عثمان سونكو... «رمز التغيير» في السنغال

«مُلهم الشباب» قد يفقد فرصة المنافسة على الرئاسة بسبب حكم قضائي

عثمان سونكو... «رمز التغيير» 
في 
السنغال
TT

عثمان سونكو... «رمز التغيير» في السنغال

عثمان سونكو... «رمز التغيير» 
في 
السنغال

ربما كان الرئيس السنغالي ماكي سال وحده في «الكادر» حين أعلن سابقاً هذا الأسبوع أنه لن يترشح لولاية رئاسية ثالثة، إلا أن السنغال كلها والمتابعين لشؤونها في العالم كانوا يرون ويعلمون أن شخصاً آخر كان خلف الصورة. ذلك الشخص هو المعارض البارز عثمان سونكو الذي عادة ما يوصف بـ«ملهم الشباب» في الدولة المعتاد اقترانها بالديمقراطية والاستقرار السياسي مقارنة بمحيطها الأفريقي الدائم الاضطراب. إعلان سال، الذي يتولى السلطة منذ 2012، ربما كان مفاجئاً لكثيرين، لأن كل التطورات كانت تشير إلى رغبته في الاستمرار في السلطة. بيد أن صورة أخرى كانت في خلفية المشهد يملؤها الملايين من أنصار سونكو من الشباب الغاضب المستعد للتضحية بحياته كي لا يحدث ذلك الترشح الذي كان محتملاً، وكي يترشح زعيمهم في الانتخابات المقبلة. هذا الجيل الجديد يرى في سونكو «الزعيم المخلص» و«الرجل النظيف» الذي تدبر له المكائد من النظام على قدم وساق، لأنه وفقاً لوجهة نظرهم «بطلهم» المحارب للفساد والفقر والتهميش المستشري في البلاد.

تُعرَف السنغال بكونها نموذجاً للاستقرار والتداول السلمي للسلطة في أفريقيا طيلة 60 سنة أعقبت استقلالها. إذ نادراً ما شهدت البلاد نزاعات، ما ساهم في تحقيق استقرار دستوري وسياسي واقتصادي. لكن الأمر تغيّر منذ إجراء الانتخابات التشريعية في يوليو (تموز) 2022، حين بدأت الأوساط السياسية في السنغال تناقش سباق الانتخابات الرئاسية المقرر عام 2024، وذلك بعدما تسربت شائعات عن نية الرئيس ماكي سال الترشح لولاية ثالثة. وفي إثره، أعلن سونكو نيته الترشح للرئاسة.

الواقع أن سونكو استبق خطاب الرئيس الأخير بالدعوة إلى مزيد من المظاهرات في جميع أنحاء السنغال في حال أعلن سال عزمه على الترشح. ولكن في الشهر الماضي، حكم على سونكو بالسجن لسنتين بتهمة «إفساد الشباب»، وهو حكم يرجَّح أن يفقده فرصة خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الحكم القضائي أثار اضطرابات

أدى هذا الحكم القضائي إلى اضطرابات ومسيرات شعبية، كانت الأخطر في تاريخ السنغال، إذ سقط فيها 16 قتيلاً، وفق التقارير الحكومية، و24 حسب منظمة العفو الدولية، و30 وفق المعارضة.

من هنا يُطرح السؤال؛ من هو عثمان سونكو، الذي كشف صعوده الوجه الآخر لطبيعة نظام السنغال السياسي الذي أصبح استقراره محل شكوك وتساؤلات بالنسبة للمواطنين، وأيضاً بالنسبة للعالم الذي يشاهد حراكاً غير مسبوق في البلاد؟

النشأة والبيئة

ولد عثمان سونكو يوم 15 يوليو (تموز) 1974 في مدينة تييس، التي تبعد حوالي 70 كيلومتراً عن العاصمة داكار. وأمضى سنوات من طفولته في منطقة سيبيكوتاني (45 كيلومتراً شرق العاصمة)، حيث كان والده موظفاً في الدوائر الحكومية. وهو ينتمي إلى طبقة اجتماعية بسيطة، وتلقى بدايات تعليمه في مدارس سنغالية مختلفة، قبل أن يستقر في إقليم كازامانس، بأقصى جنوب البلاد، حيث حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1993.

بعد ذلك، انتقل سونكو إلى جامعة غاستون بيرجيه في مدينة سان لوي، شمال غربي السنغال، وتخرّج فيها بشهادة الميتريز (4 سنوات بعد الثانوية العامة) في القانون العام 1999. وفي السنة ذاتها، شارك في مسابقة دخول «المدرسة الوطنية للإدارة»، وأحرز المرتبة الأولى على مستوى البلاد، وتخرّج فيها عام 2001 بوظيفة مفتش في المالية والضرائب.

وفي العام 2003، حصل على شهادة الدراسات المعمّقة في المالية العامة والضرائب من جامعة الشيخ أنتا جوب في العاصمة داكار، كما نال فيها أيضاً الماجستير في الإدارة العامة والمالية من المعهد العالي للمالية. ومن ثم، تابع التحضير لشهادة الدكتوراه في القانون الاقتصادي والضرائب من جامعة جان مولان - ليون الثالثة في فرنسا.

ينتمي سونكو عرقياً إلى قومية الجولا (الديولا)، وهم أحد شعبي إقليم كازامانس، الذي تفصله شمالاً عن الأراضي السنغالية جمهورية غامبيا. ويعرف عن هذا الإقليم أنه ذو نزعة انفصالية، وقد تبنّى حركيوه العمل المسلح ضد الحكومات السنغالية المتعاقبة، منذ ثمانينات القرن الماضي. هذا الإقليم الواقع بين غامبيا شمالاً وغينيا بيساو جنوباً، كان يعد من أثرى الأقاليم السنغالية، قبل أن يتعرض – وفقاً لبعض الخبراء والمحللين - للإهمال والتهميش له بعد الاستقلال. ويحظى سونكو بشعبية واسعة في هذا الإقليم، وإن كان عاش أغلب مراحل حياته في تييس وسان لوي، حيث يلقى فيهما أيضاً دعماً من المعارضة السياسية للأنظمة المتعاقبة.

التهميش بلوَر توجهاته

المحلّل السنغالي عبد الأحد أمبينغ قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن نشأة سونكو في بيئة مهمشة ومعارضة أسهمت في تكوين ذهنيته وتوجهاته السياسية وسعيه للتغيير الجذري. وأردف أن تلك الذهنية «لم تعش التهميش فحسب، بل تعودت على رؤية محاولات لمواجهته... ولهذا دأب سونكو على المواجهة بشجاعة من دون خوف، لكن عبر القنوات السياسية والديمقراطية المشروعة... ما أكسبه (كاريزما) حقيقية تجذب الفقراء والمهمشين والشباب الطامح بطبيعته للتغيير والمواجهة».

بدايات التجربة السياسية

باكراً، أثناء دراسته الجامعية انخرط عثمان سونكو في العمل النقابي والسياسي، حيث نشط في «جمعية التلاميذ والطلاب المسلمين». وبعدها، بدأ اهتمامه بالشأن العام يظهر عندما أسس «اتحاداً مستقلاً للوكلاء الضريبيين» عام 2005، وهو موقع أهّله للكشف عن كثير من التجاوزات المالية وسوء الإدارة في السنغال.

وبعد سنوات من العمل في الوظيفة العمومية وتأسيس نقابة للوكلاء الضريبيين والماليين، وتسليط الضوء على الفساد المالي على مستوى الضرائب وتنفيذ الميزانية، أسّس سونكو حزب «الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة» المعروف اختصاراً بـ«باستيف». وخلال فترة وجيزة صار الحزب قبلة أنظار الكفاءات الشابة في عموم السنغال. ثم إنه ضم في هيئاته القيادية وجوهاً جديدة على ممارسة السياسة، كما أصبح ملاذاً وقِبلة للناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي.

غير أن تأسيس سونكو لحزب «باستيف»، وتركيز خطابه على فساد الحكومة في القضايا المالية، وانتقاده الدؤوب للبرلمانيين وأجهزة الدولة، كانت أموراً جعلت منه خصماً للسلطة ومصدر إحراج لرموز النظام، فقرّر الرئيس ماكي سال تجريده من الوظيفة بتهمة «انتهاك حقّ التحفظ».

بعد قرار التجريد من الوظيفة، قرّر سونكو خوض الانتخابات التشريعية على رأس قائمة لحزبه. وحقاً فاز ودخل البرلمان بعد انتخابات 2017، التي شهدت فوز الحزب الحاكم، ولكن بغالبية ضئيلة جداً، وفي عملية انتخابية ادّعت قوى المعارضة أنها «كانت الفائزة فيها، إلا أن النتائج الرسمية تعرّضت للتزوير».

أول تحدٍ رئاسي

ولاحقاً، يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2018 تقدّم عثمان سونكو بملف ترشحه لانتخابات الرئاسة 2019. وخاض المعركة، إلا أنه حل ثالثاً خلف الرئيس ماكي سال، والسياسي إدريس سك، حاصلاً على نسبة 15.67 في المائة من أصوات الناخبين السنغاليين.

من الناحية العملية، يعتبر سونكو الآن زعيماً للمعارضة السنغالية، وذلك في أعقاب تعيين المعارض السابق إدريس سك رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي. وبالتالي، صار جزءاً من النظام الحاكم.

وعودة إلى ما سبق التلميح إليه، يعتقد محمد الأمين ولد الداه، الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «النشاط السياسي المبكر في مرحلة الجامعة ساهم في تكوين شعبية سونكو الكبيرة في جيله والجيل الذي تلاه، كما أن الوظيفة التي شغلها وأهّلته للاطلاع على تفاصيل الفساد، ثم شجاعته في كشفه وكشف المتورطين فيه، ولفته نظر الشعب الذي يعاني من خطره، كلها كانت عوامل حاسمة في جمع الناس حوله وحول مبادئه وشعاراته، إضافة إلى عاملي البلاغة والكاريزما الشخصية التي يتمتع بها بشكل فطري».

الطموح لبلوغ القمة

بعد احتلال سونكو المرتبة الثالثة في انتخابات 2019، بدأ بإصرار مرحلة التحضير لانتخابات 2024 التي أعلن عن نيته خوضها، وذلك بدعم من تحالف «أنقذوا الشعب» (يوي أسكاي وي) الذي يضم شخصيات وازنة من المعارضة مثل عمدة داكار السابق خليفة سال. وبالفعل، اتهم سونكو الرئيس الحالي السنغالي ماكي سال بالسعي لتغيير الدستور من أجل ضمان ولاية رئاسية ثالثة.

وهكذا، في محاولة لوقف ترشّح سال المحتمل لولاية ثالثة، حشدت المعارضة السنغالية، في وقت سابق من العام الحالي، أكثر من 120 حزباً وجماعة سياسية ومنظمة مجتمع مدني، ووقّع الكل ميثاق حركة «إف 24» ضد الترشح المحتمل، وكان سونكو من أبرز خصوم الرئيس الذين حضروا إطلاق التحالف.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الدستور السنغالي ينص على أنه «لا يمكن لأحد أن يخدم أكثر من فترتين متتاليتين»، لكن ماكي سال يعتبر أن هذا النص لا ينطبق عليه، بحجة أنه خدم ولايته الأولى قبل التعديل الدستوري.

معارك قضائية

على صعيد آخر، تعود بداية المعارك القضائية الحالية التي يواجهها عثمان سونكو إلى يوم 3 مارس (آذار) 2021، حين مثل أمام المحكمة في العاصمة داكار بتهمة الاغتصاب. إذ كانت عاملة في أحد صالونات التدليك الصحي قد رفعت شكوى ضده، لكنه نفى كل التهم الموجهة إليه، واعتبرها وأنصاره مؤامرة كيدية هدفها منعه من الترشح للرئاسة وتشويه سمعته والنيل من مكانته. وتزامناً مع محاكمته، خرجت مظاهرات حاشدة من أنصاره في داكار وبعض المدن السنغالية، سقط فيها عدد من القتلى والجرحى.

ويرى عبد الأحد أمبينغ أن الإصرار الحالي على استبعاد سونكو من سباق الرئاسة، حتى لو خلا ذلك السباق من الرئيس سال، أو كان ذلك عبر أحكام قضائية، سيقابل بالرفض من قاعدة شعبية ضخمة للغاية من أنصار سونكو. بل سيكون بمثابة لغم قد يفجر أي عملية انتخابية، وتهديد دائم للسلم والأمن الاجتماعي.

وأضاف المحلل السنغالي أن الشباب المتديّن والقيادات الدينية الكبرى ذات النفوذ في البلاد تؤيد ما يعتبرونه «نهج سونكو الإصلاحي الهادف للتخلص من الفساد والإرث الاستعماري المتراكم في أجهزة الدولة ونظامها».

من جانبه، يؤكد الأمين ولد الداه أن «مشروع سونكو لا يهدف فقط إلى تولي المناصب وتغيير القيادات، بل هو مشروع ثوري اجتماعي عميق، صارت قطاعات كبيرة ومختلفة الأفكار والتوجهات تتبناه وتتعاطف معه. لذلك، لن تفلح معه المقاربات الأمنية، لأن الشباب أنصار سونكو متحمسون ومخلصون للمشروع بصدق، ولديهم دائماً استعداد للمواجهة والتضحية. ويعتقد ولد الداه أن ما يحدث الآن في المشهد السنغالي «ثمرة عمل متراكم من سونكو وأنصاره من أسفل إلى أعلى على مستوى المجتمع السنغالي كله، ولاقى هذا الجهد القبول والإيمان، في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية سيئة، في ظل نظام سال».

يُعتبَر سونكو الآن زعيماً للمعارضة السنغالية،

وذلك في أعقاب تعيين المعارض السابق

إدريس سك رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي

يُعتبر سونكو الآن زعيما للمعارضة السنغالية وذلك في أعقاب تعيين المعارض السابق إدريس سك رئيساً للمجلس الاقتصادي الاجتماعي

السنغال... «نموذج أفريقي» بارز في التحوّل الديمقراطي

في دراسة للباحث محمد سالم ولد محمد، المهتم والمتخصص بالشأن السنغالي، تحت عنوان «الديمقراطية السنغالية... أزمة سونكو وأسئلة الثورة الكامنة والمأمورية الثالثة»، يرى ولد محمد أن ما حدث مع عثمان سونكو يظهر أن السنغال، التي عادة ما يروّج لها كواحة للديمقراطية في القارة، تعيش «أزمات كامنة كانت تنتظر الفتيل للاشتعال».

الباحث يوضح أن سونكو يعتمد في خطابه نهجاً ثورياً يلقى القبول الشعبي بشعاراته البراقة، كما يعتمد خطابه على «التشخيص الحاد لأزمات السنغال». ثم يضيف: «عمد سونكو إلى استخدام لغة نقدية حماسية في انتقاد الفساد والتبعية للغرب، وهو ما يلقى قبولاً لدى القطاعات الشبابية من العاطلين وطلاب الجامعات وشباب المهجر، الذين يركز سونكو في خطابه الموجه إليهم على قضايا التعليم والتشغيل، والحريات العامة».

عبده ضيوف

ولد محمد يلحظ أيضاً أن خطاب سونكو يتأثر كذلك بـ«مسحة دينية» جعلته مقرّباً من التيارات الدينية السلفية. وفضلاً عن ذلك، «يُظهر سونكو ارتباطاً بالطريقة المريدية ذات النفوذ الكبير في البلاد، من خلال علاقته الوثيقة بالمرجع الروحي للطريقة خليفة خدي إمباكي، ما كوّن لدى سونكو قاعدة كبيرة من الأنصار المتدينين من توجهات مختلفة».

من جانب آخر، بين العوامل التي رصدتها الدراسة التي عرضت لأسباب صعود سونكو، كان «التفرّد بالساحة المعارِضة»، وذلك «بعد الأحكام القضائية التي جرّدت السياسيين، خليفة سال وكريم واد، من ممارسة حقوقهما الدستورية، والتحالف الضمني بين الرئيس ماكي سال وزعيم الاشتراكيين إدريس سك، وهو - وفقاً لولد محمد - ما مهَّد لسونكو زعامة مطلقة في المشهد السياسي المعارض في السنغال».

ليوبولد سنغور

في المقابل، يرى الباحث أن مشروع سونكو السياسي يشمل أيضاً «نقاط ضعف» رغم شعبيته. أبرزها؛ حداثة التجربة السياسية، إذ «عمره السياسي يقل عن 8 سنوات، كما أنه لا توجد في حزبه قيادات أو وجوه سياسية نخبوية». وثمة عامل آخر يراه الباحث مكمن ضعف، هو حدَّة الخطاب السياسي الذي «قد يعقّد مسألة تحالفه مع الرموز والزعامات السياسية المعارضة العريقة في المشهد السياسي»، فضلاً عن النخب المحسوبة تقليدياً على النظام الحاكم.

محطات وأرقام

نالت السنغال استقلالها عن فرنسا عام 1960. ومنذ الفترة من 1957 إلى 1963، كان لدى السنغال نظام برلماني ذو غرفتين، وكان رئيس مجلس السنغال وقتها مامادو ديا في منصبه منذ عام 1957 مسؤولاً عن السياسة الاقتصادية والداخلية للبلاد كرئيس للحكومة، في حين كان رئيس الجمهورية هو المسؤول عن السياسة الخارجية. ولكن في عام 1963 استعيض عن النظام البرلماني بنظام رئاسي، ومارس الرئيس منذ ذلك الحين مهام رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

 

رؤساء السنغال

كان أول رئيس لجمهورية السنغال المفكر والمثقف ليوبولد سنغور، من «الحزب الاشتراكي السنغالي» الذي حكم البلاد حتى عام 1980.

تولى الحكم بعد سنغور الرئيس عبده ضيوف، الذي كان ينتمي إلى الحزب نفسه، وانتهت رئاسته في عام 2000.

بعد عام 2000، تولى المنصب الرئيس عبد الله واد، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي السنغالي، وانتهت رئاسته عام 2012.

الرئيس الحالي ماكي سال، الذي خلف عبد الله واد عام 2012، ينتمي إلى حزب التحالف من أجل الجمهورية. وبعد تكهنات حول احتمالات ترشحه لـ«عهدة ثالثة»، أعلن سال أخيراً أنه لن يترشح للمنصب مجدداً، بعدما جُوبه برفض واسع من المعارضة التي حذّرت من إقدامه على الترشح باعتبار ذلك انتهاكاً للدستور الذي ينص على حصر حكم الرئيس بفترتين متتاليتين.

ماكي سال

على أي حال، بخلاف جيران السنغال من الدول الأفريقية الغربية، ساهم إحجام القوات المسلحة عن التدخل في الشؤون السياسية في ضمان استقرار السنغال منذ الاستقلال. وحالياً، يوجد في السنغال أكثر من 80 حزباً سياسياً، وتعرف تجربة البلاد السياسية بأنها من أنجح النماذج في التحول الديمقراطي في القارة بعد استقلالها. وحقاً، تتمتع السنغال بمكانة جيدة في كثير من المنظمات الدولية، وكانت عضواً في مجلس الأمن للأمم المتحدة في 1988 - 1989 و2015 - 2016. وتقليدياً، تتمتع داكار بعلاقات ودية مع القوى الغربية، ولا سيما فرنسا وأميركا.


مقالات ذات صلة

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع غالانت (رويترز)

أبرز «وزراء الحرب» في تاريخ إسرائيل

برزت طوال تاريخ إسرائيل، منذ تأسيسها عام 1948، أسماء عدد من وزراء الدفاع؛ لارتباطهم بحروب كبيرة في المنطقة، لعلّ أشهرهم في الشارع العربي موشيه ديان

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع إيشيبا

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي

«الشرق الأوسط» (لندن)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)
TT

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)
جنود فرنسيون في مالي (سلاح الجو الأميركي)

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ، بل وإخفاقات وانتكاسات، في خضم صراعات جيوسياسية متحركة وأجواء شديدة التأزم في أفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. ماذا، إذن، حلّ بالسياسة الخارجية الفرنسية التي كانت مشاركتها الفاعلة داخل المجتمع الدولي تعبيراً عن صوت «حر» غير منحاز حتى تتراجع بهذا الشكل؟

جرى الحديث في الأوساط السياسية والإعلامية عن «تقليد للدبلوماسية الفرنسية» هو النهج الذي اختاره قادة فرنسا لإدارة علاقاتهم الخارجية مع دول العالم، ولقد اتسمّ هذا النهج بـ«الاتزان» و«التميز»، وكان بالفعل حاضراً بقوة في المحافل الدولية، وبالأخص، في قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي.

نهجا ديغول وميتران

ذلك ما عُرف فيما بعد بـ«سياسة فرنسا العربية» التي رسم الرئيس التاريخي الأسبق الجنرال شارل ديغول ملامحها في خطاب نوفمبر (تشرين الثاني) 1967 في أعقاب نكسة يونيو (حزيران) 1967، ومعها اعتمد ديغول أساساً الانفتاح على العالم العربي وتوطيد العلاقات بينه وبين فرنسا على مختلف الصعد.

في المقابل، منذ تلك الفترة طغى على العلاقات الفرنسية - الإسرائيلية جو من البرود إلى غاية وصول اليسار إلى الحكم في حقبة الثمانينات، فيومذاك أعاد الرئيس الاشتراكي فرنسوا ميتران «تفعيل العلاقات» عام 1982، منتهجاً سياسة أكثر انحيازاً لإسرائيل حتى لُقّب بـ«صديق إسرائيل الكبير».

ولاحقاً، كانت حادثة رشق الطلاب الفلسطينيين لرئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان بالحجارة عام 2000، بعد مشاهد الاستقبال الحار الذي لقيه الرئيس الراحل جاك شيراك في شوارع رام الله عام 1996، تجسيداً قوياً للاعتقاد السائد بأن اليمين الفرنسي أكثر مساندة وتأييد للمواقف العربية من اليسار.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون

ضعف الإرادة السياسية

هنا يوضح باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) ومؤلف كتاب «هل يسُمح بانتقاد إسرائيل؟» الأمر، فيقول: «على الرغم مما قيل عن اليسار وزعيمه ميتران، الحقيقة هي أن الإرادة السياسية للتأثير في الأوضاع كانت قوية في تلك الفترة من تاريخ فرنسا». ويضيف: «علينا ألا ننسى أن زعيم الاشتراكيين كان أول من ذكّر في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1982 بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة، بالإضافة إلى استقباله الزعيم الراحل ياسر عرفات في باريس عام 1989».

وزيرة الخارجية الأسبق كاترين كولونا

لا فوارق ظاهرة اليوم

بونيفاس يتابع من ثم «اليوم لا نكاد نرى فارقاً بين اليمين التقليدي (الجمهوري أو الديغولي) واليسار الاشتراكي، علاوة على أن ديناميكية السياسة الداخلية تغيّرت بظهور حزب الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يضم عناصر من اليمين واليسار والمجتمع المدني، ومعظمهم يفتقر إلى الخبرة السياسية، ناهيك عن ضعف الروح النقدية، بما في ذلك عند الجهات الفاعلة في الدبلوماسية... التي لم تعد تعبّر كما كان الوضع في الماضي عن مواقف فرنسا باعتبارها امتداداً لقيم التنوير وحقوق الإنسان والحريات».

جدير بالذكر، أن الإعلام الفرنسي كان قد عّلق مطوّلاً على «تواضع الخبرة السياسة» لوزراء خارجية ماكرون، مثل ستيفان سيجورنيه، الذي فضح الإعلام أخطاءه اللغوية الكثيرة وقلة إتقانه اللغة الإنجليزية. وما يتّضح اليوم من خلال تداعيات العدوان على غزة ولبنان هو أن الأصوات التي تناهض العدوان على غزة ولبنان لا تنتمي إلى اليمين الجمهوري، بل إلى أقصى اليسار الذي نظّم حركات احتجاج واسعة في البرلمان والشارع للضغط على الرئيس ماكرون من أجل التدخل.

وزير الخارجية السابق ستيفان سيجورنيه

هذا الأمر أكدّه رونو جيرار، الإعلامي المختص في السياسة الخارجية، الذي ذكّر أن السياسة الخارجية الفرنسية «فقدت استقلاليتها وفرادتها مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي - وهو آخر من مثّل اليمين الجمهوري في السلطة –». ويشرح: «حصل هذا حين قرّر ساركوزي إعادة فرنسا إلى المنظمة العسكرية المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) عام 2009، ثم المشاركة في التدخل العسكري في ليبيا. وكانت هاتان الخطوتان خطيئتين كبريين لأنهما وضعتا حداً للتقليد الديغولي الجمهوري الذي يقضي بأن تحترم فرنسا جميع التحالفات، لكن من دون التماهي مع الولايات المتحدة، ذلك ملخصه في العبارة الشهيرة (حليفة... ولكن غير منحازة)...».

وهنا يضيف الباحث توماس غومارت، مدير معهد العلاقات الدولية (إيفري): «لنكن واقعيين، صوتنا ما عاد مسموعاً كما كان الحال في السابق، والشعور بأن المجتمع الدولي عاجز أمام الهيمنة الأميركية ملأ النخب السياسة بالتشاؤم، وبالتالي غدت سبل الضغط المتاحة لدينا اليوم محدودة».

ماكرون: سياسة خارجية متناقضة...بالنسبة للرئيس ماكرون، فإنه فور وصوله إلى الحكم بدأ في تقديم الخطوط العريضة لسياسته الخارجية والتوجهات الجديدة للدبلوماسية الفرنسية، حين أجرى لقاءً صحافياً مع ثمانٍ من كبريات الجرائد والمجلات الأوروبية («لوفيغارو» الفرنسية، و«لوسوار» البلجيكية، و«لو تون» السويسرية، و«الغارديان» البريطانية، و«سودويتشه تسايتونغ» الألمانية، و«كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، و«إل باييس» الإسبانية و«غازيتا فيبورتا» البولندية). وفي هذا اللقاء أكد ماكرون أن أولوية سياسته الخارجية محاربة «الإرهاب الإسلامي»، والتنسيق مع جميع القوى الكبرى من أجل ذلك.

وزير الخارجية الحالي جان نويل بارو

ثم، في جولته الأولى لأفريقيا أعلن في «خطاب واغادوغو» ببوركينا فاسو (مايو/أيار 2017) أن فرنسا ستسعى جاهدة للتعاون مع الدول الأفريقية في إطار شراكة متكافئة، كما ستكون حاضرة للمساهمة في السلام كـ«رمانة» لميزان القوى العالمية؛ ما رفع بعض الآمال في أن تكون الحقبة الرئاسية لماكرون أفضل من غيرها، لا سيما، وأن طبيعة الحكم (الرئاسي) في فرنسا تجعل من الرئيس المسؤول الأول والأخير عن السياسة الخارجية.

وحقاً، كثّف الرئيس الفرنسي من حراكه الدبلوماسي على مسارات عدة، كما ضاعف بكثير من الحماسة المبادرات والتصريحات الطموحة، لكنها بمعظمها كانت متناقضة، وتفتقد المنهجية والرؤية الواضحة... وفق بعض التقارير. جيرار جيرار (الإعلامي في «لوفيغارو») يعيد إلى الأذهان أن ماكرون كان متناقض المواقف في غير مناسبة، منها «حين حاول أولاً التفاوض مع (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بخصوص الحرب في أوكرانيا، ثم تحوّل متبنياً لهجة عدائية صريحة إلى حد التهديد بإرسال قوات مسلّحة للدفاع عن أوكرانيا... ما أثار حفيظة الفرنسيين والشركاء الأوروبيين». وأردف جيرار: «وكأن هذا لم يكن كافياً، طلب الرئيس ماكرون المشاركة في قمة (بريكس) مع أن الكّل يعلم بأنها فكرة بوتين. فهل كان يعتقد فعلاً أن الدول التي تجمّعت في هذه المنظمة للتحّرر من الهيمنة الغربية تريد أن تلتقي به أو تصغي لما يقوله؟».

سياسة باريس الأفريقية

عودة إلى الشأن الأفريقي، بعد الآمال الكبيرة التي أثارها «خطاب واغادوغو» عام 2017 بتصحيح صورة «فرنسا الاستعمارية» والتعاون مع الأفارقة كشركاء، جاءت خيبات الأمل. ففي المغرب العربي، أولاً، فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر في سياق جيوسياسي كثير التقلبات. ثم مع باقي الدول فشلت أيضاً في التخلص من «صورة القوة الاستعمارية السابقة» بسبب أخطاء عدّة ارتكبها ماكرون، أولها احتكاره جميع ملفات السياسة الخارجية، وهو ما لخصّته مجلة الـ«موند أفريك» في مقال بعنوان «كاترين كولونا خيبة أمل أفريقية» بالعبارة التالية «للأسف السيدة كولونا ودبلوماسيوها لم يتمكنوا من التأثير بسبب قرارات الإليزيه العديمة المعنى...».

وهنا، كما ذكر أنطوان غلاسير، الباحث المختص في الشؤون الأفريقية، على موقعه على منّصة «يوتيوب»: «حين تولى ماكرون زمام السلطة، وعد الدول الأفريقية بقطيعة نهائية مع الماضي وبتوازن في العلاقات، لكن ما حدث وما قيل أكد استمرار الممارسات القديمة، بدايةً مع المماطلة في سحب الجيوش الفرنسية من مالي، ثم عبر التصريحات الاستفزازية بخصوص الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وأكثر منها... التلويح باستعمال قوات «الإيكواس/ السيدياو» (المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا) للتدخل في النيجر، ثم التراجع عن تلك التصريحات».

وحسب غلاسير، كان على ماكرون أن يلتزم الصمت: «فبأي صفة يقرّ ما هو شرعي وما هو غير شرعي؟». وكل هذه الأخطاء السياسية كرَّست الانحدار السياسي لماكرون وانكماش الدور الفرنسي في أفريقيا.

الشرق الأوسط: حصيلة هزيلة...

أما في الشرق الأوسط، وخلال ولايتين رئاسيتين وسبع سنوات من تولي ماكرون السلطة، ثمة شبه إجماع على أن الإخفاق كان سيد الموقف في مساعي السلام التي حاولت فرنسا إطلاقها والإشراف عليها.

في لبنان، الذي تجمعه بفرنسا روابط تاريخية وثقافية قوية، لم تكن الإرادة ولا حسن النية هما المشكلة عند ماكرون. إذ كان أول المسؤولين العالميين تحركاً، حين زار لبنان بعد تفجير ميناء بيروت عام 2022، ووعد بإصلاحات سياسية داخلية لإخراج البلاد من الأزمة، لكن وعوده لم تتجسد على أرض الواقع. وفي موضوع بعنوان «ماكرون مسؤول عن تدهور الاوضاع في لبنان» نقلت صحيفة «كورييه أنترناتيول» عن نظيرتها الأميركية «الفورين بوليسي» تحليلاً يقول التالي إن «إحجام فرنسا عن محاسبة النخب السياسية (اللبنانية) بحزم، والاكتفاء بمطالبتهم باتخاذ إجراءات كان تصرفاً ساذجاً بشكل مربك. فبعد أشهر طويلة من التهديد بفرض عقوبات على الشخصيات المسؤولة عن الجمود السياسي، أعلنت باريس أنها ستفرض قيوداً على دخول الأراضي الفرنسية، لكنها كانت خفيفة جداً لدرجة انها لم تؤثر على أحد».

وبالفعل، لم تتمكّن فرنسا - السلطة الانتدابية السابقة في لبنان - من تحقيق أي اختراق على خط أزمات البلد الذي يعاني انقسامات سياسية وطائفية عميقة حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من شغور المنصب منذ سنتين.

وللعلم، كانت تقارير إعلامية كثيرة قد نشرت شهادات لمقرّبين من محيط جان إيف لودريان، المبعوث الخاص للبنان، دافعوا فيها عن نشاطه وتنقلاته الستّة إلى بيروت، بحجة «أن الدبلوماسية تتطلب وقتاً»، وأن النتائج كانت ستظهر لولا ظروف الحرب في غزة التي خلطت كل الأوراق. والمصادر ذاتها لم تتردد في توجيه أصابع الاتهام إلى الأطراف اللبنانية، معتبرة أن «الجمود السياسي مسؤولية اللبنانيين».

أيضاً، انتقدت أنياس لوفالوا، الباحثة في معهد الأبحاث والدراسات حول دول المتوسط والشرق الأوسط، «عجز الدبلوماسية الفرنسية عن إسماع صوتها مقابل تنامي النفوذ الأميركي في بلاد الأرز». ورأت أن السبب يعود إلى المنهجية التي يتبعها ماكرون الذي احتكر منذ البداية كل الملفات، ثم ضاع في تفاصيلها بسبب نزعته إلى السيطرة على كل شيء ورفضه الاستعانة بخبرة الدبلوماسيين المحنّكين.

الموقف الفرنسي من العدوان على غزة أيضاً اتسم بالعديد من التناقضات. وبعدما ظّل في حالة جمود لأشهر طويلة رغم مشاهد القتل والدمار، تحرّك في الأسابيع الأخيرة بعد سلسلة من التصريحات أطلقها الرئيس ماكرون نتجت منها مشاحنات كلامية شديدة اللّهجة بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتهت بتحميل ماكرون مسؤولية التصريحات لبعض الوزراء «الذين نقلوا تصريحات مزيفة...» و«لصحافيين كرّروها دون أن يتأكدوا من صحتّها...». هذا الموقف الذي اعتبره البعض تهرّباً من المواجهة يعكس العجز التي يميز حالياً الموقف الفرنسي. وهنا، تمنى السفير السابق جيرار آرو لو أن ماكرون «التزم الصمت... أو التكلم بالتنسيق مع الشركاء الأوربيين كي يكون لمبادرته تأثير أكبر».

«صورة فرنسا»... مشكلة!

في أي حال، يرى رونو جيرار أن صوت فرنسا ما عاد مسموعاً في المحافل الدولية «لأنها لم تعد تثير الإعجاب، ولم تعد ذلك النموذج الذي يعكس الإشعاع الثقافي والتطور الاقتصادي وحقوق الإنسان». ويشرح على صفحات مجلة «كونفلي جيو بوليتك» قائلاً: «عندما تكون فرنسا وراء فكرة معايير ماستريخت بينما تعُد أكثر من 3000 مليار يورو من الديون و5 ملايين عاطل عن العمل، فلن يكون لصوتها تأثير كبير... نحن البلد الأوروبي الذي فيه أعلى نسبة ضرائب حكوماته لم تعد قادرة على توفير الحّد الأدنى لمواطنيها». ثم يذكّر بأن شارل ديغول اهتم أولاً بأوضاع فرنسا الداخلية، وبالأخص الوضع الاقتصادي، قبل أن يبدأ جولته الأولى خارج البلد عام 1964.

أما السفيرة السابقة سيلفي بيرمان، فرأت خلال حوار مع «لو فيغارو»، تحت عنوان «هل ما زالت فرنسا تملك الأدوات لتحقيق طموحها؟»، أن التوتر السياسي الداخلي أثَّر سلباً على صورة فرنسا في العالم. وأعطت الاحتجاجات الشعبية والإضرابات المتواصلة العالم الانطباع بأننا فقدنا السيطرة على الأوضاع، فكيف نقنع غيرنا إن لم نعد نمثل القدوة الحسنة؟ في المغرب العربي فشلت فرنسا في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الرباط والجزائر