زيارة تبون لموسكو... حلقة جديدة في العلاقات المعقدة بين الجزائر وباريس

الرئيس الجزائري لم يؤكد بعد زيارته إلى فرنسا بعد الكثير من الأزمات الدبلوماسية المتتالية

من لقاء سابق بين الرئيس تبون وماكرون بالعاصمة الجزائرية في أغسطس الماضي (الرئاسة الجزائرية)
من لقاء سابق بين الرئيس تبون وماكرون بالعاصمة الجزائرية في أغسطس الماضي (الرئاسة الجزائرية)
TT

زيارة تبون لموسكو... حلقة جديدة في العلاقات المعقدة بين الجزائر وباريس

من لقاء سابق بين الرئيس تبون وماكرون بالعاصمة الجزائرية في أغسطس الماضي (الرئاسة الجزائرية)
من لقاء سابق بين الرئيس تبون وماكرون بالعاصمة الجزائرية في أغسطس الماضي (الرئاسة الجزائرية)

ينطوي رهان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على تحقيق تقارب مع الجزائر على مجازفة، وتبقى نتائجه غير مؤكدة، وهو ما ظهر من خلال اختيار الرئيس عبد المجيد تبون القيام بزيارة دولة إلى موسكو، بدل أن يزور باريس كما كان مقرراً.

وكان تبون سيزور بالأساس فرنسا، حيث كان سيحظى باستقبال حافل مع مواكبة خيالة الحرس الجمهوري له من مجمع «ليزينفاليد» إلى قصر الإليزيه، في مراسم كانت ستشكل رمزاً قوياً لبلد يسعى إلى الاعتراف الدولي، ولا سيما في القوة الاستعمارية السابقة. غير أن هذه الزيارة، التي كانت مقررة بادئ الأمر في مطلع مايو (أيار) الماضي، أرجئت إلى يونيو (حزيران) الحالي، وسط مخاوف من أن تعرقلها تظاهرات الأول من مايو في فرنسا، احتجاجاً على قانون إصلاح نظام التقاعد.

ولم يؤكد تبون بعد ذلك زيارته، التي كان يفترض أن تكرس التقارب بين البلدين، بعد الكثير من الأزمات الدبلوماسية المتتالية. فيما اكتفت الرئاسة الفرنسية بالقول إن الطرفين «يجريان محادثات لتحديد تاريخ يكون مناسباً»، مؤكدة بصورة غير مباشرة إرجاء الزيارة مجدداً.

وقال إبراهيم أومنصور، مدير المرصد المغاربي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) في باريس، إنها «حلقة جديدة في العلاقات المتقلبة والمعقدة بين باريس والجزائر».

وبدل باريس، زار الرئيس الجزائري، موسكو، الخميس، ووقع وسط مراسم احتفالية في الكرملين مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عدداً من الاتفاقات، الرامية إلى تعميق «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين.

وبمعزل عن الصداقة التي يبديها الرئيسان، تبقى العلاقة بين فرنسا والجزائر مطبوعة بالريبة وسوء التفاهم، والخلافات الماضية المكتومة.

وفي الجزائر العاصمة، تعود المشاعر المعادية لفرنسا إلى الظهور بانتظام على وقع التوتر بين البلدين. ولم يساهم في تهدئة الأجواء الجدل الذي قام في باريس حول إعادة التفاوض بشأن اتفاق الهجرة الموقع مع الجزائر عام 1968.

الرئيس الجزائري قام بزيارة موسكو بدل زيارة باريس كما كان مقرراً في مايو الماضي (أ.ف.ب)

يقول إبراهيم أومنصور، مدير المرصد المغاربي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) في باريس، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن زيارة تبون إلى فرنسا قبل 18 شهراً من الانتخابات الرئاسية الجزائرية «ما كانت لتصب لصالحه ربما».

ولا تزال مسألة الاستعمار الفرنسي، الذي استمر من 1830 إلى 1962، تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين، لا سيما وأن السلطة الجزائرية المنبثقة عن حرب الاستقلال (1954 - 1962) استمدت شرعيتها منها، وهو ما وصفه ماكرون في سنة 2021 بـ«ريع للذاكرة» حقيقيّ، مثيراً بذلك غضب الجزائر.

وتابع الخبير في معهد «إيريس» موضحاً أن الجزائر، المرشحة للانضمام إلى نادي «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، تفضل ربما «تفادي أي سوء تفاهم قد تثيره زيارة إلى باريس»، لأنها تطمح من خلال انضمامها إليه الارتقاء إلى مصاف القوى الكبرى.

غير أن زيارة تبون إلى موسكو لا تثير بالضرورة استياء باريس، وفي هذا السياق رأى مصدر دبلوماسي أن «الجزائر وسيط، وطرف يمكنه التحدث مع آخرين لا نتحدث نحن معهم. ويمكن القول في نهاية المطاف إن كونها تتحدث إلى الروس أمر جيد». غير أن ماكرون يبقى بعيداً عن تحقيق هدفه، القاضي بمصالحة الذاكرة بين البلدين، وإعادة تحريك العلاقات الثنائية، لا سيما على الصعيد الاقتصادي. كما أن تكثيف اهتمامه بالجزائر ألقى بظله على علاقات فرنسا الصعبة بالأساس مع المغرب. وبهذا الخصوص قال أومنصور إن «لعبة التوازن التي تلعبها فرنسا بين البلدين يُنظر إليها بالأحرى على أنها أقرب إلى لعبة مزدوجة».

ويخيم على العلاقات بين الرباط وباريس جفاء مستمر منذ أشهر، من أبرز مؤشراته عدم تعيين المغرب سفيراً لها لدى فرنسا حتى الآن. وقد نشأ الخلاف عندما خفضت باريس في سبتمبر (أيلول) 2021 عدد تأشيرات الدخول الممنوحة للمغاربة إلى النصف، وفق قرار رفع رسمياً في ديسمبر (كانون الأول) من السنة نفسها.

لكن الخلاف أبعد من ذلك، إذ يأخذ المغرب على فرنسا عدم الاعتراف بسيادته على الصحراء، على غرار ما فعلت إسبانيا والولايات المتحدة. وأقرت الأوساط في باريس بأنه «يجب إيجاد التوازن الصعب، وهذا ليس سهلاً، لكنه حقاً المطلب المطروح حالياً، والتوصل إلى إعادة تحريك علاقاتنا وإعادتها إلى السكة الصحيحة».



دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)
TT

دعم مصري للبنان... تحركات سياسية وإنسانية تعزز مسار التهدئة بالمنطقة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على هامش أعمال «القمة العربية الإسلامية» الأخيرة بالرياض (الرئاسة المصرية)

تحركات مصرية مكثفة سياسية وإنسانية لدعم لبنان في إطار علاقات توصف من الجانبين بـ«التاريخية»، وسط اتصالات ومشاورات وزيارات لم تنقطع منذ بدء الحرب مع إسرائيل، ومطالبات بوقف إطلاق النار ضمن جهود القاهرة للعمل على تهدئة الأوضاع بالمنطقة.

الدعم المصري لبيروت، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، نابع من «اهتمام أصيل بأمن وسيادة لبنان، وضمن رؤيتها في عدم توسيع نطاق الحرب، ويأتي استمراراً لوقوفها الدائم بجانب الشعب اللبناني بجميع الأزمات على مر العقود»، وسط توقعات بـ«دور أكبر للقاهرة في إعمار جنوب لبنان بعد الدمار الإسرائيلي».

ومع تفاقم الضربات الإسرائيلية على لبنان رغم محادثات اتفاق الهدنة، واصل الموقف المصري مساره السياسي بخلاف الإنساني في تأكيد دعم بيروت، حيث بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، على هامش أعمال اجتماع وزراء خارجية «مجموعة السبع» في إيطاليا «آخر التطورات بالنسبة لمفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان»، وفق بيان صحافي للخارجية المصرية، الثلاثاء.

وتمسك الوزير المصري بـ«ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن (1701) بعناصره كافة، وتمكين المؤسسات اللبنانية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، من بسط نفوذها بالجنوب اللبناني»، وهو الموقف الذي أكد عليه أيضاً في اجتماع آخر في روما مع نظيره اللبناني عبد الله بوحبيب «تناول آخر التطورات المتعلقة بالأوضاع في لبنان، والمفاوضات الجارية للتوصل لوقف إطلاق النار»، وفق المصدر ذاته.

وزير الخارجية المصري يلتقي نظيره اللبناني خلال مشاركتهما في فعاليات منتدى «حوارات روما المتوسطية» (الخارجية المصرية)

وأكد الوزير المصري «حرص بلاده على استمرار تقديم الدعم للبنان الشقيق في ظل الظرف الحرج الراهن، الذي كان آخره تسليم شحنة جديدة من المساعدات الإغاثية في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، تضمنت 21 طناً من المواد الغذائية، ومستلزمات الإعاشة اللازمة للتخفيف عن كاهل النازحين».

وفي تلك الزيارة، أجرى عبد العاطي 8 لقاءات ومحادثات، مع مسؤولين لبنانيين، على رأسهم، رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، حيث تم تناول «مجمل الاتصالات التي تقوم بها مصر مع الأطراف الإقليمية والدولية المعنية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، وتمكين الجيش اللبناني وعودته إلى الجنوب».

عبد العاطي خلال لقاء سابق مع قائد الجيش اللبناني ضمن زيارته لبيروت (الخارجية المصرية)

ويرى وزير الخارجية المصري الأسبق، محمد العرابي، أن الموقف المصري إزاء لبنان منذ التصعيد الإسرائيلي ومع حرب غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 «قوي ومتقدم ونابع من اهتمام أصيل بأمن وسيادة لبنان، وفكرة عدم توسيع نطاق الحرب في المنطقة بالشكل العنيف الذي تقوم به إسرائيل».

ولم يكن الدعم المصري وفق العرابي على «الصعيد الإنساني فقط، لكن كان قوياً دبلوماسياً وسياسياً، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كل المحافل يؤكد على موقف منحاز لسيادة وأمن لبنان، بخلاف اتصالات ولقاءات وزير الخارجية وأحدثها لقاء وزير خارجية لبنان في روما، وهذا يعبّر عن اهتمام واضح ومهم يُظهر لإسرائيل أن مصر رافضة توسعها في تهديد أمن المنطقة، ورافضة لأي مساس باستقرار لبنان».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ضمن زيارته الأخيرة لبيروت (الخارجية المصرية)

ويعد الموقف المصري المتواصل، وفق الكاتب السياسي اللبناني بشارة خير الله: «رسالة دعم مهمة في توقيت خطير يمر به لبنان»، مضيفاً: «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً وإغاثياً بارزاً في الوقوف بجانب لبنان، ونحن هنا في لبنان نعوّل على الدور المصري ونجاحه في تعزيز جسر المساعدات، والتوصل لوقف إطلاق نار».

ووفق خير الله، فإن «التحرك المصري المتواصل يأتي ضمن جهود عربية كبيرة مع لبنان»، لافتاً إلى أن «هذا الوقوف العربي مهم للغاية في ظل محنة لبنان الذي يدفع ثمناً كبيراً».

دور محوري

يتفق معهما، المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب، الذي أكد أن «مصر لها دور محوري في لبنان والمنطقة، من حيث دعمها لترسيخ الاستقرار في لبنان والمنطقة، فضلاً عن وقوفها الدائم بجانب الشعب اللبناني بجميع الأزمات على مر العقود، حيث قدمت مساعدات عند حادثة انفجار بيروت (2020) وأيضاً عند انتشار فيروس (كورونا)، ودعمت لبنان ولا تزال، ومستمرة في تقديم الدعم منذ بداية الحرب».

وبالنسبة للموقف السياسي، فإن مصر «تدعم وقف إطلاق النار في لبنان من خلال تنفيذ القرار (1701)، وتضغط بكل ما لديها من قوة في العالم العربي والمجتمع الدولي من أجل إنقاذ لبنان ووقف العدوان»، وفق أبو زينب الذي أكد أن «التعاون والتنسيق بين البلدين تاريخي بحكم العلاقات التاريخية والوطيدة بين مصر ولبنان، والتواصل مستمر، وهناك زيارات دائمة على صعيد المسؤولين لتقديم الدعم للبنان في الظروف الصعبة قبل الحرب، وأثناء العدوان أيضاً».

وسبق أن زار وزير الخارجية المصري لبنان في 16 أغسطس (آب) الماضي، قبل التصعيد الإسرائيلي الأخير، والتقى آنذاك في بيروت عدداً من المسؤولين، بينهم رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، وسط تأكيده على إجراء اتصالات رئاسية ووزارية متواصلة لبحث التوصل لتهدئةٍ، لا سيما منذ تحويل جنوب لبنان إلى جبهة مساندة لغزة.

ووفق وزير الخارجية المصري الأسبق، فإن «تلك الخطوات المصرية تجاه لبنان نتاج علاقات تاريخية ومستقرة، أضيفت لها مساندة سياسية وإنسانية متواصلة، وستكون بعد وقف الحرب محل تقدير من حكومة وشعب لبنان»، متوقعاً أن يكون لمصر دور في إعمار جنوب لبنان بعد التخريب الإسرائيلي له، مع اهتمام بدعم جهود لبنان في حل الفراغ الرئاسي.

وتلك الجهود تأتي «ضمن رؤية الرئيس المصري، كون العمل العربي المشترك مهم من أجل إنقاذ المنطقة من التطرف الصهيوني، سواء في غزة أو حالياً في لبنان، خصوصاً أن الأوضاع الكارثية حالياً في غزة ولبنان تتطلب مزيداً من الجهد والتعاون والعمل، وهو ما نقوم به حالياً مع الأشقاء العرب»، وفق المحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب.

والوصول لاتفاق تهدئة في لبنان «سيشجع جهود الوساطة المصرية على إبرام هدنة في غزة»، وفق تقدير المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب.

عبد العاطي يلتقي رئيس مجلس النواب اللبناني ضمن زيارته الأخيرة لبيروت (الخارجية المصرية)

وكما سعت القاهرة في ملف لبنان، فإنها ستعزز جهودها في ملف غزة، خصوصاً أن «حماس» تؤيد اتفاق لبنان، ولن يرغب أي طرف فلسطيني في لوم «حزب الله» الذي دفع ثمناً كبيراً أبرزه مقتل غالبية قياداته، وفق الرقب.