ماكرون يعد بالسير نحو «نظام اجتماعي أكثر عدلاً»

90 حزباً ونقابة وجمعية يدعون إلى مسيرات السبت في كل أنحاء فرنسا

ماكرون لدى مغادرته مدينة بو في 6 يوليو (أ.ف.ب)
ماكرون لدى مغادرته مدينة بو في 6 يوليو (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يعد بالسير نحو «نظام اجتماعي أكثر عدلاً»

ماكرون لدى مغادرته مدينة بو في 6 يوليو (أ.ف.ب)
ماكرون لدى مغادرته مدينة بو في 6 يوليو (أ.ف.ب)

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: إن طموحه يقوم على «بناء بلد أقوى على الصعيدين الاقتصادي والصناعي»، يكون «أكثر احتراماً لمتطلبات البيئة»، ويسير نحو «نظام اجتماعي أكثر عدلاً».

وجاءت تصريحات الرئيس الفرنسي، الخميس، خلال زيارة قام بها إلى مدينة بو الواقعة جنوب غرب فرنسا عند أقدام سلسلة جبال البيرينيه الفاصلة بين فرنسا وإسبانيا. وتُعدّ هذه الزيارة أول خروج له من باريس منذ اندلاع أحداث العنف يوم 27 يونيو (حزيران) الماضي؛ الأمر الذي ألزمه بالعودة سريعاً إلى باريس من اجتماع قمة لقادة الاتحاد الأوروبي. وبعد ذلك، ألغى ماكرون زيارة دولة كان من المفترض أن يقوم بها إلى ألمانيا من الأحد إلى الثلاثاء الماضيين.

وفي حديثه إلى 70 من منتخبي الإدارة المحلية في المنطقة، قال ماكرون: إن «الرد الأول (على ما حصل في الأيام الماضية) هو النظام»، أي توفير الأمن وفرض الالتزام بالقانون. إلا أنه وعد باتخاذ «قرارات عميقة» في الأسابيع المقبلة، وأن يعتمد نهجاً يتّسم «بالتصميم والحزم»، عادّاً أن الفرنسيين «أصيبوا بالذهول جراء الأحداث التي حصلت». بيد أنه في الوقت نفسه، يطرح مجموعة تساؤلات حول مجريات الأمور وحول الردود المطلوبة من قِبل الدولة.

وتساءل الرئيس الفرنسي عما إذا كانت الأسباب تعود إلى نقص في الوسائل، لينوّه بعد ذلك مباشرة بمحصلة ما قامت به حكوماته على صعيدي تعزيز القوى الأمنية، وما سماه «سياسته للمدينة»، أي المشروعات التي أُطلقت لصالح الضواحي والمناطق الفقيرة. وإذ رأى أن هناك مشكلة «مفهوم السلطة» وعملها في المجتمع، فإنه دعا إلى عمل جماعي ميداني «يتسم بالإنسانية» بحيث لا يكون محصوراً بالتدابير «التقنية»، أو بالتعاميم الإدارية وخلافها.

دعوة لمسيرات حاشدة

يأتي كلام ماكرون في حين دعا تسعون حزباً ونقابة وجمعية في بيان إلى مسيرات في كل أنحاء فرنسا السبت المقبل؛ وذلك للتعبير عن «الحزن والغضب»، والتنديد بـ«السياسات الأمنية والتمييزية التي تستهدف الأحياء الشعبية والشباب»، تحديداً ذوي الأصول الأجنبية. كذلك، يندّد البيان باعتماد القوى الأمنية القمع نهجاً للتعامل مع هؤلاء بالتوازي مع قانون عام 2017 الذي يتيح للشرطة اللجوء إلى استخدام السلاح في حال عدم الانصياع لدى تدقيق مروري.

متظاهرون يغلقون شارعاً بحاويات قمامة بكولومب في 1 يوليو (أ.ب)

ومن بين الموقّعين على الدعوة من الأحزاب، هناك حزب «فرنسا المتمردة» الذي يتزعمه جان لوك ميلونشون والذي كان خلال الأيام الماضية الهدف الأول للحكومة واليمين، اللذين يتهمانه بصب الزيت على النار والامتناع عن إدانة المشاغبين أو الدعوة إلى الهدوء، إلى جانب تيار الخضر وأحزابه المختلفة. وبشكل عام، فإن الأحزاب الموقّعة كافة تندرج في خانة اليسار بتلاوينه المتعددة. والملاحظ غياب حزبين رئيسيين، هما الشيوعي والاشتراكي.

ومن أبرز النقابات الداعية، الفيدرالية العامة للعمل القريبة من الحزب الشيوعي، والاتحادات الطلابية المختلفة. وينظر إلى هذه الدعوة على أنها ردّ على أصوات اليمين بجناحيه التقليدي والمتطرف، الذي يُحمّل تبعات الأحداث الأخيرة للمهاجرين في الضواحي والأحياء الشعبية، ويتّهم بعض اليسار بتأجيج النزاعات الداخلية.

ويتّهم موقّعو البيان السلطات الفرنسية بـ«تهميش» الأحياء الشعبية وإخضاعها لمعاملات «تمييزية» من خلال تراجع الخدمات العامة والتخلي عن دعم الجمعيات، فضلاً عن تنامي ما يسميه البيان «العنصرية المنهجية». وما يزيد من التهميش الوضع الاقتصادي المتمثل بالغلاء والفقر والتضخم وارتفاع بدلات الإيجار والطاقة والبطالة.

رجال إطفاء يخمدون نيران سيارة محترقة بنانتير في 1 يوليو (أ.ف.ب)

وما يزيد الطين بلة، وفق البيان، تيه سياسات الحفاظ على النظام والقوانين التي تفاقم القمع الأمني والتدابير الأمنية الاستثنائية والعدالة المتسرعة وغير العادلة. خلاصة دعوة النقابات والجمعيات، أن الأمر الملح اليوم «ليس تشديد القمع الذي يفيد اليمين المتطرف ويرجع الحقوق والحريات إلى الوراء»، بل المطلوب هو التهدئة الدائمة التي لن تتحقق «طالما لم تتخذ الدولة التدابير الضرورية لتدارك الوضع الحالي والاستجابة لمطالب السكان المعنيين». وإذ يشير البيان إلى «المعاملات التمييزية» التي يعانيها سكان المناطق الشعبية وإلى «العنصرية المتفشية» لدى القوى الأمنية، فإنه يدين صندوق الدعم الخاص الذي أقيم لدعم الشرطي (وعائلته) الذي قتل المراهق نائل مرزوق، ويعدّه استفزازاً. وقد جمع الصندوق تبرعات زادت على مليون يورو.

وخلاصة البيان، أن هناك حاجة إلى بناء قواعد جديدة للحوار والعمل واستخلاص العبر من السياسات المغلوطة المتبعة منذ عقود واحترام ثقافات الآخرين وتاريخهم.

دعوات لعقد اجتماعي جديد

أما على المدى القريب، فإن موقّعي البيان يرفعون مجموعة مطالب؛ أوّلها تعديل قانون عام 2017 المشار إليه سابقاً لحصر اللجوء إلى السلاح والسير بإصلاح عميق لجهاز الشرطة، وتقنيات التدخل والمحافظة على الأمن، وأنواع السّلاح المجهز بها، بالإضافة إلى استبدال جهاز التفتيش العام التابع للشرطة والمخوّل النظر بالمخالفات بجهاز مستقل عن السلطة السياسية.

جانب من الصدامات بين الأمن والمتظاهرين بليون في 30 يونيو (أ.ف.ب)

وأخيراً، يدعو الموقّعون إلى استحداث هيئة تكون مهمتها النظر في المعاملات التمييزية التي يتّعرض لها الشباب تكون بإشراف من يسمى «المدافع عن الحقوق، بالتوازي مع تعزيز الوسائل لمحاربة العنصرية المتفشية، بما في ذلك أوساط الشرطة». وبشكل عام، فإن الموقّعين يدعون عملياً إلى عقد اجتماعي جديد عنوانه المحافظة على الحريات العامة والخاصة، والعدالة في تقاسم الثروات، ومحاربة الفقر والتهميش، وارتفاع بدلات الإيجار، وتعزيز خدمات القطاع العام والتعليم.

تراجع العنف

وتأتي الدعوة إلى إطلاق مسيرات للمواطنين في أنحاء البلاد كافة، في حين يتواصل تراجع التوتر الأمني بعد ستة أيام وليال من العنف وأعمال الشغب والقمع.

وتبين الدعوة الهوة الكبيرة في مقاربة الأحداث التي انطلقت بعد مقتل المراهق نائل مرزوق، بين يمين يدعم بشكل مطلق القوى الأمنية ويدعو إلى مزيد من التشدد والحزم في التعاطي مع مثيري الشغب، ويسار يريد معالجة جذور الأزمة، في حين الحكومة تسير على حبل مشدود وتسعى لإعادة الأمن والهدوء من غير الانزلاق إلى هذا الجانب أو ذاك. وسبق للرئيس إيمانويل ماكرون أن وعد بالعثور على «حلول جذرية لتجنب تكرار ما حصل، وهو ما يسيء له شخصياً ويضر بسمعة فرنسا عبر العالم، ومن شأنه أن يمسّ القطاع السياحي ويدفع المستثمرين إلى بلدان أخرى».

تحقيقات مستمرة

على الصعيد الداخلي، يحقّق مكتب المدعي العام في مدينة مرسيليا جنوب فرنسا في وفاة شاب يبلغ من العمر 27 عاماً، بعد إصابته برصاصة مطاطية بالقرب من الاحتجاجات الأخيرة ضد عنف الشرطة. يشار إلى أن مثل هذه المقذوفات استخدمتها الشرطة الفرنسية ضد متظاهرين خلال التوترات واسعة الانتشار الأسبوع الماضي. ولم يتحدد بعد ما إذا الرجل شارك في أعمال الشغب أو أنه ببساطة كان في موقع الاضطرابات والنهب الذي حدث في المدينة الساحلية ليلة السبت الماضي، وفقاً لما قاله المدعي العام الأربعاء.

حافلة محترقة عقب صدامات بنانتير في 1 يوليو (أ.ب)

من جانب آخر، رفض القضاء الخميس طلب إخلاء سبيل الذي تقدّم به الشرطي مطلق النار المعتقل منذ يوم الثلاثاء ما قبل الماضي، والذي وُجّهت إليه رسمياً تهمة القتل العمد بإطلاقه النار على المراهق سائق السيارة بحجة أنه شعر بالتهديد. وكان المدعي العام في مدينة نانتير قد عدّ في مطالعته أن العناصر المطلوبة لتبرير اللجوء إلى السلاح «لم تتوافر» في الحالة موضع النظر. وقد أطلق الشرطي البالغ من العمر 38 عاماً رصاصة واحدة عن قرب اخترقت ذراع نائل مرزوق ودخلت القفص الصدري وأدت إلى وفاته.


مقالات ذات صلة

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

بايدن: اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» سيدخل حيز التنفيذ صباح الغد

أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم (الثلاثاء) على أن التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في لبنان «نبأ سار وبداية جديدة للبنان».

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

تحليل إخباري الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

لبنان: الأوراق المتاحة لفرنسا للرد على إسرائيل لإزاحتها من مساعي الحل ولجنة الإشراف على وقف النار .

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في ريو دي جانيرو (د.ب.أ)

ماكرون يندد بموقف روسيا «التصعيدي» إزاء أوكرانيا ويدعو بوتين «للتعقّل»

ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، بموقف روسيا «التصعيدي» في الحرب في أوكرانيا، داعياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «التعقّل».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بوينس أيرس (أ.ف.ب)

ماكرون: بوتين «لا يريد السلام» في أوكرانيا

أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لا يريد السلام» مع كييف و«ليس مستعداً للتفاوض».

«الشرق الأوسط» (بوينس أيرس)

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)
TT

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

أفادت السلطات الأوكرانية بأن القوات الروسية شنت ليل الاثنين - الثلاثاء هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيّرة على مدن أوكرانية، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربي عن جزء كبير في غرب البلاد وإلحاق أضرار بمبان سكنية في منطقة كييف. وقال سلاح الجو الأوكراني إن روسيا شنت «عدداً من الهجمات بواسطة طائرات من دون طيار من طراز شاهد (إيرانية الصنع) ومسيّرات أخرى غير معروفة الطراز»، مستهدفة منشآت حيوية. وأضاف المصدر نفسه أن عدد الطائرات المستخدمة بلغ 188 مسيّرة.

وتوعدت وزارة الدفاع الروسية بتحضير مزيد من العمليات رداً على الهجمات الأخيرة التي نفّذتها أوكرانيا على أراضيها باستخدام صواريخ أتاكمز التي زودتها بها الولايات المتحدة. وقالت الوزارة على تطبيق «تلغرام»: «يجري الإعداد لإجراءات انتقامية».

وعقد «مجلس حلف شمال الأطلسي (الناتو) - أوكرانيا» اجتماعاً على مستوى السفراء في بروكسل، أمس، لبحث التصعيد على الجبهة وإطلاق صاروخ روسي باليستي فرط صوتي على أوكرانيا، الأمر الذي تسبب في توتر متزايد بين أعضاء الحلف وموسكو. كما عقد وزراء خارجية «مجموعة السبع» اجتماعاً بحثوا فيه التصعيد، وقالوا في بيان مشترك أمس إن إطلاق روسيا الأسبوع الماضي صاروخاً فرط صوتي على أوكرانيا، دليل على «سلوكها المتهور والتصعيدي». وهدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بضرب الدول التي تزود الأوكرانيين بصواريخ قادرة على ضرب العمق الروسي، عادّاً أن الحرب في أوكرانيا اتخذت «طابعاً عالمياً».