مسلحون يختطفون 18 عاملاً تركيًا في مدينة الصدر ببغداد

ائتلاف النجيفي يحذر من موجة اختطاف جديدة ضد السنة في بغداد

مشروع الملعب في مدينة الصدر ببغداد الذي اختطف مسلحون 18 عاملا تركيا يعملون فيه صباح أمس (إ.ب.أ)
مشروع الملعب في مدينة الصدر ببغداد الذي اختطف مسلحون 18 عاملا تركيا يعملون فيه صباح أمس (إ.ب.أ)
TT

مسلحون يختطفون 18 عاملاً تركيًا في مدينة الصدر ببغداد

مشروع الملعب في مدينة الصدر ببغداد الذي اختطف مسلحون 18 عاملا تركيا يعملون فيه صباح أمس (إ.ب.أ)
مشروع الملعب في مدينة الصدر ببغداد الذي اختطف مسلحون 18 عاملا تركيا يعملون فيه صباح أمس (إ.ب.أ)

أقدم مسلحون أمس على خطف 18 موظفا وعاملا تركيا من موقع بناء ملعب لكرة القدم في شرق بغداد، في عملية لم يتضح منفذوها أو دوافعهم. وهذه هي المرة الثالثة يتعرض فيها مواطنون أتراك للخطف في العراق خلال الأشهر الـ18 الأخيرة. وفي حين كانت عمليتا الخطف السابقتان في مناطق يسيطر عليها تنظيم داعش، وقعت عملية أمس في منطقة تتمتع فيها الفصائل الشيعية المسلحة الموالية للحكومة، بنفوذ واسع.
وقال ضابط في الشرطة العراقية برتبة عقيد لوكالة الصحافة الفرنسية إن مسلحين مجهولين يرتدون ملابس سوداء ويستقلون شاحنات صغيرة من نوع «بيك أب»، قاموا صباح أمس بخطف العمال الأتراك من موقع لبناء ملعب لكرة القدم تتولاه شركة تركية، في حي الحبيبية بمدينة الصدر في شمال بغداد.
وأكد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتلموش للصحافيين أن «18 من مواطنينا خطفوا في بغداد ونحن على تعاون وثيق مع السلطات في هذا الشأن»، معربا عن أمله بانتهاء القضية «بشكل إيجابي».
وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيتش في تصريحات نقلتها وكالة أنباء الأناضول التركية: «أبلغنا بأن العمال الأتراك فصلوا عن الذين يحملون جنسيات أخرى عند الخطف واستهدفوا بالتحديد». وأشار إلى أن المخطوفين هم 14 عاملا وثلاثة مهندسين ومحاسب، يعملون لصالح مجموعة نورول التركية التي تتولى بناء الملعب. وأكدت المجموعة أنها لم تتلق أي طلب فدية. وقال مسؤول فيها فضل عدم كشف اسمه «لم نتلق أي طلب بأي شكل».
وتعد عملية الخطف التي وقعت في ساعة مبكرة من صباح أمس، الثالثة التي يتعرض لها مواطنون أتراك في العراق خلال عام ونصف العام. فقد خطف 46 تركيا من قنصلية بلادهم في مدينة الموصل (شمال) في يونيو (حزيران) 2014. بعيد سيطرة تنظيم داعش على المدينة. كما تعرض 30 سائق شاحنة تركيا على الأقل للخطف خلال الفترة نفسها. وأفرج عن جميع المخطوفين بعد أشهر من ذلك.
ولجأت بغداد بشكل مكثف إلى الفصائل المسلحة لدعم قواتها في المعارك، بعد انهيار الكثير من قطعات الجيش والشرطة في وجه هجوم العام الماضي. إلا أن تزايد نفوذ الفصائل يثير حفيظة أطراف عدة منها واشنطن ومنظمات حقوقية دولية تتهم بعض هذه الفصائل بالتورط في عمليات خطف وسرقة وأخرى ذات طبيعية مذهبية، والبقاء دون محاسبة.
بدورها، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن قيامها بتشكيل لجنة من قيادة عمليات بغداد لمعرفة ملابسات حادثة الاختطاف. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن، في بيان إن «عمليات الخطف تحدث في أرقى دول العالم التي تتميز بمنظومة أمنية عالية الدقة، وليس الأمر مختصا بالعراق، لكن مع ذلك، فنحن ماضون في التحقيق والمعلومات التي يتم التوصل لها هي من ستكشف تفاصيل هذه القضية، وسيتم الإعلان عنها حال انتهاء التحقيق».
في سياق متصل، حذر ائتلاف متحدون للإصلاح الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي من وجود حالات اختطاف لشخصيات وشباب «من مكونٍ واحد»، في إشارة إلى المكون السني، في العاصمة بغداد. وقال بيان صادر عن الائتلاف إن «تقدم الدول والمجتمعات يقاس بمقدار ما توفره من حريات وحماية لمواطنيها، ويكون القانون المرجع في أي إجراء». وأضاف البيان أنه «للأسف الشديد ما زالت الاعتداءات التي تنال من كرامة الإنسان وحريته حاضرة في المشهد العراقي، وما زالت كارثة الاختطاف على الهوية التي تستهدف مكونا بعينه ماثلة بطريقة تجرح الأمن وتصيبه في أساسياته». وأشار البيان إلى أن «العاصمة بغداد شهدت قضايا خطف تركزت عَلى شيوخ لهم حضورهم المشهود، وعلى شخصيات وشباب من مكون واحد، ما يدل على أنها عمليات إجرامية ممنهجة، وتقف وراءها إرادات لا تريد لهذا البلد أن يستقر»، مؤكدة أنها «تتم في وضح النهار دون خوف أو وجل من ملاحقة قانونية أو خشية من قوى الأمن المكلفة بالحفاظ على أمن المجتمع».
وأوضح ائتلاف متحدون في بيانه أنه «في الوقت الذي يدين ويستنكر فيه هذه الأعمال الإجرامية، يحمل الحكومة والأجهزة الأمنية مسؤولية هذه الانتهاكات، ويطالب بشدة بالكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة، وضرب العصابات والميليشيات التي استمرأت هذا الفعل المشين شرعا وقانونا». وفي هذا السياق أكد عصام العبيدي القيادي في ائتلاف متحدون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الحالات معروفة وتجري أحيانا أمام أنظار الأجهزة الأمنية التي لا تستطيع فعل شيء الأمر الذي يعني أن من يقوم بذلك ليس عصابة من عصابات الجريمة المنظمة بل هو تابع لجهات معروفة تنتمي في العادة إلى الفصائل المسلحة التي تمكنت من أن تتوغل في أجهزة الدولة وصار لها حضور وأحيانا صفات رسمية سواء في استخدام سيارات الدولة وباجاتها وهوياتها وبالتالي فإن الأجهزة الرسمية التي تتولى الحمايات في الظاهر لا تستطيع ردع هؤلاء بل حتى مساءلتهم حين يمرون بالشوارع وفي أي مكان يذهبون إليه».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».