انطلاق حوار عسكري بين الجزائر وموسكو

قائد أركان الجيش الجزائري يصل إلى روسيا غداً

رئيس مجلس الأمن الروسي مع رئيس أركان الجيش الجزائري بالجزائر في 27 فبراير 2023 (وزارة الدفاع الجزائرية)
رئيس مجلس الأمن الروسي مع رئيس أركان الجيش الجزائري بالجزائر في 27 فبراير 2023 (وزارة الدفاع الجزائرية)
TT

انطلاق حوار عسكري بين الجزائر وموسكو

رئيس مجلس الأمن الروسي مع رئيس أركان الجيش الجزائري بالجزائر في 27 فبراير 2023 (وزارة الدفاع الجزائرية)
رئيس مجلس الأمن الروسي مع رئيس أركان الجيش الجزائري بالجزائر في 27 فبراير 2023 (وزارة الدفاع الجزائرية)

يبحث رئيس أركان الجيش الجزائري، الفريق أول سعيد شنقريحة، بدءاً من الاثنين بموسكو، في «تعزيز التعاون بين الجيش الوطني الشعبي والقوات المسلحة الروسية»، وفق ما ذكر بيان لوزارة الدفاع الجزائرية. وتأتي الزيارة في سياق، تقارب كبير في المواقف حيال القضايا الدولية، بين البلدين، اتضح بشكل لافت عقب الاتفاقات التي أبرماها خلال زيارة الدولة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى روسيا، منتصف يونيو (حزيران) الماضي.

الرئيسان الروسي والجزائري في الكرملين يوم 17 يونيو 2023 (الرئاسة الجزائرية)

وذكر بيان وزارة الدفاع الجزائرية أن شنقريحة يزور روسيا بناءً على دعوة من وزير الدفاع الفريق أول سيرغي شويغو، من دون ذكر تفاصيل أخرى. وكان الرئيسان عبد المجيد تبون وفلاديمير بوتين، أكدا خلال لقاء جمعهما بموسكو في 17 يونيو الماضي، عزمهما على تعزيز العمل في مجال الصناعة والتكنولوجيا العسكرية، بما فيها توسيع الشراكات في نقل التكنولوجيا. وطلب تبون من الروس خبرتهم الفنية لإزالة الألغام المضادة للأفراد، بغرض التخلص من المتفجرات الموروثة عن فترة الاستعمار الفرنسي، وهي مزروعة بالحدود الشرقية مع تونس.

وتم ذلك في سياق التوقيع على اتفاقات تخص «الشراكة الاستراتيجية» بينهما، منها اتفاق للتعاون في استكشاف واستخدام الفضاء. كما أعلن الرئيسان عزمهما على زيادة التعاون في مجال استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات، ومعالجة النفط والغاز والبتروكيماويات.

وتأتي زيارة شنقريحة إلى موسكو، ضمن توجه جديد في العلاقات الثنائية، يخص إطلاق تعاون شامل بين حليفين تقليديين، يقيمان علاقات قوية منذ أيام الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة. وبين الجزائر وروسيا علاقات متينة في مجالات الدفاع والصناعة الحربية، علماً بأن الجيش الجزائري مجهز أساساً بالعتاد الحربي الروسي، ومعظم صفقات السلاح التي أبرمتها الجزائر، منذ استقلالها عام 1962، كانت مع روسيا. كما أن هناك برنامجاً للمناورات العسكرية بين الجيشين، يتم تنفيذه بانتظام كل عام.

نائب وزير الدفاع الروسي (وسط الصورة) خلال زيارته للجزائر في 30 أغسطس 2021 (وزارة الدفاع الجزائرية)

وشاركت القوات الخاصة الجزائرية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 في تدريبات عسكرية، بأوسيتيا الشمالية بمنطقة تارسكوي بروسيا؛ حيث جرَّب 200 عسكري روسي وجزائري معدات وتقنيات حديثة لمحاربة الإرهاب، بالمناطق الرعوية والجبلية. كما تم تجريب بنجاح، سلاح هجوم جديد، خلال تلك التدريبات، زيادة على التمرس على فنيات قتالية حديثة، وفي 27 فبراير (شباط) الماضي، زار سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، الجزائر، وعقد لقاءات مع شنقريحة وقادة القوات البرية والبحرية والجوية، وقائد سلاح الدرك وأبرز المديرين بقطاع الدفاع الجزائري.

وبحسب تقارير دولية، تعدّ الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، في حين تعد موسكو أول مزوّد للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق 50 في المائة. وقد أثار التعاون في المجال العسكري بينهما، قلقاً لدى دول غربية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية، في سياق الحرب الجارية في أوكرانيا. ففي سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، وجه 27 عضواً من الكونغرس رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، طالبوا من خلالها بإنزال عقوبات على الجزائر بسبب صفقات الأسلحة مع روسيا.

وتضمنت الرسالة «مخاوف من تنامي العلاقات الوثيقة بين الجزائر وروسيا»، بذريعة أن الجزائر وقعت عام 2021، صفقات أسلحة مع روسيا قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار، وأن من بينها بيعها طائرات مقاتلة متطورة من طراز «سوخوي Su-57»، التي لم تبعها روسيا لأي دولة أخرى، حسب أصحاب الرسالة.

قائد الجيش الجزائري في المؤتمر التاسع للأمن الدولي بموسكو يونيو 2021 (الدفاع الجزائري)

وذكرت وكالة «سبوتنيك» الروسية للأنباء، في تقرير العام الماضي، أن الجيش الجزائري، يمتلك قوة بشرية تقدر بـ465 ألف جندي، بينها 135 ألفاً قوات احتياطية، و200 ألف قوات شبه عسكرية، إضافة إلى 130 ألف جندي، يمثلون قوات عاملة. ولفتت إلى أن الجزائر «باتت أول مستورد للسلاح الروسي في العالم».

ووصفت «سبوتنيك» الجزائر بـ«حليف استراتيجي وشريك صديق لروسيا تربط بينهما علاقات تاريخية وطيدة منذ عقود، وهي تحاول اليوم تغيير وإصلاح الكثير من السياسات القديمة، التي كانت ذات توجه أوروبي واحد، وذلك بإعادة فتح مجالات عديدة للتقارب الدولي مع شركاء عدة، سواء من دول عربية في الخليج أو دول شرق آسيوية وحتى غربية».



تيتيه تتهم الزعماء الليبيين بـ«التقاعس» عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه تتهم الزعماء الليبيين بـ«التقاعس» عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية، وفي مقدمتها تنفيذ أولويات «خريطة الطريق»، التي تواجه «تحدياً كبيراً» لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات.

تيتيه اتهمت أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في ليبيا بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية (غيتي)

وكانت رئيسة «أنسميل» تقدم إحاطة، الجمعة، أمام أعضاء مجلس الأمن، أشارت فيها إلى مرور 4 أشهر على خريطة الطريق التي قدمتها في أغسطس (آب) الماضي. وأوضحت أن الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذها يمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أن الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تفض حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات»، علماً بأن المجلس الأعلى للدولة قدَّم أسماء إلى مجلس النواب لاختيار رئيس للجنة التنفيذية العليا.

ورأت تيتيه أن «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين، وتفاقم الانقسامات الداخلية بينهما، وعدم القدرة على تجاوز خلافاتهما، والاتفاق على سبيل لحل المأزق الحالي». وتحدَّثت في هذا السياق عن العراقيل التي تواجه تعديل الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات، ومنها أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حلّت وفدها إلى لجنة «6 + 6» عام 2023، ولم تعد تشكيل وفدها إلا أخيراً. وعبَّرت عن اعتقادها بأنه «من الضروري إنجاز هاتين المهمتين؛ لضمان إجراء انتخابات نزيهة».

من اجتماع سابق للمجلس الأعلى للدولة (المجلس)

وبخصوص الانتخابات المرتقبة، عرضت تيتيه للمواقف المتضاربة حول هذه القضية بين الزعماء الليبيين، وبينهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، مطالِبةً الأطراف السياسية الرئيسية بتيسير التوصُّل إلى اتفاق بشأن الإطار القانوني للانتخابات، «حتى تتمكَّن اللجنة الوطنية العليا للانتخابات من المضي في تحضيراتها اللازمة. وسنعمل أيضاً على تطوير آلية لمعالجة التغييرات في قوانين الانتخابات».

وفي معرض حديثها عن الحوار بين أفرقاء الأزمة الليبية، لفتت المبعوثة الأممية إلى أن «أنسميل» افتتحت أخيراً الحوار المنظم، وأوضحت أنه «أحد المكونات الأساسية الـ3 لخريطة الطريق»، داعية إلى «تقديم ترشيحات من مؤسسات سيادية رئيسية، ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، والأوساط الأكاديمية والمكونات الثقافية واللغوية»، مشيرة إلى هذا أن الحوار «يجمع طيفاً تمثيلياً من المجتمع الليبي مع 124 شخصية ليبية، تمثل المؤسسات المختلفة، ومجموعات أصحاب المصلحة». وهو «يهدف إلى تحديد المبادئ التوجيهية لبناء الدولة، وصياغة توصيات سياسية وتشريعية في مجالات الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية».

وبخصوص الوضع الاقتصادي في ليبيا، تطرَّقت تيتيه إلى ما سمَّته «التشرذم المالي المستمر»؛ مما يؤدي إلى «تقويض الاستقرار الاقتصادي والدينار الليبي، وإضعاف تقديم الخدمات، وتآكل ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة». وأبدت استعداد «أنسميل» لدعم المؤسسات الليبية في «تنسيق وتعزيز هيكل الرقابة والتنظيم المتشرذم في البلاد».

أما بخصوص الوضع الأمني، فقد لاحظت تيتيه أنه «بعد الاتفاق على الترتيبات الأمنية الجديدة في طرابلس، استقر الوضع الأمني ​​في العاصمة إلى حدٍ ما». وأشارت إلى أن «الهدنة لا تزال سارية»، مؤكدة أن «الوضع في طرابلس وغرب ليبيا لا يزال هشاً مع اندلاع اشتباكات مسلحة متفرقة في مناطق جنوب طرابلس وغيرها». وحضّت الجهات الفاعلة المعنية على «العمل معاً لتنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها، والمضي في الإصلاحات اللازمة لتحقيق الاستقرار».

من جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)

وفيما يتعلق بتنفيذ قرارات مجلس الأمن حول تمديد ولاية البعثة، طبقاً للقرار 2796، لفتت تيتيه إلى أن البعثة «شكَّلت فريق عمل داخلياً لتنفيذ القرارات والتوصيات، لكن بشكل تدريجي نظراً لمحدودية الموارد». وقالت بهذا الخصوص إن التوصيات التي يمكن تنفيذها تشمل زيادة وجود البعثة في شرق ليبيا، وإنشاء قسم اقتصادي متخصص في «أنسميل»، التي تعتزم توسيع وجودها في سبها عام 2027 إذا سمحت الموارد بذلك.

وشدَّدت على أنه «لا ينبغي أن تُعرقَل العملية السياسية بسبب تقاعس أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين، الذين يحافظون على الوضع الراهن، سواء عن قصد أو غير قصد».


ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
TT

ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)
محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

بلغة واضحة لا تخلو من حدة، وعقب زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة، أصدرت الرئاسة المصرية بياناً حول الحرب السودانية، تضمن 3 نقاط وصفتها بالخطوط الحمراء، وقالت إنها لن تسمح بتجاوزها أو التهاون بشأنها، لأنها تمس الأمن القومي المصري المرتبط بالأمن القومي السوداني مباشرةً. وجاءت الإشارة إلى تفعيل «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين تلويحاً بإمكانية إلقاء مصر بثقلها العسكري والسياسي والدبلوماسي لصالح الجيش السوداني.

اتفاقية الدفاع المشترك

في مارس (آذار) من عام 2021، وقّعت مصر «اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان»، تغطي «مجالات التدريب، وتأمين الحدود، ومواجهة التهديدات المشتركة»، وسبقها «اتفاق للدفاع المشترك» وقّعه البلدان في عام 1976 في عهد حكم الرئيسين السوداني جعفر نميري، والمصري أنور السادات، ونصت المادتان الأولى والثانية على أن أي اعتداء على طرف يعد اعتداء على الآخر، وعلى التشاور الفوري الذي يتضمن استخدام القوة المسلحة لرد العدوان، وعلى التزام الطرفين بتنسيق سياساتهما الدفاعية والعسكرية في المسائل المتعلقة بأمن البلدين القومي.

النميري ضابطاً في القاهرة قبل توليه الرئاسة بـ15 عاماً (أ.ف.ب)

وبعد سقوط نظام جعفر النميري بالثورة الشعبية في 1985، أبلغ رئيس الوزراء وقتها الصادق المهدي القيادة المصرية رغبته في إلغاء «اتفاقية الدفاع المشترك» بين البلدين، وبدلاً عنها تم توقيع ما عُرف بـ«ميثاق الإخاء» في 1987، لم ينص صراحة على إلغاء اتفاقية 1976، لكن لم يتم الحديث عنها أو تحريك «آلياتها» منذ ذلك الوقت.

رسائل إقليمية ودولية

اعتبر الكاتب الصحافي السوداني، رئيس تحرير صحيفة «التيار»، عثمان ميرغني، التصريحات المصرية، رسائل إقليمية ودولية في سياق التطورات الأخيرة المرتبطة بمهددات أمنية خطيرة على السودان، مشيراً إلى «تمدد (قوات الدعم السريع) في إقليمي دارفور وكردفان بصورة تهدد الأمن القومي السوداني المصري المشترك، مع وجود مخاطر انقسام جغرافي يهدد وحدة السودان».

ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن مصر لأول مرة تستخدم لغةً مباشرةً وخشنةً، وتلوح بإمكانية تدخلها وفق القانون الدولي في أحداث السودان، وأضاف: «هذا يعبر عن مستوى القلق المصري من الوضع في السودان». وأشار ميرغني إلى إمكانية «التدخل المباشر» تحت ذريعة القانون الدولي وفقاً لما جاء في بيان الرئاسة المصرية، وقال إن «الخطوط الحمراء رسالة موجهة للجميع، فاللاعبون المؤثرون في المشهد السوداني كثر».

الخطوط الحمراء

أول الخطوط الحمراء التي ذكرتها القاهرة، هي الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم العبث بمقدراته ومقدرات الشعب السوداني، وعدم السماح بانفصال أي جزء من أراضي السودان، وجددت رفضها القاطع إنشاء أي كيانات موازية أو الاعتراف بها باعتبار أن ذلك يمس وحدة السودان وسلامة أراضيه.

وشددت مصر وفقاً للبيان على الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية ومنع المساس بها، مؤكدةً على حقها الكامل في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات اللازمة التي يكفلها القانون الدولي، من بينها تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين الشقيقين لضمان عدم المساس بهذه الخطوط الحمراء أو تجاوزها.

وزير الخارجية السوداني السابق على يوسف أشار إلى توقيت زيارة البرهان إلى القاهرة، وقال إنه جاءت عقب زيارته الاثنين الماضي إلى المملكة العربية السعودية، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، وتأتي في إطار جهود إنهاء الحرب في السودان عبر الآلية الرباعية التي تضم السعودية والإمارات ومصر وأميركا، وأوضح يوسف لـ«الشرق الأوسط»، أن البرهان أطلع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مخرجات زيارته إلى السعودية، وآخر التطورات في السودان.

وقال إن الزيارة لا تشبه مراسم الزيارات العادية، وجاءت نتيجةً لتطورات الحرب السودانية، لأن أمن مصر مرتبطٌ ارتباطاً عضوياً بأمن السودان، ونبه إلى أن مصر جزءٌ من الآلية الرباعية التي تسعي لإنهاء الحرب التي اقتربت من عامها الثالث.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

الخبير العسكري السوداني، المعتصم عبد القادر، قال إن تفعيل الاتفاقية المشتركة بين السودان ومصر يعني أن يكون هناك تدخل مصري، بأشكال مختلفة، يمكن أن يشمل توفير الأسلحة والذخائر أو التدخل المباشر، وحسب بنود الاتفاقية التي تنص على أن على جيشي الدولتين الدفاع عن الأخرى، وأضاف: «الخطوط التي جاءت في بيان الرئاسة المصرية خطوة متقدمة، وتعني الكثير للدولة السودانية». ووصف عبد القادر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، حماية البلدين لبعضها البعض، بأنها «مسألة تاريخية ممتدة منذ الحروب التي حدثت في مصر في القرن الماضي، وشاركت فيها القوات المسلحة السودانية».

رأي «الدعم السريع»

قال مستشار قائد «قوات الدعم السريع»، الباشا طبيق، في تصريحات على صفحته بمنصة «إكس»، إن موقف مصر الوارد في البيان «يُعد تدخلاً سافراً، وانحيازاً لطرف معين، وتعاملاً استعمارياً، ينظر إلى السودان بوصفه حديقة خلفية لها». مصدر آخر موال لـ«الدعم السريع» قال إن الاتهامات لمصر بدعم الجيش لم تتوقف يوماً منذ بدايات الحرب، وأشار إلى وجود قوات مصرية في قاعدة مروي الجوية بشمال البلاد في بدايات الحرب، حين تم أسر بعض الجنود والضباط المصريين، ثم تسليمهم إلى القاهرة لاحقاً.

وأشار المصدر أيضاً إلى اتهام قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، الجيش المصري، بـ«شن ضربات جوية على قواته»، وإمداد الجيش السوداني بطائرات مسيرة وتدريبه. وأن حميدتي جدد اتهاماته في يونيو (حزيران) الماضي بدعم القاهرة للجيش السوداني وتزويده بطائرات يقودها طيارون مصريون قصفت مناطق سيطرة قواته، وتزويد الجيش بأسلحة ووقود طائرات، معتبراً ذلك «عدواناً سافراً على الشعب السوداني». ويقول المصدر، الذي طلب حجب هويته، إن مصر تتدخل في الحرب في السودان من الأساس، وتفعيل اتفاقية «الدفاع المشترك» ما هو إلا تحصيل حاصل.

ترف الوقت

السفير السوداني الصادق المقلي قال إن مصر تعمل مع السعودية والمجموعة الرباعية الدولية، بإيعاز وتنسيق مع الولايات المتحدة، لإعطاء دفعة قوية لموضوع السودان، وأضاف: «أميركا تستخدم الآن القوة الناعمة بدلاً عن العصا، التي هي خيار مؤجل لحين استنفاد المساعي المكوكية التي يقوم بها كبير مستشاري الرئيس الأميركي مسعد بولس في المنطقة».

وأوضح المقلي في إفادته لـ«الشرق الأوسط»، أن واشنطن تعلم تماماً تأثير كل من السعودية ومصر، وقدرتهما على إقناع وتليين موقف الحكومة السودانية الرافض للمبادرة الأميركية الأخيرة.

وقال إن البرهان لا يملك في الوقت الحالي «ترف الوقت»، فما يجري في السودان هو أسوأ كارثة إنسانية بحسب وصف المجتمع الدولي لها، وأضاف: «الملاحظ أن مصر في شخص وزير خارجيتها بدر عبد العاطي شبه تفرغ لإنجاح (الرباعية)، باعتبار أن استمرار الوضع الراهن في السودان يهدد أمنها القومي».

ووصف السفير المقلي زيارتي البرهان لكل من الرياض والقاهرة بـ«الأمتار القصيرة» التي على البرهان قطعها للاقتناع بمبادرة «الرباعية»، وتابع: «زيارة السعودية أحدثت نقلة نوعية في الموقف الرسمي للحكومة السودانية، وأعربت بعدها الخارجية عن حرص بورتسودان على التعاون مع الرئيس دونالد ترمب ووزير خارجيته ومستشاره بولس، وجهودهم لتحقيق السلام في السودان»، وتوقع مستجدات وشيكة لحل الأزمة السودانية قد تحدث اختراقاً كبيراً.


ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
TT

ترمب يعطي إشارة تعزز فرص زيارة السيسي للولايات المتحدة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة (أرشيفية - الرئاسة المصرية)

رحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب باستقبال نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في الولايات المتحدة، وسط تسريبات إسرائيلية - أميركية عن «زيارة محتملة قد تأتي بالتزامن مع أخرى مماثلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لواشنطن».

ذلك الترحيب يعد تمهيداً لزيارة مرتقبة للرئيس المصري لواشنطن، وفق تقديرات خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «أمر إعلان التوقيت من عدمه يخص الرئاسة المصرية»، وشددوا على أن «العلاقات المصرية - الأميركية استراتيجية، وأي زيارة ستعزز اتفاق غزة، وستكون على أولويات لقاء للرئيسين المنتظر بواشنطن».

وقال ترمب، الخميس، إن السيسي «صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً»، وذلك رداً على سؤال عما إذا كان الرئيس المصري يعتزم زيارة الولايات المتحدة. وجاءت تصريحات ترمب بالتزامن مع حديث وسائل إعلام إسرائيلية عن زيارة محتملة للرئيس المصري إلى واشنطن، الشهر الحالي؛ لإجراء محادثات مع نظيره الأميركي تتضمّن مجموعة من القضايا الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك العلاقات بين مصر وإسرائيل في أعقاب الحرب على غزة، وقضية «سد النهضة» الإثيوبي، بينما لم تعلق الرئاسة المصرية بعد على تساؤلات من «الشرق الأوسط» بشأن تلك الأنباء.

رئيس «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابي، يرى أن إعلان الزيارة المرتقبة أمر يخص الرئاسة المصرية، لكن يبقى حديث الرئيس الأميركي دليلاً على تقدير لمصر ورئيسها وتأثيرها في المنطقة.

وبرأي عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية، السفير محمد حجازي، فإن حديث ترمب «يعبر عن تقديره للرئيس السيسي وجهوده لاحتواء التصعيد في المنطقة، وطرح الرؤى البناءة بعد استضافة شرم الشيخ المصرية واحدة من أهم قمم السلام في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي»، مرجحاً إتمام زيارة مرتقبة للرئيس السيسي إلى الولايات المتحدة لكن ليس في ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

مراسم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة في شرم الشيخ المصرية أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

وتزامن حديث ترمب أيضاً، مع إعلان مصدر إسرائيلي لشبكة «سي إن إن»، الخميس، أن إعلان بنيامين نتنياهو بشأن صفقة الغاز «جزء من جهود تمهيدية لعقد اجتماع محتمل بالولايات المتحدة بين نتنياهو والسيسي».

بينما رد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، ضياء رشوان، مساء الخميس، على ما يثار بشأن احتمال عقد قمة بين الرئيس السيسي ونتنياهو، قائلاً: «هذا شيء وهذا شيء، ما يتردد ليس هناك شيء رسمي بشأنه، والرئيس السيسي سيكون حريصاً على اتخاذ ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة».

ويأتي الحديث الأخير عن زيارة محتملة للسيسي إلى واشنطن بعد شهرين من التوصُّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بغزة في 13 أكتوبر الماضي، بموجب اتفاق توسَّطت فيه مصر، واستضافت القائمين عليه في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر. وبدأت العلاقات المصرية - الأميركية مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في صيف 2014، تأخذ منحى إيجابياً لم يخلُ أيضاً من تباينات، وذلك في 4 فترات رئاسية شملت باراك أوباما، ثم الفترة الأولى لدونالد ترمب، ثم جو بايدن، وأخيراً الفترة الثانية من ترمب.

وأُثيرت أنباء في فبراير (شباط) 2025 عن زيارة للسيسي للقاء ترمب، قبل أن يتم الحديث بوسائل إعلام آنذاك، عن تأجيل الزيارة لأجل غير مسمى على خلفية تباينات مصرية أميركية بشأن ملف تهجير الفلسطينيين لمصر والأردن الذي طرحه الرئيس الأميركي آنذاك. قبل أن تعود العلاقات المصرية - الأميركية بقوة وتقود واشنطن والقاهرة مؤتمر شرم الشيخ للسلام الذي انتهي باعتماد خطة ترمب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

ويرى العرابي أن العلاقات المصرية - الأميركية استراتيجية، وأن هناك تعويلاً مصرياً على دور ترمب بشأن قضايا المنطقة لا سيما في غزة بوصفه حاسماً، متوقعاً أن تسهم جهود مصر مع واشنطن في أن يتم الدفع باتفاق غزة حتى تنفيذه كاملاً. وأكد حجازي أن الرئيس السيسي في أي زيارة مرتقبة للولايات المتحدة سيكون تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن واستقرار غزة أبرز الملفات.