العراق: البرلمان يشرّع الموازنة ويفجّر خلافاً مع الأكراد

طعون حكومية متوقعة والسوداني أمام خيارات صعبة

البرلمان العراقي أقر فجر الاثنين الموازنة الاتحادية (البرلمان العراقي - رويترز)
البرلمان العراقي أقر فجر الاثنين الموازنة الاتحادية (البرلمان العراقي - رويترز)
TT

العراق: البرلمان يشرّع الموازنة ويفجّر خلافاً مع الأكراد

البرلمان العراقي أقر فجر الاثنين الموازنة الاتحادية (البرلمان العراقي - رويترز)
البرلمان العراقي أقر فجر الاثنين الموازنة الاتحادية (البرلمان العراقي - رويترز)

بعد ثلاثة أشهر مرهقة من التفاوض على أضخم موازنة عراقية منذ 2003، صوّت البرلمان العراقي فجر الاثنين على الموازنة العامة الاتحادية للسنوات 2023 و2024 و2025 التي تتضمن إنفاقاً يتجاوز 150 مليار دولار لكل سنة على مدى ثلاث سنوات. لكن القوى السياسية، لا سيما «الإطار التنسيقي» الحاكم، لا يبدو أنها ستتمكن من الاحتفال بهذا الإنفاق الضخم، ولن تكون قادرة على إطلاق تحضيراتها للانتخابات المحلية، نهاية العام الحالي؛ فالقانون الذي صوّت عليه البرلمان خرج بشق الأنفس، مزروعاً بألغام قد تضرب الاتفاقات السياسية في أي لحظة.

وفي الوقت الحالي، فإن صيغة الموازنة التي صوّت عليها البرلمان، على مدار خمسة أيام، حددت، بطريقة ما، مساراً تشريعياً لإذكاء الخلافات السياسية بين أقطاب الحكومة الثلاثة؛ الإطار التنسيقي الشيعي، إلى جانب القوى الكردية والسنية، وفقاً لتصورات سياسيين ومسؤولين عراقيين.

وصحيح أن الخلافات الرئيسية تتركز على البنود المتعلقة بإقليم كردستان، لكن القضية قد تتحول قريباً إلى «إعصار سياسي» سيجتاح صالونات الأحزاب المتنفذة في بغداد، كما يقول نائبان كرديان، وآخر من حزب شيعي.

والحال، أن بنود الموازنة الخاصة بحصص إقليم كردستان، وآلية تصدير نفطه، تضمنت نصاً يسمح للاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يسيطر على مدينة السليمانية (شمال)، بالتعامل مع بغداد، وتحويل حصته من الموازنة مباشرة دون تسليمها إلى حكومة إقليم كردستان.

ويعتقد كثيرون في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن هذه الصيغة «سياسية بامتياز»، ويمكن أن تمهّد إلى شطر الإقليم إلى إدارتين، أسرع من أي وقت مضى.

البرلمان العراقي أقر فجر الاثنين الموازنة الاتحادية (البرلمان العراقي - رويترز)

ويقول قيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني إن «الظروف الداخلية في إقليم كردستان واضطرار الحزب إلى دعم هذه الصيغة النادرة في الموازنة تمهّد الطريق بالفعل إلى صيغة الإدارتين».

وخرجت ليلة أمس مواقف غاضبة من رئيس الحزب الديمقراطي، مسعود بارزاني، حين شدد على رفض «أي محاولة متهورة لتقويض كيان الإقليم»، وقال إن «كردستان ليست خطاً أحمر فحسب، بل هي خط الموت أيضاً».

وفي السليمانية، أظهر أعضاء في الاتحاد الوطني الكردستاني، تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، سعادة بالغة بالصيغة النهائية للموازنة العامة، وقال بعضهم إن «ما حدث انتصار سياسي ساحق، حجّم من احتكار الحزب الديمقراطي الكردستاني للسلطة في الإقليم».

ويعتقد كثيرون أن أطرافاً متنفذة في «الإطار التنسيقي» ودوائر إيرانية تدفع باتجاه إحداث اختراق في البيئة الكردية عبر تعزيز نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، لكن ذلك ما زال مجرد فرضية سياسية تثير قلق أطراف شيعية من تداعيات مثل هذا المسار على مجمل المعادلة في بغداد.

وترى أطراف كردية أن الموازنة صيغت بحماسة سياسية ضد مصالح الإقليم، وجاءت نتيجة لظاهرة غير مسبوقة شهدتها مفاوضات الموازنة الحالية، تمثلت في «طغيان رغبة أطراف شيعية في احتكار مطلق للصلاحيات» على أساس أن «الحاجة انتفت للاستماع للشركاء السنة والكرد والتفاوض معهم على مصالحهم».

نواب عراقيون خلال جلسات مناقشة وإقرار الموازنة الاتحادية يوم الأحد (البرلمان العراقي - رويترز)

ولا تحظى هذه الرغبة بإجماع داخل «الإطار التنسيقي»، لكن أطرافاً متنفذة، مثل «عصائب أهل الحق« و«دولة القانون»، تتبنى هذا النهج المركزي، ما دام يعزز الحالة الشيعية للدولة.

وقال قيادي في منظمة «بدر»، بزعامة هادي العامري، لـ«الشرق الأوسط»، إن الموازنة الاتحادية بنيت في هذه الأجواء، والتفاوض مع الكرد والسنة بهذه الطريقة منحهما فرصة للتراجع خطوتين إلى الخلف في مسألة الشراكة. وأضاف القيادي، الذي شارك في مفاوضات شاقة بين الأحزاب الشيعية والكردية خلال الأسابيع الماضية، أنه «كان من السهل رؤية القلق في وجوه الشركاء، وأن الخيارات القاسية التي قد يقدم عليها السنة والكرد، لن تكون مستبعدة بعد اليوم».

وكشفت مصادر متطابقة أن أجندة الزيارة التي أجراها قائد «فيلق القدس» الإيراني، إسماعيل قاآني للعراق الأسبوع الماضي، شملت ملفات عدة «مهمة وعاجلة»، كان من بينها «مشاركة العراقيين القلق الإيراني من الأضرار الجانبية لطريقة التفاوض الشيعية على الموازنة مع الآخرين».

وقال مصدر حضر اجتماعاً لقاآني مع قادة عراقيين في الإطار التنسيقي، إن المسؤول الإيراني تحدث عن قلق طهران من «خلل استراتيجي في السياسة التي يتبعها الإطار التنسيقي، قد تنتهي، على المدى المتوسط، بتحويل مناطق الشركاء إلى بؤر توتر من الصعب احتواؤها».

والآن، يواجه الإطار التنسيقي صداعاً شديداً بسبب ضرائب قانونية وسياسية نتجت عن إقرار الموازنة بصيغتها الحالية، أقلها الطعون الكثيرة المحتملة من مكتب رئيس الوزراء ووزارة المالية.

وقال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في أول بيان له بعد إقرار الموازنة، إن الحكومة ستراجع تعديلات البرلمان على الموازنة، للتحقق من مطابقتها الرؤية الحكومية. وقال رئيس الوزراء في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية (واع): «الموازنة التي صوّت عليها مجلس الوزراء في 13 مارس (آذار) الماضي، أخذت بنظر الاهتمام أولويات تمسّ المتطلبات الأساسية للفرد والعائلة، ومعيشة المواطنين، وتسعى إلى تلبية طموحاتهم في ما ينتظرونه من الحكومة من مشاريع الخدمات والإعمار والبنى التحتية». وتابع: «لقد ارتكزت حكومتنا، بتقديمها الموازنة الثلاثية، على الرؤية الإصلاحية الواضحة التي نتبناها في البرنامج الحكومي، وهي خطوة إجرائية وعلمية تحمل حلولاً لظاهرة تكرار تلكؤ المشاريع أو فشلها، التي رافقت الحكومات طيلة السنوات الماضية»، مؤكداً أن «هذه الرؤية من شأنها تقليل الإنفاق التشغيلي وتنمية الإيرادات غير النفطية ودعم القطاع الخاص». ولفت إلى أن «الحكومة ستعمل على مراجعة البنود التي جرى تعديلها في الموازنة، ودراسة مدى تطابقها مع رؤية الحكومة وأهدافها المعتمدة في المنهاج الوزاري المقر من مجلس النواب».

قوات أمن عراقية في بغداد يوم 5 يونيو الحالي (أ.ف.ب)

مهمة السوداني في هذا الإطار لا يبدو أنها ستكون سهلة، ورغم أنه الآن بحاجة ماسة إلى «تنفيس الأزمة» مع حكومة إقليم كردستان، وحليفه في تحالف «إدارة الدولة»، مسعود بارزاني، لكنه قد لا يتمكن من إطفاء الغضب الكردي، بينما يفتح جبهة توتر جديدة مع الإطار التنسيقي.

ويواجه السوداني، الآن، ما يشبه «التمرد الشيعي» على الاتفاقات السياسية، وصحيح أن نوري المالكي (دولة القانون) يبدو فيها طرفاً محايداً، لكنه حسب سياسيين فاعلين «ما زال يغذي الصراع مع الكرد»، ويهدف إلى تقويض قدرات منافسين له، داخل الإطار التنسيقي، بفتح جبهة في مكان آخر.

لذا، لن تكون الطعون الحكومية في الموازنة هي أسوأ ما قد ينتظر الإطار التنسيقي والحكومة معاً، بل «الألغام المزروعة داخل بيت الإطار التنسيقي»، التي باتت تسمح بانقسامات شيعية متعددة، أكثر من أي وقت مضى.

في هذه الأثناء، فإن مجموعات شيعية داخل الإطار التنسيقي، تخوض «نقاشات عاجلة» لاحتواء تداعيات «موازنة محمولة سياسياً»، وهي تشعر بضغط التيار الصدري الذي يراقب الوضع، وقد يقفز إلى المشهد لاقتناص الارتباك الشيعي، والاستفادة من تذمر الشركاء السنة والكرد.

النفط يشكل 90 في المائة من عائدات العراق (رويترز)

وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن قيمة النفقات المقترحة في الموازنة الجديدة تبلغ 198 تريليوناً و910 مليارات دينار (نحو 153 مليار دولار) لكلّ عام من الأعوام 2023 و2024 و2025. وتبلغ حصة إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، 12.67 في المائة من هذه الموازنة التي تتضمن تغييرات في ما يتعلق بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه بين بغداد وأربيل في أبريل (نيسان) لفتح الطريق أمام استئناف تصدير نفط الإقليم عبر تركيا. وقد توقفت الصادرات منذ مارس، بعد قرار هيئة تحكيم دولية أعطت الحق لبغداد في إدارة ملف النفط في الإقليم. ووفقاً لقانون الموازنة، يجب أن تمر صادرات نفط الإقليم حالياً عبر شركة تسويق المنتجات النفطية العراقية (سومو). ولا يقتصر «شحن النفط الخام» على إدارة حكومة الإقليم. إضافة إلى ذلك، يجب على حكومة أربيل تسليم ما لا يقل عن 400 ألف برميل يومياً من النفط إلى بغداد. كما ينبغي إيداع الإيرادات المتأتية من تصدير نفط الإقليم في حساب مصرفي تفتحه وزارة المالية الاتحادية لدى البنك المركزي العراقي. ويبلغ إجمالي إيرادات الموازنة 134 تريليوناً و5 مليارات دينار (103.4 مليار دولار)، بناءً على سعر برميل نفط 70 دولاراً، حيث تشكّل العائدات النفطية نسبة 90% من إيرادات البلاد.

ويقدر العجز بـ49.5 مليار دولار، الرقم الذي يعد قياسياً مقارنة بالموازنة الأخيرة التي جرى التصويت عليها في عام 2021 (ولم يجرِ الاتفاق على ميزانية عام 2022 بسبب عدم الاستقرار)، حيث بلغ العجز حينها 19.8 مليار دولار، وفق الوكالة الفرنسية. وأضافت وكالة الصحافة الفرنسية أنه من المتوقع أن يشهد القطاع العام في العراق نمواً كبيراً ما قد يشكل ضغطاً على الميزانية، وفقاً لمحللين. وتوقع الخبير الاقتصادي أحمد الطبقجلي أن يشهد العراق موجة توظيف لأكثر من 600 ألف شخص، بينما قدّر قوائم أجور ومعاشات القطاع العام بأكثر من 58 مليار دولار. وقال الطبقجلي للوكالة الفرنسية إن «العراق ضعيف لأنه إذا انخفضت أسعار النفط فسيتعين عليه تخفيض الميزانية». وأضاف أنه رغم ذلك وبما «أننا لا نستطيع تقليل النفقات الثابتة، سيتعين علينا تقليل نفقات الاستثمار». وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر الشهر الماضي من «الاعتماد» على «الإيرادات النفطية» في العراق، داعياً بغداد إلى «وضع سياسة للمالية العامة أكثر تشديداً». وتشمل النفقات في الموازنة استثمارات بقيمة 49 تريليوناً و350 مليار دينار (37.9 مليار دولار)، ستذهب خصوصاً في بناء الطرقات والمشاريع السكنية والمدارس والمستشفيات، التي تشكّل «أولوية» بالنسبة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في بلد تعاني بنيته التحتية من التهالك بفعل عقود من الحروب.


مقالات ذات صلة

الاستخبارات العراقية تعتقل «هدفين» داخل الأراضي السورية بالتعاون مع «التحالف الدولي»

المشرق العربي عناصر من قوات الأمن العراقية في بغداد (أ.ب - أرشيفية)

الاستخبارات العراقية تعتقل «هدفين» داخل الأراضي السورية بالتعاون مع «التحالف الدولي»

تمكّنت قوات استخبارية عراقية، بالتنسيق مع قوات الأمن السورية و«التحالف الدولي»، من اعتقال هدفين مهمين مطلوبين للقضاء العراقي بإنزال جوي شمال شرقي سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره العراقي فؤاد حسين في واشنطن أبريل 2025 (إعلام حكومي)

العراق يرحب بإلغاء «تفويض القوة» الأميركي

ألغى الكونغرس الأميركي تفويض استخدام القوة العسكرية ضد العراق، وذكرت وزارة الخارجية العراقية أن القرار تاريخي و«يعزز احترام السيادة».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

جمود يضرب مفاوضات اختيار الرئاسات العراقية

من المفترض أن يقدم تحالف «الإطار التنسيقي» في العراق مرشحه النهائي لرئاسة الحكومة خلال أسبوعين «حداً أقصى».

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عراقي بأحد شوارع بغداد يمر أمام صورة لمقتدى الصدر مرتدياً الزي العسكري الخاص بـ«سرايا السلام»  (أ.ف.ب)

الصدر يجمّد جناحه العسكري في محافظتين بالعراق

أعلن زعيم «التيار الصدري» في العراق، مقتدى الصدر، الثلاثاء، أنه قرر تجميد جناحه العسكري المعروف باسم «سرايا السلام» في محافظتي البصرة وواسط جنوبي البلاد.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي جانب من اجتماع لمجلس الوزراء العراقي (واع) play-circle

الحكومة العراقية تُقيل مسؤولين عن إدراج «حزب الله» و«الحوثي» بقوائم الإرهاب

أعلنت الحكومة العراقية، الثلاثاء، توقيع عقوبات تضمنت إعفاءً لمسؤولين عن نشر قرار بتصنيف جماعة «الحوثي» اليمنية، و«حزب الله» اللبناني، منظمتين إرهابيتين.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

الاستخبارات العراقية تعتقل «هدفين» داخل الأراضي السورية بالتعاون مع «التحالف الدولي»

عناصر من قوات الأمن العراقية في بغداد (أ.ب - أرشيفية)
عناصر من قوات الأمن العراقية في بغداد (أ.ب - أرشيفية)
TT

الاستخبارات العراقية تعتقل «هدفين» داخل الأراضي السورية بالتعاون مع «التحالف الدولي»

عناصر من قوات الأمن العراقية في بغداد (أ.ب - أرشيفية)
عناصر من قوات الأمن العراقية في بغداد (أ.ب - أرشيفية)

أفاد بيان عسكري عراقي، اليوم (الجمعة)، بأن قوات استخبارية عراقية تمكنت، بالتنسيق مع قوات الأمن السورية و«التحالف الدولي»، من اعتقال هدفين مهمين مطلوبين للقضاء العراقي بإنزال جوي في شمال شرقي سوريا وإلقاء القبض عليهما.

وذكر بيان لخلية الإعلام الأمني في قيادة العمليات المشتركة العراقية، أن خلية «الصقور» الاستخبارية في وكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية في وزارة الداخلية، تمكنت عبر قوة محمولة جواً، بالتنسيق مع قوات الأمن السورية وبإسناد فني ودعم من «التحالف الدولي»، من تنفيذ إنزال جوي على هدفين مهمين مطلوبين للقضاء العراقي في شمال شرقي سوريا داخل الأراضي السورية، والقبض عليهما.


اجتماع باريس: تفهم لوضع لبنان وتحديد موعد لمؤتمر دعم الجيش

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)
TT

اجتماع باريس: تفهم لوضع لبنان وتحديد موعد لمؤتمر دعم الجيش

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان (أرشيفية - أ.ب)

النتيجة الأولى والرئيسية للاجتماع الذي حصل في قصر الإليزيه بحضور قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل، الذي قام بأول زيارة رسمية له لفرنسا، في إطار مساعي دعم الجيش المهمة الموكلة إليه بحصر السلاح بيد الدولة، وتنفيذ مضمون القرار «1701»، تمثلت في اتفاق فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية على عقد المؤتمر الرئيسي الدولي الموعود لمساندة القوات المسلحة اللبنانية في شهر فبراير (شباط) من العام المقبل.

بيد أن البيان الذي وزعه قصر الإليزيه، عقب انتهاء الاجتماع لم يأت على ذكر العاصمة التي ستستضيف المؤتمر الذي تأخر انعقاده، فيما يدور الحديث حوله منذ التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي. كذلك فإن الناطق باسم الخارجية، لم يوفر أية معلومات إضافية عندما سئل عن هذا الملف في مؤتمره الصحافي الأسبوعي.

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

وثمة مستجد رئيسي يعكس جدية الاتفاق على المؤتمر الدولي والسعي، أخيراً، لالتئامه، أن بيان الإليزيه أشار إلى أن ممثلي الدول الثلاث المعنية اتفقوا، في إطار سعيهم إلى توفير الدعم للبنان لجهوده الرامية إلى تنفيذ وقف الأعمال العدائية الصادر في 26 نوفمبر 2024 وخطة «درع الوطن»، على إنشاء فريق عمل ثلاثي للتحضير للمؤتمر الدولي لدعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي، المقرر عقده في فبراير من عام 2026.

ما كان لهذا القرار أن يصدر من غير التقييم الإيجابي لما يقوم به الجيش اللبناني حتى اليوم في عملية حصر السلاح في منطقة جنوب الليطاني برغم بروز الحاجة إلى تطوير أدائه. فالأطراف الثلاثة التي استمعت للعماد هيكل شارحاً ما قام به الجيش اللبناني في إطار تنفيذ خطة «درع الوطن» أثنت على إنجازاته. وجاء في البيان المشار إليه سابقاً، أن الموفدين الخاصين للأطراف الثلاثة «أعربوا عن دعمهم للقوات المسلحة اللبنانية وللتضحيات التي تقدمها».

وفي السياق عينه، قال باسكال كونفافرو، إن الأطراف الثلاثة «عبّرت وبشكل جماعي عن تقييم إيجابي بخصوص انخراط القوات المسلحة اللبنانية» في تنفيذ المهمات الموكلة إليها.

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل (مديرية التوجيه)

وأفاد مصدر مواكب، بأن هذا التقييم يعد عاملاً مهماً في دعم السلطات اللبنانية التي تواجه انتقادات إسرائيلية يومية تتهم الجيش بعدم تنفيذ مضمون القرار المنوط به، والخطة التي عرضها والمشكلة من خمس مراحل، حيث يتم تناول نزع سلاح «حزب الله» في منطقة جنوب الليطاني.

وفي هذا الخصوص، قالت الخارجية الفرنسية، إن الأطراف المعنية (في إشارة إلى اللجنة الخماسية التي تشرف على احترام وتنفيذ آلية وقف إطلاق النار، المسماة الميكانيزم)، تعود إليها صلاحية تمديد المرحلة الأولى لما بعد نهاية العام الحالي.

رغم الثناء المشار إليه، فإن تحسين آلية عمل اللجنة، كان جزءاً من المناقشات التي حصلت قبل ظهر الخميس في القصر الرئاسي. وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا التي تستشعر الأخطار التي تحيط بلبنان، والتهديدات الإسرائيلية المتواترة بالعودة إلى الحرب المتوقفة نظرياً منذ ما يزيد على العام بسبب ما تعده تل أبيب مساعي لـ«حزب الله» لإعادة تسلحه، وترميم بناه التحتية العسكرية، تريد أن يوثق الجيش اللبناني ويظهر ما يقوم به.

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يتفقّد موقع تفجير منشأة «حزب الله» في الجنوب (مديرية التوجيه)

وقالت الخارجية إن «ثمة حاجة إلى توفير الوسائل الضرورية ميدانياً لآلية الميكانيزم لإبراز التقدم الذي تحرزه الوحدات العسكرية اللبنانية» في عملية نزع سلاح «حزب الله». وقد أفادت بأن محادثات الخميس «ركزت على كيفية إظهار إحراز تقدم ملموس فيما يتعلق بنزع سلاح (حزب الله). وترى باريس في ذلك حجة لدرء الأخطار». وأفاد مصدر مطلع لـ«الشرق الأوسط»، بأن من بين المطلوب من الوحدات العسكرية اللبنانية «سد الثغرات» التي تتسلل منها إسرائيل لاتهام الجيش بالتقصير، ومن ذلك الضغوط التي تمارسها من أجل تفتيش المنازل التي تدعي أنها تستخدم لتكديس سلاح «حزب الله».

كذلك ثمة مطلب آخر يتمثل بمواكبة «اليونيفيل» للوحدات العسكرية اللبنانية عند قيامها بمهامها. بيد أن هذا الأمر لم يحسم بعد، علماً بأن ثمة تساؤلات عما سيؤول إليه الوضع بعد بدء انسحاب قوات الأمم المتحدة من جنوب لبنان مع بداية عام 2026، وطبيعة القوة التي سوف تحل مكانها، والدور المنوط بها. بيد أن هذه المسألة سيعود البت بها لمجلس الأمن الدولي، إن لجهة سرعة ووتيرة انسحاب «اليونيفيل» أو الصورة التي سيرسو عليها تشكيلها.

غير أن مسألة تفتيش المنازل كما تطالب بذلك إسرائيل قد تثير مشاكل وخلافات مع الأهالي فيما يسمى «بيئة حزب الله». وسبق أن اعترض عدد منهم أكثر من مرة على هذا الأمر. وأفادت الأنباء الورادة من الجنوب بأن دورية لـ«اليونيفيل» تعرضت للمضايقة، الخميس في بلدة كفركلا الجنوبية.

آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية على طريق الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

وتكمن أهمية اجتماع باريس، في أنه جاء قبل يوم واحد من اجتماع هيئة «الميكانيزم» التي من المفترض أن يشارك فيها المبعوث الرئاسي الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، والمفترض أن يكونا شاركا في اجتماع الخميس. وسبق لمصادر فرنسية، أن توقفت عند المخاوف مما قد تقدم عليه إسرائيل، وما سيقرره رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ربطاً بوضعه الداخلي ونزوعه إلى مواصلة حروبه ومنها حربه في لبنان.

كذلك تتخوف باريس من قراءة «حزب الله» لمضمون اتفاق وقف إطلاق النار، وهي تعد أن المراحل اللاحقة ستكون أكثر تعقيداً مما كانت عليه المرحلة الأولى. وفي هذا السياق، يبرز تعليق رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري الذي رأى في الهجمات التي قامت بها المسيرات الإسرائيلية يوم الخميس «رسالة» إلى المجتمعين في باريس، وللجنة مراقبة وقف إطلاق النار.

الرئيس اللبناني جوزيف عون (يمين) مجتمعاً مع المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان يوم 8 ديسمبر في قصر بعبدا (الرئاسة اللبنانية)

ولاكتمال الصورة، تتعين الإشارة إلى أن أحد الملفات المطروحة، يتناول عمل الآلية بعد أن ضُم إليها مدنيان من لبنان وإسرائيل، والمدى الذي ستصل إليه فيتناول المسائل الخلافية بين البلدين.

وفي أي حال، فإن اجتماع باريس يعد مثمراً، لأنه أتاح من جهة لقائد الجيش أن يعرض من جهة، حاجات قواته من السلاح والعتاد والتمويل، ومن جهة ثانية ما حققته ميدانياً. كذلك، فإن تحديد تاريخ للمؤتمر الدولي لدعم الجيش، وحتى من غير تعيين مكان التئامه، يعد أيضاً تقدماً ملموساً إضافة إلى أن الاجتماع وفّر للبنان ولجيشه دعماً معنوياً هما بحاجة ماسة إليه، في الوقت الذي يتعرض لضغوط من الداخل والخارج.


مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
TT

مقتل طفل وإصابة آخرين جراء انفجار أجسام من مخلّفات إسرائيلية في غزة

فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون في شارع محاط بمبان دُمّرت خلال العمليات الجوية والبرية الإسرائيلية بمدينة غزة 17 ديسمبر 2025 (أ.ب)

قالت وكالة وفا الفلسطنينة إن طفلاً قُتل، وأُصيب عدد من المواطنين بجروح، على أثر انفجار أجسام من مخلَّفات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

وقُتل الطفل على أثر انفجار جسم من مخلّفات في منزل سكني يعود لعائلة الصوري في شارع الجعوني بمخيم النصيرات وسط القطاع، كما أُصيب عدد من المواطنين بانفجار جسم من مخلّفات الاحتلال في الشارع الثاني بحي الشيخ رضوان بمدينة غزة.

وأفاد مجمع ناصر الطبي بوصول إصابتين بنيران إسرائيلية في منطقتيْ بطن السمين وقيزان رشوان، جنوب مدينة خان يونس.

فلسطينيون أمام موقع منزل انهار أمس بعدما دُمّر جزئياً خلال الحرب في مخيم الشاطئ بمدينة غزة (رويترز)

وأتمّت الطواقم الطبية والإنقاذ والدفاع المدني، اليوم، عملية انتشال جثامين 60 شخصاً من عائلة سالم، من تحت أنقاض منزل عائلة أبو رمضان، الذي دمّره العدوان الإسرائيلي، خلال عدوانه على حي الرمال غرب مدينة غزة.

وجرى انتشال الجثامين من تحت أنقاض المنزل المدمَّر، بعض الجثامين كانت رفات، في حين جرى نقل 17 جثماناً دُفنت في محيط المنزل خلال العدوان، مشيراً إلى أن عملية انتشال الجثامين استغرقت ثلاثة أيام متواصلة نظراً لضعف الإمكانيات.