من الطرق إلى المسابح... فرنسا تعوّل على الضرائب لدعم الاقتصاد

الكفة تميل لتوجهات البنك المركزي ضد رغبة ماكرون

منظر عام من العاصمة الفرنسية باريس حيث يعاني الاقتصاد ضغوطاً فيما تعول الحكومة على الضرائب المستحدثة لسد عجز الموازنة (رويترز)
منظر عام من العاصمة الفرنسية باريس حيث يعاني الاقتصاد ضغوطاً فيما تعول الحكومة على الضرائب المستحدثة لسد عجز الموازنة (رويترز)
TT

من الطرق إلى المسابح... فرنسا تعوّل على الضرائب لدعم الاقتصاد

منظر عام من العاصمة الفرنسية باريس حيث يعاني الاقتصاد ضغوطاً فيما تعول الحكومة على الضرائب المستحدثة لسد عجز الموازنة (رويترز)
منظر عام من العاصمة الفرنسية باريس حيث يعاني الاقتصاد ضغوطاً فيما تعول الحكومة على الضرائب المستحدثة لسد عجز الموازنة (رويترز)

وسط تراجع اقتصادي عام بالبلاد، خصوصاً في قطاعات مهمة على غرار الصناعة والخدمات، وتراجع للثقة والتوظيف، يبدو أن السلطات الفرنسية تركز حالياً على الضرائب المستحدثة من أجل معالجة الميزانية ودعم الاقتصاد.

التوجه الجديد يأتي في مسار مضاد لرغبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لخفض الضرائب، سواء على الشركات أو الطبقة المتوسطة من أجل حمايتهم وتقليص الضغوط، لكن المؤسسات المالية، على رأسها بنك فرنسا (المركزي) ترى غير ذلك، إذ أشار محافظ البنك فرانسوا فيليروي دي غالو، على ماكرون، الشهر الماضي، بضرورة توقف الحكومة عن خفض الضرائب «ما لم تكن لديها طرق أخرى لتمويل العجز في الإيرادات».

وجهات نظر الطرفين تبدو منطقية، فوجهة نظر ماكرون تسعى لحماية مجتمعية، إضافة إلى محاولة لدعم أهم مدخلات الإنتاج (الشركات) والإنفاق (الطبقة الوسطى)، فيما وجهة نظر بنك فرنسا تهتم بإصلاح الموازنة، بالنظر إلى ديون فرنسا المتزايدة وعجز الميزانية الأكبر من المتوقع مقارنة بما قبل ارتفاع أسعار الطاقة.

وخفضت وكالة «فيتش» مؤخراً التصنيف الائتماني لفرنسا من «AA» إلى «AA-»، مع نظرة مستقبلية مستقرة. وقالت في مذكرة إن عجز الميزانية المتوقع لفرنسا للعامين الحالي والمقبل هو «أعلى بكثير» من متوسط الدول ذات التصنيف (AA). كما سلطت الوكالة الضوء على المخاطر السياسية الناجمة عن جهود ماكرون الأخيرة لرفع الحد الأدنى لسن التقاعد، الأمر الذي أثار احتجاجات حاشدة وتسبب في انقسام البرلمان، ما يجعل من الصعب الحصول على الدعم اللازم للإصلاحات المستقبلية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى حضوره مؤتمراً في باريس (أ.ف.ب)

وتراجع معدل نمو اقتصاد فرنسا إلى أقل مستوى له خلال 4 أشهر في مايو (أيار) الماضي، حيث فقد قطاع الخدمات الزخم. وانخفض مؤشر مديري المشتريات المجمع لفرنسا، كما أعلنت الشركات الفرنسية عن تدهور الطلب، وتراجعت ثقتها لأدنى مستوى في 5 أشهر، بينما انخفض إجمالي عدد الوظائف الجديدة لأول مرة منذ فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمسح أجرته «إس آند بي غلوبال». وسجّلت الخدمات زيادة طفيفة في الإنتاج مقارنة بالتوسع القوي لشهر أبريل (نيسان)، في حين شهد قطاع التصنيع انخفاضاً للمرة 12 على التوالي في الإنتاج.

وسجّلت الشركات تراجعاً في المبيعات، مشيرة إلى خسارة العملاء والتضخم وانخفاض الإنفاق. كما استمرت الطلبيات الصناعية الجديدة في الانخفاض بشكل حاد، بينما لا تزال الشركات المنتجة للسلع تشهد تدهوراً سريعاً في الطلب من الخارج.

كل هذه العوامل تدفع في اتجاه البحث عن مخرج تمويلي للموازنة، ومع تقلص الاستثمارات الجديدة حول العالم بصفة عامة، يبقى دعم الموازنة داخلياً عبر الضرائب أمراً لا مفر منه.

وفي أحدث جولات هذا الأمر، ذكرت تقارير صحفية يوم الاثنين أن فرنسا تدرس فرض ضريبة جديدة تتراوح عائداتها بين 2 و3 مليارات يورو على شركات تشغيل الطرق السريعة بحلول 2030، بعد حكم المحكمة الإدارية الفرنسية الذي يسمح للحكومة بفرض رسوم جديدة على هذه الشركات. ونقلت «بلومبرغ» عن صحيفة «لي إيكو» الفرنسية القول إنه من المتوقع إدراج الضريبة الجديدة في مشروع ميزانية العام المالي الجديد، وذلك دون كشف مصادر معلوماتها.

وفي مسار موازٍ، تتصاعد المطالبات بفرض مزيد من الضرائب على الأثرياء، وعلى المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، بل وحتى عبر اقتطاع المساعدات التي تقدم إلى المتقاعدين المغتربين خارج البلاد لفترات طويلة.

وتلجأ السلطات الضريبية حالياً إلى «مسارات غير مألوفة»، منها استخدام التكنولوجيا، فقد اكتشفت أكثر من 120 ألف مسبح غير معلن في البلاد من خلال تحليل صور جوية. وقامت سلطات الضرائب بالاتصال بالمخالفين، ومنحتهم مهلة 30 يوماً للإعلان عن المسابح الخاصة بهم، مع ذكر حجم المسبح وسنة البناء وتفاصيل أخرى.

وأعربت السلطات عن أملها في أن تتمكن من تحصيل إيرادات إضافية تصل إلى 50 مليون يورو (53.75 مليون دولار). ويمكن فرض ضرائب الممتلكات بأثر رجعي لمدة أربع سنوات على المسابح غير المعلنة. وسيتعين على من تم ضبطهم دفع مبلغ 375 يورو للبلديات التي ينتمون إليها.

وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لو مير يتحدث في الهاتف بقصر الإليزيه في باريس (أ.ف.ب)

ورغم الإشارات المتراجعة، أكد وزير المالية الفرنسي برونو لومير، تمسكه بتوقعات نمو اقتصاد بلاده بنسبة 1 بالمائة في عام 2023، رغم الركود في منطقة اليورو خلال فصل الشتاء، وتوقعات تباطؤ النشاط الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة. وقال لو مير، في مقابلة مع تلفزيون «فرانس 2» يوم الثلاثاء: «أؤكد توقعات النمو الاقتصادي، لكنني قلت بوضوح إنني واثق من البيئة الاقتصادية»، حسب «بلومبرغ».

وأعلن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في فرنسا، الأسبوع الماضي، أنه يتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.6 بالمائة فقط العام الحالي، زذلك لأن ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة أديا إلى تراجع الاستثمارات.

وتعول الحكومة على تحقيق أداء أقوى للحفاظ على المسار الصحيح مع خطة لخفض العجز متعددة السنوات قدمتها قبل شهرين فقط. ومع ذلك، وضع لو مير أيضاً خططاً لتحقيق وفرة إضافية مقدارها 10 مليارات يورو (10.9 مليار دولار) سنوياً بحلول عام 2027.


مقالات ذات صلة

انتقادات لاذعة في دمشق لقرار «شيكات» المائة دولار

المشرق العربي صورة نشرتها «الخطوط الجوية السورية» في «فيسبوك» لمسافرين بمطار دمشق

انتقادات لاذعة في دمشق لقرار «شيكات» المائة دولار

أثار قرار الحكومة السورية بأن يحصل المواطن العائد عبر مطار دمشق الدولي على «شيك» ورقي بقيمة 100 دولار ملزم بتصريفها قبل دخوله إلى البلاد بانتقادات عارمة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
الاقتصاد عاملة في أحد خطوط إنتاج الكابلات الكهربائية للسيارات بشرق الصين (أ.ف.ب)

نشاط التصنيع بالصين في أدنى مستوياته منذ 6 أشهر

هبط نشاط التصنيع في الصين إلى أدنى مستوى في ستة أشهر في أغسطس مع تراجع أسعار المصانع وصعوبة حصول أصحاب المصانع على الطلبات.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد مخازن وأنابيب نفطية ضمن خط دروجبا في دولة التشيك (رويترز)

أوكرانيا تهدد بوقف مرور صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا

قال مسؤول أوكراني إن بلاده ستوقف شحن النفط والغاز الروسيين من خلال خطوط أنابيبها إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (كييف)
المشرق العربي من اجتماع سابق بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي ووفد من جمعية المصارف (الوكالة الوطنية)

مقاربة حكومية لبنانية تمدّد أزمة الودائع المصرفية لـ20 عاماً

تكشف التسريبات المتوالية لمضمون الخطة الحكومية لإصلاح المصارف في لبنان، أن أزمة المودعين ستظل مقيمة لأمد يزيد على عِقد كامل لبعض الحسابات وعشرين عاماً لأخرى...

علي زين الدين (بيروت)
الاقتصاد سيدتان تمران أمام مقر بنك الشعب الصيني المركزي وسط العاصمة بكين (رويترز)

«المركزي» الصيني يكشف أول عملية شراء سندات بقيمة 14 مليار دولار

قال البنك المركزي الصيني يوم الجمعة إنه اشترى سندات حكومية صافية بقيمة 100 مليار يوان في أغسطس.

«الشرق الأوسط» (بكين)

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
TT

الجزائر تحصل على تفويض للانضمام إلى بنك التنمية التابع لـ«بريكس»

جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)
جانب من الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي بنك التنمية الجديد المنعقد بمدينة كيب تاون (الشرق الأوسط)

قالت رئيسة بنك التنمية التابع لمجموعة «بريكس»، ديلما روسيف، السبت، إن الجزائر حصلت على تفويض للانضمام إلى البنك.

وكانت مجموعة «بريكس» قد أسست البنك التنموي متعدد الأطراف في عام 2015. وأنشأت الدول المؤسسة لمجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) «بنك التنمية الجديد». وضمّت مجموعة «بريكس» السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا إلى عضويتها بدءاً من الأول من يناير (كانون الثاني) 2024.

ووافق البنك على ضم بنغلادش ومصر والإمارات والأوروجواي في 2021 في إطار حملة للتوسع.

وذكرت ديلما روسيف لصحافيين على هامش الاجتماع السنوي التاسع للبنك، في كيب تاون: «نجري عملية للسماح بضم أعضاء جدد إلى البنك... وحصلت الجزائر على تفويض لتصبح عضواً في البنك».