وسط حالة من الركود الاقتصادي العالمي، تشهد البورصة المصرية وتيرة تراجع كبيرة استمرت للجلسة الثامنة على التوالي وسط عمليات بيع مُكثفة من المستثمرين الأجانب بالتزامن مع التراجعات في الأسواق الأوروبية والعربية، المدفوعة بهبوط السوق الصينية، الذي يعزز من المخاوف بشأن تباطؤ اقتصادي عالمي وشيك.
وتكبدت البورصة المصرية خسائر حادة بنهاية تعاملات أمس الأحد، بداية تعاملات الأسبوع، وسيطر اللون الأحمر على أداء غالبية الأسهم المدرجة، مما رفع خسائر رأس المال السوقي لتقترب من نحو 12 مليار جنيه خلال ساعة.
ويبدو أن تأثير الأوضاع السيئة التي يعاني منها الاقتصاد العالمي في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة والعربية على البورصة المصرية يتخطى بشكل كبير الأوضاع الداخلية في البلاد.
وأرجع محللون بسوق المال الهبوط الحاد في مؤشرات البورصة، لعدة أسباب، أهمها نقص السيولة في السوق المحلية، وقرارات التحفظ على أموال رجال أعمال، وتراجع أسعار النفط والتي هوت بمؤشرات البورصات العربية، إضافة إلى تراجع الشهادات الخاصة بالبنك التجاري الدولي في بورصة لندن، فضلاً عن الضغوط البيعية من جانب الأجانب والعرب نتيجة لتراجع بورصة الصين وما تلاها من تراجع في معظم الأسواق الأوروبية والأميركية.
وربط محللون ومتعاملون بين الخسائر خلال الفترة الماضية وما أثير مؤخرًا حول قوانين الضرائب المنتظر صدورها خلال أيام، وفقًا لتصريحات وزير المالية المصري، هاني قدري، الخميس الماضي، وخصوصا قانون ضريبة الأفراد وضريبة الأرباح الرأسمالية.
وأغلقت البورصة على تراجعات حادة في ختام جلسة الأحد لتصل إلى أدنى مستوياتها في 33 شهرًا، وخسر رأس المال السوقي نحو 15.46 مليار جنيه (197.6 مليون دولار)، بضغط من مبيعات الأفراد والمؤسسات المحلية والعربية. وهبط المؤشر الرئيسي «EGX 30»، الذي يقيس أداء أنشط ثلاثين شركة بالسوق، بنحو 5.42 في المائة بما يُعادل 388.54 نقطة، أكبر وتيرة تراجع منذ 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، ليتراجع إلى مستوى 6784 نقطة وهو أدنى مستوى منذ نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2013، أي ما يقرب من 20 شهرًا.
وتراجع مؤشر «EGX 50» متساوي الأوزان، بنسبة 5.89 في المائة ليُغلق عند مستوى 1204.51 نقطة. وخسر مؤشر الأسهم الصغيرة والمتوسطة «EGX 70»، ما يُعادل 6 في المائة، ليصل إلى مستوى 385.42 نقطة، فيما انخفض المؤشر الأوسع نطاقًا «EGX 100» بنسبة 4.31 في المائة، وصولاً إلى 825.63 نقطة.
وتتراجع مؤشرات البورصة وسط عمليات التصحيح على الأسهم القيادية، وبخاصة سهم البنك التجاري الدولي صاحب الوزن الأعلى بالمؤشر الرئيسي.
وتؤثر التراجعات الشديدة التي لحقت أيضًا بتحرك شهادات الإيداع الدولية على أداء البورصة المصرية، إذ أنهت شهادات غلوبال تليكوم تعاملات الأسبوع الماضي عند مستوى 1.45 دولار، بما يرجحها للتحرك بين مستويات 1.30 و1.60، فيما تراجع «التجاري الدولي» لمستوى 5.60 دولار، مرجحا تحركه الأسبوع الحالي بين 5.20 و5.90 دولار، وفقًا لتوقعات محمد الأعصر، رئيس قسم التحليل الفني ببنك الكويت الوطني للاستثمار بشمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وقال وليد هلال، مدير محافظ لدى شركة «المقطم» لتداول الأوراق المالية وعضو الجمعية المصرية للمحللين الفنيين، لـ«الشرق الأوسط»، إن السوق تتجاهل الإيجابيات داخل السوق المحلية وتُركز فقط على السلبيات المستوردة من الخارج.
فرغم انفراجة الاقتصاد المصري، بشكل نسبي، وسط افتتاح قناة السويس الجديدة، المُرتقب أن تُدر 100 مليار دولار سنويًا وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب، التي أكد فيها زيادة عدد السفن بنسبة 30 في المائة. إلا أن هذا كله لم ينعكس على أداء البورصة المصرية التي تشهد حالة من التراجع الحاد والنزيف المستمر لم يتوقف منذ شهور طويلة.
ووصف هلال، الهبوط الحالي بالبورصة المصرية بالمذبحة قائلاً: «الهبوط مدو وسحيق حيث فقد المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية «EGX30» نحو 1300 نقطة في 8 جلسات حمراء. وقال هلال إن البورصة المصرية لم تشهد هذا الهبوط المتواصل منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، متأثرة أيضًا بالأسواق العالمية. ويُدين هلال السلوك المعتاد للبورصة المصرية باتباع الأسواق العالمية في الأزمات دونما السير في الاتجاه نفسه في أوقات الصعود.
وينسب سيف الدين عوني، العضو المنتدب لشركة وديان لتداول الأوراق المالية، انهيار البورصة إلى الضغوط البيعية من جانب المستثمرين العرب والأجانب في الفترة الحالية، بالتزامن مع تراجع الأسهم ببورصة الصين التي قادت البورصة المصرية إلى التراجع. وأضاف عوني، في تصريحات صحافية، أن السوق تعاني في الفترة الحالية من نقص السيولة داخل السوق، مما يجعلها في حالة شلل تام، مؤكدًا أن الفترة الحالية ستشهد استمرارًا في تراجع جميع المؤشرات.
وأكد محمد جاب الله، مدير تداول بشركة «التوفيق» لتداول الأوراق المالية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن قرار التحفظ على أموال المعارضين للنظام كان بمثابة «القشة التي قسمت ظهر البعير».
وكان قرار تحويل شركة «النساجون الشرقيون» وهي من الشركات القيادية بالسوق، للنيابة العامة بتهمة الاحتكار، بمثابة صدمة للمستثمرين الذين نظروا إلى هذا القرار على أنه ملاحقة للمستثمرين بما يضر مناخ الاستثمار في البورصة المصرية.
ويأتي توقيت الإحالة بعد التحفظ على أموال رجل الأعمال صفوان ثابت، رئيس مجلس إدارة شركة «جهينة»، والذي يأتي على عكس استراتيجية الدولة بالبحث عن المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتحقيق معدل نمو جيد.
ويُلقي جاب الله، اللوم على الحكومة المصرية التي تتجاهل ما يحدث بالبورصة، قائلاً: «أولاً لا بد من توضيح الحكومة للمستثمرين بأن هبوط النفط في مصلحة الاقتصاد المصري وليس ضده، وثانيًا لا بد من إزالة اللغط حول قانون الضرائب الذي ما زال مُبهما، وثالثًا لا بد من التوعية بأن البورصة مرآة الاقتصاد وأداه فعالة في تمويل المشروعات».
وعلى جانب آخر، يرى خبراء أن الانهيار الكبير في أسعار النفط كان له دور في الدفع بمؤشرات البورصة المصرية إلى الهاوية.
وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 60 في المائة منذ يونيو (حزيران) 2014، ليتراجع سعر الخام الأميركي عن 40 دولارًا للبرميل، أدنى مستوى له في ست سنوات ونصف، بعدما قالت اليابان ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، إن اقتصادها انكمش في الربع الثاني من العام في حين استمر التباطؤ في الصين في التأثير على الثقة.
لكن مصطفى نمرة، المحلل الاقتصادي، يرى أن هبوط أسعار النفط عالميًا من المفترض أن يدعم صعود البورصة وليس العكس، ذلك لأنه سيخفف من فاتورة دعم الطاقة في الموازنة المصرية. فمع توفير 60 مليار جنيه من عجز الموازنة المصرية البالغة 240 مليار جنيه سيكون ذلك بمثابة تقليل من الخسائر السنوية بما يُدعم الاقتصاد المصري.
لكن التخوف من تأثير تراجع أسعار النفط على البورصة المصرية يأتي كنتيجة تابعة لتأثير انخفاض أسعار النفط على اقتصاد المملكة العربية السعودية والتي تعد أكبر مصدر لتحويلات العاملين المصريين بالخارج.
وفنيًا، يقول محمود سعد، المحلل الفني بأسواق المال العربية والسعودية: «يُتداول المؤشر العام للبورصة المصرية داخل اتجاه هابط على المدى القصير والمتوسط الذي تحققت قمته عند مستوى 10066 نقطة في فبراير (شباط) الماضي، ومن ثم بدأ الهبوط الذي كون نموذجًا سلبيًا قريبا من قمتين مزدوجتين».
وقال سعد، في إفادة لـ«الشرق الأوسط» إن المؤشر العام للبورصة يستهدف الوصول إلى 6550 بشكل مبدئي، كما أنه سيواجه في هذه المنطقة متوسط 200 أسبوع والذي سيمثل دعمًا قويًا بالنسبة للمؤشر. ويتوقع سعد، ظهور ارتداد مضاربي من هذه المناطق ومن ثم سنعاود الضغط على الهبوط مرة أخرى.
ويرى سعد، أن الفيصل في استمرار المؤشر العام باتجاهه الصاعد على المدى الطويل، الذي بدأه منذ أواخر عام 2011 عند نقطة 3578، بالحفاظ على نقطة 6000 التي تعتبر أهم دعم حقيقي سيواجه المؤشر العام خلال المرحلة المقبلة.
البورصة المصرية تشهد أكبر وتيرة تراجع في 33 شهرًا
محللون عزوه لنقص السيولة والتحفظ على أموال رجال أعمال وتراجع أسعار النفط
البورصة المصرية تشهد أكبر وتيرة تراجع في 33 شهرًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة