بعد عملية شد حبال طويلة، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب رسمياً عدم مشاركته في المناظرات الرئاسية. وأكّد ترمب على منصته «تروث سوشيال»، أنه لن يشارك في المناظرات نظراً لتقدمه الكبير في استطلاعات الرأي، فذكر استطلاعاً لشبكة «سي بي إس» أظهر تقدمه بـ46 نقطة على أقرب منافسيه حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، قائلاً: «العالم يعرف من أنا وكم كانت رئاستي ناجحة، من الاستقلالية في الطاقة إلى الحدود والجيش القويين، والاقتطاعات في الضرائب والقيود، من دون تضخم، وأقوى اقتصاد في التاريخ...»، ليختتم معلناً: «بناء عليه لن أشارك في المناظرات».
وبدا تصريح ترمب مشبعاً بالرسائل المبطنة، ففيه هجوم مباشر على منافسيه الجمهوريين الذين سيشاركون في المناظرة الأولى للحزب الجمهوري هذا الأسبوع، وفيه أيضاً هجوم غير مباشر على الرئيس الأميركي جو بايدن وسياساته، لكن لعلّ أبرز نقطة مثيرة للجدل والتساؤلات فيه هي استعمال صيغة الجمع في كلمة «مناظرات». فعلى الرغم من تلويح ترمب مراراً وتكراراً بتردده في المشاركة بالمناظرة الأولى التي ستجري ليل الأربعاء في ولاية ويسكونسن، والثانية التي ستعقد في 27 الشهر المقبل في ولاية كاليفورنيا، فإنه لم يتحدث عن قراره عدم المشاركة في كل المناظرات المستقبلية، بحسب ما أوحى إعلانه الأخير.

لكن الرئيس السابق بارع في استقطاب الأنظار والاستحواذ على اهتمام وسائل الإعلام، ولهذا السبب على وجه التحديد قد يعمد إلى سرقة الأضواء من ليلة الجمهوريين الأولى عبر إعطاء مقابلة مع مقدّم برامج «فوكس نيوز» السابق المناصر له تاكر كارلسون.
ومن الواضح أن ترمب يسعى إلى التغريد خارج سرب حزبه، فقد سبق أن رفض توقيع تعهد للجنة الجمهورية الوطنية المعنية بتنظيم المناظرات والسباق الرئاسي، يعد فيه بدعم المرشح الجمهوري الرسمي للحزب، وهو تعهد تتطلبه اللجنة معياراً أساسياً للمشاركة في المناظرات التلفزيونية للحزب. وقال ترمب حينذاك: «لن أوقع على التعهد، لماذا أوقع على تعهد يتضمن أشخاصاً لا يمكنني أن أدعمهم؟».
لكنها ليست المرة الأولى التي يرفض فيها ترمب التوقيع على تعهد من هذا النوع، فقد سبق أن رفض التعهد بدعم المرشح الجمهوري في عام 2015، ليعود ويتراجع عن قراره بعد جدل طويل ومحتدم.

غياب ترمب فرصة لمنافسيه
قرار ترمب عدم المشاركة في المناظرة يفسح المجال لمرشحي الحزب الذين تخبطوا حتى الساعة في ساحة أخباره القضائية، لتسليط الضوء على قضايا تهم الناخب الأميركي، كالإجهاض مثلاً، وهي قضية تظهر استطلاعات الرأي ازدياد اهتمام الناخب بها، خصوصاً بعد قرار المحكمة العليا إلغاء حق الإجهاض في يونيو (حزيران) 2022.
وهذا ما تحدث عنه المرشح الجمهوري ويل هيرد الذي قال: «ما يريده الأميركيون هو أشخاص لا يخافون من دونالد ترمب، يتحدثون عن نظرتهم للمستقبل ويناقشون قضايا تؤثر عليهم، وليس الحديث فقط عن متاعب دونالد ترمب القضائية».
لكن غياب ترمب عن مسرح المناظرة لن يسهل بالضرورة هذه المهمة، فهذا المسرح سيكون مكتظاً بالمرشحين، إذ يتوقع مشاركة 8 أو أكثر منهم في المناظرة بعد تأهلهم لها بحسب شروط اللجنة الوطنية الجمهورية، الأمر الذي سيضع تحديات كبيرة أمام المنظمين من شبكة «فوكس نيوز» لتوزيع الوقت والقضايا بشكل عادل.

استطلاعات الرأي وتقدم ترمب
التحدي الآخر الذي يواجه المنظمين هو جذب المشاهدين، فالرئيس السابق سيعمد إلى سرقة الأضواء إذا قرر بث مقابلته مع تاكر كارلسون، بالتزامن مع وقت المناظرة في التاسعة مساء بتوقيت واشنطن.
فمما لا شك فيه أنه سيجذب من خلال قراره المحتمل هذا قاعدته الشعبية لمتابعته، وتعد هذه القاعدة كبيرة مقارنة بمنافسيه بحسب استطلاعات الرأي التي ذكرها. ففي استطلاع شبكة «سي بي إس»، يحظى الرئيس السابق بدعم 62 في المائة من الناخبين في الانتخابات التمهيدية، متقدماً بـ46 نقطة على حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس. أما بقية المرشحين فيتراوح دعمهم بين 7 في المائة للمرشح فيفيك راماسوامي، و5 في المائة لنائب ترمب السابق مايك بنس، وصولاً إلى 1 في المائة لحاكم ولاية اركنساو السابق آسا هاتشيتسون.
ويظهر الاستطلاع نفسه أن الناخب الجمهوري يعتقد أن ترمب لديه الفرصة الأكبر للفوز ضد بايدن بنسبة 61 في المائة، فيما يعد 71 في المائة منهم أن الاتهامات الموجهة للرئيس السابق في جورجيا مسيسة.

دعوات جمهورية لترمب بالتنحي
ورغم استطلاعات الرأي لا يزال بعض الجمهوريين يشككون في فرص فوز ترمب أمام بايدن في الانتخابات العامة، فأرقام الاستطلاعات المذكورة تشمل الجمهوريين فحسب، من دون النظر في رأي الناخب المستقل الذي عادة ما يحسم تصويته السباق الرئاسي. وهذا ما تحدث عنه السيناتور الجمهوري بيل كاسيدي الذي عد أن على الرئيس السابق التنحي عن السباق. وقال كاسيدي لشبكة «سي إن إن» لدى سؤاله عما إذا كان يجب على ترمب التنحي، أم لا: «أعتقد ذلك. طبعاً القرار يعود إليه. لكنه سيخسر أمام جو بايدن إذا نظرنا إلى الاستطلاعات الحالية». وتابع كاسيدي قائلاً: «إذا ما تمت إدانة ترمب، فسيكون لدينا مرشح مدان بجريمة... أعتقد أنه يجب أن يكون هناك بديل لجو بايدن، لكني لا أعتقد في الوقت نفسه أن الأميركيين سيصوتون لصالح شخص تمت إدانته».


