مواجهات حول المناطق العسكرية الاستراتيجية في الخرطوم

«الدعم السريع» يزعم السيطرة على «اليرموك» ويهاجم «المدرعات»... والجيش يدفع بتعزيزات لاستعادتها

أعمدة دخان في مناطق جنوب الخرطوم الأربعاء (أ.ب)
أعمدة دخان في مناطق جنوب الخرطوم الأربعاء (أ.ب)
TT

مواجهات حول المناطق العسكرية الاستراتيجية في الخرطوم

أعمدة دخان في مناطق جنوب الخرطوم الأربعاء (أ.ب)
أعمدة دخان في مناطق جنوب الخرطوم الأربعاء (أ.ب)

لليوم الثاني على التوالي، تواصلت الاشتباكات العنيفة بين طرفي القتال في السودان، الجيش وقوات «الدعم السريع»، في المنطقة العسكرية الاستراتيجية في جنوب العاصمة الخرطوم، التي تضم قيادة سلاح المدرعات، ومجمع «اليرموك» للصناعات الدفاعية والمستودع الرئيسي للغاز، في حين دفع الجيش بتعزيزات عسكرية كبيرة لطرد قوات «الدعم السريع» التي تقول إنها تسيطر على المجمع العسكري بالكامل، وتحاصر سلاح المدرعات من الناحية الشرقيةـ

مجمع اليرموك العسكري

وشنّ الجيش السوداني، الخميس، غارات جوية لفك الحصار على إحدى أهم المناطق العسكرية في الخرطوم، في حين واصلت قوات «الدعم السريع» بث فيديوهات على صفحتها الرسمية في «فيسبوك» تؤكد وجود قواتها داخل مقرات مجمع «اليرموك»؛ وذلك لدحض ما يُتداول من أنباء عن استعادة الجيش لها.

ويضم مجمع «اليرموك» عدداً من المصانع التي تنتج الأسلحة الثقيلة والخفيفة والآليات العسكرية والدبابات والمدافع، كما يزود الكثير من الصناعات المدنية بقطع الغيار لقطاعات البترول والسكك الحديدية.

وكان نظام الرئيس المعزول، عمر البشير، يضرب سياجاً عالياً من السرية على المنظومة العسكرية في البلاد.

وتعرّض مصنع «اليرموك» للأسلحة في عام 2012 إلى غارة جوية إسرائيلية استهدفت حاويات داخل المجمع، بزعم أنها تحوي سلاحاً مهرباً من إيران إلى حركة «حماس» الفلسطينية و«حزب الله» اللبناني.

ولا تزال النيران مشتعلة في مستودع الغاز الرئيسي الذي يغذي مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم والولايات بالغاز المنزلي، على الرغم من محاولة الجيش إطفاء الحرائق خوفاً من تمددها إلى المناطق السكنية التي تبعد قرابة 200 متر، وسط تبادل الطرفين الاتهامات بحرق المستودع.

أعمدة دخان تتصاعد جراء حريق في مستودع جنوب الخرطوم الثلاثاء (أ.ف.ب)

معارك على حامية «وادي سيدنا»

وانتقلت المعارك بين الطرفين إلى أقصى شمال مدينة أم درمان، بعد محاولات عدة لـ«الدعم السريع» استمرت لأكثر من أسبوع، للاستيلاء على القاعدة العسكرية الرئيسية للجيش السوداني في منطقة «وادي سيدنا» التي تضم المطار العسكري.

ومنذ اندلاع الحرب، في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، تسعى قوات «الدعم السريع»، بقيادة، محمد حمدان دقلو الشهير باسم «حميدتي»، لتحييد الطيران الحربي، وهو السلاح الرئيسي الذي يستخدمه الجيش في استهداف قواتها المنتشرة داخل الأحياء السكنية في العاصمة الخرطوم، وأوقع فيها خسائر كبيرة في الجنود والعتاد.

وقال شهود عيان إن القصف الجوي استهدف قوات «الدعم السريع» في مناطق جنوب الخرطوم (الكلاكلات والرميلة)؛ ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى وسط المدنيين، وفقاً لبيان من لجان المقاومة في المنطقة.

وقالت روى عبد الله لــ«الشرق الأوسط» إن ضاحية «أبوادم» في «الكلاكلة» (جنوب العاصمة) تشهد مطاردات وإطلاق نار بين قوات الجيش و«الدعم السريع»، مضيفة: «نحن عالقون في المنازل ولا نستطيع الخروج».

ورصد شهود عيان موجة نزوح كبيرة للمدنيين من الأحياء السكنية جنوب الخرطوم، التي شهدت خلال الأسبوع الماضي قصفاً جوياً ومدفعياً ومعارك أرضية عنيفة بين الجيش و«الدعم السريع».

مبنى مدمر بعد اشتباكات جنوب العاصمة الخرطوم الخميس

القوى المدنية تدعو لوقف فوري للحرب

وجددت «الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية»، والتي تضم الأحزاب السياسية في تحالف «قوى الحرية والتغيير» والنقابات ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة، مطالبها بإيقاف الحرب.

وقالت في بيان إن الحرب يجب أن تتوقف بأسرع فرصة ممكنة، مضيفة أن الأولوية هي لحماية المدنيين وحل الأزمة الإنسانية ومحاربة خطاب الكراهية الذي يمزق النسيج الاجتماعي.

وأعلنت الجبهة عن تشكيل هيئة تنسيقية تمهيدية تتولى مهمة تعزيز الجهود الجارية الآن على صعيد العمل الإعلامي والإنساني والميداني لمناهضة الحرب، والتواصل مع أوسع طيف من القوى الديمقراطية، من أجل بناء أوسع جبهة مدنية لوقف الحرب.

مارتن غريفيث منسق الإغاثة في الأمم المتحدة خلال جلسة سابقة أمام مجلس الأمن (أ.ب)

الأمم المتحدة: انتهاكات خطيرة

وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان، أمس، إنه منذ بدء القتال المستمر طوال أكثر من 7 أسابيع، قُتل 780 شخصاً، وأصيب نحو 5800 في جميع أنحاء البلاد، وذلك وفقاً لإحصائيات وزارة الصحة السودانية.

وذكر التقرير الأممي أن الوضع الإنساني في أجزاء واسعة من إقليم دارفور يتدهور بشكل مريع، جراء تزايد أعمال القتل والهجمات على المدنيين، ولا توجد إحصائيات بأعداد الضحايا.

وأفاد التقرير بأنه على الرغم من اتفاقيات وقف إطلاق النار والترتيبات الإنسانية، فإن طرفي القتال في السودان ارتكبا انتهاكات خطيرة ومتكررة، باستخدام الضربات الجوية والمدفعية والهجمات، وذلك بحسب بيان ممثلي دولتي الوساطة: المملكة العربية السعودية وأميركا.

ووفقاً لـ«منظمة الهجرة الدولية»، فإن نحو 1.2 مليون شخص نزحوا داخلياً وخارجياً منذ اندلاع القتال في السودان، وهو الرقم الأعلى خلال السنوات الأربع الماضية.

وفي مطلع يونيو (حزيران) الحالي، أدان مجلس الأمن بشدة جميع الهجمات على السكان المدنيين وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بالمنظمة الدولية والجهات الإنسانية العاملة في البلاد، ودعا الطرفين إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون عوائق إلى جميع أنحاء السودان.



«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«توسيع الخط الأصفر»... مخطط جديد يُهدد مسار «اتفاق غزة»

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تسريبات إسرائيلية جديدة تتضمن توسيع وجود قواتها بقطاع غزة من 53 إلى 75 في المائة، وسط جهود للوسطاء من أجل الدفع بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، وترقب نتائج لقاء مرتقب بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.

تلك التسريبات يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» تأتي ضمن مخطط إسرائيلي جديد يُهدد مسار اتفاق وقف إطلاق النار، وتوقعوا أن «تكون حيلة من مساعي نتنياهو لتخفيف الضغوط المرتقبة في لقاء ترمب، والمساومة بعدم التوسع وعدم الانسحاب مقابل دخول المرحلة الثانية وفق شروط نزع سلاح (حماس) دون أي استحقاق على الجانب الإسرائيلي، وإطالة أمد تنفيذ الاتفاق».

ونقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، الأحد، عن مصادر مطلعة قولها إن «واشنطن وتل أبيب بلورتا خطة تسمح بتوسيع نطاق (الخط الأصفر) إلى 75 في المائة من مساحة قطاع غزة بدلاً من 53 فقط، واعتبار ذلك ضغطاً مدنياً على حركة (حماس)، لتفادي صدام نزع سلاح الحركة، والحيلولة دون الحاجة إلى نشر قوات دولية».

تلك الخطة، التي لا تزال قيد الدراسة، تزيد من وتيرة الشروع في إعادة إعمار غزة داخل المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وتُطرح قبيل زيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة، في إطار تفاهم استراتيجي بين تل أبيب وواشنطن، يفضي إلى إعادة إعمار القطاع في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، ما دامت حركة «حماس» تواصل رفض نزع سلاحها.

وقدّرت المصادر أن الخطة المطروحة تحظى بقبول كبير لدى إسرائيل والولايات المتحدة، وتسمح بأن تحتل قوات الجيش الإسرائيلي أراضي جديدة في قطاع غزة، لتبتلع 75 في المائة من مساحته، تحت ذريعة أنه لا يمكن انتظار نزع سلاح «حماس» بوصفه شرطاً لبدء جهود إعادة الإعمار فوراً على مراحل دون أن يطول ذلك مناطق تقع تحت سيطرة «حماس».

وترى إسرائيل، حسب المصادر ذاتها، أن هذا الوضع سيُؤدي إلى زيادة الضغط الداخلي في قطاع غزة؛ إذ يفضل الغزيون حينها الانتقال إلى المنطقة المُعاد تأهيلها، في حين ستُفرغ مناطق حركة «حماس» تدريجياً، وتبقى مأهولة بشكل رئيسي بعناصر الحركة، ما يسمح بعمليات عسكرية محدودة عند الضرورة، دون العودة إلى قتال واسع النطاق.

عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، يرى أن «هذه التسريبات دعاية إسرائيلية لإرباك جهود الوسطاء، وتهديد مسار اتفاق غزة، ومحاولة فرض مساومات خلال لقاء ترمب نتنياهو المرتقب لعدم الانسحاب من القطاع»، مؤكداً أن «ذلك اللقاء حاسم لمستقبل الاتفاق وإنهاء تلك الخطط غير القابلة للتطبيق أو التوافق بشأنها، وسيكون موقف واشنطن الفيصل في ذلك».

عناصر من «حماس» وأعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسط الأنقاض في مدينة غزة (أ.ف.ب)

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، نزار نزال، أن مخطط توسيع «الخط الأصفر» باتجاه غرب غزة يعني أن هناك تصعيداً عسكرياً سيحدث تجاه مناطق وجود «حماس» وهذا تهيئة له، وسط انسجام إسرائيلي أميركي لهذا المخطط الذي يُهدد مسار الاتفاق بالأساس، مشدداً على أن «الاتفاق يلزم إسرائيل باستحقاق الانسحاب؛ لكنها تراوغ في التنفيذ، وسيكون لقاء ترمب نتنياهو حاسماً أمام هذه المراوغات».

في المقابل، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في مقابلة متلفزة، مساء السبت، إن واشنطن تتفهم تماماً أن مصر لا تطرح أفكاراً بشأن غزة لمجرد فرض الرأي، وإنما لوضع خطة ترمب موضع التنفيذ على الأرض، مشيراً إلى «أهمية النشر السريع لقوة الاستقرار الدولية لمراقبة التزام الطرفين بوقف إطلاق النار، والتثبت من ذلك، وإتمام الانسحابات الإسرائيلية من القطاع».

وذكر أن خطة ترمب مكونة من 20 نقطة، ولا يجوز التعامل معها بـ«انتقائية»، مضيفاً: «يجب ألا نتحدث فقط عن حصر السلاح وخلافه ونغفل مسألة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، الخطة حزمة واحدة ولا تتجزأ، ويتعين الالتزام بها كلها وتنفيذها على أرض الواقع».

واستعرض أولويات مصر خلال تلك المرحلة، وهي تثبيت وقف إطلاق النار، وعدم عودة العدوان الإسرائيلي الغاشم والواسع على غزة، وإغراق القطاع بالمساعدات الغذائية والطبية.

ويرى أنور أن موقف مصر يأتي على الدوام للحيلولة دون استمرار عراقيل إسرائيل، مشدداً على أن انسحاب إسرائيل يجب أن يتم وفق ما تنص عليه خطة ترمب، ويجب عدم تجزئة التنفيذ بالوقوف عند أعتاب نزع سلاح «حماس» وفقط، متوقعاً أن تتفهم واشنطن الرغبة المصرية وتضغط أكثر على إسرائيل لتنفيذ الاتفاق.

في حين أكد نزال أن «مصر حريصة على إنهاء كل المراوغات الإسرائيلية، والدفع بالاتفاق للأمام»، متوقعاً أن «تضغط واشنطن في إطار هذه المواقف، ولا سيما المصرية، على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية، على أن يوافق نتنياهو على ذلك، مع العمل على إطالة أمد التنفيذ تحت دعاوى، منها عدم نزع سلاح (حماس) لعدم تنفيذ الانسحاب المقرر في المرحلة الثانية».


«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
TT

«الصندوق الأسود» يربك رواية سقوط طائرة الحداد ويشعل تساؤلات الليبيين

من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)
من مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

خيّمت أجواء من الارتباك والجدل على المشهد الليبي عقب اعتذار ألمانيا عن تحليل الصندوق الأسود لطائرة «فالكون 50» التي تحطمت في أنقرة الأسبوع الماضي، وأودت بحياة رئيس الأركان التابع لحكومة «الوحدة» المشير محمد الحداد ومرافقيه.

وتزاحمت الشكوك مع الروايات الرسمية في النقاشات العامة لليبيين حول تفسير أسباب الحادث خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، وسط مخاوف البعض من أن يقود مسار التحقيق إلى نتائج حساسة تتجاوز حدود حادث طيران تقليدي.

الحداد بجوار المنفي قبل اجتماع الشهر الماضي في طرابلس (المجلس الرئاسي)

القرار الألماني الذي أعلنته وزارة الداخلية في حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية، الجمعة، لم يُأخذ بوصفه إجراءً تقنياً صرفاً، بل فجّر تساؤلات واسعة لدى سياسيين ونشطاء بشأن دوافعه وتوقيته، لا سيما في ظل تأكيد الحكومة أن دولاً أخرى قادرة على تحليل الصندوق الأسود، وأن بريطانيا اختيرت لاستكمال الإجراءات الفنية، بالتوازي مع تحقيقات ليبية - تركية مشتركة لا تزال جارية.

وفي خضم جدل هيمن على مواقف سياسيين ونشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، شدّد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، علي الصول، على أن «البرلمان يترقّب نتائج شفافة ودقيقة ونزيهة للتحقيقات الجارية في حادث سقوط الطائرة»، مؤكداً ضرورة «تحييد هذا الملف الحساس عن أي توظيف أو تسييس أو اتهامات لأي طرف».

الدبيبة في مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

وقال الصول، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «انخراط الليبيين بشكل مباشر في مسار التحقيق بات أمراً لا غنى عنه»، داعياً إلى «إشراك خبرات وكوادر ليبية متخصصة في مجال الطيران، إلى جانب أعضاء من مكتب النائب العام، بما يضمن سيادة القرار الوطني، ويعزّز ثقة الرأي العام في نتائج التحقيق، وصولاً إلى كشف مهني ومسؤول لأسباب الحادث وملابساته».

ومنذ اللحظة الأولى، بدا الاعتذار الألماني «غير مقنع» لقطاع من السياسيين والمحللين الليبيين، إذ يصعب - برأيهم - التسليم بعجز تقني لدولة تُعد من رواد العالم في صناعات الطيران والتحقيقات الفنية المعقّدة.

وتساءل عضو مجلس النواب سعيد مغيب، في منشور عبر حسابه بموقع «فيسبوك»: «من الذي لا يريد للحقيقة أن تظهر؟» فيما عبّر عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة عن استغرابه من غياب لجنة تحقيق مشتركة تضم الحكومتين المتنافستين في ليبيا وتركيا، متسائلاً عن أسباب عدم تشكيل مثل هذه اللجنة عقب الاعتذار الألماني.

وذهب بعض الفاعلين المحليين إلى أبعد من ذلك، إذ أدرج رئيس حزب «الائتلاف الجمهوري» عز الدين عقيل الحادث ضمن سردية أوسع أقرب إلى «نظرية المؤامرة»، عادّاً أن سقوط الطائرة لا يمثل مجرد خلل تقني، بل حلقة في سلسلة طويلة من الاضطرابات التي عاشتها ليبيا منذ عام 2011. وقال إن مصير الطائرة «يتصل اتصالاً عضوياً بما جرى للبلاد منذ إسقاط نظام القذافي وحتى لحظة رحيل الحداد».

أما الأكاديمي وأستاذ القانون الليبي مجدي الشبعاني، فقد رأى أن ألمانيا تمتلك قدرات متقدمة في تحليل الصناديق السوداء، وأن الامتناع عن القيام بهذه المهمة «من دون سبب قانوني أو فني واضح» يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة، عادّاً أن هذا الموقف «لا يمكن قراءته قراءة تقنية بحتة، بل قد يُفهم بوصفه تحفّظاً أو تهرّباً ذا بعد سياسي».

غير أن عضو الأمانة العامة لحزب «ليبيا النماء» حسام فنيش يذهب إلى ضرورة الفصل بين المسارين الفني والسياسي، محذّراً من أن التسرع في تفسير الحادث سيزيد الغموض بدلاً من كشفه، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الحقيقة التقنية هي التي يجب أن ترسم حدود القراءة السياسية، لا العكس»، وأن التحقيقات في حوادث الطيران ذات الأبعاد السياسية ينبغي أن تنطلق من معطيات فنية مستقلة وموثوقة.

مراسم تشييع الحداد ومرافقيه في مدينة مصراتة الليبية (مكتب الدبيبة)

هذا الجدل الليبي الدائر، ومن منظور محللين من بينهم الباحث في المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدفاعية والأمنية جلال حرشاوي، «ينطوي على مبالغة واضحة في سياق الأزمة السياسية الليبية وتراكماتها منذ 14 عاماً».

ويعتقد حرشاوي، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط»، أن الحادث لا يمكن فصله عن المناخ العام للصراع في ليبيا، لكنه عبّر في الوقت ذاته عن «تشاؤمه من الوصول إلى نتائج حاسمة»، مستشهداً بحوادث طيران مشابهة لسياسيين وعسكريين حول العالم، بقيت ملابساتها غامضة حتى بعد مرور عقود.

يأتي الارتباك في تفسيرات ملف الصندوق الأسود لطائرة الحداد، فيما ودّع الليبيون ضحايا الحادث، حيث أدى آلاف المواطنين، الأحد، صلاة الجنازة في مدينتي مصراتة وغريان على رئيس الأركان ومرافقيه، في مشهد عكس حجم الصدمة التي خلّفها سقوط الطائرة.

وكانت طائرة «فالكون 50» قد تحطمت بعد أقل من 40 دقيقة على إقلاعها من أنقرة أثناء عودتها إلى طرابلس عقب زيارة رسمية إلى تركيا، يوم الثلاثاء الماضي، ما أسفر عن مصرع ثمانية أشخاص، بينهم خمسة ليبيين من كبار القادة العسكريين.

وضمت قائمة الضحايا، إلى جانب الحداد، قائد القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، ومدير التصنيع العسكري العميد محمود جمعة القطيوي، ومستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور محمد عمر أحمد محجوب.


أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)
القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)
TT

أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان

القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)
القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

انطلقت من القاهرة، الأحد، أول قافلة مساعدات برية مصرية إلى السودان، تحمل نحو 70 طناً من الأغذية والمستلزمات الطبية، ويُتوقع وصولها إلى الأراضي السودانية ليلة رأس السنة.

وتشمل القافلة التي أعدَّها «الهلال الأحمر المصري» سلالاً غذائية، وأدوية، ومستلزمات إيواء تشمل مراتب وبطاطين وأغطية شتوية ومستلزمات إغاثية، وهي مواد تم اختيارها وفق الأولويات التي جرى التنسيق بشأنها مع «الهلال الأحمر السوداني».

وأكدت وزيرة التضامن الاجتماعي، نائبة رئيس «الهلال الأحمر المصري»، الدكتورة مايا مرسي، خلال حضورها انطلاق القافلة، الأحد، أنها تُعد أول قافلة برية ستقطع مسافة نحو ألفي كيلومتر للوصول إلى الأراضي السودانية؛ حيث من المنتظر أن تصل ليلة رأس السنة، ويصاحبها وفد من متطوعي «الهلال الأحمر المصري».

وأشارت مايا مرسي إلى أن «القافلة تعد رسالة دعم مصرية للشعب السوداني، في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة التي يمر بها في الوقت الراهن»، كما أنها «ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة في دعم الأشقاء بالسودان، حتى تجاوز الأزمة الراهنة».

وحسب الوزيرة المصرية، سبق أن أرسلت مصر منذ 2023 ثلاث شحنات معونات، تزيد على ألف طن مساعدات إنسانية مقدمة من «الهلال الأحمر المصري» إلى نظيره السوداني عن طريق السفن، شملت معونات طبية ومستلزمات إعاشة وسلالاً غذائية.

أستاذ النقل والهندسة بجامعة الأزهر، الدكتور إبراهيم مبروك، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسافة الأكبر التي ستقطعها القافلة ستكون داخل الأراضي المصرية، من القاهرة إلى أسوان، وبعدها ستكون داخل الأراضي السودانية»، موضحاً أن «الرحلة لن تكون مرهقة، فحالة الطرق جيدة؛ خصوصاً داخل الأراضي المصرية».

القافلة خلال تحركها الأحد من أمام مقر «الهلال الأحمر المصري» (مجلس الوزراء المصري)

وأكدت وزيرة التضامن المصرية، الأحد، أن «هناك توجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتحرك المستمر لدعم الشعب السوداني»، لافتة إلى أن «إطلاق القافلة من مقر (الهلال الأحمر) رسالة مهمة تؤكد الدور الإنساني والإغاثي له في إنفاذ المساعدات الإنسانية والإغاثية للدول الشقيقة، وكذلك لمتطوعيه البالغين 65 ألف شخص».

مديرة البرنامج الأفريقي بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بمصر، الدكتورة أماني الطويل، ترى أن «القافلة تحمل رسالة إنسانية وسياسية مهمة»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن «القافلة تعبِّر عن تضامن الشعب المصري مع أشقائه بالسودان ومساندته لهم، وكذلك تؤكد الموقف المصري الرسمي المساند للسودان ومساعي إنهاء الحرب». ووفق أماني الطويل، فإنه «من الطبيعي أن تقوم مصر بالتنسيق السياسي والأمني مع السلطات السودانية، لضمان سلامة القافلة».

وتحدثت وزيرة التضامن المصرية في إفادتها، الأحد، عن جهود «الهلال الأحمر المصري» في تقديم المساعدات للشعب السوداني، مؤكدة أنه «لعب دوراً مهماً في دعم وإغاثة الأشقاء في السودان، منذ اندلاع الأزمة عام 2023 وحتى الآن؛ حيث قدَّم مساعدات وخدمات إنسانية للسودانيين، شملت مساعدات إغاثية، ودعماً غذائياً، ومستلزمات النظافة الشخصية»، فضلاً عن «تقديم مساعدات للأشقاء السودانيين بمصر، تمثلت في نقلهم عبر المحافظات، وخدمة إعادة الروابط العائلية، وتشمل مكالمات هاتفية وعبر الإنترنت، وشحن هواتف، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الصحية، والكشف الطبي، والدعم النفسي، وتجهيز العيادات في المعابر».