادت أكثر من مرة إلى الملف النيجري، وعمدت إلى بناء «مضبطة اتهام» بحق الانقلابيين. وبينما يبدو الوضع حالياً في النيجر متأرجحاً بين إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسي بفضل الوساطات التي ما زالت جارية وبين التوجه نحو تدخل عسكري «جراحي»، فإن باريس لم تعد تتحفظ في الإعراب عن موقفها، وتأكيد أنها تدعم قرارات وخطط المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) سواء أكانت سلماً أم حرباً، وهو ما أكدته أعلى السلطات الفرنسية، وشدّد عليه ماكرون الاثنين.

وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا خلال مؤتمر صحافي في باريس الثلاثاء (رويترز)

ولمن يدعو، ولو في الغرف المغلقة، باريس لتخفيف حدة لهجتها، نبهت كولونا من أن «ليس هناك انقلابيون ديمقراطيون، كما أنه لم يكن هناك بالأمس (طالبان) معتدلون؛ ولذا لا يمكننا بناء سياسة خارجية على الأوهام». وهاجمت العسكر الذين «كانت مهمتهم خدمة السلطات الشرعية، عمدوا (بدل ذلك) إلى اغتصاب السلطة، واحتجاز الرئيس المنتخب ديمقراطياً». ترى باريس، بلسان وزيرة خارجيتها، أن «لا شيء جيداً يمكن أن يصدر عن هذه الخيانة» في النيجر، إذ إن الوضع الأمني يتدهور، والمتطرفين يضاعفون هجماتهم. وما تراه كولونا هو أن الانقلاب سيفضي إلى «كارثة محققة وإلى انهيار المنظومة الأمنية في غرب أفريقيا، واستفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وذلك في جوارنا المباشر».

ولمن يعنيهم الأمر، جاءت رسالة كولونا بالغة الوضح، إذ أشارت إلى أن فرنسا «تتحمل مسؤولية» مواقفها، ولا تتجاهل ما تنقله إليها مجموعة دول «إيكواس» التي لا تستطيع أن تغض الطرف عن المسار الذي سلكته مالي وبوركينا فاسو والذي تسير عليه النيجر. وخلاصتها أن «الانقلابيين سائرون إلى الفشل، لا بل إن فشلهم ظهر (منذ اليوم)». وفي المقابل، فإن باريس تلزم «الجانب الصحيح من التاريخ» والسلطات الفرنسية «مقتنعة بأن العلاقة مع الدول الأفريقية ينتظرها مستقبل باهر، وأن الاستخدام الشعبوي للخطاب المعادي لفرنسا هنا وهناك يجب ألا يحجب نوعية وكثافة العلاقات مع غالبية هذه البلدان». وفي أي حال، فإن لفرنسا «أوراقاً رابحة» يمكن أن تستخدمها لتعزيز هذه العلاقة وهي تسعى، منذ عام 2017، أي منذ وصول ماكرون إلى الرئاسة، إلى بناء علاقات متجددة وشراكة حديثة.

شرطيان أمام السفارة الفرنسية في نيامي الاثنين (أ.ف.ب)

وفي أي حال، ترى كولونا أن الدول الأفريقية هي «شركاء ضروريون لا يمكن الاستغناء عنهم من أجل مواجهة التحديات الكبرى المشتركة».

ولذا فإن باريس تدعو وتدافع عن انتماء الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، وإفساح مجال أوسع لأفريقيا في مجلس الأمن الدولي.

ليومين، أسهب الرئيس ماكرون ووزيرة خارجيته في تقديم وشرح منطلقات السياسة الفرنسية طولاً وعرضاً، بيد أن المشكلة ما زالت قائمة ميدانياً، وثمة إنذاران من السلطة الانقلابية في النيجر موجّهان لفرنسا: الأول يتناول استبعاد السفير، والثاني ترحيل القوة الفرنسية المرابطة بشكل أساسي في الشق العسكري من مطار نيامي. ومن بين صفوف هذه القوة ثمة وحدة مجوقلة قد يكون لها دور في حال قرر «إيكواس» اللجوء إلى استخدام القوة من أجل الإفراج عن محمد بازوم، الرئيس المحتجز منذ 26 يوليو (تموز) في أحد أجنحة القصر الرئاسي في ظروف سيئة من ملامحها قطع التيار الكهربائي عنه. ورد الانقلابيون أن التيار سيعود إليه عندما تتراجع نيجيريا عن حجب التيار الكهربائي عن النيجر التي تعتمد عليها بنسبة تقترب من الـ70 في المائة.

أضرار ظاهرة على مدخل السفارة الفرنسية في نيامي الاثنين (أ.ف.ب)

إذا كان من المسلَّم به أن السلطات الانقلابية لن تلجأ إلى القوة لاستبعاد السفير الفرنسي؛ لأن ذلك سيعد اعتداءً موصوفاً، ويوفر الذريعة لباريس للتدخل مباشرة، فإن من المراهنة الخطرة بمكان اعتبار أن الأمور لا يمكن أن تتدهور بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية التي تغذيها السلطات الانقلابية والخطاب المعادي لفرنسا. والحال أي حادث يقع ويسفر عن سقوط ضحايا، سيكون من شأنه تأجيج المشاعر وفتح الباب على المجهول. وما يصح على السفارة يصح أيضاً على القوة العسكرية الفرنسية، وبينت التظاهرة التي حدثت يوم الأحد الماضي، قريباً من مواقعها، أن الأمور يمكن أن تسوء في أي لحظة. وترى مصادر سياسية في باريس أن هناك 3 أطراف تجد نفسها في طريق مسدودة: أولها فرنسا التي لم تعد تجد أمامها باباً للمناورة والتحرك إلا الدفع باتجاه التشدد والحسم، وهي الخاسر الأكبر من التطورات الجارية في النيجر اليوم وقبلها التي جرت في مالي وبوركينا فاسو. وفي البلدين الأخيرين، اضطرت باريس لسحب قواتها، وخسرت النفوذ الذي كانت تتمتع به، ولم تعد مصالحها الآنية والسياسية والاستراتيجية مؤمّنة. وربما ستسير بلدان أفريقية أخرى، ساحلية أو غير ساحلية، على الدرب الذي سلكته قبلها الدول التي خرجت من العباءة الفرنسية. والطرف الثاني هو الانقلابيون الخائفون من تدخل عسكري يبدو جدياً، ولعل أبرز دليل عليه أن «إيكواس» طلبت من الاتحاد الأوروبي، في رسالة رسمية، تمويل العملية العسكرية والمساعدة على إتمامها. والمفارقة بالنسبة لهم أن التراجع عن الانقلاب وإعادة بازوم إلى السلطة يعني بالنسبة إليهم إما النفي، وإما المحاكمة والسجن.

مؤيدون للانقلابيين يحملون علمين روسيين خلال مظاهرة بالقرب من السفارة الفرنسية في نيامي الأحد (إ.ب.أ)

أما الطرف الثالث المأزوم فهو «إيكواس» الموجودة بين المطرقة والسندان؛ ذلك أنها، من جهة، ستفقد أي صدقية تتمتع بها إذا لم تنفذ تهديداتها بالتدخل العسكري. ومن جهة ثانية، تجد بوجهها جهات تعارض هذا الخيار، وتفضل السير بالحل الدبلوماسي وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أوروبية فاعلة مثل ألمانيا وإيطاليا التي ألمح إليها ماكرون أول من أمس، إضافة إلى انقسام الاتحاد الأفريقي ومعارضة الجزائر...

وفي أي حال، تتخوف «إيكواس» من أن تنشب حرب حقيقية إذا نفذت مالي وبوركينا فاسو تهديداتهما ودخلتا المعركة إلى جانب النيجر بما لذلك من تبعات كسقوط ضحايا مدنيين ونتائج كارثية اجتماعياً واقتصادياً على بلد (النيجر) هو من بين الأكثر فقراً في العالم. يبقى أن ثمة من يراهن على عملية عسكرية سريعة ومبضعية تتمثل بالسيطرة على موقع احتجاز بازوم الذي لم يقدم استقالته حتى اليوم على الرغم من الضغوط، وبالتالي ما زال يعد الرئيس الشرعي والسيطرة على عدد من المواقع الاستراتيجية في العاصمة. وفي رأي هؤلاء، فإن تحقيق هذين الهدفين من شأنه أن يحدث انقساماً داخل الجيش النيجري، وبالتالي إضعاف الانقلابيين لا بل عزلهم. سيناريو لافت على الورق، لكن التنفيذ الميداني مسألة أخرى.



إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
TT

إطلاق نار كثيف في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق بجنوب السودان

جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)
جوبا عاصمة جنوب السودان (مواقع التواصل)

وقع إطلاق نار كثيف، الخميس، في جوبا عاصمة جنوب السودان بمقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، أكول كور، الذي أقيل الشهر الماضي، حسبما أكد مصدر عسكري، فيما تحدّثت الأمم المتحدة عن محاولة لتوقيفه.

وبدأ إطلاق النار نحو الساعة السابعة مساء (17.00 ت.غ) قرب مطار جوبا واستمر زهاء ساعة، بحسب مراسلي «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأبلغت الأمم المتحدة في تنبيه لموظفيها في الموقع، عن إطلاق نار «مرتبط بتوقيف الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات»، ناصحة بالبقاء في أماكن آمنة.

وقال نول رواي كونغ، المتحدث العسكري باسم قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان، لإذاعة بعثة الأمم المتحدة في البلاد (مينوس) إنه «حصل إطلاق نار في مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق».

وأضاف: «شمل ذلك قواتنا الأمنية التي تم نشرها هناك لتوفير مزيد من الأمن».

وتابع: «لا نعرف ماذا حدث، وتحول سوء التفاهم هذا إلى إطلاق نار»، و«أصيب جنديان بالرصاص». وأضاف: «بعد ذلك هرعنا إلى مكان الحادث... وتمكنا من احتواء الموقف عبر إصدار أمر لهم بالتوقف».

وقال: «مصدر عسكري مشارك في العملية» لصحيفة «سودانز بوست» اليومية، إن أكول كور أوقف بعد قتال عنيف خلف «عشرات القتلى والجرحى من عناصره»، لكن التوقيف لم يتأكد رسمياً حتى الآن.

وأظهرت صور انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى نشرتها الصحيفة شبه توقف لحركة المرور بالقرب من مقر إقامة رئيس الاستخبارات السابق، حيث فر سائقون خائفون بعد سماع إطلاق النار تاركين سياراتهم، وفقاً لصحيفة «سودانز بوست».

وأقال رئيس جنوب السودان سلفاكير في أكتوبر (تشرين الأول) رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية أكول كور الذي تولى منصبه منذ استقلال البلاد عام 2011، وكلّفه تولي منصب حاكم ولاية واراب التي تشهد اضطرابات.

ولم تُحدّد أسباب هذه الخطوة. ويأتي هذا القرار بعد أسابيع من إعلان الحكومة تأجيلاً جديداً لعامين، لأول انتخابات في تاريخ البلاد، كان إجراؤها مقرراً في ديسمبر (كانون الأول).

بعد عامين على استقلاله، انزلق جنوب السودان إلى حرب أهلية دامية عام 2013 بين الخصمين سلفاكير (الرئيس) ورياك مشار (النائب الأول للرئيس)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.