هدنة السبت صامدة... والبرهان مع أي حل ينهي الحرب في البلاد

تحت مراقبة الأقمار الصناعية... طرفا القتال في السودان ملتزمان بالهدنة

عودة الحركة للأسواق في الخرطوم السبت (أ.ف.ب)
عودة الحركة للأسواق في الخرطوم السبت (أ.ف.ب)
TT

هدنة السبت صامدة... والبرهان مع أي حل ينهي الحرب في البلاد

عودة الحركة للأسواق في الخرطوم السبت (أ.ف.ب)
عودة الحركة للأسواق في الخرطوم السبت (أ.ف.ب)

لم يشهد يوم السبت أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في السودان من طرفي القتال، الجيش وقوات «الدعم السريع»، وتوقف القصف الجوي والاشتباكات في العاصمة الخرطوم، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، وفي أثناء ذلك، أكد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، خلال اتصال هاتفي مع رئيس الاتحاد الأفريقي، رئيس جزر القمر، غزالي عثماني، أنه مع أي حل ينهي الحرب مع قوات «الدعم السريع».

وكان الطرفان قد تعهدا بالالتزام بالهدنة لمدة 24 ساعة، وفقاً لمقترح من الوساطة السعودية الأميركية، خلال المحادثات الجارية في مدينة جدة السعودية، بعد فشل هدنتين سابقتين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتحذيرات من دولتي الوساطة بتعليق المحادثات.

وتأتي الهدنة القصيرة في أعقاب سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار انتهكها طرفا الصراع، وهما الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، اللذان تحول صراعهما على السلطة إلى أعمال عنف بدأت منذ ثمانية أسابيع، ما أدى إلى أزمة إنسانية.

وقالت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية إنهما تشعران بـ«خيبة أمل» بسبب الانتهاكات، في بيان الإعلان عن الهدنة الأخيرة، وهدد الوسيطان بتأجيل المحادثات التي استمرت بشكل غير مباشر في الآونة الأخيرة، إذا تواصل القتال. ووفقاً لمكتب الشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الأميركية، تخضع الهدنة الحالية لرقابة صارمة بالأقمار الصناعية وأدوات أخرى، لرصد أي خروقات من قبل الطرفين المتحاربين.

التزام بالهدنة

وفي موازاة ذلك، أفادت مصادر متعددة من مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم، بحري، وأم درمان) بهدوء الأوضاع، وتوقف أصوات القصف الجوي والمضادات الأرضية، كما لم تسمع أصوات تبادل إطلاق النار تشير إلى وقوع اشتباكات بين الطرفين. ووفقاً لشهود عيان، لم تشهد سماء المدينة تحليقاً للطيران الحربي التابع للجيش السوداني منذ الساعات الأولى لسريان الهدنة.

وقال علي عثمان، المقيم في منطقة «الحاج يوسف» شرق النيل: «لقد توقف القصف الجوي تماماً، ويبدو أنه لا توجد اشتباكات بين الجيش والدعم السريع»، مضيفاً: «نتمنى ألا يتجدد القتال مرة أخرى».

عودة الحركة للأسواق في الخرطوم السبت (أ.ف.ب)

وبحسب متابعات «الشرق الأوسط»، ساد الهدوء التام في العاصمة، وعادت الحركة شبه طبيعية، لكنها محدودة في العديد من أحياء شرق الخرطوم، الواقعة بالقرب من المقر الرئيسي لقيادة الجيش، والتي شهدت اشتباكات وقصفاً مدفعياً طيلة الأسبوع الماضي.

غزالي عثمان يدعو إلى حل أفريقي

وذكر بيان صادر عن رئاسة مجلس السيادة السوداني أن رئيسه عبد الفتاح البرهان، تلقى السبت اتصالاً هاتفياً من رئيس الاتحاد الأفريقي، تطرق خلاله إلى الجهود المبذولة عبر منبر جدة لحل الأزمة في السودان.

وعزا البرهان فشل جميع الهدنات السابقة إلى عدم وجود آليات فعالة وملزمة لمتابعة خروقات قوات «الدعم السريع»، وعدم التزامها بإخلاء منازل المواطنين والمستشفيات والمرافق العامة والمقرات الحكومية.

الفريق عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

وقال البرهان إن «حكومة السودان مع أي حل ينهي حرب قوات الدعم السريع بمعاونة المرتزقة الأجانب، ويعيد الطمأنينة للشعب السوداني».

بدوره، أكد رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثمان، أهمية أن يكون الحل أفريقياً لإحلال السلام في السودان.

وكان الجيش السوداني أعلن موافقته على وقف إطلاق النار لمدة يوم واحد، لكنه أكد احتفاظه بالتعامل مع أي انتهاكات تصدر من جانب قوات «الدعم السريع»، التي بدورها أعلنت موافقتها على الاتفاق وكل الاتفاقيات السابقة المتعلقة بوقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية.

مالك عقار: تعدد المنابر لا يخدم الحل

من جهة ثانية، جدد نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، لدى لقائه في أديس أبابا، أمس، رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ثقة بلاده في آلية رؤساء دول «منظمة التنمية الحكومية» (إيقاد) بشأن الحل في السودان.

وقال عقار: «أوضحت لرئيس الوزراء الإثيوبي أن تعدد المنابر الماثل الآن مضر ولا يساعد في الحل». وذكر بيان مجلس السيادة السوداني أن آبي أحمد شدد على أهمية الإسراع بوقف القتال بكافة السبل، مبدياً تأثره البالغ بالوضع الإنساني الكارثي الذي يمر به السودانيون. وأبدى آبي أحمد استعداده الكامل لزيارة الخرطوم مهما كلف الأمر، وذلك للجلوس مع الطرفين للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

مالك عقار صار نائباً لرئيس مجلس السيادة (رويترز)

ودعا عقار القوى الإقليمية والدولية إلى توحيد الجهود والتنسيق الكامل لوقف تعدد المنابر والمبادرات الحالية.

وقطع اتفاق وقف إطلاق النار معارك ضارية تدور بين طرفي القتال في السودان، حول عدد من المناطق العسكرية الاستراتيجية التابعة للجيش في جنوب الخرطوم.

وأدى القتال إلى نزوح أكثر من 1.9 مليون شخص، عبر 200 ألف منهم أو أكثر الحدود إلى مصر.

شكوى النازحين إلى مصر

ويشتكي أولئك الذين يقطعون هذه الرحلة الطويلة إلى مصر، من الأوضاع السيئة وأوقات الانتظار الطويلة.

وقال شخصان كانا يحاولان عبور معبر «أشكيت» الحدودي، السبت، إن قراراً جديداً دخل حيز التنفيذ، يُلزم جميع السودانيين بالحصول على تأشيرة قبل دخول مصر، وهو ما يناقض اتفاقاً سابقاً بين البلدين كان يضمن حرية دخول الأطفال والنساء وكبار السن من الرجال دون الحصول على تأشيرة.

وقالت الطبيبة سندس عباس، في مكالمة مع وكالة «رويترز»، بينما كانت تقف في نقطة تفتيش بين البلدين: «أمضينا ليلتين في المنطقة المحايدة، والآن يعيدوننا. بعض الناس يرفضون المغادرة».

نازحون سودانيون يصطحبون أمتعتهم في محطة للنقل بمدينة أسوان (إ.ب.أ)

وفي تأكيد على القرار الجديد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، إن السلطات رصدت «أنشطة غير مشروعة يقوم بها بعض الأفراد والجماعات على الجانب السوداني»، منها إصدار تأشيرات مزورة.

وأشار إلى أن مصر لا تسعى لمنع دخول السودانيين وإنما إلى تنظيمه، مضيفاً أنه جرى توفير المعدات اللازمة لسرعة إصدار التأشيرات.

مراقبة بالأقمار الصناعية

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، في وقت متأخر من مساء الجمعة، إنها تدعم منصة يطلق عليها «مرصد نزاع السودان» لنشر نتائج عمليات المراقبة عبر الأقمار الصناعية للقتال ووقف إطلاق النار.

ووثق تقرير أولي للمرصد تدميراً «واسع النطاق وموجهاً» لمنشآت المياه والكهرباء والاتصالات.

كما وثق ثماني هجمات «ممنهجة» لإحراق الممتلكات عمداً، دمرت قرى في دارفور، وكذلك عدة هجمات على مدارس ومساجد وغيرها من المباني العامة في مدينة «الجنينة» في أقصى غرب البلاد، والتي شهدت هجمات عنيفة شنتها جماعات محلية وسط انقطاع للاتصالات.

وقالت الهيئة النقابية لأطباء ولاية غرب دارفور، إن مدينة «الجنينة» تحولت إلى «مدينة أشباح»، وأشارت إلى وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان، منها فرض «حصار» على المدينة، وحرمان المدنيين من الوصول للمياه، وقتل كبار السن.

وقال مواطنون إن بعض الرجال الذين هاجموا المدينة كانوا يرتدون زي قوات «الدعم السريع».

وسمح وقف إطلاق النار السابق بوصول بعض المساعدات الإنسانية، لكن وكالات الإغاثة قالت إنها لا تزال تواجه عراقيل بسبب القتال والقيود البيروقراطية والنهب.

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم السبت، إن قوات «الدعم السريع» أوقفت بعض موظفيها و«أجبرتهم» على الإدلاء ببيان وزعته القوات شبه العسكرية لاحقاً.

ودب الخلاف بين الجيش وقوات «الدعم السريع» حول خطط لدمج القوات شبه العسكرية في الجيش، وإعادة تنظيم تسلسل القيادة في إطار المرحلة الانتقالية.



زعيم المعارضة الموريتانية يبحث مع الوزير الأول تحضير «الحوار السياسي»

الوزير الأول خلال استقبال زعيم المعارضة في مكتبه بنواكشوط (الوزارة الأولى)
الوزير الأول خلال استقبال زعيم المعارضة في مكتبه بنواكشوط (الوزارة الأولى)
TT

زعيم المعارضة الموريتانية يبحث مع الوزير الأول تحضير «الحوار السياسي»

الوزير الأول خلال استقبال زعيم المعارضة في مكتبه بنواكشوط (الوزارة الأولى)
الوزير الأول خلال استقبال زعيم المعارضة في مكتبه بنواكشوط (الوزارة الأولى)

ناقش الوزير الأول الموريتاني، المختار ولد اجاي، ملف «الحوار السياسي» مع زعيم المعارضة الموريتانية، حمادي ولد سيدي المختار، خلال لقاء يعد الأول من نوعه منذ إعادة انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئيساً للبلاد في يونيو (حزيران) الماضي، وتعهده بتنظيم «حوار وطني» مع المعارضة.

ويعد هذا الحوار أحد أهم مطالب المعارضة الموريتانية، خاصة بعد أعمال عنف وتوتر سياسي أعقبت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي فاز بها ولد الشيخ الغزواني من الشوط الأول بنسبة 56 في المائة من الأصوات، وهو فوز اعترف به مرشحو المعارضة، باستثناء الناشط الحقوقي، بيرام الداه اعبيد، صاحب المرتبة الثانية بنسبة 22 في المائة.

مرشح المعارضة الناشط الحقوقي بيرام الداه اعبيد (أ.ف.ب)

وبعد الانتخابات الأخيرة دعت أحزاب المعارضة إلى حوار سياسي يناقش جميع الملفات، وخاصة الملف الانتخابي، بسبب ما تقول المعارضة إنها اختلالات كبيرة تعاني منها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وتورطها في «شبهات» تزوير.

تحضير للحوار

عين ولد الغزواني بعد تنصيبه في أغسطس (آب) الماضي حكومة جديدة، بقيادة الوزير الأول المختار ولد اجاي، وأسند إليه الملف السياسي، حيث بدأ الأخير عقد لقاءات مع عدة سياسيين، شملت قادة أحزاب الأغلبية الرئاسية، وشخصيات بارزة في المعارضة التقليدية، وصولاً إلى زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، والهيئة الدستورية المشكلة من أحزاب المعارضة، الممثلة في البرلمان الموريتاني.

زعيم المعارضة متحدثاً للإعلام العمومي بُعيد اللقاء (الوزارة الأولى)

حضر اللقاء الأخير مع زعيم المعارضة الديمقراطية جوب أمادو تيجان، وعبد السلام ولد حرمة، العضوان في مكتب تسيير مؤسسة المعارضة الديمقراطية، وقائدا حزبين معارضين، حصلا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة على أكثر من 12 مقعداً في البرلمان.

وقال زعيم المعارضة في تصريح صحافي إن اللقاء مع الوزير الأول «يدخل في إطار اللقاءات الدورية، التي نص عليها القانون بين الوزارة الأولى ومؤسسة المعارضة»، مبرزاً أنه كان «فرصة لنقاش العديد من القضايا، من أبرزها الحوار السياسي المرتقب ودور مؤسسة المعارضة فيه، حيث إن المشرع الموريتاني جعل لها نصيباً في تنظيم الحوارات السياسية ما بين المعارضة والحكومة».

وأكد زعيم المعارضة أن الوزير الأول «عبر عن استعداده لاتخاذ التدابير اللازمة من أجل تنظيم حوار سياسي على الوجه الأكمل، وفق ما تتيحه القوانين»، مؤكداً أن ذلك «هو ما تأمله مؤسسة المعارضة».

ملفات سياسية

خلال الحديث مع الوزير الأول، طرح زعيم المعارضة ملفات تتعلق بصعوبة ترخيص الأحزاب السياسية، وما يواجه ذلك من تأخير في أروقة وزارة الداخلية، وهي قضية تثير الكثير من انتقادات الناشطين السياسيين المعارضين الذين يتهمون الدولة بعرقلة الترخيص لأحزابهم السياسية منذ عدة سنوات.

وكان حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة نظم عام 2011 قد أسفر عن سن قوانين تهدف إلى تقليص عدد الأحزاب السياسية في البلاد، ووضع عراقيل أمام ترخيص الأحزاب الجديدة، لكن في الفترة الأخيرة بدأت أصوات ترتفع متهمة وزارة الداخلية باستهداف المعارضين لحرمانهم من الحق في تأسيس أحزاب سياسية.

من لقاء سابق لقادة المعارضة في موريتانيا (الشرق الأوسط)

وقال زعيم المعارضة إن «الاجتماع كان فرصة أيضاً للحديث عن ترخيص الأحزاب السياسية، وضرورة تسريعها وحماية الحريات العامة»، مشيراً في السياق ذاته إلى أنه طرح على الوزير الأول أزمة «ارتفاع الأسعار وخدمات المياه الكهرباء والفيضانات».

انفتاح على المعارضة

نشرت الوزارة الأولى بياناً عن اللقاء، وقالت إنه «استعرض جميع القضايا المتعلقة بالشأن العام السياسي والاجتماعي للبلد، وما تطرحه المعارضة من تساؤلات، أو ملاحظات حول عمل الحكومة»، وفق نص البيان، مشيرة إلى أن الوزير الأول «قدم عرضاً مفصلاً يجيب على جميع التساؤلات المطروحة، وأوضح ما تقدمه الحكومة من حلول استعجالية، أو استراتيجية على المدى القريب أو المتوسط لمختلف القضايا المطروحة، بتعليمات مباشرة ومواكبة قريبة من فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني».

وأبدى الوزير الأول تفهمه للانتقادات التي تعبر عنها المعارضة حيال عمل الحكومة، وقال إن الجميع «مدعو للمشاركة بالنقد البناء والتحسيس حول الإجراءات التي تمس حياة المواطنين مباشرة»، قبل أن يؤكد «انفتاح الحكومة على كل ما من شأنه أن يحسن من أداء العمل».

وخلص الوزير الأول إلى التأكيد على أهمية أن يشارك الجميع في «الرقابة على المسار، وصيانة المنجز والمبادرة الجدية للإشارة لتصحيح المسارات، مواكبة لعمل الحكومة»، وفق البيان الصادر عن الوزارة الأولى.

صعوبات الحوار

ورغم اتفاق الحكومة والمعارضة على ضرورة تنظيم حوار وطني يشارك فيه الجميع، ويناقش كافة الملفات، فإنه لم يعلن -حتى الآن- أي سقف زمني محدد لتنظيم هذا الحوار المرتقب.

الرئيس ولد الشيخ الغزواني تعهد بتنظيم «حوار وطني» مع المعارضة (أ.ب)

ومع أنه خلال الأيام الأخيرة بدأت تقطع خطوات لتحضير الحوار السياسي، خاصة من طرف الوزير الأول، إلا أن هذا الحوار لم تتضح بعد ملامحه العامة، ولا أجندته وملفاته، ولا حتى الجهة التي ستتولى الإشراف عليه وتنسيقه.

وفيما سبق برزت خلافات حول بعض الملفات «الحساسة»، كقضايا الإرث الإنساني والعبودية، حيث تصر المعارضة على طرحها على طاولة الحوار، فيما تعارض ذلك أطراف داخل السلطة، وهو ما يعتقد أنه عصف بمحاولات سابقة للحوار.