بدأ العد التنازلي لأولمبياد باريس، المزمع انطلاقها في شهر يوليو (تموز) من عام 2024. لم يبق سوى سنة واحدة لتحضير كل شيء، بما في ذلك حل ملفات ساخنة مرتبطة بالاضطرابات الاجتماعية، وتسوية الأوضاع الداخلية، فضلاً عن حل ملف المماطلة حول مشاركة الروس، وتهديدات قضائية بحق اللجنة المنظّمة، وغيرها. وسط هذه التوترات والقلق، تدخل برنارد أرنو، أغنى رجل في فرنسا وصاحب مجموعة «إل في ام اش» المالكة لعدة شركات، لكي يُنفِس هذا التوتر ويبُث الأمل في نفوس الفرنسيين. فقد أعلن يوم الاثنين رعاية مجموعته التي تنضوي تحت أجنحتها 75 شركة، نسبة عالية منها تعنى بشؤون الترف، الحدث الرياضي الذي لم تشهد له فرنسا مثلاً منذ وقت طويل.
طمأن الفرنسيين أن بيوت أزياء ومجوهرات مهمة ستنخرط في هذا المشروع.
ورغم أن علاقة الموضة بالرياضة ليست جديدة، بدليل رعاية شركات ساعات عالمية وشركات إكسسوارات لفعاليات رياضية كبيرة منذ عقود طويلة، إلا أن مشروع السيد أرنو ستكون له أهمية كبيرة بالنسبة لفرنسا، نظراً لما تمر به من اضطرابات في مجالات كثيرة.
في مؤتمر صحفي أقامه مرفوقاً بأبنائه ومسؤولين في منظمة الأولمبياد، أعلن برنار أرنو الخبر على أنه «تاريخي» ستشارك فيه بيوت كثيرة تنضوي تحت جناحي المجموعة، منها «ديور» و«برلوتي» و«لوي فويتون» و«شوميه». كل واحدة ستساهم فيه بطريقتها، بدءاً من تصميم وتوفير أزياء وإكسسوارات للرياضيين إلى تصميم الميداليات التي ستتكفل بإنتاجها دار «شوميه» للمجوهرات. ورغم أنه لم يفصح عن الرقم الذي ستدفعه المجموعة، فإن التكهنات تشير إلى أنه ليس أقل من 150 مليون يورو.
اللافت أن المجموعة بدأت استعداداتها لدخول ميادين رياضية منذ فترة. مثلاً تعاقدت «لوي فويتون» مؤخراً مع لاعب التنس كارلوس ألكاراز، البالغ من العمر 20 عاماً، ليكون سفيراً لها قبل أسابيع فقط من فوزه بكأس ويمبلدون. تعاقدت أيضاً مع السباح الفرنسي ليون مارشان، الذي حطم الرقم القياسي لسباحة 400 متر. وقبل هذا، ومنذ عام تقريباً، عقدت علامة «بيرلوتي» شراكة مع «الفورميلا وان» فريق ألباين، فيما عقدت «ديور أوم» علاقة مع باريس سان جيرمان لكرة القدم.
في الكلمة التي ألقاها بهذه المناسبة، قال أرنو: «ألعاب الأولمبياد مثالية مثل باريس لما تحققه من إنجازات غير مسبوقة. فباريس تُلهمنا دائماً بجمالها وتدفعنا للبحث عن الجمال في أبهى حلته».
ابنه الأكبر أنطوان أرنو يحاول تحقيق هذه الرؤية منذ توليه عام 2018 منصب رئيس قسم التواصل في المجموعة.
فنجاح الأولمبياد لن ينعكس بالإيجاب على فرنسا وحدها، بل أيضاً على المجموعة، لا سيما وأنها تحاول أن ترفع شعار «براند فرنسا»، من خلال دعم حرفييها وبناء متاحف مفتوحة للعامة، وأيضاً بإقامة عروض ضخمة في قلب باريس، مثل العرض الأول الذي قدمه ويليامز فاريل لـ«لوي فويتون» على جسر «نوف» (بون نوف) على نهر السين، إضافة إلى الحملة الترويجية للدار نفسها، التي اختارت تصويرها بالقرب من قوس النصر لتعزيز صورة باريس عالمياً.
إعلان برنار أرنو الخبر في «لوغران باليه» على خلفية برج إيفل، لم يأت هو الآخر من فراغ لما له من دلالات تاريخية وثقافية لا تخفي على أحد، وهذا هو عز الطلب. فالمجموعة تحاول منذ فترة تجميل صورتها بتبنيها فعاليات ثقافية وفنية من شأنها أن تعود بالنفع على الجانب الاجتماعي أيضاً، بعد أن كان يُنظر إليها أنها نخبوية. تريد الآن ترسيخ صورة لمجموعة مسؤولة تفيد كما تستفيد. بيد أنه بالرغم من ولاءاته الوطنية ودعمه لكل ما هو فرنسي، يبقى برنار أرنو رجل أعمال من الطراز الأول. فهو يعرف تماماً أن الرياضة مشروع ناجح بالنظر إلى جماهيريته العالمية وما يثيره من مشاعر وعواطف، وهو ما تعتمد عليه صناعة الترف عموماً.