تشبه مسرحية «غمض عين فتّح عين» فيلماً سينمائياً يترك أثره داخل مشاهده بشكل أكبر عندما يغادر الصالة وليس أثناء مشاهدته للعمل فقط. وبطلاها فؤاد يمين وسينتيا كرم يسرقان وهج الخشبة منذ اللحظة الأولى. فتتأمل أداءهما وكأنهما لوحات تشكيلية بحيث تغيب عنك تفاصيل أخرى من العمل. والتصفيق الكثيف من الجمهور للممثلين على خشبة مسرح مونو، يجعلك تُدرك أن كل هذا قد لا يكفي للتعبير عن مدى إعجابك بموهبة يمين وكرم الفذة.
يسكن البطلان ذاكرتك البصرية عندما تعود إلى منزلك. تبتسم، وتحاول التفتيش عن كلمات استخدماها لتبادر فيها شريكك. تصمت لبرهة وتردد تلقائياً كلمة «برافو». فتغمرك فكرة إعادة الكرّة ومشاهدة المسرحية مرة ثانية.
وبدورين يترنحان بين الصبا والجمال والتقدم بالسن والـ«ختيرة»، يأخذنا هذا الثنائي في رحلة عمر. عمرٌ يدور في فلك حكايا صغيرة لقصة حب تكلّلت بالزواج وبطيب العشرة.
تشبه قصتهما قصص متزوجين كثر عاشوا العمر المديد معاً إلى حد انصهار شخصياتهما. فصارا يشعران بأن الشريك حاجة وسند وعادة، ويتمنيان لو أنهما لا يتخلصان منها رغم سيئاتها.
العمل من تأليف وإخراج كريم شبلي وسارة عبدو، اللذين يرسمان الابتسامة على ثغرك منذ لحظة تسلمك بطاقة دخول المسرح. كتبا عليها اسم المسرحية بأحرف سوداء قاتمة. وغطاها بورق الاستشفاف بحيث تصبح غير واضحة «مغبشة».
وعلى بعد خطوات قليلة من باب صالة المسرح تتساءل عن سبب وجود كرسي حمام هناك. ويأتيك الجواب عندما تفتح الستارة وتبدأ أحداث المسرحية. فديكوراتها بسيطة ولكنها حميمة، تشير إلى العلاقة الزوجية في بيت واحد دافئ تغيب عنه عناصر البهرجة وخالٍ حتى من قطع الأثاث المفروض مصادفتها في أي منزل عادي. ولكنك لا تهتم لكل ذلك بسبب نص محبوك تستطيع وصفه بالسهل الممتنع، وبأداء بطلين محترفين.
حوارات قصيرة تدور بين بطلي العمل فؤاد يمين وسينتيا كرم، تذكرك وهما يتحدثان بمشهدية زواج مرت عليه الرياح الخمسينية ولكنها لم تذبله. رجل كهل وامرأة عجوز بماذا يمكن أن يتحدثا؟ وما هي طبيعة همومهما واهتماماتهما؟
يخبرناك بها بالتقسيط وبأسلوب قريب من القلب، فيدخلانك إلى حياتهما المجبولة بالعاطفة. هكذا يصبح الحب بعد مرور عقود متتالية عليه، فيدلانك عليه بحركاتهما وحديثهما وكيفية تعاطيهما مع بعضهما. الشجار يحضر وكذلك الملامة وسخرية الواحد من الآخر. مواسم من عمر زواج طويل تقطف منها ما ترغب به في خيالك.
ولا تغيب عن هذه القصة العائلة والابن والاتصالات الهاتفية وصوت الجارة؛ ولكنك تدركها جميعها وقد تسمعها ولكنك لا تراها على الخشبة. فمخرجا العمل قدّما المسرحية بنبض شبابي أرسى بثقله على قصة عجوزين. فاستعارا مشهدية ثلاثية الأبعاد كي لا يقع الجمهور في فخ الملل.
وضمن ثلاثة أقسام تدور المسرحية بين واقع الشباب والكهولة وخيالهما. وتستمتع بمشاهدة ممثلين ينتقلان بمراحل عمر متفاوتة جداً وهما يقفان أمامك. فبعد أن تتعرف عليهما زوجين عجوزين يتلاسنان ويتعاتبان، ينتصبان فجأة أمامك بحيث ترتدي عايدة الـ«ميني جيب» ويصبح إبراهيم صاحب العضلات المفتولة.
ويمر النص على كل شاردة وواردة يمكن أن تلوّن حياة زوجية. من الحَمل وولادة الابن بعد طول انتظار، ويطل على أفكار الشك والخيانة، وكذلك على خيبات حياة أحدثها انفصال الابن عنهما بسبب الهجرة.
نحو 75 دقيقة يقضيها مشاهد المسرحية ضمن اسكتشات تبعث إلى الضحكة والابتسامة. ولكنها من ناحية أخرى تترك عندك حالات مؤثرة عرف كل من كرم ويمين كيف يحفرانها في ذهنك. فتخرج أصوات الحضور المفعمة بجرعات الكوميديا لتمتزج بدموع التأثر. وينجح فريق العمل في تسديد الهدف النهائي في شباك جمهور لم يتوقع هذه النهاية. وتعيدنا سينتيا كرم إلى نقطة البداية للمسرحية. ونرى شريط حياتها يمر من جديد أمامنا كهلة عجوز تمسك بالـ«مبخرة» وتدور في أرجاء المنزل تحاكي الشريك الغائب الحاضر.