من يملك «برونزيات بنين»؟ الإجابة غدت أكثر تعقيداً

جدلية إعادة هذه الكنوز إلى مصدرها تستمر

قطعة من «برونزيات بنين»، التي نهبها جنود بريطانيون عام 1897 من مدينة بنين تعرض في برلين (نيويورك تايمز)
قطعة من «برونزيات بنين»، التي نهبها جنود بريطانيون عام 1897 من مدينة بنين تعرض في برلين (نيويورك تايمز)
TT

من يملك «برونزيات بنين»؟ الإجابة غدت أكثر تعقيداً

قطعة من «برونزيات بنين»، التي نهبها جنود بريطانيون عام 1897 من مدينة بنين تعرض في برلين (نيويورك تايمز)
قطعة من «برونزيات بنين»، التي نهبها جنود بريطانيون عام 1897 من مدينة بنين تعرض في برلين (نيويورك تايمز)

بعد سنوات من المناشدات المُهملة والمطالبات المتجاهَلة، اتخذت الاتفاقات أخيراً وضعها الطبيعي بشأن إعادة بعض أكثر الكنوز الأفريقية قيمة إلى القارة السمراء.

فمؤسّسة «سميثسونيان» ومتحف «متروبوليتان للفنون» والحكومة الألمانية بصدد إعادة عشرات المنحوتات واللوحات والزخارف، المعروفة باسم «برونزيات بنين»، التي نهبها جنود بريطانيون عام 1897 من مدينة بنين (نيجيريا اليوم) مركز الدولة آنذاك؛ بينما هناك خطط جارية لإنشاء متحف جديد يمتاز بالروعة، صمّمه المهندس المعماري الغاني البريطاني ديفيد أدجاي لعرض الكنوز العائدة وحمايتها.

قطع برونزية من بنين تعرض في المتحف البريطاني بلندن (نيويورك تايمز)

لكن الخطة توقّفت منذ إعلان رئيس نيجيريا المنتهية ولايته، محمد بخاري، نقله ملكية العناصر المنهوبة إلى سليلٍ مباشر للحاكم الذي سُرقت منه البرونزيات. وفي وقت تحاول المتاحف حول العالم السيطرة على القطع الأثرية المتنازع عليها في مجموعاتها، فإنّ هذا التطور يؤكد مدى تعقُّد جهود الاسترداد.

بدأت المعضلة في مارس (آذار) الماضي، عندما أصدر الرئيس النيجيري محمد بخاري، الذي غادر منصبه في 29 مايو (أيار)، إعلاناً بتسليم القطع الأثرية التي تشمل اللوحات النحاسية المزخرفة، والتماثيل العاجية المنحوتة، والأقنعة الاحتفالية إلى إواري الثاني، أو الملك الأوبا الحالي، أو الملك الشرفي في بنين.

نصّ المرسوم على أن أي قطع أثرية مُستردة «يمكن الاحتفاظ بها داخل قصر الأوبا»، أو في أي مكان يراه آمناً.

يُنظر إلى الإعلان، الذي ظهر أخيراً خارج نيجيريا، بأنه خطوة لإنهاء نزاع طويل بشأن مَن هو المالك الشرعي للبرونزيات: حكومة نيجيريا، أو لجنتها الوطنية للمتاحف والآثار، أو الأوبا نفسه الذي يريد عرض البرونزيات في متاحف بنيجيريا وحول العالم، وفقاً لما ذكره ممثل للأسرة المالكة. بيد أنّ نقل الكنوز من خلال الأيادي الخاصة يشيع قلقاً في أوساط بعض المتاحف التي تتفاوض على إعادة الأثريات المنهوبة إلى نيجيريا.

في السياق عينه، أرجأت جامعة كامبريدج، الشهر الماضي، حفلاً لتسليم ملكية 116 قطعة برونزية. وعلّل المتحدث الرسمي باسم الجامعة الأمر بأنها لا تزال «تباشر المحادثات مع جميع الأطراف».

لكن آخرين في قطاع المتاحف رأوا أنه يجدر بالمؤسسات الغربية عدم التدخّل في المناقشات. وأكدت المتحدّثة باسم المتحف ليندا سانت توماس، التي سلّمت العام الماضي ملكية 29 قطعة برونزية إلى لجنة المتاحف في نيجيريا أنّ «الأمر لا يخصّ (مؤسّسة سميثسونيان) من أي ناحية»، لافتة إلى أنّ نيجيريا يمكنها «التخلي عنها، أو بيعها، أو عرضها كيفما شاءت. بعبارة أخرى: ليفعلوا بها ما يشاءون».

أما رئيس الهيئة المُشرفة على المتاحف الكبرى المموّلة من القطاع العام في برلين – حيث مئات البرونزيات - هيرمان بارزينغر؛ فأشار في بيان صحافي إلى أنّ ثمة «حاجة ملحّة إلى التوضيح» بشأن مَن يمتلك هذه القطع، وما إذا كانت لا تزال معروضة في نيجيريا.

وكانت الحكومة الألمانية وقّعت، في العام الماضي، اتفاقاً مع نظيرتها النيجيرية لنقل ملكية أكثر من 1000 من البرونزيات المنهوبة إلى نيجيريا. وفي بادرة رمزية، توجّه وزير الخارجية الألماني إلى نيجيريا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وسلّم أول 20 قطعة منها، على أن يتبعها المزيد وفق المُقرر. وقد نتجت عن إعلان بخاري حالة من القلق الشديد خارج عالم المتاحف أيضاً، فتساءل مشرّعون وصحافيون في ألمانيا عما إذا كانت البلاد تسرّعت في اتخاذ قرار نقل المجموعات البرونزية.

بدورها، شدّدت المتحدّثة الثقافية باسم «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، من يمين الوسط، كريستيان شيندرلين، على أنّ البرونزيات كنوز عالمية ينبغي عرضها على الجماهير، مؤكدة أنّ تسليمها إلى شخصية بعينها، من دون ضمانات بلزوم عرضها، هو قرار «كارثي».

وكان من المتوقع بداية، إعادة معظم الكنوز على سبيل الإعارة إلى صندوق ائتماني يضمّ ممثلين عن الأوبا وحكومات إقليمية ووطنية. خططت تلك المنظمة لتطوير مؤسّسة جديدة، تُسمى «متحف إيدو لفن غرب أفريقيا»، موطناً للعديد من البرونزيات. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أفصح المهندس المعماري أدجاي عن تصميم للمتحف، قائلاً إنه يأمل في بنائه بغضون 5 سنوات. وبعد بضعة أشهر، في مايو (أيار) 2021، أذنت لجنة المتاحف النيجيرية للصندوق بالتفاوض مع المتاحف الغربية وتخزين أي قطع مُستردّة.

عرض برونزيات بنين في متحف هيوبولت ببرلين (نيويورك تايمز)

لكن سرعان ما تداعت هذه الخطة. وفي الشهر عينه، قال أوبا لوسائل الإعلام إنه (بنفسه) يجب أن يكون المتلقّي الوحيد للكنوز، وأي شخص يعمل مع الصندوق هو «عدو».

للتغلّب على معارضة أوبا، وضع مسؤولون نيجيريون خيارات أخرى؛ ففي مارس (آذار) الماضي، أعلن المدير العام للجنة المتحف، آبا تيجاني، خلال اجتماع لمسؤولي المتحف الغربي، أنّ نيجيريا ستبني متحفاً ملكياً في بنين، بالنيابة عن أوبا وبلاطه الملكي، لعرض العديد من القطع المُستردّة، مقدّماً رؤية للمتحف، بلا خطط ثابتة، وفق ما ذكر شخصان حضرا الاجتماع.

بعد أسابيع، أصدر بخاري إعلانه المفاجئ.

وأكد تيجاني، في مقابلة هاتفية، أنه سيطعن في إعلان الرئيس، رافضاً كشف الأسباب القانونية للنزاع، لكنه قال إنّ وثيقة من 3 صفحات التي تسمح بالنقل، تشتمل على أخطاء.

وفي مقابلات، رأى خبراء قانونيون نيجيريون أنّ تيجاني إما يحتاج إلى ارتياد المحكمة لإحداث تغيير، أو يأمل في أن يُصدر الرئيس النيجيري الجديد بولا تينوبو، الذي تولّى منصبه في 29 مايو (أيار) الماضي، إعلاناً لتجاوز إعلان سلفه.

ثمة بالتأكيد امتعاض من فحوى المناقشة في مدينة بنين. وقال الأمير أغاتيس إريدياوا، الشقيق الأصغر لأوبا وممثل الديوان الملكي في الأمور ذات الصلة بالبرونزيات، خلال مقابلة هاتفية، إنّ أي مسؤول غربي أو نيجيري ينتقد ملكية أوبا للبرونزيات «يُلحق به الأذى».

ورأى أنّ أوبا كان دائماً واضحاً في خططه بشأن البرونزيات العائدة: «ستُعرض في متاحف بنيجيريا وحول العالم، حيث يمكنها القيام مقام (السفراء) لمملكته وثقافته»، مضيفاً أنّ أوبا كان واضحاً كذلك لجهة رغبته في احترام ملكيته للبرونزيات.

ولمَّح رئيس صندوق تطوير «متحف إيدو» الفنان فيكتور إهيخامور، إلى أنّ المؤسسة قد تغيّر مسارها لتضم مزيداً من الفنون المعاصرة إذا ما عُرضت البرونزيات بصورة رئيسية في أماكن أخرى.

وأضاف أنّ الأطراف المعنية في نيجيريا قد يغلبها التجادل بشأن محل حدوث ذلك، إلا أنه ينبغي على الغرب عدم التدخّل في هذه الشؤون. وقال: «عالجوا مشاكلكم، وسنعالج مشاكلنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

متاحف مصرية لاستقبال كنز أثري «غارق»

يوميات الشرق جانب من المضبوطات الأثرية الغارقة (وزارة الداخلية)

متاحف مصرية لاستقبال كنز أثري «غارق»

أعلنت وزارة الداخلية المصرية عن ضبط 448 قطعة أثرية تعود للعصرين اليوناني والروماني بحوزة لصّين تحصّلا عليها عبر الغوص، وتم التحفظ على القطع المضبوطة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
علوم الماموث «إيانا» عمرها 50 ألف عام (رويترز)

روسيا تعرض بقايا ماموث محفوظة بشكل جيد عمرها 50 ألف سنة

عرضت روسيا، اليوم (الاثنين)، بقايا محفوظة بشكل جيد لماموث صغير عمرها 50 ألف عام، عُثر عليها خلال الصيف الفائت في أقصى الشمال الروسي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق القبقاب الذي تم العثور عليه عمره 500 عام (رويترز)

علماء آثار هولنديون يكتشفون قبقاباً نادراً عمره 500 عام

تشتهر هولندا عالمياً بأحذيتها الخشبية، لكن الاكتشاف النادر في الآونة الأخيرة لقبقاب عمره 500 عام بمدينة ألكمار أظهر مدى انتشار استخدام مثل هذه الأحذية بالماضي.

«الشرق الأوسط» (أمستردام)
سفر وسياحة رئيس بلدية روما روبرتو غوالتيري خلال حفل إعادة افتتاح النافورة الشهيرة (أ.ب)

نافورة تريفي في روما تستقبل زوارها بعد إعادة افتتاحها (صور)

أُعيد افتتاح نافورة تريفي الشهيرة رسمياً بعد أعمال تنظيف استمرت أسابيع، وقررت البلدية الحد من عدد الزوار إلى 400 في آن واحد.

«الشرق الأوسط» (روما)
المشرق العربي لقطة جوية تُظهر قلعة حلب (أ.ف.ب)

حلب «الشاهدة على التاريخ والمعارك» تستعد لنفض ركام الحرب عن تراثها (صور)

أتت المعارك في شوارع حلب والقصف الجويّ والصاروخي على كثير من معالم هذه المدينة المُدرجة على قائمة اليونيسكو، لا سيما بين عامي 2012 و2016.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تمديد عرض مسرحية «الباشا» بعد نجاحها في موسم الرياض

الفنان كريم عبد العزيز يقدم شخصية أبو المعاطي الباشا (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)
الفنان كريم عبد العزيز يقدم شخصية أبو المعاطي الباشا (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)
TT

تمديد عرض مسرحية «الباشا» بعد نجاحها في موسم الرياض

الفنان كريم عبد العزيز يقدم شخصية أبو المعاطي الباشا (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)
الفنان كريم عبد العزيز يقدم شخصية أبو المعاطي الباشا (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)

حظي العرض المسرحي «الباشا»، بطولة الفنان المصري كريم عبد العزيز بتفاعل «لافت»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتصدر «الترند» على منصة «إكس»، الجمعة، بعد بدء عرضه على مسرح بكر الشدي، بالعاصمة السعودية الرياض منذ 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وأعلن المستشار تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه بالسعودية، عبر منشور بصفحته الرسمية على منصة «فيسبوك» عن تمديد عرض المسرحية لأيام إضافية، وكتب: «نظراً للنجاح الكبير لمسرحية (الباشا) للنجم كريم عبد العزيز، وإخراج العزيز رامي إمام، سيتم تمديد العروض»، وسبق ذلك المنشور إشادته بالمسرحية، مؤكداً أنها «من أنجح المسرحيات في موسم الرياض».

وترصد مسرحية «الباشا»، التي تعرض برعاية الهيئة العامة للترفيه بالسعودية، تحديات الترابط العائلي في إطار اجتماعي كوميدي، كما تُعد المسرحية هي الثالثة في مشوار كريم عبد العزيز، والثانية له في فعاليات «موسم الرياض»، بعد مسرحية «السندباد» التي تم عرضها لأول مرة أواخر عام 2023، وأعادته للوقوف على خشبة المسرح بعد غياب ما يقرب من 22 عاماً منذ تقديمه مسرحية «حكيم عيون».

الملصق الترويجي لمسرحية «الباشا» (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)

وتدور أحداث مسرحية «الباشا» في إطار اجتماعي كوميدي تشويقي حول شخصية «أبو المعاطي الباشا»، وأسرته البسيطة؛ حيث يقيمون في غرفة متواضعة على سطح مبنى قديم، لكن حياتهم تتحول لشكل آخر بعد الانتقال للعيش في فيلا المليارديرة «ليلى الصياد»؛ حيث مظاهر الرفاهية.

ويشارك في بطولة المسرحية نخبة من النجوم، من بينهم هنا الزاهد، وويزو، وهيدي كرم، وحاتم صلاح، والطفل جان رامز، ومن تأليف أحمد سعد والي، وعلاء حسن، ومحمد صلاح خطاب، وإبراهيم صابر، وإخراج رامي إمام، وإنتاج آلاء الغزالي.

من جانبه، كشف المؤلف أحمد سعد والي، أحد المشاركين في كتابة نص المسرحية، عن كواليس اختيار الفكرة من قبل الفنان كريم عبد العزيز، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن المشروع بدأ من جانب المنتجة آلاء الغزالي، التي تواصلت معهم لكتابة معالجة لعرض مسرحي من بطولة كريم عبد العزيز، والذي يبحث منذ فترة كبيرة عن مشروع لافت بعد قراءته أفكاراً ومعالجات عدة، إلا أنها لم تنل إعجابه.

فريق مسرحية «الباشا» في لقطة من البرومو الترويجي للعرض (حساب المستشار تركي آل الشيخ بـ«فيسبوك»)

ويضيف والي أن «العمل مع كريم عبد العزيز تحدٍّ في حد ذاته»، موضحاً أنه «فنان يقرأ الفكرة ويبلورها في مخيلته، ويحكم عليها سواء بالسلب أو الإيجاب سريعاً، فقد أعجب بفكر (الباشا) فور عرضها عليه، واجتمع مع فريق الكتابة بحضور المخرج رامي إمام».

وعن صعوبات العرض، قال والي إن «العمل لم يكن به صعوبات بقدر ما كان يحمل في طياته كثيراً من التحديات لتقديم عمل يليق باسم كريم عبد العزيز ورامي إمام، لذلك اجتهدنا لتقديم سيناريو مختلف استحوذ على كثير من الوقت في الكتابة؛ للتركيز على التفاصيل ونحت الشخصيات المحيطة بشخصية (أبو المعاطي الباشا) بدقة عالية حتى لا تتشابه الشخصيات، خصوصاً أن الفكرة لا تدور حول (النجم الأوحد) فقط، بل العرض يضم نخبة من النجوم».

كريم عبد العزيز وهنا الزاهد في لقطة من مسرحية «الباشا» (إنستغرام)

وحرص فريق الكتابة على أن يأخذ كل دور وضعه ومساحته وتنوعه، لأن كل شخصية لها طريقتها في إضحاك الجمهور من منطق مختلف، حسب قول والي، الذي نوّه بأن ردود الفعل الإيجابية والإقبال الجماهيري وتصدر المسرحية (الترند) على مواقع التواصل وتمديد العرض يعكس نجاحاً، وهو «شعور يتملكهم منذ البدء في الكتابة بدقة وإتقان»، وفق قوله.