من فوق ربوة عالية تطل على البر الغربي لنهر النيل في مدينة أسوان (جنوب مصر)، وبالقرب من المدخل الجنوبي لحديقة «النباتات» ذات الشهرة العالمية، يرقد رفات الأغا خان الثالث، السلطان محمد شاه الحسيني، زعيم الطائفة الإسماعيلية، الذي وُلد عام 1877 بمدينة كراتشي بالهند آنذاك. وللموقع السياحي ميزة ثلاثية، تجتذب الزائرين إليه، فإلى جانب عراقته التاريخية وروعة المبنى التي تشبع محبي الأماكن الأثرية، وبما يتضمنه من قصص تاريخية، فإن الطبيعة الساحرة للموقع، على نهر النيل أضافت له طابعاً فريداً، فضلاً عن شهرته في «العلاج بالرمال».
تصل إلى مكان الضريح على متن مراكب شراعية في نهر النيل بصحبة «المراكبية» من أهالي أسوان بملابسهم البيضاء، وبشرتهم السمراء الجذابة، وبمجرد أن تصعد تلة الرمال وتقترب من المكان تأخذك الرهبة، فالمقبرة مبنية من نوعية فاخرة من الرخام المرمري الأبيض، أما الضريح فمبني من الحجر الجيري الوردي.
بساطة التصميم تزيده جمالاً، وحين تعرف أن رائد التصميم المعماري في مصر، د. فريد شافعي (1907 - 1985)، خلفه، تدرك أن اختيار الطراز الفاطمي بحسه المصري الإسلامي لم يأتِ من فراغ. وليس ببعيد من المكان، تنهض فيلا «دار السلام» التي بناها الأغا خان، وهو لقب يعني «السيد» أو «النبيل»، وكذلك المسجد الذي يحمل اسمه، لكن ما منح ذلك المزار السياحي أسطورته الخالدة هي قصة الحب التي تقف خلفه.
وبحسب باحثين ومؤرخين، بدأت القصة في فرنسا، حيث فتاة بسيطة تدعى لافيت لابروس تعمل بائعة للورد، لكنها تتمتع بجمال أخاذ. شاركت في مسابقة لملكات جمال الريفيرا الفرنسية عام 1930 وحصدت المركز الأول وهي ابنة الرابعة والعشرين، وبهذه الصفة تلقت دعوة للمشاركة في إحدى حفلات عيد الميلاد الملكية بمصر، حيث كان اسم «الأغا خان» يتصدر قوائم المدعوين. ومنذ اللحظة الأولى التي وقعت عيناه عليها، اشتعل قلب الرجل بشرارة الحب، وسرعان ما اتخذ قراره بالزواج منها لتتحول بائعة الورد، ابنة سائق الترام البسيط، إلى واحدة من أثرياء العالم.
عام 1954، كان الوجيه الثري قد ملّ فشل الأطباء في معالجة آلام الروماتيزم والعظام التي يعاني منها. وبينما هو مقيم بفندق «كتراكت» الأشهر بأسوان في الشتاء، وصف له طبيب شعبي من أهل النوبة دفن نصفه الأسفل في رمال جبال أسوان لمدة 3 ساعات على مدار أسبوع كامل. كانت النتيجة مذهلة، فها هو المريض الذي يجلس على كرسي متحرك يعود إلى حاشيته في الجناح الملكي ماشياً على قدميه وسط تهليل وصياح أتباعه.
عشق المكان، وأوصى بأن يُدفن فيه. وحين رحل عن عالمنا 1957، نفذت الوصيةَ الزوجةُ المخلصةُ التي أشهرت إسلامها وحظيت بلقب «البيجوم»، وهو لقب ملكي أرستقراطي يستخدم في آسيا، وأصبحت كنيتها «أم حبيبة». رفضت أن تتزوج وظلت توقد الشموع، كما حرصت على وضع وردة حمراء من نوع «رونرا بكران» على قبره كل يوم في التاسعة صباحاً سواء بنفسها أو عبر عمال ينفذون تعليماتها.
وكانت تأتي مرة كل عام إلى أسوان في مركب من شراع أصفر اللون يتميز عن بقية الأشرعة البيضاء ليعرف أهل أسوان أنها قد وصلت. يحدث هذا في الشتاء، حيث تغير الوردة بيدها وتضعها في إناء من الفضة مليء بالمياه فوق المقبرة. وحين ماتت عام 2000، كانت قد أوصت بأن تُدفن إلى جوار زوجها في المكان نفسه ليكتمل قوس رحلة عنوانها «الحب الأسطوري والوفاء الأبدي».
على هذه الخلفية، يمكن للسائح أن يقف على أطلال الماضي، وكذلك الاستفادة من إمكانات السياحة العلاجية الهائلة. وبحسب خيري محمد علي، رئيس غرفة شركات السياحة بأسوان، فإن الرمال الصفراء الناعمة في أسوان يمكنها علاج الروماتيزم والصدفية وآلام العظام، وغيرها من الأمراض الجلدية.
وتقتضي عملية العلاج بالرمل دفن جسم المريض بالكامل في الرمال، ما عدا الرأس، مع أهمية أن يتم ذلك في توقيت لا تشتد فيه حرارة الشمس، مثل ساعات الصباح الأولى أو قبيل الغروب، لمدة تتراوح ما بين 10 و15 دقيقة، بعدها يتم لف المريض عقب الخروج من الحمام الرملي مباشرة بهدف حمايته من التيارات الباردة، مع إعطائه مشروبات دافئة لرفع المناعة، مثل القرفة، مع الامتناع عن شرب المياه لمدة لا تقل عن ساعتين.
وتعد أسوان من أجمل الوجهات السياحية المصرية، خصوصاً في الشتاء، حيث تنعم بالطبيعة الساحرة الخلابة، والمعابد الفرعونية، والمتاحف التراثية، وجلسات الاستشفاء الطبيعي. ومن أبرز المزارات هناك بجانب ضريح «الأغا خان»، جزر «سهيل»، و«الفنتين»، و«النباتات»، ومتاحف «النوبة»، و«أسوان»، و«النيل»، فضلاً عن «المسلة الناقصة» و«قبة الهوا» ومعبدي «أبو سمبل» و«فيلة».