لماذا ندعم الفن؟... هل هو مهم حقاً؟


المرأة في لوحة فنية لتغريد البقشي عام 2007
المرأة في لوحة فنية لتغريد البقشي عام 2007
TT

لماذا ندعم الفن؟... هل هو مهم حقاً؟


المرأة في لوحة فنية لتغريد البقشي عام 2007
المرأة في لوحة فنية لتغريد البقشي عام 2007

في البدء كان الفن لغة اتصال وتعبير، قبل أن يعرّف فناً؛ حيث ظهرت الرسومات والأشكال التعبيرية على جدران الكهوف وفوق سطوح الصخور، قبل اختراع الكتابة بآلاف السنين؛ إذ ظهر الشكل الأول من الكتابة لدى السومريين في العراق منذ ما يقرب من 5500 عام. بينما كانت أقدم رسوم من صنع الإنسان تم اكتشافها في كهف بجنوب أفريقيا، وتعود لما يقارب سبعين ألف سنة. فكان فن الرسم وسيلة للتعبير والتوثيق ونقل المعرفة، قبل أن يُكوّن البشر لغة مشتركة مكتوبة. ومع ظهور الكتابة لاحقاً، استمرت ممارسة الفن والرسم كحرفة، تدل على الرفاهية؛ حيث يرمز الفن إلى المستوى الاقتصادي والطبقة الاجتماعية لمن يقتنيه، فمنذ العصور القديمة كان الفن واجهة اجتماعية تدل على الثراء. وينطبق ذلك على شتى أشكال الفنون التطبيقية، مثل تزيين المباني، والأبواب، والجدران؛ فالمباني هنا بما تحويه من عناصر فنية مميزة تعد رمزاً يدل على الرفاهية والغنى.

من آثار قرية الفاو... جزء من جدارية تصور برجاً

الفن بوصفه وثيقة تاريخية

والفن كذلك شكلٌ من أشكال المعرفة والوجود الإنساني، إضافة لكونه لغة اتصال، فمن خلاله يمكن معرفة مدى التطور الذي وصلت إليه الحضارات المختلفة؛ حيث يقدم توثيقاً للأحداث السياسية والتاريخية والاجتماعية، ومن ذلك توثيق شكل الحياة ونمط العمارة والأزياء، إضافة لكونه شاهداً على الحوادث والأحداث التاريخية. وهذا النوع من المعرفة الفنية قد يكون غائباً أو هامشياً في العلوم التاريخية والاجتماعية؛ فالفن يعكس الحضارة ويعبر عنها، وهو الوسيلة التي يمكن من خلالها معرفة مدى التطور والرفاهية التي وصلت إليها الحضارات السابقة. وكمثال على ذلك، فمن خلال الآثار الفنية التي وجدت في قرية الفاو الأثرية -عاصمة مملكة كندة وأحد الممالك العربية القديمة في نجد التي تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد – تمكن الباحثون والمؤرخون من معرفة حضارة تلك المملكة وثرائها وتطورها، وما كان لهذه المعرفة أن تنتقل إلينا لولا الفنون والآثار التي وجدت فيها.

والفن بذلك يمثل مصدراً من مصادر المعرفة الاجتماعية، وهذا يعني أنه توجد أشياء معينة في المجتمع يمكن للفن أن يخبرنا عنها. فمثلاً من خلال تأمل مجموعة من الأعمال الفنية للفنانة السعودية تغريد البقشي في بداية الألفية الثانية، تلاحظ آثار السمات الاجتماعية في تلك الفترة، والاختلاف الكبير في التعبير عن التجمعات الإنسانية عن الحاضر؛ إذ كانت تلك الأعمال تُبرز تجمعات خاصة بالمرأة في أماكن مغلقة ودون حضور للرجل، بالإضافة للتجريد ومحاولة التحديد باللون الأسود، في حين أن تجاربها الفنية المعاصرة تتميز بظهور المرأة في أماكن مفتوحة خارج المنزل بمظهر أكثر حرية، وبألوان أكثر حيوية. ورغم بساطة هذا الموضوع، إلا أنه يقدم إسقاطاً على التغيرات المجتمعية التي مرّ بها المجتمع السعودي، وتأثير هذه التغيرات على مظاهر وطبيعة الحياة اليومية.

قوة الفن الناعمة

إضافة لما سبق، يُعد الفن عبر التاريخ أحد أشكال القوى الناعمة، ونجد ذلك بشكل واضح في الفنون السينمائية والأدائية. فمن خلال سينما هوليوود، تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من ترويج «الحلم الأميركي» للعالم وتسويقه، والتأكيد على أهميتها كدولة عظمى. ومن خلال المسلسلات التركية التي بدأت بالرّواج في البلدان العربية في مطلع القرن الحادي والعشرين، تم الترويج لتركيا سياحياً، واقتصادياً. ونرى ذلك بشكل واضح من خلال الزيادة الكبيرة للسياح الخليجيين في تركيا.

وعبر التاريخ، نجد كثيراً من الأدوار للفن بوصفه قوة ناعمة من خلال عدة أمثلة، فالقائد الفرنسي نابليون بونابارت -على سبيل المثال- استخدم التصوير التشكيلي كنوع من الدعاية السريعة لذاته وسياسته؛ حيث نجد كثيراً من الأعمال الفنية التي تصور معاركه وانتصاراته، رغم هزائمه المتعددة؛ لكن التعبير عنه وتناوله فنياً، كان سبباً في شهرته وخلود ذكره تاريخياً.

وفي وقتنا المعاصر، نشاهد الفن كمثال لتمرير الرسائل الاجتماعية والسياسية، مثل فنون الغرافيتي لدى الفنان الشهير بانكسي، أو فن الأرض والفن البيئي الذي استخدمه الفنانون للتعبير عن قضايا البيئة. إضافة لاستخدامه من قبل بعض الدول للتعريف بتراثها وثقافتها للعالم، مثل فرنسا التي استخدمت الفنون لتعزيز صورتها العالمية، وجعل عاصمتها باريس عاصمة للثقافة والفن والأزياء، الأمر الذي حقق لها مكانة ثقافية متميزة في العالم، إضافة للمكاسب الاقتصادية.

البعد الاقتصادي للفن

وأهمية الفن من الناحية الاقتصادية تظهر في عدة جوانب، وأكثرها وضوحاً استخدامه كوسيلة للجذب السياحي، ويلاحظ ذلك في المدن التي تحتضن أهم الأعمال الفنية العالمية؛ حيث ينتعش اقتصاد هذه المدن وأعمالها المحلية، مثل فنادقها ومطاعمها ومرافقها المتنوعة من خلال السياحة الفنية. إضافة لذلك فانتعاش الفن وما يرتبط به من دوائر محيطة يرفع نسب العمل في هذا المجال، من خلال عمليات بيع وشراء وتسويق الأعمال الفنية، ومحال المستلزمات الفنية والإطارات والمعارض المختلفة.

كما لا يمكن إغفال تأثير وجود الأعمال الفنية على قيمة المكان الذي تعرض فيه، سواء أكان ذلك داخلياً أم خارجياً. فوجود الأعمال الفنية المعروفة وذات القيمة المرتفعة وكونها جاذبة للجمهور، يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في هذه الأماكن، سواء كانت أماكن داخلية في الفنادق والمحال وغيرها، أو خارجية كالشوارع والميادين المفتوحة.

الفن ليس فقط ما سبق، فالحديث عن أهميته يتجاوز الأسباب التي ذكرت، إلا أن البحث عن أهمية الفن وترسيخه مهم حتى يتلقى الفن الدعم الذي يحتاجه، لذلك قبل المطالبة بدعم الفن، لا بد من أن نجيب عن: لماذا ندعمه؟

* دكتوراه في النقد الفني



عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «البيدوفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي