الفنان السعودي محمد الفرج: أعمالي تبحث في العلاقة بين الفكرة والوسيط

غاليري «منور» الباريسي يسعى لتمثيله عالمياً

من المعرض
من المعرض
TT

الفنان السعودي محمد الفرج: أعمالي تبحث في العلاقة بين الفكرة والوسيط

من المعرض
من المعرض

يحتضن غاليري «منور» للفن التشكيلي معرضاً للفنان السعودي محمد الفرج، وهو الأول من نوعه في عاصمة الأنوار بعد أن أثارت أعماله اهتمام الدوائر الفنية الغربية، وبالأخص بعد عرض عمله الفني «صوفيا» في «بينالي ليون»، عام 2018. الفنان محمد الفرج من مواليد الأحساء عام 1993، وهو يهتم بممارسات فنية وثقافية متعددة؛ من صناعة الأفلام والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والتركيبات والكتابة، يقدم من خلال أعماله الفنية عالماً مشحوناً بالقصص ما بين الريف والمدينة، الصورة والصوت، التقاليد والحداثة. كما يعتمد على التجربة الإنسانية والطبيعة واستكشاف العلاقة بين الشكل والمضمون. عمل الفراج على تغذية اهتمامه بالبيئة بتميز خاص، من خلال استخدام المواد الطبيعية الموجودة في مسقط رأسه، وقد تم عرض أعماله الفنية في كل من دبي والقاهرة وفلورنسا وليون وباريس وجدة والشارقة. التقيناه في العاصمة باريس في افتتاح معرضه، «تمرة المعرفة»، وكان لنا معه هذا الحوار:

* حدثنا عن نشأتك وبداياتك الفنية؟

- نشأتُ ما بين الحارة والمزرعة في منطقة الأحساء الريفية المحاطة بالنخيل وسط عائلة محبة. وأنا طفل كنت قريباً جداً من جداتي، وهن نساء مجتمع عاملات مكافحات يشتغلن في نسج الحقائب والسلل من سعف النخيل. والدي كان مهندساً وأنا خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، تخصصت في الهندسة الميكانيكية، لكنني كنتُ أشعر منذ نعومة أظافري بميول نحو عالم الفنون وصنع الأفلام القصيرة، وحين أنهيت دراستي كان عليَّ أن أقرر. فبدأت بالتصوير واتجه اهتمامي نحو تصوير الممارسات اليومية لأهلي، كالتقاط مشاعر الفرح والحزن أو مظاهر التعايش بين السنَّة والشيعة، وتمثيل الريف والطبيعة والمواد الخام التي كانت دائمة الحضور في أعمالي، لأنها تشكل البيئة التي نشأت فيها، وهي أول مصادر إلهامي.

محمد الفرج

* هذا أول معرض شخصي لك في باريس مع غاليري «منور»؛ كيف حدث اللقاء؟

- التقيت بكمال منور وفرقة الغاليري وأنا في إقامة «العلا» التي كانت من تنظيم مؤسسة «آرت العلا»، وهو برنامج تعاون ثقافي بين السعودية وفرنسا. ومباشرةً أبدوا اهتمامهم بأعمالي وتواصلوا مع «أرت غاليري»، وهي المؤسسة التي تمثلني في السعودية، وانطلقنا في التفكير بمشروع معرض في باريس، وجميع الأشياء جرت بطريقة سلسة، والمهم بالنسبة لي تقديم عمل إبداعي يصل إلى ذهن المُتلقي وأحاسيسه، وقبل كل شيء إظهار غنى الفن والثقافة عندنا في السعودية ومنطقة الأحساء بشكل خاص.

* الطابع في أعمالك هو التوثيق: توثيق الحياة اليومية، الطبيعة، الطقوس الدينية وتقديمها في تصور جمالي؛ من أين جاء هذا الاهتمام؟

- أنا مؤمن بأنه من الواقع يتفجر كل شيء، وهذا ينطبق على كل أشكال الإبداع؛ سواء في الفن أو في الأدب، فكلنا يعلم أن صُلْب الشعر أو الرواية في الحياة اليومية، وإن كانت أعمالي مشحونة بالخيال الإبداعي، فهي تستلهم أفكارها من الواقع المعيش؛ من القضايا والانشغالات التي نعيشها في حياتنا. ولذا فقد قدمت في هذا المعرض مثلاً الفيلم القصير «لمحات من الآن»، وهو فيلم وثائقي بدأت تصويره في 2015. إنه عبارة عن تدفق بصري وسمعي لذاكرة بعض مدن المملكة العربية السعودية؛ فنرى مثلاً الناس في الأرياف والمدن التي زرتها في بداية الفيلم الوثائقي ثم كيف بدأت ملامح كثيرة من حياتهم تتغير مع مرور الوقت.

*غاليري «منور» الباريسي أولى اهتماماً خاصاً بعملك الفني الأخير «تمرة المعرفة»؛ حدثنا عن هذا العمل.

- «تمرة المعرفة» هو فيلم تسجيلي بتقنية «الستوب موشن»، أو ما يُسمى بتقنية «إيقاف الحركة»، وهي فكرة أن تصور كل لقطة صورة بصورة، مع إضافة تغيير بسيط في كل صورة، وعند عرض هذه الصور بشكل متسلسل وسريع نشعر وكأنها تتحرك؛ فأنا أرسم على الرمل مثلاً ثم أمسح وأعيد التصوير من جديد، وهي تقنية تتطلب عملاً طويلاً ودقيقاً ومتعِباً لكن النتيجة مرضية فنياً. وما أحاول اعتماده في أعمالي دائما إظهار العلاقة بين الفكرة والوسيط، وقصة الفيلم تدور حول هذا الطائر الصغير الجائع للمعرفة الذي يصل في النهاية إلى الاقتناع بأن الحصول على المعرفة الكونية بأكبر قدر ممكن وبسرعة قد لا يكون أفضل الطرق، لأن الاستمتاع بالعمل والمحاولة والإخفاق والرحلة ككل أجمل بكثير.

* تتميز أعمالك بتباينات بصرية تدمج الواقع مع الخيال بتقنية مزج ذكية تثير الأسئلة وتعطي صورة وطابعاً خاصاً بك، كما نلمس من خلالها ثقتك في الموروث؛ ما الذي يلهمك؟

- مصادر إلهامي أجدها في حياة الناس والطبيعة، في قصص الطفولة وفي طبيعة الريف الذي أعيش فيه. في 2017 - 2018 قمت بمشروع فني كان عبارة عن رحلة إلى 25 مدينة في السعودية على متن السيارة، وكان عبارة عن غوص في أعماق مدن المملكة وأريافها لاستكشاف تراثها الفني والشعبي. في هذه الرحلة اكتشفت في كل مرة تقاليد ولهجات وأكلات وأزياء مختلفة كنت أجهل وجودها، وكانت تجربة فنية رائعة، وأنا لا أريد التعميم، ولكن شباب اليوم أصبح يفتقد «الهمة»؛ فما الذي يمنع أي شاب من تخصيص مبلغ 2000 ريال مثلاً للقيام برحلة إلى أعماق بلاده حتى يكتشف كنوزها. العمل الإبداعي قد يُولَد من تجارب الأسفار واللقاءات والمغامرات التي نقرر خوضها... لا يمكن أن نحبس أنفسنا في الورشة الفنية أو الاستوديو أو في المكتب وننظر إلى العالم من خلال شاشة الجوال في انتظار «لحظة الإبداع»؛ فالمراجع البصرية للإنسان تتشكل مما نشاهده. وإذا كان كل ما نراه هو «إنستغرام» أو «تيك توك» فإن كل ما سننجزه سيكون مجرد تقليد.



محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي
TT

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

محمود الرحبي
محمود الرحبي

يعد الكاتب محمود الرحبي أحد أبرز الأصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان. وعلى الرغم من أن بعض رواياته لا تتجاوز 60 صفحة، فهو يراهن «على التكثيف والشحنة الجمالية وجذب القارئ ليكون فاعلاً في النص»، كما يقول. من أعماله الروائية والقصصية «المموِّه» و«صرخة مونش» و«أرجوحة فوق زمنين» و«حديقة السهو»، ووصلت روايته «طبول الوادي» إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» في دورتها الحالية، هنا حوار معه حول تجربته الأدبية:

* في «طبول الوادي»، تستعيد خصوصية مجتمعات ريفية في قرى عمانية تكاد تبتلعها الجبال، كيف جعلت من الأصوات وسيلةً لرسم ملامح البشر والمكان في النص؟

- بالنسبة لرواية «طبول الوادي» التي ترشحت أخيراً إلى القائمة القصيرة لجائزة «كتارا» للرواية العربية المنشورة في دورتها الحالية، تعمدت اختيار «وادي السحتن»، المكون من قرى عدة وسط الجبال تمتاز بوفرة في الثمار، حتى سميت بـ«مندوس» عمان. و«المندوس» كلمة شعبية تعني الصندوق الثمين، كما اخترت بالمقابل حياً يُعدُّ في تلك الفترة مثالاً للتمازج وتعدد الألسنة والثقافات والطباع وهو «وادي عدي»، وعبر تفاصيل الأحداث نعرف لماذا اختار بطل الرواية «سالم» الحرية مقابل الجاه ومشيخة القبيلة حتى وإن جاع.

اهتممت بالتفاصيل كمقوم سردي، مثل الطرقات التي كانت في ذاك الزمن متربة وخشنة حتى في أحياء المدينة، والقرى كانت رهيبة وشاقة. أتذكر مثلاً أننا كنا لكي نشق بعض الطرق الصاعدة نضطر إلى وضع الحجارة داخل السيارة وقت الهبوط، حتى تحافظ على توازنها ولا تنزلق من المرتفعات. والأصوات هنا قد توحي بكمية الأغاني التي تشتمل عليها الرواية. هناك أيضاً أناشيد بعضها باللغة السواحلية الزنجبارية، ناهيك عن طبول الجوع التي تعرض لها بطل الرواية «سالم»، وقد اختار الحرية مضحياً بكل شيء وخرج من قريته حافي القدمين حاسر الرأس، وفي ذلك دلالة مقصودة.

* ألن يكون صادماً لبعض القراء التعرف على وجه آخر لـ«دول الخليج» من خلال قرى متقشفة يعاني أبناؤها من مستويات متباينة من الفقر والجوع والحرمان؟

- لا يخلو أي مجتمع من مفارقات، ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص. صحيح أن عمان بلد نفطي وعدد سكانه قليل لكنه في النهاية مجتمع متنوع، به طبقات ومستويات، به ثراء فاحش وبه فقر مدقع. ولست في سياق مناقشة الأسباب، إنما يمكن ذكر أمثلة، منذ فترة قريبة مثلاً سمعت عن قريب لي سُرّح من عمله، ولديه أبناء كُثر، التعويض لم يكن يكفيه لإعالة أبنائه، فاضطر إلى السير في الخلاء ليعود من هناك بأشجار يحرقها ليحولها فحماً يبيعه. تحول إلى حطّاب. وهذه الأمور لم نكن نسمع بها إلا في الحكايات.

* في مقابل القرية، تطل المناطق والمدن الأكثر تحضراً، وهى تحتوي، وفق تعبير الراوي، على «الضجيج الذي يُسمع الآن متداخلاً بين العربية والهندية والأفريقية والبلوشية... كيف ترى بعين الروائي هذا «الموزاييك» أو «الفسيفساء» الذي تحمله سلطنة عمان والمجتمع الخليجي عموماً بين طياته؟

- هذا الموزاييك يشكل ثراءً اجتماعياً تنتج عنه تفاعلات يمكن أن يستفيد منها القاص. لو فقط تأملنا تاريخ الأسواق العمانية، لحصلنا على ذخيرة مهمة، ناهيك عن الأغاني، سواء تلك المتعلقة بالأفراح أو حتى الأتراح. المهم هنا هو كيف تعبر عما هو موجود وليس تفصيل ما هو موجود. الكم يعدُّ انحرافاً عن طريق الأدب الذي من سماته البلاغة والاقتصاد. الكاتب الروسي نيقولاي غوغول اختصر في رواية «المعطف» تاريخ الخياطين في روسيا في عمل صغير، كان المعطف هو البطل وليس صاحب المعطف في الحقيقة. لكنه قدم عملاً هائلاً لا يمكن نسيانه. أتذكر حين قرأت «المعطف» أول مرة في التسعينات وكانت منشورةً كاملةً في مجلة «عيون المقالات» بكيتُ بحرقة. ولحظة التأثر الصادقة هذه لا يمكن أن يقدمها لك إلا كاتب عظيم بحجم غوغول.

* جاءت روايتك «المموِّه» قصيرةً إلى حد الصدمة حتى أنها تقع في أقل من 60 صفحة، كيف ترى مسألة «الحجم» وتأثيرها في استقبال وتصنيف الأعمال الأدبية؟

-الحجم عادة ليس مقياساً. رواية «الليالي البيضاء» لدوستويفسكي رواية قصيرة لكن لا تقل أهمية وذكراً عن رواياته الكبيرة. الأهم في هذا السياق هو التأثير. وسواء كُتب على الغلاف رواية أو «نوفيلا»، يظل هذا الأمر يدور في قلة الحجم. ثمة مواضيع من الأفضل تقديمها قصيرة خصوصاً تلك القصص التي تعتمد على اللعب. وحين أقول قصصاً فإنه حتى الرواية كانت تسمى قصة، فالقصة عنصر أساسي في السرد، سواء كان هذا المسرود قصة قصيرة أو رواية.

* هل أردت أن تحرر فكرة السرد الروائي من «المطولات» التي أثقلته مؤخراً أعمال تتجاوز 400 أو 500 صفحة دون دواعٍ فنية؟

- لم أكن أقصد حين كتبت سوى التعبير بأقل الكلمات وأحياناً ألجأ لمجرد الإشارات. حالياً أعكف على نوفيلا بطلها شاب لا يتكلم، انطلاقاً من مقولة لبريخت مفادها أن الذي لا يتكلم لديه كلام كثير ليقوله، وهذا الكثير يعبّر عنه بمختلف حواسه، لا سيما العين وليس فقط الإشارات. قبل أن أكتب رواية «أوراق الغريب» دخلت في دورة للصم مدتها أسبوعان، وذلك لأنه ضمن شخصيات هذه الرواية امرأة خرساء. ورغم أن دورها ثانوي في الرواية، لكن كان من المهم فهم شعورها وطريقة تعبيرها بدقة وإلا أصاب النص نقص مخجل، ليس في عدد الصفحات، وهذا ليس مهماً كثيراً، لكن في الفهم... كيف تكتب عن حالة أو شخصية قبل أن تفهمها؟ هذا أمر في غاية الأهمية حسب وجهة نظري.

* تذهب رواية «المموه» إلى «المسكوت عنه» من خلال تجارة المخدرات وترويجها عبر الحانات... هل تعمدت ذلك وكيف ترى محاذير تناول مناطق شائكة في الرواية الخليجية؟

- طريقة تناولي للمواضيع السردية حذرة جداً، لكنه ذلك النوع من الحذر الذي لا يفرط بصياغة المادة الحكائية بقدر ما يكون في التعالي على مطابقتها حرفياً بالواقع. أستفيد من معطيات الواقع الموجودة والمباشرة لكن في حدود مدى خدمتها للعمل أدبياً. لو كنت أرغب في كتابة موضوع اجتماعي لما التجأت إلى الرواية. كنت سأكتب بحثاً حسب منهج علمي به تفاصيل ومسميات صريحة، لكن كتابة الأدب تتقصد أولاً إمتاع القارئ عبر اللغة والتخييل، ولا يمنع الكاتب أن يستفيد من كل معطيات الواقع وتنوعه طالما أن ما يكتبه يدور في فلك التخيل. وطالما أنه لم يستخدم كتابته لأغراض أخرى مثل تصفية الحسابات مثلاً.

*هل خلفيتك كاتبَ قصة قصيرة جعلتك تنحو إلى التكثيف والإيجاز وقلة عدد الشخصيات في أعمالك الروائية؟

- البداية كانت مع القصة وربما قبل ذلك محاولات شعرية بسيطة تحت تأثير قراءات لقصيدة النثر. بدأت الكتابة القصصية في سن مبكرة، نحو 19 عاماً، لكني لم أنشر مجموعتي القصصية الأولى إلا بعد الثلاثين ثم انتظرت 9 سنوات حتى أصدرت المجموعة القصصية الثانية «بركة النسيان». بعد ذاك توالت المجاميع القصصية، وكان ضمنها مجموعة «ساعة زوال» التي فازت بجائزة وطنية مهمة في مسقط، وهي جائزة السلطان قابوس في دورتها الأولى، بالنسبة للرواية فقد اقتحمت ساحتها بشيء من الحذر، بدأت تدريجياً بنوفيلا «خريطة الحالم» التي صدرت عن «دار الجمل»، ثم «درب المسحورة» التي صدرت عن «دار الانتشار»، بعد ذلك كتبت «فراشات الروحاني» وكانت كبيرة نسبياً ومتعددة الأصوات، كتب عنها الناقد المغربي الراحل إبراهيم الحجري دراسة موسعة نُشرت وقتها في مجلة «نزوى».

* بعد صدور مجموعتك القصصية الأولى «اللون البني» 1998 لماذا انتظرت 10 سنوات كاملة حتى تصدر المجموعة الثانية؟

ربما كنتُ مسكوناً أكثر بالقراءة. ورغم أن «اللون البني» لقيت نجاحاً وكُتب عنها بصورة مفرحة فإنني كنت أكتب أيضاً. أتذكر أن مجموعتي الثانية «بركة النسيان» كتبت الجزء الأوفر منها في دكان والدي بمدينة مطرح. كان معي دفتر أنكب عليه للكتابة وقت الظهيرة غالباً على عتبة الدكان حين يقضي أبي قيلولته في مسجد قريب. أحدهم قال لي لاحقاً إنه كان حين يعود من عمله بالسيارة لا يراني إلا منكباً وكان يستغرب. بعد أن أنهيت دراستي ساعدت والدي في دكانه كما كنت أساعده أثناء الإجازات الدراسية إلى أن وجدت عملاً في وزارة التعليم العالي. لذلك يمكن ملاحظة الكثير من الدكاكين في تلك المجموعة القصصية.

لا يخلو أي مجتمع من مفارقات ومن هنا يستثمر الأدب في جانبه السردي هذه المؤونة ويصعّدها إلى مستوى القص

* حصلت على العديد من الجوائز فضلاً عن الوصول للقوائم القصيرة لجوائز أخرى... كيف تنظر لحضور الجوائز في المشهد الأدبي العربي، وهل تشكل هاجساً ملحاً بالنسبة لك؟

- لم أكتب يوماً لنيل الجوائز، أنا مقتنع أن اللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط، وما عليك سوى العمل. كان أبي (رحمه الله) يقول لي «عليك أن تفتح الدكان صباح أول الناس وتنتظر». وفي هذا دعوة إلى الاستمرارية. بالنسبة للكاتب، عليه أن يقرأ كثيراً وربما أيضاً عليه أن يكتب، أما النشر فيأتي لاحقاً. كذلك الجوائز لا تستجيب بالضرورة لمن يخطط لها.

* أخيراً... ما سر حضور الرواية العمانية بقوة مؤخراً في المشهد الثقافي العربي؟

- ربما بسبب النزوح الجماعي نحو هذا اللون. مرة كتبت مقالاً في موقع «ضفة ثالثة» بعد رحيل عزيزنا القاص والروائي والطبيب عبد العزيز الفارسي، قلت فيه إنه حين كتب أول رواية وصعدت إلى القائمة الطويلة لجائزة «البوكر» في دورتها الأولى حوّل المشهد من كتابة القصة إلى كتابة الرواية في سلطنة عمان، فاتجه معظم من كان يكتب قصة إلى هذا الفضاء الجديد والمغري. هناك من ظل يراوح مزاولاته بين القصة والرواية وعبد العزيز كان واحداً منهم. وبذلك استطاع الكاتب العماني عموماً أن يساهم وينافس في مسابقات ذات طابع تنافسي عربي، كما حدث مع جوخة الحارثي وبشرى خلفان ومحمد اليحيائي وزهران القاسمي وآخرين في مجالات إبداعية مختلفة.