أكد رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في اتصال هاتفي مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الثلاثاء، «الثقة في منبر جدة» بما يقود إلى سلام مستدام.
وجاء في بيان صادر عن مجلس السيادة، أن البرهان أكد خلال الاتصال على ضرورة التزام قوات «الدعم السريع» بالخروج من المستشفيات والمراكز الخدمية ومنازل المواطنين، وإجلاء الجرحى وفتح مسارات تقديم المساعدات الإنسانية «حتى يحقق منبر جدة نجاحه».
وفي مطلع الأسبوع الحالي، دعت السعودية والولايات المتحدة، في بيان مشترك، الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» للاتفاق على وقف إطلاق نار جديد وتنفيذه بشكل فعال، بهدف وقف دائم للعمليات العسكرية.
وكان الوسيطان السعودي والأميركي قد أعلنا يوم الخميس الماضي تعليق مفاوضات وقف إطلاق النار في مدينة جدة، بسبب ما وصفاه بالانتهاكات الجسيمة والمستمرة من الطرفين لتعهدات وقف إطلاق النار في البلاد.
في هذا الوقت دارت معارك طاحنة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» في مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، وصفها مراقبون بـ«المعارك الفاصلة». ويسعى كل طرف إلى الحفاظ على مواقعه على الأرض، وتحقيق نصر عسكري كبير، استباقاً لضغوط دولية متوقعة للتوقيع على هدنة جديدة، في جدة بالسعودية، لوقفٍ لإطلاق النار يكون ملزماً للطرفين هذه المرة.
وفي موازاة القتال في الخرطوم، تشهد ثلاث ولايات في إقليم دارفور اقتتالاً مستمراً أسفر، بحسب الإحصاءات الأولية، عن مقتل عشرات المدنيين وإصابة آلاف منهم، ونزوح أعداد كبيرة إلى داخل البلاد وخارجها.
الجيش يكثف عملياته
وكثف الجيش السوداني عملياته العسكرية، مستخدماً الأسلحة الثقيلة والمشاة، لضرب المناطق التي دخلتها قوات «الدعم السريع» منذ اندلاع القتال في منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
ووفقاً لشهود عيان تحدثوا لــ«الشرق الأوسط»، تجري، لليوم الثالث على التوالي، مواجهات عنيفة في أحياء «امتداد ناصر وبري» شرق الخرطوم، المتاخمة مباشرة لمقر القيادة العامة للجيش السوداني.
وقال الشهود إن الأحياء تعرضت لقصف شديد بالأسلحة الثقيلة من قبل قوات الجيش و«الدعم السريع»، تسبب بتدمير العشرات من المنازل، وأسفر عن وقوع العديد من الإصابات وسط السكان بشظايا الأسلحة.
كما طال القصف المدفعي العديد من ضواحي مدينة أم درمان القديمة، التي تحتضن مبنى الإذاعة والتلفزيون القومي، ولا تزال قوات «الدعم السريع» موجودة فيها، على الرغم من المحاولات العديدة للجيش السوداني لتحرير المنطقة.
ولا تزال الاشتباكات تدور في الكثير من المناطق في شرق النيل، حيث يستهدف الجيش تجمعات قوات «الدعم السريع» التي تراجعت من بعض الأحياء.
وبحسب مصادر سياسية فضلت حجب هويتها، فإن التصعيد الميداني لطرفي القتال في هذا التوقيت يأتي لتحقيق أهداف عسكرية كبيرة. وفي هذا الإطار أتت المعارك التي دارت بين الطرفين في أحياء جنوب الخرطوم، والتي كان «الدعم السريع» يهدف منها إلى السيطرة على سلاح المدرعات، وكذلك الهجوم الكبير الذي شنه الجيش على معسكر «طيبة» في محاولة للاستيلاء على أكبر معسكرات «الدعم السريع» حالياً في الخرطوم.
وقالت المصادر إن الطرفين يتوقعان أن يتعرضا لضغوط أكبر في المباحثات الجارية في مدينة جدة السعودية، وخاصة بعد موقف الوساطة السعودية - الأميركية بتعليق المفاوضات لعدم جدية الطرفين في الالتزام بتنفيذ وقف إطلاق النار السابق الذي تم تجديده، بالإضافة إلى تزايد التنديدات الدولية والإقليمية بالانتهاكات التي ارتكبها الطرفان المتقاتلان بخرق الهدنة، واستمرار سقوط الضحايا وسط المدنيين العزل في مناطق الاشتباكات.
وختمت المصادر بقولها إن القوى الدولية ستواكب المباحثات الجارية، متوقعة أن تخرج بالتزام الطرفين بعدم خرق الهدنة المقبلة، التي ستفتح الباب لوقف دائم لإطلاق النار وتسهيل الترتيبات الإنسانية لإيصال المساعدات إلى المتضررين في كل أنحاء البلاد.
مناوي يعلن دارفور منطقة منكوبة
في موازاة ذلك، شهدت ولايات جنوب وسط وغرب وشمال دارفور، تدهوراً أمنياً وإنسانياً حاداً جراء القتال المستمر منذ اندلاع الحرب في الخرطوم. وبحسب مصادر عدة تحدثت إلى «الشرق الأوسط»، فإن الأوضاع متردية بسبب القتل الذي يتعرض له المدنيون من قبل المجموعات المسلحة.
وأفادت المصادر بأنه لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد القتلى والجرحى، لكن ولايتي غرب ووسط دارفور شهدتا موجات نزوح كبيرة للأهالي جراء الاقتتال، وانهارت كل الخدمات الأساسية، من صحة وكهرباء ومياه، منذ اندلاع المواجهات بين الجيش و«الدعم السريع» في الخرطوم.
وقالت مصادر محلية إن الأمن معدوم تماماً، ويعاني المواطنون من نقص كبير في الغذاء بعد مغادرة المنظمات العاملة في المجال الإنساني لتلك المناطق.
وأطلق نشطاء من الولايتين نداءات واستغاثات لتقديم العون الإنساني، ومنع انتشار القناصة وعصابات النهب التي تقتل المواطنين، مشيرين إلى أن آلاف الجرحى لا يجدون الرعاية الطبية جراء استمرار القتال.
وعاد الهدوء الحذر إلى مدينة «نيالا» عاصمة ولاية جنوب دارفور، بعد أكثر من أسبوعين من مواجهات عسكرية مستمرة بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، خلفت العديد من القتلى وسط المدنيين. ولا تزال المدينة تحبس أنفاسها تحسباً لتجدد القتال في أي وقت.
وتشهد مدينة «كتم» في ولاية شمال دارفور، لليوم الثالث على التوالي، معارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وعمليات نهب وسلب واسعة، وارتفع عدد القتلى أمس (الثلاثاء) إلى أكثر من 35، إضافة إلى مئات المصابين.
وأفاد مواطنون بأن الأوضاع الأمنية في المدينة في تدهور مستمر، وأن الآلاف من سكان المنطقة بدأوا ينزحون إلى مدينة «الفاشر»، بعد الاعتداءات الغاشمة على منازلهم من قبل مسلحين، مؤكدين أن عمليات النهب واستباحة المنازل مستمرة في المدينة، وأن المدنيين العزل يهربون في كل الاتجاهات للخروج من المنطقة.
وكانت قوات «الدعم السريع» أعلنت على صفحتها الرسمية في «فيسبوك»، السيطرة على الحامية العسكرية في مدينة «كتم»، وبثت تصويراً مسجلاً يؤكد ذلك، إلا أن الجيش دحض صحة هذه الأنباء، مؤكداً أن الحامية لا تزال تحت سيطرته.
وكان حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، أعلن الإقليم منطقة منكوبة، مندداً بالاقتتال الذي يدور في منطقة «كتم». وقال في تغريدة على «تويتر»، أمس، إن «إنسان (كتم) يتعرض لانتهاكات فظيعة»، كما حدث في مدينة «الجنينة».
وعبّر مناوي عن إدانته الشديدة لأعمال القتل والنهب التي تتعرض لها المدينة والمعسكرات حولها، مطالباً بإيصال المساعدات الإنسانية على وجه السرعة لإنقاذ سكان الإقليم.