الحسكة: عطش وحرّ وتدهور معيشي غير مسبوق

المشافي الحكومية تستقبل شهرياً 1300 حالة إسعاف لشربهم مياهاً ملوثة

TT

الحسكة: عطش وحرّ وتدهور معيشي غير مسبوق

ينتظرون تحت الصهريج أن يتم ملؤه للتزود منه (الشرق الأوسط)
ينتظرون تحت الصهريج أن يتم ملؤه للتزود منه (الشرق الأوسط)

لا تزال أزمة نقص المياه بمحافظة الحسكة، شمال شرقي سوريا، مستمرة مع ارتفاع درجات الحرارة التي وصلت إلى 47 درجة مئوية، فاقمها انقطاع التيار الكهربائي وسط تدهور الوضع المعيشي بشكل غير مسبوق، وانخفاض الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي بعد تجاوزها عتبة 13 ألف ليرة.

ونقل أهالي أحياء الغويران والنشوة الشرقية التي زارتها «الشرق الأوسط»، حاجتهم إلى المياه النظيفة وسط ارتفاع درجات الحرارة. وعلى الرغم من أن سكان الحسكة معتادون على حرارة فصل الصيف، فإن موجات الحر المستمرة هذا العام وصلت إلى حد أقصاه، تاركةً الأهالي يكافحون في التعامل مع الحرارة الزائدة في ظل ندرة المياه والكهرباء لتشغيل المكيفات والتبريد من لهيب الشمس الحارقة.

هاجر تروي معاناة حي الغويران مع الماء (الشرق الأوسط)

تقول هاجر، البالغة من العمر 40 عاماً، وهي من سكان حي الغويران الواقع شرق المدينة، إن أهل الحسكة يشعرون بالعطش. «نحن 30 منزلاً في الحي ونتقاسم 8 براميل فقط مقدمة من المنظمات لتكون حصة كل عائلة أقل من نصف برميل من المياه النظيفة»، قالت هاجر التي كانت ترتدي أثناء حديثها ثوباً أسود وغطاء رأس متعدد الألوان، وهو اللباس المحلي المتعارف عليه بين نساء المنطقة. وذكرت كيف أنهم يعانون الأمرين بسبب هذه الأوضاع، وعلى الرغم من المعاناة التي يعيشونها منذ سنوات والتحديات الحالية ترتسم ابتسامة على وجهها لتقول: «تصدق حتى لو نعبي كمية قليلة من المياه النظيفة نفرح كثيراً، فهذه الفرحة تعادل فتح الحنفية سابقاً ونشرب مياها نظيفة».

التزود بالماء من أحد الخزانات المشتركة (الشرق الأوسط)

وأوضحت أن هذه المأساة تبدأ من تعبئة المياه إلى نقل البراميل لمنزلها، فتوزيع الأواني المخصصة للمياه النظيفة، حيث إن هناك أواني مخصصة للشرب فقط وأخرى تستخدم في غسل الصحون وتستعمل للاستحمام وتشغيل المكيفات التي تعمل على المياه إذا كانت خدمة الكهرباء متوفرة. وأضافت هاجر: «الجو حار جداً ونعاني من ساعات الصباح الباكر حتى مغيب الشمس إذا لم نتمكن من إعادة ملء الخزان». ويواجه مليون نسمة من أهالي الحسكة وقاطني المخيمات المنتشرة في هذه المحافظة، وضعاً كارثياً بسبب انقطاع مياه محطة آبار العلوك، بعد سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية نهاية 2019 على تلك المنطقة. وتعد المحطة المصدر الرئيسي لتغذية الحسكة وريفها وثلاثة مخيمات لمهجري مدينة رأس العين أو «سري كانيه» بحسب تسميتها الكردية. أما عبود المتحدر من حي الغويران، الذي يعمل سائق دراجة نارية لتحصيل قوت يومه، فكان يحمل قالب بوز لتبريد المياه وسط ارتفاع معدلات الحرارة لدرجات قياسية. قال إنه يحمل يومياً علبة المياه ويجول بها من خزان لآخر ومن شارع لآخر. «يومياً أخرج لعملي وأنا أحمل علبة المياه، أبقى مشغولاً بتعبئتها وتحصيل ربطة الخبز وشراء قالب بوز، كل اليوم أبقى أركض من دون جدوى، فالحياة بالحسكة باتت معدومة».

بائع الثلج (الشرق الأوسط)

وربط هذا الرجل انقطاع المياه بسياسة تركيا المعادية لسكان المنطقة، حيث وصف ممارساتها بـ«المحتلة»، مؤكداً أنه يشتري قالب البوز الواحد بمبلغ 14 ألف ليرة، (تعادل دولاراً و70 سنتاً). وقال: «الحرارة المستمرة وصلت هذا العام لحد لا يطاق، من دون كهرباء ومياه يكافح الناس بمفردهم كيفية التعامل مع درجات الحرارة الزائدة». وتشكو منظمات إنسانية دولية ومحلية تعمل في المنطقة على توزيع المياه النظيفة، من أن بدائل ضخ المياه من محطة مياه العلوك غير كافية، حيث تقوم هذه الجهات بتوزيع المياه الصالحة للشرب عبر الصهاريج بشكل متقطع، لكنها تستغرق وقتاً طويلاً حتى تصل إلى الشرائح الأكثر حاجة. وذكرت حليمة (33 سنة) التي تسكن في حي النشوة الشرقية وتقع بالجهة الجنوبية من المدينة، أنهم في كثير من الأحيان يُحرمون من تعبئة المياه التي توزعها بعض المنظمات والجهات الإنسانية، وتعزو السبب إلى «الازدحام الكبير من قبل الأهالي على الخزانات، يقفون قبلها بساعات لتعبئة 20 لتراً أو 30 لتراً، وكثير من الأحيان لا يحالفهم الحظ». وتجبر هذه السيدة كحال الكثير من سكان هذه المناطق المحرومة من المياه النظيفة لاستخدام المياه المالحة المرة رغم التحذيرات الطبية بعدم شربها. وإذ شددت على أنهم يُجبرون على استعمال المياه الملوثة، قالت: «أطفالنا يشربون منها من شدة العطش لكننا لا نعلم مصدرها وأضرارها، أطفال وشيوخ ونساء الجميع يلهثون خلف قطرة مياه حلوة، حالتنا حالة بكل أسف». وأعلنت «الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا» عبر بيان مطلع الشهر الحالي أن مدينة الحسكة وضواحيها «مناطق منكوبة» جراء انقطاع مياه الشرب. وقالت في بيان منشور على موقعها الرسمي: «الحسكة وتل تمر وقراهما ومخيما (واشو كاني) و(سري كانيه) مناطق منكوبة تكاد تنعدم الحياة فيها إلا بصعوبة بالغة»، متهمةً كلاً من تركيا وروسيا والحكومة السورية على حدٍّ سواء بالوقوف وراء ذلك لمحاربة «الإدارة الذاتية» وشعوب المنطقة لـ«خنق شعبنا ووأد تجربته الديمقراطية دونما شعور بمدى فداحة هذه الجريمة». وأثناء التجول في شوارع حي النشوة الشرقية، كانت سيدة تدعى سهام وعمرها في بداية عقدها الخامس، تجلس بجانب علب فارغة للمياه على قارعة الطريق، تنتظر صهاريج المياه التي توزعها منظمة محلية. نقلت أن الجيران في الحي «يشربون المياه المرة وتكون غالباً ممزوجة بمياه الصرف الصحي، فالوضع صادم للغاية مع ارتفاع درجات الحرارة لمعدلات قياسية، أطفالنا يصابون بالإسهال الشديد واليرقان وضربات الشمس». أما الخزانات التي تبيع المياه النظيفة، فتباع كمية ألف لتر بمبلغ 20 ألف ليرة سورية (تعادل دولاراً و70 سنتاً). وأكدت سهام أن هذه الكميات «بالكاد تكفي حاجة العائلة لمدة 3 أيام نظراً للاستهلاك الكبير للمياه في فصل الصيف. هذه حلول لا تكفي نحن بحاجة لحلول جذرية». وذكرت مديرية صحة الحسكة الحكومية أن القطع المستمر لمياه محطة علوك أسفر عن ظهور أمراض والتهابات معوية. وكشف مدير الصحة عيسى الخلف في تصريحات صحافية أن المشافي الحكومية تستقبل شهرياً أكثر من 1300 حالة إسعاف معظمهم يكونون من الأطفال، «المشافي الحكومية وسط المدينة تستقبل شهرياً نحو 1350 حالة إسعاف من الالتهابات المعوية الحادة، معظمها عند الأطفال جراء قطع تركيا لمياه الشرب عن مدينة الحسكة والتجمعات السكانية التابعة لها». وأشار الخلف إلى أن الكثير من الأهالي يلجأون إلى مياه غير موثوقة المصدر سواء للشرب أو للاستعمال المنزلي، الأمر الذي سبّب تفاقم عدد كبير من الأمراض والالتهابات المنتشرة هذه الأيام بين سكان المدينة.


مقالات ذات صلة

الهند: عام 2024 كان الأعلى حرارة منذ 1901

يوميات الشرق موظف في مدينة ميامي يوزع زجاجات المياه على المشردين لمساعدتهم على التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة (أ.ب)

الهند: عام 2024 كان الأعلى حرارة منذ 1901

أعلنت إدارة الأرصاد الجوية الهندية، الأربعاء، أن عام 2024 كان الأكثر حرّاً منذ سنة 1901، في ظل ظروف الطقس الحادة التي يشهدها العالم.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي رجل يُمسك بيد الرضيعة سيلا التي قتلها البرد في مستشفى ناصر بخان يونس الأربعاء (أ.ف.ب) play-circle 01:19

وفاة خامس رضيع فلسطيني بسبب البرد في قطاع غزة

أفادت مصادر طبية فلسطينية بوفاة رضيع في قطاع غزة، اليوم (الأحد)؛ بسبب البرد وانخفاض درجات الحرارة، وهو الرضيع الخامس، الذي يلاقي حتفه من البرد خلال أقل أسبوع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
بيئة تغير المناخ جعل ارتفاع درجات الحرارة أكثر ترجيحاً بمختلف أنحاء العالم (رويترز)

تغيّر المناخ أضاف 41 يوماً من الحرارة الخطيرة بمختلف أنحاء العالم عام 2024

ذكرت مجموعة من العلماء أن البشر في جميع أنحاء العالم عانوا من متوسط 41 يوماً إضافياً من الحرارة الخطيرة، هذا العام؛ بسبب تغير المناخ الناجم عن الإنسان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا أشخاص يسيرون في أحد الشوارع خلال موجة حر في العاصمة التونسية تونس 11 أغسطس 2021 (رويترز)

صيف تونس الماضي سجّل رابع أشد حرارة في البلاد منذ عام 1950

سجّل صيف 2024 في تونس رابع أشد حرارة صيف عرفته البلاد منذ عام 1950. وبلغ متوسط الحرارة في صيف هذا العام 29.5 درجة بفارق 1.5 درجة عن المتوسط العادي.

«الشرق الأوسط» (تونس)

نداء أممي لجمع 370 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الحرب في لبنان

نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)
نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

نداء أممي لجمع 370 مليون دولار لمساعدة المتضررين من الحرب في لبنان

نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)
نازحون لبنانيون من قرى حدودية مع إسرائيل في إحدى مدارس مدينة صور (أرشيفية - الشرق الأوسط)

أطلقت الأمم المتّحدة والحكومة اللبنانية، الثلاثا،ء نداء جديدا لجمع تبرّعات بقيمة 371.4 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكّان المتضرّرين في لبنان من النزاع الأخير بين إسرائيل و«حزب الله».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) تمّ إطلاق نداء أوّل لجمع 426 مليون دولار لمساعدة النازحين من الحرب التي دارت بين الدولة العبرية والحزب الشيعي في لبنان، وقد تمّت تلبيته بمقدار 250 مليون دولار، وفقا للأمم المتّحدة. والثلاثاء، قال عمران رضا، منسّق الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية في لبنان إنّه «على الرّغم من أنّ وقف الأعمال العدائية يبعث ببارقة أمل، إلا أنّ أكثر من 125 ألف شخص ما زالوا نازحين، ومئات آلاف آخرين يواجهون تحدّيات هائلة في إعادة بناء حياتهم».

وأضاف في بيان أنّه في ظلّ هذه الظروف هناك حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 371.4 مليون دولار «لدعم الجهود المبذولة لإنقاذ الأرواح ومنع تدهور الوضع المروّع أصلا».

ويهدف هذا النداء بشكل أساسي إلى توفير مساعدة لغاية مارس (آذار) لمليون لاجئ ونازح لبناني وسوري وفلسطيني هم من الأكثر تضررا من الأزمة الإنسانية. وفي سبتمبر (أيلول)، كثّفت إسرائيل قصفها على لبنان وشنّت هجوما برّيا محدودا وذلك بعد ما يقرب من عام من المعارك عبر الحدود مع «حزب الله».

ومنذ دخول وقف إطلاق النار بين الطرفين حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، تمكّن أكثر من 800 ألف شخص نزحوا في لبنان بسبب النزاع من العودة إلى ديارهم، وفقا للأمم المتّحدة.