ليبيا تحتفل بتوقف الاشتباكات... وتودع الضحايا بدموع ساخنة

تأكيد محلي على «حرمة الدم» وسط دعوات عربية وأفريقية لترك الاقتتال

عناصر من «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية يستقبلون قائدهم محمود حمزة بعد الإفراج عنه بطرابلس (رويترز)
عناصر من «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية يستقبلون قائدهم محمود حمزة بعد الإفراج عنه بطرابلس (رويترز)
TT

ليبيا تحتفل بتوقف الاشتباكات... وتودع الضحايا بدموع ساخنة

عناصر من «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية يستقبلون قائدهم محمود حمزة بعد الإفراج عنه بطرابلس (رويترز)
عناصر من «اللواء 444 قتال» التابع لمنطقة طرابلس العسكرية يستقبلون قائدهم محمود حمزة بعد الإفراج عنه بطرابلس (رويترز)

تبددت نسبياً أجواء الاشتباكات الدامية في العاصمة الليبية طرابلس، وحلت محلها الألعاب النارية التي غطت سماء مناطق عديدة بطرابلس، ابتهاجاً بالإفراج عن محمود حمزة، آمر اللواء «444 قتال»، لتُطوى بذلك مؤقتاً صفحة من الاقتتال المتكرر بين التشكيلات المسلحة، التي خلفت وراءها 50 قتيلاً حتى الآن، وأكثر من 160 جريحاً، وسط تنديد محلي وإقليمية ودولي بهذه الأحداث المأساوية.

وفيما لا تزال آثار الدمار على حالها في المناطق التي شهدت حرب شوارع عنيفة، عبر عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، عن رفضه لـ«عودة الاقتتال»، بعد تفعيل اتفاق بين الطرفين المتقاتلين، وسط تأكيد على «حرمة الدم» الليبي، مشددا على أن «الوطن لا يحتمل أي تصرفات غير مسؤولة».

واستقبل الدبيبة مساء (الأربعاء) أعيان وحكماء سوق الجمعة والنواحي الأربع، وقال إن ما شهدته طرابلس «استهداف لمنطقة سوق الجمعة وللعاصمة وليبيا جميعها، وهناك من يريد إدخال البلاد في متاهات»، وطالبهم بـ«التوسط بين طرفي الاقتتال».

جانب من اجتماع الدبيبة مع أعياء سوق الجمعة والنواحي الأربع في طرابلس (حكومة "الوحدة")

ودافع الدبيبة عن «جهاز قوة الردع» و«اللواء 444 قتال»، وقال إنهم «قارعوا عناصر (فاغنر) الروس، وكسروا الهجوم على العاصمة»، مبرزا أن عبد الرؤوف كارة رئيس قوة الردع، ومحمود حمزة «قدما خدمات كبيرة لصالح الوطن والمواطن، ووقوع النزاع بينهما حدث مفاجئ، وأمر لم نكن نريده».

كما أكد الدبيبة توقيع اتفاق بين الطرفين لوقف الاقتتال، وقال إن «أي إطلاق نار بعد الهدنة المفروضة سيعد نية سيئة، وهو ما لن نقبل بحدوثه؛ وسنصدر قرارات صارمة في حال عدم الامتثال للصلح وتكرار مثل هذه الأعمال». لافتا إلى أنه تلقى رسائل من أطراف أجنبية، بعضها داعمة، وأخرى شامتة.

انتشار كثيف لعناصر الأمن في العاصمة بعد توقف الاشتباكات (أ.ب)

من جهتهم، أكد مجلس الأعيان والحكماء خلال لقائهم بالدبيبة على «حُرْمة الدم» الليبي، واتفقوا على ضرورة تضافر الجهود الاجتماعية والأمنية، والعمل بشكل موحد لإنهاء تداعيات الاشتباكات الماضية، و«ضمان عدم تكرارها، ومنع الحروب أيا كانت أطرافها وأسبابها».

وواكبت عملية إطلاق سراح حمزة، الذي أشعل احتجازه فتيل أعنف اشتباكات في طرابلس، فرحة عارمة؛ حيث أطلق أنصاره ومؤيدوه الألعاب النارية والرصاص في سماء طرابلس، بينما كانت عائلات الضحايا الـ50 يوارون جثثهم الثرى في مقابر متفرقة بالعاصمة، وأمهاتهن يذرفن الدموع الساخنة.

عناصر من "اللواء 444 قتال" التابع لمنطقة طرابلس العسكرية يستقبلون قائدهم محمود حمزة بعد الإفراج عنه بطرابلس (رويترز)

وعمت الاحتفالات معسكر «اللواء 444 قتال» وطريق الشط بطرابلس، ابتهاجاً بالإفراج عن حمزة، بموجب اتفاق توسط فيه شيوخ سوق الجمعة؛ حيث سلمت «قوة الردع الخاصة» حمزة إلى «جهاز دعم الاستقرار»، وبعد يوم من توقف المعارك، تم تسليمه إلى اللواء في وقت متأخر من مساء (الأربعاء).

وأظهرت صور تداولها أنصار حمزة عبر حساباتهم، الأخير بزيه العسكري، وهو يحتضن زملاءه من المقاتلين عند عودته، وسط طلقات الرصاص في الهواء، وكان من بين مستقبليه سيدة استقبلته بالزغاريد والدعاء له، وللمتوفين الذين قضوا في المعركة.

ونجم عن هذه الاشتباكات تنديد دولي وإقليمي ومحلي بالأحداث الدامية التي شهدتها طرابلس؛ حيث دعا رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، اليوم (الخميس) جميع الجهات السياسية والعسكرية الفاعلة في ليبيا لإنهاء الأعمال القتالية فوراً، وقال فكي في بيان إنه يتابع: «بقلق بالغ» تطورات الأوضاع الأمنية في طرابلس، التي أسفرت عن سقوط العديد من القتلى والجرحى. مشددا على أنه «لا حل عسكريا للأزمة في ليبيا»، وأنه «لا يمكن تحقيق الوحدة والسلام والاستقرار في البلاد إلا بالطرق السلمية».

بدورها، دعت وزارة الخارجية الكويتية الأطراف الليبية كافة إلى «التهدئة، وتحكيم لغة العقل وممارسة ضبط النفس وتجاوز الخلافات عبر الحوار». وأكدت في بيان اليوم (الخميس) على «موقف دولة الكويت الداعم لدولة ليبيا ولاستقرارها وللمسار السياسي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، والمساعي الدولية للحفاظ على وحدة الأراضي الليبية ومصالحها العليا، بما يحقق طموحات شعبها في العيش بأمان وسلام وازدهار».

عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي في العاصمة طرابلس بعد توقف الاشتباكات وانتشار قوات الأمن (إ.ب.أ)

وبدأت تعود الحياة في المناطق التي شهدت اقتتال العاصمة بشكل تدريجي، حيث استؤنفت اليوم (الخميس)، امتحانات الدور الثاني لطلاب شهادة إتمام مرحلة التعليم الثانوي في بلديتي عين زارة وسوق الجمعة، بحسب وزارة التربية والتعليم بحكومة «الوحدة».


مقالات ذات صلة

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

شمال افريقيا أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

تحدث عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الليبية أكثر من مرة عن أجهزة تبني مشروعات في بعض مدن البلاد «من دون أن تمر على الأجهزة الرقابية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جلسة لمجلس النواب الليبي الأسبوع الماضي (صفحة المتحدث باسم المجلس)

«الأموال الليبية بالخارج»... أرصدة زادها الانقسام تجميداً

قال رئيس مجلس النواب الليبي إن «مجلسه وجه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي طالبه فيها بضرورة التحفظ على الأموال الليبية المجمدة في الخارج لمنع أي تصرف غير قانوني»

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة في لقاء سابق مع عماد السائح رئيس مفوضية الانتخابات الليبية (حكومة الوحدة)

صالح والدبيبة يحتويان «انقسام» ديوان المحاسبة الليبي

أبدى صالح تمسكه بشكشك، وقال إنه سيستمر في أداء مهامه رئيساً لديوان المحاسبة الليبي «حتى انتهاء الإجراءات القانونية»، ما جنّب البلاد «انقساماً جديداً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا السنوسي يلتقي خارج محبسه وفدا من قبيلته (المجلس الاجتماعي بسوق الجمعة والنواحي الأربعة)

السنوسي عديل القذافي... من السجن إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية

يقبع السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، في سجن معيتيقة تحت إشراف «قوة الردع»، التي سمحت بنقله إلى فيلا رهن الإقامة الجبرية.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة وشكشك في لقاء سابق (حكومة الوحدة)

الانقسامات تطال ديوان المحاسبة الليبي

وسط صمت رسمي من السلطة التنفيذية بطرابلس، دخل ديوان المحاسبة في ليبيا دائرة الصراع على رئاسته بين رئيسه خالد شكشك، ووكيله الموقوف عطية الله السعيطي.

جمال جوهر (القاهرة)

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
TT

تلميحات الدبيبة بـ«غياب الرقابة» تلاحق «إعادة الإعمار» بشرق ليبيا

أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)
أحد الجسور التي يدشنها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

دأب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، على التلميح إلى غياب «الرقابة والشفافية» عن مشروعات إعادة الإعمار بشرق البلاد، التي يديرها «صندوق» يشرف عليه بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، قائد «الجيش الوطني».

وقال الدبيبة أكثر من مرة، إن أجهزة «تبني مشروعات في بعض مدن ليبيا دون أن تمر على الأجهزة الرقابية»، وهو ما عدّه محللون إشارة ضمنية إلى مشروعات إعمار شرق ليبيا. وسبق ذلك تصريح آخر للدبيبة ضمن فعاليات أقيمت في 9 ديسمبر (كانون الأول)، قدر فيه حجم الإنفاق في هذه المشروعات بأكثر من 40 مليار دينار خلال العام الحالي (الدولار يساوي 4.91 دينار).

وفي حين تجنب الدبيبة توجيه اتهامات مباشرة للصندوق والقائمين عليه، آثر الحديث عما «خصص لإحدى الجهات، غير الخاضعة للرقابة، في دفعة واحدة، ما يتجاوز ميزانية التنمية في ليبيا لأكثر من 4 سنوات». ويأتي حديث الدبيبة في أجواء تتصاعد فيها الاتهامات بـ«الفساد» بين جبهتي شرق ليبيا وغربها.

في هذا السياق، عدّ أستاذ القانون بجامعة طرابلس، فرج حمودة، عدم إخضاع «جهاز الإعمار» في شرق ليبيا لأجهزة الرقابة، «تصرفاً خارج نطاق القانون؛ حتى إن صدر عن جهة تشريعية»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى القضاء الدستوري.

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي «الوحدة الوطنية» في طرابلس، والأخرى مكلَّفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية وأجزاء من الجنوب، ويقودها أسامة حمّاد.

ويترأس بلقاسم حفتر «صندوق إعمار ليبيا» منذ بداية عام 2024، بتكليف من مجلس النواب الذي مُنح امتيازات واسعة، وفق قانون سنّه البرلمان يستثني كل الإجراءات، والتعاقدات من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة؛ وهما أرفع جهازين رقابيين سياديين في ليبيا.

بلقاسم حفتر يتفقد مشروعات يشرف عليها «صندوق إعادة الإعمار» بشرق ليبيا (المكتب الإعلامي للصندوق)

ويتمسك فرج حمودة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بالقول إن الأجهزة الرقابية تفرض رقابة سابقة ولاحقة على هذه المشروعات، حفاظاً على المال العام، محذراً مما يعتقد أنه «باب مفتوح على مصراعيه لمزيد من التجاوزات المالية، خصوصاً مع الإنفاق عالي التكلفة».

ولا توجد أرقام مفصلة لميزانية إعادة إعمار المنطقة الشرقية، التي ينفذها «الصندوق» بتعاون مع شركات عربية وأجنبية، لكن التكلفة الاستثمارية بلغت نحو 950 مليون دولار خلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) الماضيين، وفق آخر أرقام مصرف ليبيا المركزي.

وفي مقابل ما ذهب إليه حمودة، يعتقد المحلل الاقتصادي الليبي، علي الصلح، أن إنشاء صندوق إعمار ليبيا «جاء متماشياً مع متطلبات المرحلة واحتياجات المواطنين، وفي ظل منافسة باتت واضحة، في مقارنة ما يبدو مع مشروعات تنفذها حكومة الدبيبة في العاصمة».

ورغم أن الصلح يقر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بأن «إصدار قانون خاص للصندوق واستثناءه من الرقابة أصبحا محل جدل»، إلا أنه «تخلص من قيود ومراجعات قد تكون دون جدوى، وسرّع وتيرة جهود البناء والإعمار، بما لقي ارتياح المواطنين»، وفق اعتقاده.

وذهب الصلح إلى القول إن أهمية «تحديد حجم نفقات المال العام وغرضها يأتيان أولوية قبل الرقابة، دون مساءلة ومحاسبة حقيقيتين»، متسائلاً في المقابل عما رآها «نفقات عامة لحكومة (الوحدة) لا تخضع لمعايير واضحة».

صورة توضح حجم الدمار الذي تعرضت له أحياء درنة جراء الإعصار (أ.ف.ب)

ومؤخراً، ذكرت وكالة التحقيق الأميركية «سنتري» أن تكلفة إعادة الإعمار أثقلت كاهل الميزانية العامة، مما تسبب في أزمة لمصرف ليبيا المركزي.

لكن، وعلى نحو أبعد من الحديث عن الأرقام والشفافية، تبدو «المناكفة» تفسيراً مرجحاً لتلميحات الدبيبة، وفق عضو المجلس الأعلى للدولة، بلقاسم قزيط، الذي أشار إلى «غياب تام للرقابة والشفافية في ليبيا».

ويبدو أن الهدف من هذه التلميحات، حسب تصريح قزيط لـ«الشرق الأوسط»، هو «حشد خصوم حفتر في غرب البلاد»، متوقعاً «تبخر هذه الاتهامات حال إتمام صفقة توحيد». كما تحدث عما قال إنه «تواصل لم ينقطع بين رئيس حكومة (الوحدة) وقائد الجيش الوطني وصفقات أنجزت بينهما».

ومن بين عدة مدن بشرق ليبيا، كانت مدينة درنة هي الأكثر في تكبد فاتورة الخسائر البشرية والمادية جراء فيضانات سبتمبر 2023، إذ اختفت أحياء بكاملها، ودمرت مدارس وأسواق وبنيات تحتية عامة؛ إلى جانب آلاف الوفيات، ونزوح آلاف آخرين من منازلهم.

لكن درنة شهدت مؤخراً افتتاح عدد من المشروعات، التي يشرف عليها «صندوق إعادة إعمار ليبيا»، من بينها «جسر وادي الناقة»، ومقرّ مديرية أمن درنة، بالإضافة إلى مسجد الصحابة.