لبنان: سلامة يواجه الملاحقات القضائية بلا حصانة

سلامة مغادراً المصرف المركزي مع نهاية ولايته (الشرق الأوسط)
سلامة مغادراً المصرف المركزي مع نهاية ولايته (الشرق الأوسط)
TT

لبنان: سلامة يواجه الملاحقات القضائية بلا حصانة

سلامة مغادراً المصرف المركزي مع نهاية ولايته (الشرق الأوسط)
سلامة مغادراً المصرف المركزي مع نهاية ولايته (الشرق الأوسط)

طوى رياض سلامة ثلاثة عقود تربّع خلالها على عرش حاكمية مصرف لبنان، وغادر تاركاً خلفه انهياراً مالياً ونقدياً غير مسبوق في تاريخه الحديث، غير أن خروجه سيفتح الباب أمام احتمال دخوله نفق الملاحقات القضائية التي تطارده في الداخل والخارج بعدد كبير من الدعاوى، وسيترك الكثير من التكهنات عن مصيره ومصير ثروته النقدية والعقارية بعد إلقاء الحجز الاحتياطي على ممتلكاته في لبنان وفرنسا ودول أوروبية أخرى.

ليست مجرّد صدفة أن يحدد قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، موعداً للاستجواب الثالث لسلامة بعد 48 ساعة فقط من انتهاء ولايته وتركه موقعه الرسمي الذي أمّن له ما يشبه الحصانة، حيث يمثل الأربعاء في 2 أغسطس (آب) أمام أبو سمرا لاستكمال استجوابه في ادعاء المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش ضدّه بجرائم «الاختلاس وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع» على أن يتخذ بعدها قاضي التحقيق خياراً من اثنين، إما تركه بسند إقامة أو إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه، علماً بأن الاحتمال الثاني غير وارد أو «لم يحن وقته بعد» وفق مصادر متابعة لمسار التحقيق، كما سيخضع للاستجواب في الموعد نفسه رجا سلامة شقيق الحاكم السابق ومساعدته ماريان الحويك المدعى عليهما في القضيّة نفسها.

وتترقّب الأوساط القضائية والسياسية ما ستؤول إليه جلسة الأربعاء، خصوصاً أن رياض سلامة فقد الحصانة التي جنّبته طيلة الأشهر الماضية تجرّع كأس التوقيف، لما لذلك من تداعيات على الوضع النقدي في البلاد، إلّا أن مصدراً قضائياً أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الملاحقات القائمة بحقّ سلامة حتى أثناء وجوده على رأس المصرف المركزي، لا تعني أنه كان يتمتع بحصانة وظيفية أو أن خروجه جرّده من الحصانة». واعتبر أن أي «إجراء عقابي ضدّ سلامة مثل إصدار مذكرة توقيف وهو بموقع المسؤولية سيترك انعكاسات سلبية على سوق القطع وصرف الدولار مقابل الليرة».

وكان مقرّبون من القاضي أبو سمرا، أشاعوا على أثر جلسة التحقيق الأخيرة التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي، أجواء تفيد بأن قاضي التحقيق «لن يذهب إلى توقيف سلامة والتسبب بخراب البلد، (في إشارة إلى انعكاسات التوقيف على استقرار الليرة الهش)، لكن بعد المغادرة تبقى كل الاحتمالات واردة». ودعا المصدر إلى ترقب القرار الذي سيُتخذ بعد جلسة الأربعاء، وإن كانت مسألة التوقيف مستبعدة أقلّه بالمدى القريب، مشيراً إلى أن القضاء «يدرك تماماً أن سلامة يتحمّل مسؤولية فيما آلت إليه الأزمة والانهيار الكبير، لكنه مقتنع بأن سلامة ليس وحده من أوصل البلد إلى الإفلاس، بل ثمة شركاء في السلطة السياسية لا إمكانية للقضاء أن يلاحقهم بفعل الحصانات السياسية التي يتمتعون بها».

بموازاة التحقيقات اللبنانية، تبدو تطورات الملفات القضائية الأوروبية العائدة للحاكم السابق مفتوحة على كلّ الاحتمالات، ويرجّح أن تتسارع وتيرتها في الأسابيع المقبلة، ولفت المصدر القضائي إلى أن «السلطات الفرنسية لم تسلّم لبنان طلب استرداد رياض سلامة بناء على مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرتها القاضي أود بوريزي بحقّه، والتي عممت عبر الإنتربول الدولي ونفذها لبنان». ورأى أن «القضاء الفرنسي غير مستعجل لإرسال هذا الطلب، لا سيما وأن بوريزي لم تنه تحقيقاتها بعد، وهي حددت موعداً لاستجواب رجا سلامة في 31 أغسطس الحالي».

ولم يحدد القضاء في بلجيكا ولوكسمبورغ ماهية الإجراءات التي سيتخذها في ضوء الاستجوابات التي شارك بها في بيروت، وتردد أن القضاء السويسري «يسعى للاطلاع على ما يتضمنه التحقيق اللبناني، والحصول على معلومات قد تكون متقاطعة أو متطابقة مع التحقيق السويسري». وأضاف المصدر القضائي أن «الألمان لم يسلموا لبنان طلب الاسترداد بعد أكثر من شهر على تنفيذ النشرة الحمراء واستجواب سلامة بناء على مذكرة التوقيف الألمانية». وأكد أن الفريق القضائي الألماني الذي ترأسه المدعية العامة في ميونيخ «لم يحصل حتى الآن على موافقة قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا للسماح له بمداهمة مصرف لبنان والحصول على مستندات تتعلّق بحسابات رياض سلامة ومقربين منه، خصوصاً أن أبو سمرا يحاول التنصّل من مسؤوليته في الردّ على الطلب الألماني، ويعتبر أن الموافقة عليه أو رفضه هي مسؤولية النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات وليس أي مرجع قضائي آخر».



«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
TT

«روما الرباعي»... زخم يتصاعد نحو هدنة في غزة

فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)
فلسطينيون يحملون جريحاً في مستشفى «شهداء الأقصى» في أعقاب غارة إسرائيلية بدير البلح (رويترز)

في مسعى جديد لإقرار هدنة ثانية في قطاع غزة، وإنهاء الحرب المستمرة منذ 10 أشهر، يلتقي الوسطاء (قطر ومصر والولايات المتحدة)، في اجتماع رباعي، الأحد، بروما بمشاركة إسرائيلية، وسط مخاوف من «تجدد العراقيل الإسرائيلية». وأعد لـ«اجتماع روما الرباعي» خبراء ضمن زخم يتصاعد وحراك مكثف في مسار المفاوضات يشي بإمكانية أن يكون هناك جديد في مستقبل مفاوضات الهدنة.

ويتوقع الخبراء أن يكون اجتماع روما «إجرائياً» ويناقش «الخلافات» التي من بينها كيفية عودة النازحين وفتح معبر رفح الحدودي؛ لتنفيذ المرحلة الأولى من الهدنة الممتدة إلى 42 يوماً، من بين 3 مراحل تضمنها مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن، في مايو (أيار) الماضي، لوقف إطلاق النار في غزة.

ويجتمع الأحد مسؤولون من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل في روما، في «إطار استمرار جهود الوسطاء للوصول لاتفاق هدنة بقطاع غزة»، حسب ما نقلت قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية عن مصدر مصري وصفته بـ«رفيع المستوى». ويبحث الوفد الأمني المصري تطورات مفاوضات الهدنة في قطاع غزة، وفق المصدر ذاته، الذي أكد تمسك مصر بضرورة الوصول لصيغة تحمل 4 بنود؛ هي: «وقف فوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وضمان حرية حركة المواطنين في القطاع، والانسحاب الكامل من منفذ رفح».

مشيعون يُصلّون على أشخاص قتلوا في غارة إسرائيلية في دير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

بلينكن والحراك المكثف

ذكر موقع «أكسيوس» الأميركي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن «اجتماع روما» سيكون بمشاركة مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، ورئيس المخابرات المصرية، عباس كامل، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ومدير الموساد، ديفيد بارنياع.

تلك التطورات تشي بـ«حراك مكثف» في طريق المفاوضات قد يؤدي إلى نتيجة، أو يعود إلى سلسلة جديدة من الجولات من دون الوصول لاتفاق، وسط استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وفق ما قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، لـ«الشرق الأوسط».

وقال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، السبت، خلال اجتماع رابطة «آسيان» في فينتيان، إن واشنطن «تعمل يومياً بشكل حثيث» للوصول إلى اتفاق هدنة، بعد مطالبة الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لواشنطن، تنفيذ الاتفاق في أقرب وقت ممكن ووقف الحرب، وذلك قبيل الإعلان عن عقد اجتماع بروما.

شكوك في النجاح

وإزاء توالي المواقف الأميركية الضاغطة بشكل أكبر، سواء من بايدن أو هاريس ثم اجتماع روما، يأمل الكثيرون أن يقود هذا الزخم الكبير، إلى اتفاق هدنة جديدة، شريطة أن تكون هناك رغبة إسرائيلية حقيقة في التوصل إلى اتفاق، وفق الخبير في العلاقات الدولية عمرو الشوبكي.

ولا يُتوقع أن يتضمن اجتماع روما «مفاوضات مفصلة حول الفجوات المتبقية، لكنه سيركز بشكل أساسي على الاستراتيجية للمضي قدمًا»، وفقاً لما نقله موقع «أكسيوس» عن مصدر مطلع. وقال المصدر «لم يكن المفاوضون الإسرائيليون متفائلين بأن الاجتماع في روما سيؤدي إلى انفراجة، وشككوا في أن ضغوط بايدن على نتنياهو قد أقنعته بتخفيف بعض مطالبه الصعبة الجديدة في الاقتراح الإسرائيلي المحدث»، في إشارة لما ذكره، الجمعة، مسؤول غربي ومصدر فلسطيني ومصدران مصريان لـ«رويترز» عن سعي إسرائيل إلى «إدخال تعديلات قد تعقّد التوصل إلى اتفاق».

وكانت أهم التعديلات، وفق حديث المصادر الأربعة، بند يتمثل في «مطالبة إسرائيلية بفحص النازحين الفلسطينيين لدى عودتهم إلى شمال القطاع، خشية أن يكون من بينهم مسلحون من حماس أو متعاطفون مع الحركة»، وهو ما ترفضه حماس. وبند آخر تمثل في «احتفاظ الجانب الإسرائيلي بالسيطرة على حدود غزة مع مصر»، وهو ما ترفضه القاهرة بوصفه «يتجاوز أي إطار لاتفاق نهائي ترضى به الأطراف».

فلسطينيون يجلسون بجوار مبنى دمره القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في وقت سابق (أ.ب)

الانسحاب الكامل من غزة

ونقلت «وكالة الأنباء الألمانية» عن مصدر قيادي فلسطيني لم تسمه، السبت، أن «حماس» لا تزال على موقفها بضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، بما فيه ممر نتساريم ومحور فيلادلفيا، وعدم قبول أي صيغة جديدة لا تتضمن نصاً واضحاً على وقف إطلاق النار.

وإذا لم يتجاوز اجتماع روما عقبات الحكومة الإسرائيلية وشروطها الجديدة، فإن عملية تفاوض ستكون صعبة جداً، وفق تقدير رخا أحمد حسن، متوقعاً ألا يتجاوب نتنياهو مع الموقف المصري - الذي سيضع مطالب القاهرة الـ4 على الطاولة في اجتماع روما - أملاً في إطالة أمد التفاوض لما بعد الانتخابات الأميركية الرئاسية، رغم أن إسرائيل حققت قدراً من أهدافها العسكرية، لكنها تريد المزيد على صعيد الجانب السياسي.

كما يتوقع أن يبحث اجتماع روما نقاط الخلاف في الاتفاق، مثل الانسحاب الإسرائيلي من داخل المدن، واستمرار إسرائيل في السيطرة على معبر رفح وتفتيش النازحين، ودور «حماس» بعد الحرب، بجانب نقاط فرعية مثل أعداد الأسرى.

نصب فلسطينيون خيماً بالقرب من الحدود المصرية بعد فرارهم من المعارك العنيفة في غزة (د.ب.أ)

ويعتقد عمرو الشوبكي أن «المطالب المصرية سوف تنفذ حال الوصول إلى اتفاق، كونها بعضا من كل، ودون ذلك سيماطل نتنياهو ويواصل كسب الوقت». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هذه المرة الزخم كبير» نحو إقرار هدنة في غزة، وبالتالي فرصة إبرام اتفاق وتحقيق انفراجة قائمة، لكن «نتعامل معها بحذر» في ضوء تكرر تلك المؤشرات مع مسارات تفاوضية سابقة دون الوصول إلى صفقة جادة وحقيقية.